الدوافع الخفية للصفقة الدفاعية الأمريكية السعودية.. إنهاء فلسطين
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
"للولايات المتحدة والسعودية مصلحة ثنائية راسخة في توقيع معاهدة دفاع مشترك، وتوقيع اتفاقية تتيح للمملكة تطوير برنامج نووي مستقل.. لكن هذا الأمر رغم ضرورته لكلا الطرفين لن يتم دون توقيع الرياض معاهدة تطبيع مع تل أبيب حيث الأمر رهينة في قبضة الأخيرة.. أن البعض يتعامل مع مسألة اتفاقية التطبيع بين «إسرائيل» والسعودية على أنها مكافأة لطفل عنيد يرفض تناوُل دواء مرّ. فلو تم توقيع هذه الاتفاقية، فإنها ستشكل خطوة مفصلية فعلاً، وستخدم المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية، وتستكمل الاعتراف بها وبحاجاتها الأمنية في العالم العربي، وتفتح في وجهها أبواباً اقتصادية غير مسبوقة، بحسب التوصيفات المتفائلة.. ربما تفتح الباب أمام العديد من الدول الإسلامية، مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان، وغيرها على سبيل المثال" – وفق ما كتبه "تسفي برئيل" المحلل الأمني العسكري في صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية.. ما يعني أن حلم محمد بن سلمان الذي يتشدق به ذبابه الإلكتروني منذ فترة طويلة رهن موافقة "نتنياهو".
"أعمل مع الدول العربية المستعدة لإعادة إعمار (DFM:EMAA) غزة والمساعدة في الانتقال إلى حل الدولتين (وهي كل من السعودية والإمارات وقطر)، في أعقاب الحرب بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و«إسرائيل».. واشنطن لن تزود تل أبيب بأنواع محددة من الأسلحة في حال شنت هجوما على مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وأكد أن القنابل التي قدمتها أمريكا لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين في غزة!!" - خلال مقابلة أجرتها معه شبكة "سي إن إن" الإخبارية قبل أيام.. وهو ما كذبه مقال "يوسي يهوشع" الصحفي الإسرائيلي ومراسل لشؤون الجيش والأمن في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، حيث كتب يؤكد أنه ليس بمقدور «إسرائيل» بناء قوتها لحرب إقليمية أو حتى مع غزة دون الاعتماد بشكل كبير جدا على دعم الأمريكان، حيث أن أكثر من 370 طائرة و65 سفينة مساعدات أمريكية وصلت الى «إسرائيل» حتى الأسبوع الماضي" والأمر متواصل حتى لحظة كتابة هذه السطور وفق مراقبين دوليين.
مراقبون دوليون اكدوا ان الادارة الامريكية تمكنت بنجاح من إقناع ولي العهد محمد بن سلمان، أنه من مصلحته الذهاب في اتجاه السلام مع الكيان الاسرائيلي فهو الطريق الوحيد لتحقيق احلامه في اعتلاء العرش بانقلاب على سائر أعضاء الأسرة الحاكمة.. اتفاق سيبقى حبراً على ورق يطبل له الذباب الإلكتروني بقيادة كوشنر وأل الشيخ دون تحقيق على أرض الواقع.. الصفقة الدفاعية الأمنية العسكرية الامريكية - السعودية تخدم الرئيس الامريكي "بايدن" قبل غيره كثيراً، تحقق له مكاسب سياسية كبيرة في الداخل الأمريكي في إطار الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر من جهة وخارجياً كداعم أساسي لمجازر الكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين العزل في غزة والأراضي المحتلة حيث عشرات آلاف الشهداء غالبيتهم من الأطفال والنساء، بذريعة حفظ أمن واستقرار دويلة الاحتلال - وفق اعترافه - وهروب "نتنياهو" من العقاب والمحاكمة والمساءلة.
يكذبون في اعلامهم بالقول أن الصفقة الأمريكية السعودية تقترب معتبرين أنها "اتفاق تاريخي" بين الحليفين الاستراتيجيين بعيداً عن ضلعها الثالث "نتنياهو"، فيما الحقيقة تجافي ذلك حيث أن أمامها عقبات كبيرة وهو ما كشف عنه مستشار الأمن القومي الأميركي "جايك سوليفان" بحزم ووضوح دون لبس فيه خلال حديثه لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية قبل أيام، أن "شرط واشنطن المُتمثِل بإتمام صفقة التطبيع بين السعودية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، مقابل موافقتها على اتفاق دفاعي مع الرياض.. لا يُمكن فصل قطعة واحدة عن القطع الأخرى"، نافياً الاقتراحات الأخيرة التي تحدّثَت عن النظر في "الصفقة" بين أميركا والسعودية، في حال رفضَت تل أبيب تقديم تنازلات للفلسطينيين، أيّ تحرُك نحو ما سُمّيَ بـ"حَلّ الدولتَيْن".. ما هذا الاستجداء السعودي مقابل الشرط المقبول مُسبَقاً،إلّا خضوع ووَهْن يسلبا ماء وجه ولي العهد محمد بن سلمان- وفق الفايننشال تايمز.
وكالة "بلومبرغ" نقلت عن مصادر مطلعة طلبت عدم الكشف عن هوياتها، أن المفاوضات الأمريكية السعودية الإسرائيلية تسارعت في الأسابيع الأخيرة.. من المحتمل أن تعيد هذه الصفقة تشكيل الشرق الأوسط، بتعزيز أمن الكيان الإسرائيلي أولاً ثم تعزيز موقف الولايات المتحدة في المنطقة على حساب إيران وحتى الصين"، مما تجبر السعودية الحد من استخدام التكنولوجيا الصينية في الشبكات الحساسة في البلاد مقابل الحصول على استثمارات أميركية كبيرة والمساعدة في بناء "برنامج نووي مدني"، إن وافق الكونغرس الأمريكي الذي يقف سداً منيعاً أمام حصول الرياض على أي التزام من واشنطن بحمايتها عسكرياً في ظل حكم "بن سلمان" وهو أمر صعب على البيت الأبيض و"بايدن" تعهد خلال حملته الانتخابية الأولى أنه سيجعلها "بلداً منبوذاً".. فيما السعودية في سبات عميق بخصوص إذا كان الرئيس السابق "دونالد ترامب" سيقبل توقيع الصفقة إذا فاز في انتخابات نوفمبر، وهي قد أقدمت على الاعتراف بدويلة الكيان الاسرائيلي دون مقابل يذكر.. إنها خطة "كوشنر" الشيطانية.
صحيفة “الغارديان” البريطانية نشرت قبل أيام أن السعودية تضغط من أجل تطبيق “الخطة البديلة” (لا تكون تل أبيب شريك فيها وهو ما نفاه مستشار الأمن القومي الأمريكي "سوليفان" جملة وتفصيلاً كما أوضحنا آنفاً)، حيث قامت الرياض وواشنطن بموجبها بصوغ رزمة اتفاقيات للتعاون الأمني والتكنولوجي، بحيث تشكل جزءاً من برنامج أوسع يشمل التطبيع مع «إسرائيل».. رغم رفض نتنياهو العنيد وقف إطلاق النار في غزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو يستعد للإجهاز على رفح براً وبحراً وجواً بمجزرة لا مثيل لها في التاريخ سيكون محمد بن سلمان ومعلمه محمد بن زايد وتميم قطر الاضلاع الخليجية إلى جانب مصر والأردن والمغرب في ارتكابها.. تزامناً مع ذلك ادعى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إن الاتفاق "قريب جدا جدا".. أنه استكمال مسار التطبيع الخياني المذل بين الكيان العبري ودول عربية منها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
الصفقة الأمريكية السعودية المزمع عقدها والمضي فيها رغم انها سراب لا أكثر منوط بإنقاذ الكيان الإسرائيلي من وحل مستنقع غزة وأنها ما يسمى بالقضية الفلسطينية "قضية الأمة" عبر مشاركة خليجية عربية في قوات حفظ أمن واستقرار الدويلة العبرية من المقاومة الفلسطينية ونزع سلاح الأخيرة وتشكيل سلطة بقيادة شخص جديد لن يكون لأبو مازن ولا حماس دوراً فيها، وهو ما كشفت عنه صحيفة “فايننشال تايمز” بقولها "إن الدول العربية تقبلت فكرة إرسال قوات حفظ سلام لغزة والضفة الغربية في وقت يحاولون تطوير خطة قابلة للحياة لما بعد الحرب بإنشاء دولة فلسطينية.. وكانت تل أبيب قد أبلغت برغبتها هذه في مرحلة ما بعد الحرب- وفق رويترز.. وكان "دحلان" المستشار السابق لرئيس السلطة الفلسطينية "أبو مازن"، كشف خلال حوار مع صحيفة "نيويورك تايمز" عن وجود خطة تقوم بموجبها «إسرائيل» وحماس بتسليم السلطة إلى زعيم فلسطيني جديد ومستقل يمكنه إعادة بناء غزة تحت حماية قوة حفظ سلام عربية؛ وافق عليها مسؤولين من 6 دول عربية اجتمعوا في السعودية قبل أسبوعين.
المسؤولون الأمريكيون متخوفون جداً من "التوسع الصيني الروسي الإيراني" في المنطقة الخليجية كثيراً وهو ما دفعهم إبلاغ نظرائهم السعوديين أنهم بحاجة الى الاختيار بين هذا وذاك، على سبيل المثال بخصوص التكنولوجيا الصينية والأميركية، ومخاوف الأخيرة من أن دولا مثل السعودية أو الإمارات يمكن أن تكون بمثابة قنوات لبكين للوصول للتكنولوجيا التي تُمنع شركاتها من شرائها من الولايات المتحدة؛ وهو ما فعلته واشنطن مع الإمارات حيث أجبرت شركة الذكاء الاصطناعي G42 ومقرها أبوظبي التخلص من التكنولوجيا الصينية، مقابل استمرار الوصول الى الأنظمة الأميركية التي تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومهدت هذه الاتفاقية الطريق لاستثمار شركة مايكروسوفت الأميركية مبلغ 1.5 مليار دولار في G42- وفق "بلومبرغ".
ارسال التعليق