"السعودية" وأوهام الإنجاز في لبنان
[-----------------------]
بقلم عبد الرحمن آل هاشم
يحاول السفير السعودي في بيروت وليد البخاري أن يسوق لإنتصار حققته "المملكة" في ضوء نتائج الإنتخابات التشريعية الاخيرة. فالرجل تحرك ميدانيا وتجاوز كل الخطوط الحمر وضرب بعرض الحائط الاعراف الدبلوماسية، وكأنها معركة مصير يتم فيها الزج بكل الأسلحة حتى المحرمة منها.
كان الرجل قد عاد الى لبنان من بوابة مواكبة الاستحقاق النيابي، وبدأ التحضير لغزوته الإنتخابات منذ ذلك الإفطار الشهير الذي دعى إليه عددا من السياسيين الحلفاء ووزاء داخلية ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية المعنية. لم يكتفِ "البخاري" بالضخ المالي وشراء الذمم، بل تدخل في وضع اللوائح ونسّق الشعار الأساس الذي اعتمدته المكونات الحليفة للسعودية من قوى تقليدية او من مرشحي قوى التغيير و"السياديين" الجدد في حملتهم الإنتخابية، بل ان رجل "السعودية" وجد غطاءً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي اعتبر أنّ السفير السعودي صار جزءا من النسيج اللبناني ووجوده أساسي في الانتخابات.
وقف "البخاري" منتشيا في لقاء حاشد في دارته باليرزة، وذلك بمناسبة ذكرى استشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، ليزف لهذا الأخير نتائج الإنتخابات المشرفة و"سقوط رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية" حسب تعبيره.
ما تفوه به السفير السعودي، وبمعزل عن طابعه التحريضي والفتنوي، ومضمونه الذي يمثل تجاوزا على السيادة اللبنانية وتعديا بحق أحزاب لبنانية وجمهورها وإمتدادها الطائفي ، فإنه وعند التأمل فيه يكشف عن مغالطة كبرى، فحملة "البخاري" الإنتخابية المعززة بملايير الدولارات لم يكن هدفها الأساسي هو مجرد إقصاء شخصيات ليس لها تأثير كبير في رسم السياسات اللبنانية كرئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال ارسلان ووئام وهاب وفيصل كرامي وايلي الفرزلي، وهم في الأصل من الداعين لأفضل العلاقات مع الرياض. علما أن السعودية خسرت فرسها الاول في لبنان بعد تنحية الحريري؛ فؤاد السنيورة ومعه مصطفى علوش والعديد من المرشحين الذين عارضوا سعد الحريري ووقفوا مع الرياض، بل كان الهدف الاستراتيجي هو قلب المشهد الانتخابي وترجيح كفة اللوائح المناوئة للمقاومة ولسلاحها لتحقيق أغلبية نيابية تضغط على المقاومة وتحاصرها سياسيا ويكون ذلك توطئة لحسم الاستحقاق الرئاسي القادم لصالح زعيم القوات اللبنانية "سمير جعجع" رجل السعودية و(إسرائيل)، ليكتمل بذلك الإنقلاب السياسي الدستوري على المقاومة بما يفتح رأس جسر للتدخل الدولي في لبنان لنزع سلاح المقاومة باعتباره سلاحا لا يحضى بأي شرعية دستورية.
لكن كل رهانات السعودية تبدو خائبة، فنتائج الانتخابات أظهرت أن حصة المقاومة لم تتراجع، وإن خسرت بعض حلفائها بسبب المال الانتخابي وبعض الاخطاء التكتيكية، كما أن حاضنة المقاومة الشعبية والعابرة للطوائف تعبأت واعتبرت الاستحقاق الانتخابي بمثابة إستفتاء على المقاومة وسلاحها، وبذلك كانت كتلة الأصوات الداعمة للمقاومة هي الأعلى وبفارق معتبر عن الكتل المعادية للمقاومة وفي مقدمتها حزب القوات اللبنانية.
منذ 4 تشرين الثاني 2017، تاريخ خطاب الاستقالة المتلفز من الرياض، بعد احتجاز الرئيس سعد الحريري، و"السعودية" تتخبط في سياستها تجاه لبنان، والتي اختزِلت في هدف أساسي «مواجهة النفوذ الإيراني» في المنطقة. جهل "السعودية" أو تجاهلها لقوة المقاومة وانغراسها في النسيج الوطني اللبناني، جعلها تضحي برمز السنة السياسي في لبنان الرئيس سعد الحريري، والذي رفض عن إدراك لخطورة مآلات الدخول في مواجهة مباشرة مع المقاومة وهو من يعلم أن التضاريس السياسية، والطائفية، في لبنان أكثر تعقيداً من أن تدار من المقصورة الملكية. ثامر السبهان مهندس فكرة إعتقال سعد الحريري وإجباره على الإستقالة لم يفلح في إنجاح مخطط تنصيب بهاء الحريري بديلاً من أخيه لقابليته خوض لعبة النار ولعبة الدم، ولم تسعفه شبكة المتعاونين من سياسيين وإعلاميين ورجال دين في لبنان ممن انشقوا عن الحريري، والتي انفق عليها أموالا طائلة، في تثبيت واقع جديد داخل تيار المستقبل وداخل الطائفة السنية خاصة بعد الضغوط الدولية التي واجهها النظام السعودي والتي أفضت إلى عودة الحريري مع نقاط سياسية كبيرة في حسابات كل من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" لدورهما الحاسم في تحريره وعودته.
لا نقول أن "السعودية" خسرت الرهان مرة أخرى، فإن رهانها كان خاسرا منذ البداية. لكنها اليوم تبدو وقد تكرست خسارتها للطائفة السنية الكريمة. فـ"السعودية" أهانت الطائفة حين اعتقلت ونكّلت برئيس الحكومة سعد الحريري، وهي تخسر عندما أطلقت العنان لصحافتها لتصفيته معنويا وسياسيا بكل تلك اللغة المنفلتة كما في مقالة جريدة عكاظ، وهي تخسر عندما توظف بالمال الوفير ماكينة القوات اللبنانية وتفرض "سمير جعجع" المسيحي وقاتل الرئيس "رشيد كرامي" زعيما على سنة لبنان، لدرجة أن يُسقط المال الإنتخابي مرشحا يمثل وريثا لـ"كرامي" في طرابلس لفائدة المرشح القواتي. والسعودية تخسر أكثر وهي الضالعة في حصار وتجويع الشعب اللبناني وإذلاله. وهي تخسر بعدم مد اليد لفقراء طرابلس والبقاع وصيدا.
ولعل المملكة تدرك تبدّد أرصدتها، لذلك فإن دورها الخطير في المستقبل وبعد الفشل في رهان الإنتخابات النيابية سيكون رهان التعطيل ورفع منسوب التوترات والصدامات لإدخال لبنان قي أجواء الحرب الأهلية التي تتجنبها المقاومة التي لها من الوعي والقدرة والحكمة ما يدفع شرها عن لبنان واللبنانيين.
وأخيرا وجب التنويه إلى أنّ العملية الإنتخابية لم تتأثر بالسلاح برغم تهويلات الحملات الإنتخابية للخصوم ومعها تحريض وسائل الإعلام السعودي، وتمت في ظروف سلمية ومنضبطة، وكادت لتكون مثالية لولا تحركات "البخاري" وأكياس الدولار التي اشترى بها حق التدخل في اللوائح الانتخابية لحلفاء بلاده وصبها بإسراف في الماكينات الانتخابية المناوئة للمقاومة ولسلاحها. وسيكتب التاريخ أن سفيرا سعوديا احتفى؛ وفق أوهامه؛ بإنتصار الصناديق في حين أن بلاده لا عهد لها بأية تقاليد ديمقراطية ولا يُسمع فيها حسيسا للإرادة الشعبية.
ارسال التعليق