الإمارات.. وتدخلاتها بالشأن العراقي الداخلي!؟ القسم الثاني
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي..
في قسم الأول تحدثنا عن تدخلات الإمارات في الشأن العراقي الداخلي، سيما نشاطها الأخير على خط الاحتجاجات الشعبية، ومحاولة استغلالها من أجل تحقيق أهداف يطمح إليها الكيان الصهيوني وأمريكا، في العراق، حيث أصبحت الإمارات رأس حربة الأجندات الأمريكية الصهيونية في العراق، وقلنا إن الامريكان والصهاينة قرروا أن يكون النظام في العراق على شاكلة الأنظمة العميلة، مثل النظام الإماراتي والسعودي ومن لف لفهما، ولتحقيق هذا الأمر نفذت هذه المؤامرة أو هذا المخطط الخطير الذي نعيش تفاصيله ومحطاته اليوم في بغداد وباقي بعض المدن الجنوبية، والذي تلعب فيه الأمارات دوراً محورياً، من أجل المجيء بنظام يخدم المصلحة الأمريكية الصهيونية، لأن الامريكان والصهاينة يريدون الساحة العراقية ساحة مواجهة مع إيران بشكل عام، وبالتالي لابد من قطع العلاقات بين البلدين إيران والعراق، والقضاء على ما يسمونه " النفوذ الإيراني في العراق".. والذي هو في الواقع التواصل الجغرافي والتاريخي والعقائدي بين الشعبين وحتى المذهبي، فبحكم انتماء الأكثرية في البلدين إلى المذهب الشيعي فهناك تزاور وتبادل الزايارات للأماكن المقدسة لدى البلدين، وهناك وشائج وأواصر اجتماعية وحتى عشائرية بحكم الجوار وبحكم هذا الانتماء المذهبي.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الانتصار الذي حققه العراق بجيشه على داعش وقبل ذلك على زمر الإرهاب والتكفيريين الذين زرعتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبدعم من السعودية ودول خليجية أخرى، وبغطاء ديني من علماء الوهابية السعوديين.. هذا الانتصار نقل العراق من مرحلة إلى مرحلة جديدة، إذ بدأ العدو يتوجس خيفة سيما من القوة العراقية المتنامية والمترامية الذي باتت ضاربة ليس في العراق فحسب بل في كل المنطقة ويحسب لها ألف حساب، وقد عبر المسؤولون الصهاينة وعلى رأسهم نتنياهو مراراً وتكراراً عن قلقهم من هذه القوة العراقية المتنامية التي يتهمونها ظلما وعدواناً، بأنها " الذراع الإيراني" على حد زعمهم!! ولذلك انصب الجهد الصهيوني والأمريكي منذ بروز هذه القوة الشعبية بعد قضاءها والجيش العراقي على داعش، على حل هذه القوة وتفكيكها على غزار ما فعله بول بريمر بالجيش العراقي، للتخلص من خطرها وتهديدها للكيان الصهيوني، وسخرّ عملاء أمريكا في المنطقة ومنهم الإماراتيون بالطبع كل إعلامهم وتحركهم السياسي في إطار هذا الجهد الأمريكي الصهيوني المشار إليه، لأن الجيش العراقي بات عائقا كبيراً أمام الإرادتين الأمريكية والصهيونية في جعل العراق ساحة مواجهة مع إيران ومحورها، ومنطلقاً للمشروع على أن كل تلكم الضغوط الأمريكية وضغوط حلفائها الإماراتيين والسعوديين باءت بالفشل، إذ قاوم العراقيون تلك الضغوط وحافظوا على قوتهم، ليس هذا وحسب، وإنما زرع اليأس والإحباط في نفوس أمريكا وعملائها فكان البديل أمريكي هو تفجير الساحات العراقية بالمظاهرات والاحتجاجات التي أعدت لها هي وعملاؤها اعداداً مسبقاً كما أشار أحد الزعماء العراقيين في تصريح له لقناة الميادين، قبل شهرين من تفجر المظاهرات في بغداد وفي المحافظات الشيعية، ان هناك مخطط ينتظر العراق في 1/10/2019 لقلب الطاولة على العملية السياسية برمتها في العراق، التي هي أمريكا من ساهم في صناعة وإرساء أسسها الطائفية والمحاصصية، من خلال إدخال العراق في فوضى عارمة، وهو ما حصل فعلاً، وبالتالي محاولتهم لتوظيف هذه الفوضى في تحقيق أهدافهم من خلال الأساليب التالية، والتي برز فيها الدور الإماراتي بشكل جلي وواضح ومنها ما يلي:
1ـ فرض رئيس وزراء موالٍ للولايات المتحدة، ويلبي ما يُملى عليه من سياسات وأوامر أمريكية وصهيونية، وعلى رأسها بالطبع تفكيك وإضعاف هذا الجيش، وتسريح الأكثرية منه!
2ـ محاولة الدفع بإثارة الفتنة بين المكونات الشيعية بطريقة وأخرى، تغذية هذه الفتنة إلى درجة تفجير الساحة الشيعية بحرب شيعية- شيعية لاستنزاف كل الأطراف الشيعية والاستفراد بها والقضاء عليها وجعلها تحت السيطرة، وأيضاً إخضاعها للمستعمر الأمريكي، وتوظيفها بالشكل الذي يخدم أهدافه ومشاريعه في العراق والمنطقة.
3ـ توظيف هذه الفوضى، بما توفره من شروط مناسبة للتحرك الامريكي المباشر ولتحرك عملائها في خارج العراق كالإماراتيين وفي داخل العراق من السياسيين العراقيين والإعلاميين أيضاً، توظيف هذه الفوضى في تحقيق الحلم الصهيوني القديم الجديد والمتمثل بتقسيم العراق إلى دويلات متطاحنة على أسس طائفية وعرقية! وهو المشروع الذي أسس له نظريا واستراتيجيا بن غوريون مؤسس العدو الصهيوني، ثم موشه شاريت.. وتبناه صهاينة الامريكان مثل برنارد لويس وهنري كسينجر وجورج بوش الأبن وغيرهم.. وحتى ترامب، ذلك أن مشروع التقسيم والتجزئة للوطن العربي والإسلامي بات معروفاً للمتابعين والمفكرين في المنطقة والعالم، بل إن أمريكا خطت لتحقيقه بدءاً بالعراق عندما قررت غزو هذا البلد عام 2003، وما يؤكد ذلك، كتاب غراهام فولر أحد كبار المنظرين في مؤسسة (راند) الأمريكية التابعة لوزارة الدفاع، وهي المؤسسة التي تنظر للجيش الأمريكي بتنفيذ تنظيراتها وبرامجها التي تضعها لدول الشرق الأوسط، كما حصل للجزائر بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية في بداية عقد التسعينات، وانقلاب الجيش الجزائري على نتائج الانتخابات بإيحاء من أمريكا وفرنسا، وإغراق البلاد في فوضى عارمة وقتل راح ضحيته الآلاف من الأبرياء من الشعب الجزائري، وعلى مدى سنوات، حتى جاءت الخطة التي وضعها غراهام فولر نفسه، لإخراج الجزائر من مستنقع الفوضى، وفعلاً قامت أمريكا بتبني هذه الخطة والمجيء بعبدالعزيز بوتفليقة، فعادت الجزائر إلى مسارها السابق، وتم إبعادها عن سيطرة الإسلاميين فيها.. فغراهام فولر، توقع في كتابه أن يجري تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية تشمل المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الأكثرية الشيعية وعاصمتها نصف بغداد أو محافظة أخرى، وسنية، وكردية تضم المحافظات الكردية بالإضافة إلى كركوك، وتوقع فول أن يتم التقسيم أو يبدأ العمل باتجاه تنفيذه في العام 2002م.
وفي الحقيقة أن أمريكا وعملائها تحركوا بكل هذه الاتجاهات، وليس باتجاه واحد دون الاتجاهين الآخرين، إنما التحرك على كل الأصعدة، وفيما أشرنا إلى الدور الإماراتي في إطار التحرك على مستوى الاتجاهين الأولين، ونوهنا إلى الدعم المالي ومحاولة الانقلاب، التي حاولت الأمارات القيام بها في خضم هذه الفوضى، وذلك في القسم الأول من هذه المقالة، فأننا سنركز في حديثنا هنا على قضية التقسيم، نظراً لأنها تشكل تحدياً خطيراً وجدياً لوحدة العراق، ولأن هناك أجندة كثيرة إقليمية ومحلية عراقية تتحرك بهذا الاتجاه، ولعل العملاء المحليون هم أخطر من الامريكان أنفسهم على العراق وعلى مستقبله فضلا عن الإماراتيين والسعوديين.
على أي حال.. يقول الخبراء أو أغلبهم، أن تحركات الأمريكان وعملائهم تجري باتجاه الدفع نحو تقزيم العراق وتقسيمه، وفي هذا السياق يقول الخبير العسكري العراقي والرئيس السابق لمديرية الاستخبارات العسكرية العامة في العراق وفيق للسامرائي في منشور له على فيسبوك اليوم الروسي في 24آب 2019، وتعليقاً على استهداف الكيان الصهيوني لبعض مواقع الجيش العراقي تحوي صواريخ، بعيد عن المنطق السليم.." وأضاف..ان " الطرفين اللذين يريدان تقسيم العراق، هما" إسرائيل " وهدفها استراتيجي حيث يخدم مصالحها طبقا لمخلفات الصراع ورؤية أطراف فيها، والعراق أهم من أصدقاء محكوم مستقبلهم بالفشل. أما الطرف الثاني، فهو مسعود البارزاني وغايته وهدفه الابديان والانفصال وهو لا ينفي طموحه الانفصالي. وحتى رسالته الأخيرة بمناسبة تأسيس حزبه، لم أجد كلمة العراق فيها".
وفي الحقيقة أن الرجل من أكثر الرموز والشخصيات العراقية الكردية تحمساً للانفصال عن الجسم العراقي، ولعلّ ما عزز لديه هذا التوجه هو الدعم الصهيوني الأمريكي والدعم الاماراتي السعودي، الذي سنركز عليه في الجزء الأخير في هذه المقالة بإذن الله.
ارسال التعليق