إقرار أمريكي وتذلل سعودي.. انها نهاية الحصانة!!
[حسن العمري]
"سنعزز جهودنا الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن، وهي حرب أنشأت كارثة إنسانية وإستراتيجية.. أن هذه الحرب يجب أن تنتهي.. تأكيدا على تصميمنا، فإننا ننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة"- من الخطاب الأول للرئيس الأمريكي الجديد "جو بايدن"، في مقر وزارة الخارجية حول السياسات الدولية لإدارته؛ مضيفاً: "أنني وجهت بإنهاء دور أمريكا في العمليات الهجومية في اليمن، إضافة الى صفقات الأسلحة المرتبطة بذلك لكل من السعودية والأمارات".. لافتاً أن أمريكا "ستصلح تحالفاتها وتتواصل مع العالم مرة أخرى"، في إشارة منه الى "الإهمال.. وإساءة استخدام" التحالفات الأمريكية خلال إدارة ترامب خاصة مع السعودية.
السلطات السعودية وخوفاً من تأزم الموقف تجاه سياستها العدوانية ضد الجيران والأقليم، كانت أول المسارعين لإبداء الولاء والطاعة لهذا لخطاب الصفعة معلنة ترحيبها ودعمها لدعوة الرئيس بايدن بإنهاء الحرب على اليمن ومشددة إلتزامها على "التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية"، كما رحب الحوثيين بالدعوة رغم شكوكهم حيث لا تؤتمن أمريكا على أقوالها والتاريخ شاهد على ذلك، معتبرين أنها قد تكون خطوة نحو إنهاء الحرب على شعب اليمن وأن تكون مقدمة لاتخاذ موقف قوي في مجلس الأمن لصالح وقف العدوان.. نحن نتفاءل بذلك".
صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية وفي ديسمبر الماضي، كشفت النقاب عن تفاصيل وثيقة تعود الى عام 1986، والتي تظهر فيها موقف بايدن الثابت من "إسرائيل" والسعودية خلال لقائه بالسفير الإسرائيلي في واشنطن، "مئير روزين" آنذاك، عندما كان ممثلا عن "ولاية ديلاوير" في مجلس الشيوخ الأمريكي وأعلن عزمه الترشح لرئاسة الولايات المتحدة؛ حيث كان "بايدن" ومنذ ذلك الوقت لا رغبة له للتعاون مع آل سعود ويعارض بشدة بيع الأسلحة والطائرات للرياض، حيث كشفت الوثيقة التي أعدها "يوسف لمدان" المسؤول عن العلاقات مع الكونغرس في حينها، أن "الرجل يتبنى الموقف عينه منذ الثمانينيات القرن الماضي".
بايدن خلال حملاته الانتخابية، انتقد مراراَ وتكراراً سلمان بن عبدالعزيز ونجله والأسرة السعودية الحاكمة لسبب ملقها الجحيم الأسود الملطخ بدماء انتهاكات حقوق الانسان السعودي والعربي، وتعهد بإعادة تقييم العلاقة بين واشنطن والرياض. منتقداً بشدة سياسة الإدارة الأمريكية خلال عهد سلفه "دونالد ترامب" والتي لا تتوافق تصريحاتها مع أفعالها حيث كانت تغطي وتدعم الجاني والقاتل والمجرم والإرهابي في إشارة الى دعم ترامب لـ "محمد بن سلمان" بخصوص قضية مقتل الصحفي "جمال الخاشقجي" والعدوان على اليمن؛ مشدداً إن على واشنطن أن تكون صديقة للجميع بصورة متساوية.صحيفة "وال ستريت جورنال الأمريكية" هو الآخرى كشفت النقاب عن سياسة العصا الغليظة التي سيتخذها الرئيس الأمريكي الجديد بايدن تجاه سلمان ونجله الأرعن، مستندة بذلك للوثيقة التي نشرت تفاصيلها الصحيفة الإسرائيلية، الى أن بايدن قال للسفير الإسرائيلي إن "السعودية ليست سوى مجموعة من 500 أمير وعائلاتهم.. والولايات المتحدة أرتكبت خطأ قاتلا في مطلع الثمانينيات عندما دفعت بتوحيد القوى في المنطقة الخليجية، وهو ما تسبب في نقل مركز الثقل في العلاقات من صديقة الولايات المتحدة وهي "إسرائيل" الى أطراف أخرى مثل السعودية، مبديا عن عدم رضاه الشديد من كل الدعم الذي يحصل عليه آل سعود من قبل واشنطن.
بايدن وخلال حملاته الإنتخابية كان يصر على اعلانه عدم الرضاء من العلاقة الوثيقة القائمة بين واشنطن والرياض فيما الأخير ضمن سجل أكبر قاتلي للأطفال في العالم فيما يخص العدوان على اليمن وفق وثائق الأمم المتحدة التي تم أرشفتها بفعل الكم الهائل من رشاوى البترودولار للأمين العام للمنظمة الدولية السابق والحالي، حيث قال في مطلع نوفمبر 2019: "أود أن أوضح أننا لن نبيع في الواقع المزيد من الأسلحة للسعودية، بل سنجعلهم يدفعون الثمن.. وسنحاسبهم على قتل الصحفي جمال خاشقجي، الجريمة التي قالت وكالة الاستخبارات الأميركية إن ولي العهد محمد بن سلمان، هو من أمر بها".
العدوان على اليمن وقضية مقتل خاشقجي وحقوق الإنسان السعودي، كل ذلك لن يزعج سلمان ونجله حيث الأمور محسومة من وجهة نظرهما بحفنة مئات مليارات الدولارات في اطار صفقات ومشاريع مع الحليف الراعي كما حصل مع السلف ترامب رغم تعنت بايدن في هذا الأمر لكنه في النهاية ربما سيخضع لرغبة المجانين دعماً لاقتصاد الولايات المتحدة المتأزم في ظل جائحة كوفيد 19 التي لا تزال تشكل الخطر الأكبر عالميا، لكن ما أزعج وأرعب قصر اليمامة ومن حوله هو رؤوية الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن وإدارته تجاه ايران ودورها الإقليمي التي أركعت ترامب بكل تعنته وجبروته ووجهت له عدة صفعات مؤلمة عسكرياً وسياسياً من قصفها للقوات الأمريكية في قاعدة "عين الأسد" في العراق الى قرارات المحكمة الدولية وغيرها.
قائد القيادة الوسطى في القوات الأمريكية الجنرال "كينيث ماكينزي" وخلال زيارته الأولى الى "الشرق الأوسط" منذ تنصيب الرئيس بايدن، حيث زار ميناء "ينبع" على البحر الأحمر، ومدرجي طائرات منطقتي تبوك والطائف، وكذا تفقده لعدة قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة الغربية من السعودية؛ كشف للصحفيين المرافقين له بقوله "إن مياه الخليج ستكون منطقة نزاع في ظل أي صراع مسلح مع ايران، وبالتالي ينبغي النظر الى أماكن أخرى بعيدة لإدخال القوات الى مسرح العمليات..."، ما يعني الإعتراف رسمياً بالقوة العسكرية الايرانية وتمكنها من إلحاق الخسائر الكبيرة بالقوات الأمريكية المتمركزة حالياً في المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، مضيفاً "لسنا بصدد النزاع العسكري مع ايران.. لكن هذه إحتياطات يجب أخذها بنظر الإعتبار!!".
التصريحات هذه إن دلت على شيء فانها تدل على سقوط المنطقة الخليجية وبحر عمان عسكرياً بين ايران، لذا لابد من تغيير في السياسة الشرق الأوسطية للبيت الأبيض ونزع فتيل الحرب أو أي صدام عسكري محتمل مع طهران، وعلى القوات الأمريكية أخذ موقع الدفاع بدلاً من الهجوم في المستقبل وفق تصريحات ماكينزي وهو ما يؤكد أسباب سحب حاملة الطائرات الأمريكية الاستراتيجية "يو إس أس نيميتز" مع مجموعتها من السفن الحربية من المياه الخليجية وعودتها الى الديار، ومن قبلها حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس ثيودور روزفلت" والتي عادت الى قاعدة "سان دييجو" البحرية التي تقع في ولاية كاليفورنيا قبل ذلك، وفق ما أعلنه المتحدث باسم البنتاغون "جون كيربي" قبل يومين.
المراقبون للشأن السعودي يؤكدون قرب انتهاء الحصانة الأمريكية التي ينعم بها سلمان وولي عهده، خاصة وأن مجلس النواب الأمريكي اعلن يوم أمس ضرورة رفع الإدارة الأمريكية السرية التقرير الاستخباري السري حول قضيّة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الى الكونغرس، وذلك ضمن مشروع قرار قدمه رئيس لجنة الاستخبارات في المجلس "آدم شيف" تحت مسمى "قانون جمال خاشقجي لمحاسبة حرية الصحافة" بهدف تشديد الضغط على كل من السعودية والرئيس الأمريكي لمحاسبة القتلة وفق إدعاءاته الخطابية خلال حملاته الانتخابية قبل دخوله البيت الأبيض، مشدداً لقد حان الوقت للمقاضاة الجناة.
مجلة "فورين بوليسي" وفي بحث أعده الباحث "جون سباكابان" إعادة التذكير بما قاله الرئيس بايدن خلال حملته الانتخابية مطالبة إياه تنفيذ وعوده مع القتلة والمسؤولين عن الحرب على اليمن، وإنهاء حصانة محمد بن سلمان التي كان يتمتع بحصانة في عهد الرئيس السابق ترامب، بعدما أقنعه بأن السعودية "مستعدة لشراء أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات، ومعارضة إيران والتواصل مع إسرائيل"؛ وتزامن ذلك مع دعوة البيت الأبيض الرياض الى تحسين سجلّها في مجال حقوق الإنسان بما في ذلك الإفراج عن السجناء السياسيين.
ارسال التعليق