بعد تخريبها اتفاق السلام بين #السعودية و #الحوثيين .. ما خيارات #واشنطن في #اليمن
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي
منذ أن أرغمت الإدارة الأمريكية نظام بن سلمان السعودي على الانقلاب على تفاهماته وتوافقاته التي توصل إليها مع أنصار الله قبل حوالي ثلاثة أشهر، وكان من المقرر التوقيع عليها في عيد الفطر المبارك الماضي وإنهاء الحرب والحصار على الشعب اليمني وانسحاب العدوان و القوات السعودية خصوصاً من الأراضي اليمنية... منذ ذلك الوقت والحديث الأمريكي يتواتر حول تجزية اليمن، فجملة " ذاناشنال انتريست" الأمريكية قالت "إنها فرصة على الرئيس بايدن اغتنامها وان إحياء الحدود بين الشمال والجنوب يصب في مصلحة واشنطن".. وأضافت المجلة إنه يجب أن تدعم الولايات المتحدة استقلال جنوب اليمن!! الأمر الذي جعل رئيس تحرير موقع " يافع نيوز" ياسر اليافعي المؤيد للانفصال ، والجنوبي، جعله يندفع إلى التصريح على منصة تويتر بأن " فك ارتباط الجنوب وإعلان الدولة الجنوبية صار رغبة إقليمية ودولية"!!
و بشكل متزامن تقريباً مع ما نشرته المجلة المذكورة، نشر المركز الأمريكي للدراسات (ACSYS) في31/مايو2023 تقريراً مفصلاً تحت عنوان " توحيد اليمن مشروع وطني فاشل تاريخياً "!! تحدث هذا التقرير مفصلاً عن تأريخ الجنوب منذ سيطرة الاستعمار البريطاني عليه عام 1839..و عن ثورة 14 اكتوبر1963 وحتى تحقيق الاستقلال للجنوب في 30 نوفمبر 1967م وإعلان دولة الجنوب... كما تناول التقرير مراحل بناء وتأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (دولة الجنوب) ونظام الحكم فيها، معرضاً " الوجه المشرق" إذا جاز التعبير لمراحل الانفصال من حيث الازدهار وبناء المؤسسات وتطور التعليم، والتقدم الثقافي ومغادرة خنادق القبلية إلى التمدن والتحضر وما إلى ذلك، وبعكس ذلك عرض التقرير مراحل التوحيد بين الشطرين على أنها فترات مظلمة، فترات تخلف وتدمير مؤسسات الدولة، والتراجع على كل الصعد والحروب أيضاً... لينتهي إلى نتيجة أن توحيد اليمن تجربة فاشلة تاريخياً، محاولاً أي التقرير حشر الأدلة لتدعيم هذه الرؤية!! وأخطر ما جاء في التقرير هو التحريض الواضح لأبناء الجنوب لمقاتلة إخوانهم في الشمال لأنهم " امتداد للأمامة المتخلفة"!! وان خضوعهم للشمال سيعيد عليهم ويلات الماضي!! أكثر من ذلك ان نائب السفير الأمريكي في اليمن الدكتور نبيل خوري قال في تصريحات له في 18يونيو،ان اليمن ذاهب إلى التقسيم، مشيراً إلى أن الجنوب يعمل على بناء دولته المستقلة!! وأضاف نائب السفير الأمريكي السابق " ان الوحدة اليمنية يجب أن تكون مرضية لجميع الأطراف أولا تكون، مضيفاً أن العودة إلى يمن موحد في الوقت الحالي أصبح صعباً للغاية" وأشار خوري إلى " أن الجنوب اليوم يأخذ مبادرات باتجاه بناء دولة جنوبية مستقلة عن الشمال، مؤكداً أن الوضع الحالي لم يتغير في الجنوب وان الانتقالي بات اليوم أمراً واقعاً".. واختتم المسؤول الأمريكي حديثه بان الحرب اليمنية تتجه إلى تقسيم البلد وانتهاء الوحدة، مؤكداً أن الجنوب يعمل من أجل قيام دولته المستقلة، ما يعني ذلك تبنياً أمريكياً لهذا المشروع، على أن الاميركان لم يكتفوا بهذا التبني الرسمي لعملية تجزئة اليمن إلى شمال وجنوب فحسب، وإنما دفعوا عملائهم السعوديين والإماراتيين إلى الترويج الإعلامي بل والتحرك على الأرض اليمنية، لإقناع الرأي العام اليمني بهذا المشروع وللبدء به على أرض الواقع!!
الترويج الإماراتي السعودي لتقسيم اليمن!
ما أن تنبت أمريكا هذا الخيار، حتى سارعت أوساط دول العدوان السعودي الإماراتي ومرتزقتهم إلى الترويج لهذا الخيار بشكل لافت من أجل تهيئة الرأي العام، في اليمن وفي خارج اليمن، فعلى خلفية التحركات والنشاطات السياسية والعسكرية التي قام بها مرتزقة السعودية والأمارات في المحافظات الجنوبية لليمن، في الأسابيع الأخيرة، أكد السياسي والخبير العسكري السعودي القريب من البلاط الملكي السعودي، العميد أحمد القرني، أن الجنوبيين في طريقهم إلى الاستقلال واستعادة دولتهم بعد فشل الوحدة مع اليمن الشمالي.. وقال القرني في تغريدة على موقع تويتر في 27/5/2023 " كمحلل محايد" ليس له مصلحة لم أرَ دولة الجنوب الاتحادية تتبلور ميدانياً مثل ما أراها اليوم، وفقاً لعدة مؤشرات منها:
- تصريحات العليمي بموافقته على المشروع الجنوبي.
- النشاط المكثف للحوار الجنوبي- الجنوبي والوصول لمسودة مشروع
- توافق على الخطوط العريضة لمشروع لعيدروس الزبيدي والبحسني وبن ماضي.
- زيارة عيدروس للرياض.
- نجاح الحوثي في فرض أمر واقع في الشمال و" إدراكه بان الجنوب خط أحمر".." وأضاف " أقول هنيئاً للجنوبيين ولادة الدولة"!! وهذا الرجل كما أشرنا ليس محايد " رغم ادعائه، إنما هو ينقل رؤية النظام السعودي حرفياً.. ولا أستبعد ان النظام كلفه بالتصريح بهذه الرؤية لتسويقها لتدجين الرأي العام اليمني، ولقياس ردة فعله تجاه هذا الأمر.. من جهته مستشار الحاكم الإماراتي محمد بن زايد والمقرب منه الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، هو الآخر غرد على تويتر قبل يوم من تغريدة الخبير السعودي المشار إليه، حول تقسيم اليمن، بل اعتبر هذا التقسيم مفروغ منه وبقي اسم دولة الجنوب!! كما جاء في تغريدته حيث قال بعد ما وضع صورة لدولة جنوب اليمن وعلم لها " أيهما الاسم الأنسب للدولة الفيدرالية المستقلة القادمة، دولة حضرموت العربية المتحدة أم دولة الجنوب العربي. ومن الجدير الإشارة إلى أن تغريدة الدكتور عبد الخالق عبد الله جاءت بعد يومين من زيارة رئيس مجلس القيادة أو ما يسمى برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي لابوظبي ولقائه رئيس الأمارات محمد بن زايد آل نهيان. كما جاءت التغريدة بعد أيام من كشف رئيس المجلس الانتقالي ( الانفصالي ) في جنوب اليمن عيدروس الزبيدي عن ثلاثة خيارات مطروحة لتسمية ما سماها الدولة القادمة في الجنوب. وقال الزبيدي ان هناك الخيارات المطروحة هي الجنوب العربي، ودولة حضرموت، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية! ما يعني كل ذلك ان ثمة تنسيق بين السعودية والإمارات وبين مرتزقتهما في هذا الشأن، ويعني أيضاً ان هؤلاء قطعوا شوطاً كبيراً في المجال، كما تعكسه وسائل الإعلام السعودية والإماراتية التي تحدثت كثيراً عن التقسيم وتجزئة اليمن، خلال الأسابيع المنصرمة! ولأن الموضوع بات جدياً فإن أنصار الله هددوا دول العدوان بأن تقسيم اليمن من الخطوط الحمر، كما طرحوا معادلة وحدة اليمن، مقابل وحدة الدولة السعودية، أكثر من ذلك أن شخصيات من المرتزقة عبروا صراحة عن قلقهم وخوفهم من التحرك الأخير لاميركا ولدول العدوان، والهادف إلى تمزيق الجغرافيا اليمنية، فعلى سبيل المثال أكد نائب رئيس النواب الموالي للتحالف عبد العزيز جباري في مقابلة تلفزيونية مع قناة " بلقيس" اليمنية أن " هناك مؤامرة من قبل التحالف ممثلاً بالسعودية والأمارات لتشطير اليمن وتجزئته وتقسيمه" مضيفاً:" ان المؤامرة بدأت من خلال إقصاء عبدربه منصور هادي من السلطة واختيار نخبة تعمل من أجل التقسيم، يقصد المجلس الرئاسي"! وفضح جباري قيادات المرتزقة من الموالين للسعودية والموالين للإمارات قائلاً" لدينا وضع شاذ وغير مسبوق في العالم.. هل من الممكن أو هل يتصور الانسان ان من وضعهم على رأس هذه السلطة هم أنفسهم من يسعون إلى تقسيم البلد والى شرذمته ويعملون من أجل هذا ويصرحون من أجله"! وفيما اعتبر جباري هذا الأمر خيانة عظمى وفق الدستور اليمني فأنه دعا إلى محاكمة العليمي وباقي القيادات الساعية والعاملة على تقسيم اليمن بتهمة الخيانة العظمى!! في السياق ذاته حذر الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد في مقال له نشرته بعض المواقع الالكترونية اليمنية من أن تحالف العدوان السعودي -الإماراتي يقوم بتنفيذ مخطط تجزئة اليمن إلى شطرين أو أكثر والى إشعال حرب جنوبية شمالية طويلة الأمد! والى ذلك فأن وزير الخارجية اليمني الأسبق أبو بكر القربي هو الآخر تحدث بذعر عن التغيرات في تصريحات ومواقف ومبعوثي الدول الراعية للحل في اليمن، ومن أبرزها أمريكا وفرنسا وبريطانيا بالإضافة إلى خبراء مراكز أبحاث غربية، والتي باتت تطرح قضية الجنوب، وبكل وضوح باعتبارها بوابة الحل للأزمة اليمنية، متبنية خيار ان " استقلال الجنوب" هو الخيار الوحيد للحل في المرحلة المقبلة!! وقال القربي: " إن التوجهات الخارجية الأخيرة توحي بتخلي الرعاة عن أهم مبدأ تؤكده قرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية، وهو الحفاظ على وحدة اليمن" متسائلا: " هل تخلي الدول الراعية عن وحدة اليمن سيليه التخلي عن سيادته على أراضيه؟ واصفاً تلك التطورات بأنها خطرة تهدد الحل السلمي وتصعد الصراع!
أما لماذا تتجه أمريكا وحلفاؤها وأدواتها من دول العدوان ومرتزقتها اليمنيين إلى هذا الخيار؟؟ فلأنهم وصلوا إلى قناعة بأنه بات من المستحيل إلحاق الهزيمة العسكرية بانصار الله، في ضوء الوقائع الميدانية في الجبهات وفي ضوء فشل كل المحاولات العسكرية والاقتصادية والتجويع والحصار والفتن الاجتماعية والتشويه الإعلامي للأنصار، بل على العكس، ازدادت قوتهم وازداد الشعب التفافاً وتأييداً لهم...
وفي الحقيقة فأن تجزئة اليمن إلى جنوب وشمال تعتبر مقدمة لمشروع خطير يراد تنفيذه، لأن بقاء أنصار الله أقوياء وفي حالة تطور يعني تهديداً لاحتلالهم للجنوب ونهبهم للثروات والسيطرة على الموانئ والممرات المائية، التي تشكل أهدافا استراتيجية لأمريكا وحلفائها وأدواتها، وشن العدوان من أجلها، لذلك لابد من استنزاف مستمر لانصار الله، ولأبناء الجنوب، في حرب طاحنة طويلة الامد، تستنزف الطرفين وتضمن للمحتلين فترة بقاء طويلة وتصرفاً مأموناً بمقدرات اليمن!! فهل يعي الجنوبيون هذا الخطر؟ وهل يسمح الشعب اليمني بشماله وجنوبه بهذا السيناريو!؟ في ظل الوعي الذي يتحلى به هذا الشعب والويلات التي ألمت به طوال المدة الماضية جراء الاحتلالين البريطاني والأمريكي القديم والجديد ، لا نتوقع أن يسمح بذلك، وسيعتبر هذا المشروع ويلحقه بالمشاريع السابقة التي أفشلها والحق الهزيمة بالمحتلين.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق