الوهّابيّة السعودية بين خطاب الداخل وخطاب الخارج
[عبد الرحمن الهاشمي]
لم يكن مفاجئا ولا مستغربا إستنكاف هيئة كبارالعلماء السعودية عن إبداء الرأي الشرعي في حفلات المجون والفجور التي شهدها "مهرجان الرياض" والذي تمادى الفسق بالقيميين عليه حدّ إهانة الكعبة المشرفة عبر تجسيدها بالهندسة الضوئية على منصة حفل خليع وراقص. وهكذا جاءت الإدانات على الإقتراف الشنيع والصادم من هيئات دينية خارج مملكة الظلام وليس من داخلها.
نقول لم يكن الموقف مفاجئا لأن المؤسسة الدينية الوهابية وعبر هيئة كبار العلماء دعمت ومن منظور الشرع كما تزعم، رؤية محمد بن سلمان 2030 ورات فيها انها منضبطة مع المصالح الوطنية وتحافظ في روحها على القيم الاسلامية، مشددة ؛ أي الهيئة؛ على ان تحقيق التنمية والتطوير يتماشى مع الشريعة الاسلامية اذا روعي فيه الالتزام بالثوابت الدينية. وان كانت الهيئة قد أبدت تحفظات محتشمة على المتضمن الترفيهي في "الرؤية"، فإنها دعت إلى معالجة هذه الإنزلاقات المحتملة بما يتوافق مع الشريعة، أي بما لا يؤدي إلى التصادم مع ولي الأمر وسلطته وأجهزة حكمه، حتى لو كانت الرؤية المراهقة للأمير تشتمل على عملية تغريب للمجتمع وسلخه عن هويته وتديّنه، بل تجب طاعته والامتثال لأمره والقبول بالمعنى الذي يعطيه للدين لأن الخروج عليه أو الاختلاف معه هو الكفر ودونه القتل!
في إطار إعادة هيكلة المؤسسة الدينية الحليف التاريخي لآل سعود منذ صفقة الدرعية عام 1744 بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، وضبط وظائفها داخليا وخارجيا، أقدم محمد بن سلمان صيف العام 2017، على حملة اعتقالات شملت مجموعة من الدعاة المشهورين ووجهت إليهم تهما مختلفة، وقضت بسجن بعضهم سنوات طويلة، لم يفرج إلا عن قلّة منهم، ثم كان قرار إلغاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وكان هدف إلغاء الهيئة كمقدمة لفتح الطريق أمام "هيئة الترفيه" التي أسندت إلى "تركي آل الشيخ" عام 2018 إذ لم يكن بإمكانها أن تباشر عملها في ظلّ المراقبة اللصيقة من قِبَل المطاوعة للسلوك الشخصي للرعايا (السعوديين) حتى لا نقول للمواطنين.
فمنذ اللقاء الذي جمع الملك عبد العزيز ال سعود والرئيس الامريكي فرانكلين رووفلت عام 1945 على متن البارجة الأمريكية "يو اس اس كوينسي" لم يعد التحالف بين الحكم السعودي والمؤسسة الدينية الوهابية قائما على نشر العقيدة الصحيحة المبنية على القرآن والسنة النبوية، فقد كان ذلك اللقاء إيذانا بانخراط (السعودية) في المشاريع الأمريكية بالمنطقة، وهو ما رتب دورا جديدا على المؤسسة الدينية السعودية تمثل في نشر الفكر الوهابي المتزمت لمواجهة المد الشيوعي ومنع الاتحاد السوفييتي من كسب نفوذ في العالم الإسلامي . كل ذلك خدمة للنفود الامريكي وتزكية للهيمنة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي زمن الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفييتي.
وأما على عهد المتهور محمد بن سلمان ومع وضوح ما يطمح إليه من تغيير قسري لقيم وملامح مجتمع الجزيرة العربية ومن عبث ببنية مجتمع تقليدي محافط ومن ترسيخ أسس هندسة اجتماعية جديدة تتقوّم ب"السّعودة" كبعد هويّاتي أساسي ومتقدم على الإنتماء الديني والعربي بما يخدم متطلّبات "رؤية 2030"، وأيضاً بما يتيح خلق عصبية وطنية في وجه «الأعداء» المفترضين القابلين للتعيين عند مفرق الضرورات التي يطلبها الغرب من النظام السعودي، فإنّ المؤسسة الدينية تتكيف مع هذه الوظيفة الجديدة عبر التبرير الديني وبإيجاد تأصيل شرعي للترفيه على طريقة الداعية السعودي (الشيخ) عادل الكلباني، إمام الحرم المكي السابق، الذي زعم في أكثر من مناسبة، منها ظهوره في برنامجه "بين بين"، إلى أن الغناء والرقص يمكن أن يكونا جائزين في الإسلام، ليّا لبعض الأحداث التاريخية التي –حسب تدليسه- تضمنت أشكالاً من الاحتفال في عهد النبي محمد (ًص). كما أكد أنه غيّر رأيه من حرمة الغناء إلى جوازه داعيا المجتمع إلى "الوسطية" وتجنب التشدد في الدين، معتبرا أن هناك مغالاة في رفض الفنون من قبل بعض الفئات الدينية!
وإذا كانت المؤسسة الدينية لها قابلية الإندراج في دور المحلل والمشرعن لأكبر عملية تغريب تمارس على مجتمع الجزيرة العربية تحت مسمى "الترفيه"، فإنّ الحكم السعودي يوظف هذه المؤسسة خارج كيانه على مسارين أساسيين، المسار الأول عبر ضرب فكرة المقاومة وتسخيف دورها وربطها بإيران، ومقولة "يا أبا عبيدة جاهد بالسنن" مثال على هذا التوجه، واستطرادا تبرير التطبيع والصلح مع الكيان الصهيوني وإيجاد التغطية الشرعية لذلك بالإفتراء على الله ورسوله (ص)، والمسار الثاني يتلخص بالعمل على تأجيج الفتنة المذهبية وإدامة حالة الفرقة بين المسلمين ونشر ثقافة التكفير والكراهية وقمع كل تعبيرات التفكير العقلاني في أوساط الأمة الإسلامية.
من قلب مملكة الظلام التي لم تسمح بتظاهرة واحدة لدعم غزة وتنديدا بالمجازر التي يقترفها جيش الإحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الأعزل والمستضعف يطلع صوت أحد المشايخ يفتي بحرمة التظاهرات " فلا نفع ولا خير في مظاهرات في بلاد المسلمين يختلط فيها الحابل بالنابل ويقع فيها ما لايرضي الله عزّ وجلّ من اجتماع الرجال والنساء ويسمع فيها كلام غير جائز" !
إنه دين (المجدد) بن سلمان، وحيث المظاهرات الداعمة لفلسطين ولبنان محرمة لأن فيها اختلاط بين النساء والرجال ومن الكلام الذي لا يجوز، بينما حفل جينفر لوبيز الداعر ترويح على النفس وترفيه حلال اتسم بالفصل بين الجنسين وساده الخشوع والإنضباط وسمت فيه الأرواح مع موسيقى روحية. يالموازين الشيطانية!!
ارسال التعليق