الإعلام الرسمي السعودي يعزف مزامير التطبيع بعد إيعاز "بن سلمان"
[حسن العمري]
* حسن العمري
بات من السذاجة السياسية بمكان أن يراوح المراقب أو المتابع السياسي لما يجري في المنطقة الخليجية بخصوص الهرولة المسرعة نحو التطبيع مع كيان العدو الصهيوني خاصة النظام السعودي ومنذ بداية العهد السلماني عندما قطع الحفيد المضي قدما نحو تكميل ما قدمه جده عبد العزيز ببيع فلسطين وقضيتها دون رجعة وانهاء القضية الفلسطينية قضية الأمة الاسلامية والعربية، أخذ على عاتقه التحرر من كل قيود التبعية تحرير اولى القبلتين وبلاد المعراج فكان قرار تجريم مساعدة المقاومة الفلسطينية ثم اعتقالات بالجملة قيادات ومواطنين فلسطينيين مقيمين في بلاد الوحي والتنزيل كعربون وفاء بأنه مستعد لتقديم الغالي والنفيس للمحتل الغاصب مهما كلف ذلك ثمناً فـ"الولد على سر جده".
دلائل وقرائن اوضح من سطوع الشمس في أيام الصيف اللاهبة تدل على العلاقة السعودية - الإسرائيلية المتطورة والحميمية على مختلف الصعد خاصة الأمنية منها والعسكرية، وتعدى الأمر أكثر من علاقة ليصل الى ''التحالف السعودي - الإسرائيلي" ضد المقاومة الفلسطينية ومن يدعمها في المنطقة، ليقود محمد بن سلمان حروبا بالوكالة ضد هذا البلد وذاك ابتدأها بالحرب على اليمن قبل حوالي ثماني سنوات؛ وتجاوز آل سعود الوقاحة كثيراً في قضية التطبيع مع العدو الاسرائيلي بدفعهم البحرين ثم السودان نحو ذلك، حيث سددت الرياض فاتورة ذلك الباهظة فيما البعض من السذج لا يزال منشغلاً في موازنة معادلات النفي أو الإثبات وكلا الطرفين يعترفون ذلك بالعلن.
وسائل إعلام إسرائيلية نقلت وبالحرف الواحد عن الوزير السعودي عادل الجبير قوله أن "العلاقات السعودية الإسرائيلية تتجه نحو التطبيع"، مضيفة أن محمد بن سلمان قد قدم مطالب مقابل إحراز تقدّم كلها موجهة الى الادارة الأمريكية وليست الى تل أبيب وفق وثائق رسمية للبيت الأبيض كانت أولى نتائجها دعم بايدن له في قضية قتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول التركية عام 2018 والتي رفعتها ضده خطيبة الضحية خديجة جنكيز وجمعيته "داون" (الديمقراطية للعالم العربي الآن)، ليعلن القاضي الفيدرالي الأميركي رفضه الدعوى القضائية باتهام ولي العهد السعودي بالضلوع في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، بالرغم من أن الدعوى تضمنت حججاً "قوية" و"جديرة بالتقدير"؛ معللاً ذلك بطلب رسمي من البيت الأبيض "عدم البت في القضية ورفضها".
كتب حاييم وايزمان أول رئيس لكيان العدو الصهيوني في مذكراته، ''إن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا قال له: أريد أن أرى ابن سعود سيداً على الشرق الأوسط وكبيراً كِبَر هذا الشرق، على أن يتفق معكم أولاً يا مستر حاييم ، ومتى تم هذا، عليكم أن تأخذوا ما تريدون منه... إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول، والمشروع الثاني من بعده هو إنشاء «إسرائيل» بواسطته''.. أي أن الاستعمار البريطاني الخبيث كان ومنذ بداية القرن الماضي يدبر أمر إقامة الكيان الاسرائيلي على أرض فلسطين الغالية الأتيان بآل سعود هؤلاء البدو للسلطة وتمكينهم من حكم بلاد الحجاز بكاملها لتكون سلطتهم حجر الأساس والداعم الرئيس في إقامة «إسرائيل» على أرض فلسطين ليشكلا أخطر قوة ضد الأمة العربية والاسلامية ويسعون معاً نحو تمزيقها وتفتيتها خدمة لمشروع "الإسلاموفوبيا" الذي بدأ بوادره نهاية القرن الماضي بتشكيل المجموعات الإرهابية المسلحة.
وسائل الإعلام الاسرائيلية كشفت بوضوح أن "القضية الفلسطينية لم تذكر في قائمة المطالب السعودية الى واشنطن" بل العكس تم التأكيد وفق الوثائق الرسمية على استعداد محمد بن سلمان الإعلان عن التطبيع وإقامة العلاقات مع اسرائيل دون تأخير؛ ونقلت عن مسؤولين سعوديين كبار: أن "التطبيع مع إسرائيل ليس سوى مسألة وقت"..
أطلّ رئيس حكومة العدو الصهيوني المكلّف "بنيامين نتنياهو" عبر قناة "العربية" السعودية الرسمية، متحدّثًا عن التطبيع القادم بين الرياض وتل أبيب بقوله: هناك "مبادرة سلام جديدة تهدف إلى إقامة سلام تاريخي رائع مع السعودية.. أعتقد أنه يمكن أن يكون لدينا مبادرة سلام جديدة ستشكل نقلة نوعية لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي نهاية المطاف، الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وبالطبع، أنا أشير إلى ما يمكن أن يكون سلامًا تاريخيًا رائعًا حقًا مع المملكة العربية السعودية..السلام مع السعودية سيغير منطقتنا بطرق لا يمكن تصورها"؛ وهو ما يدلل على أنه لم يعد هناك حرج لظهور مسؤولين للعدو الاسرائيلي على قنوات سعودية رسمية يؤكد سير قطار عملية التطبيع بسرعة فاقة التصور ويكشف زيف مسلسل الأكاذيب الذي يسوقه المسؤولون السعوديون عن عدم تشريع العلاقات مع الاحتلال حتى الآن، ولا سيّما بعد دخول عشرات الصهاينة الى المملكة وحصول لقاءات بين الجانبين في أكثر من مناسبة خاصة مع سلمان نجله.
باحثون ومحققون في القضية الفلسطينية نشروا مرارا وثائق تعود الى الأرشيف البريطاني والأرشيف العبري، من بين المستندات التي توضح علاقة عبدالعزيز بالحركة الصهيونية وثيقتان تاريخيتان محفوظتان في الأرشيف البريطاني تحت رقم CO 733/443/18 وCO 733/443/19، تعودان الى عام 1943.. خلاصة الوثيقتين أن مؤسس المملكة السعودية دخل في مفاوضات سريّة لجهة بيع فلسطين مقابل 20 مليون جنيه، وقد كان صاحب الاقتراح الأكاديمي والمتخصص في الشؤون العربية هاري سانت جون فيلي، فيما جرت المفاوضات السرية بين عبد العزيز ومستشاره جون فيلبي من جهة، وبين حاييم وايزمان (رئيس الوكالة اليهودية في فلسطين آنذاك)، والكولونيل هوسكنز (المبعوث الخاص للرئيس الأميركي روزفلت إلى الشرق الأوسط)، وروزفلت نفسه أيضاً.
ما ينكشف اليوم هو استمرارية لما أسس له عبد العزيز وأن ما يفعله “ابن سلمان” الآن له جذور وآثار تمتد لجده المؤسس وليس وليد اللحظة، حيث مظاهر التحالف السعودي - الاسرائيلي لا يثبت فقط حقيقة قيام آل سعود ودورهم المؤثر الموكل إليهم في دعم إقامة الكيان الصهيوني فحسب، بل يثبت أيضاً تاريخه القديم والمديد منذ قيام هذا الكيان عام 1948 أي منذ الموافقة السعودية المكتوبة والدامغة على إقامة دولة ''اليهود المساكين'' في فلسطين!.. " لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما تراه بريطانيا، التي لا أخرج عن رأيها ( يعني طاعتها) حتى تصبح الساعة!"- في وثيقة كتبها بخط يده متعهداً بذلك الى المندوب البريطاني في الشرق الأوسط آنذاك السير “بيرسي كوكس” سنة 1915، أي حتى قبل وعد بلفور.
آخرون برروا إكمال محمد بن سلمان مسيرة جده عبدالعزيز في بيع فلسطين للصهاينة المحتلين جذورهم اليهودية وفق ما أفصح عنه الرئيس الثاني للكيان الاسرائيلي المحتل “إسحاق بن تسفي” في كتابه ((القبائل المُبعثرة)) والذي ألفه بالعبرية وترجمه الى الإنكليزية اليهودي “إسحاق عبادي” وأصدرته دار نشر يهودية في أمريكا عام 1957م، وأعيد طبعه مرة ثانية عام 1961م، كما تُرجم الكتاب الى الفرنسية في نهاية خمسينات العقد الخامس من القرن المنصرم؛ يقول فيه ويوضح "هناك طوائف دينية لا تزال تعتبر نفسها جزءاً من بني إسرائيل، وأعضاء هذه الطوائف - رغم اختلاف أسلوبهم عن مجموعة الشعب اليهودي - استمرّوا على إقامة شعائر الدين اليهودي، ومن هؤلاء طائفة السامريين الذين يعتنقون صراحة الدين الموسوي، ومنهم طائفة هامّة أخرى هي طائفة (آل سعود) الوهابية وهي مسلمة في الظاهر إلا أنها تقيم سراً الشعائر اليهودية" الصفحة 232 من الكتاب.
ارسال التعليق