بن سلمان ... ومآلات التحول الثقافي المتدرج في مملكة آل سعود
[عبد العزيز المكي]
لقد صار أمراً مألوفاً للأسف، تواتر أخبار النشاطات (الثقافية) غير المألوفة أو الدخيلة على عادات وتقاليد ومعتقدات المجتمع الإسلامي في المملكة السعودية! ... فبين الحين والآخر تطل علينا وسائل الإعلام الغربية والعربية، وحتى وسائل إعلام النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان ، تطل علينا محتفلة ومبتهجة بما تسميه نشاط ثقافي جديد يرعاه "قسم الترفيه"
بالمملكة برئاسة المقرب جداً من بن سلمان، تركي آل الشيخ، ومشيدة بالانفتاح والتطور الثقافي الذي حققته المملكة وبهذه السرعة المتعاظمة بقيادة هذا الثنائي الانفتاحي تركي آل الشيخ، ومحمد بن سلمان !! فعلى سبيل المثال لا الحصر، " تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو فجر موجة جدل للفنانة اللبنانية مريام فارس الى جانب فنان العرب " محمد عبده " أثناء حفل جوائز " جوي اواردز Joy Awards » في المملكة العربية السعودية.. واقيم حفل توزيع جوائز صناع الترفية جوي اواردز 20/1/2024، وهو النسخة الرابعة من جوائز صناع الترفيه التي تقدمها الهيئة العامة للترفية في السعودية ، ضمن فعاليات موسم الرياض.. وظهر محمد عبده في الفيديو المتداول وهو يعانق مريام التي بدت مرتدية فستاناً أسود يكشف عن جزء من صدرها وكتفيها، ويجسد مفاتنها الأخرى بشكل فاضح ومستهجن ». وكان من الطبيعي ان يثير هذا المشهد المثير والذي يتبادل فيه عبده وفارس القبلات، موجة جدل وعدم رضا لدى الرأي العام في البلاد وخارجها ، لانه ينطوي على عملية تحدي لمشاعر ومعتقدات ابناء الشعب، سيما وان هذه المشاهد تتكرر بين الحين والآخر تحت لافتة الترفيه والانفتاح حيث اقيمت خلال الفترة الماضية العديد من الحفلات الماجنة التي شارك فيها فنانون وفنانات دعمتهم هيئة الترفيه السعودية من مختلف دول العالم، وحتى بمشاركة بن سلمان نفسه في هذه المهرجانات التي اقيم بعضها في جدة، وقد تضمنت هذه المهرجانات شرب المسكرات والعري والممارسات غير الأخلاقية الأخرى التي نترفع عن ذكرها !!
واللافت أنه رغم معارضة الشعب لمثل هذه النشاطات ومحاولات تسويفها وتسويقها تحت اي عنوان كان، الاّ ان النظام السعودي يواصل القيام بها وبشكل متسارع كما أشرنا، ويبطش بالمعارضين لها، ويضاعف من ماكنته الإعلامية التضليلية لاقناع الجمهور بها، الأمر الذي يعني ان ثمة برنامج محدد وخطير ومكتمل الأركان يقوم بن سلمان بتنفيذه حرفياً، لأن أمريكا والكيان الصهيوني اشترطا على بن سلمان حتى تتم موافقتهما على توليه عرش المملكة، عدة شروط منها : أولاً : إقامة التطبيع مع العدو الصهيوني! وثانياً اجراء تغيير ثقافي واجتماعي وقيمي في المملكة بالانفتاح على الغرب ومغادرة خنادق الثقافة الإسلامية ، وثالثاً : أن تصبح السعودية، بمعية الكيان الصهيوني رأس حربة المشروع الأمريكي الصهيوني في مواجهة مشروع المقاومة في المنطقة بتسخیر کل إمكاناتها ومواردها في هذا الإطار.. وقد بادر بن سلمان ، ليثبت للاميركان والصهاينة إنه يمتلك اللياقة التامة " ليكون الشرطي الأمريكي، في الخندق الأول دفاعا عن العدو الصهيوني وعن المصالح الامريكية غير المشروعة، بغزو اليمن تحت عنوان عاصفة الصحراء، غير ان هذه العاصفة ارتدت عليه بعد 9 سنوات من الحرب والقتل والمجازر وباتت تهدد حتى وجوده فسارعت امريكا الى انقاذه منها عبر ايجاد هدنة طويلة المدى ومازالت الامور تراوح عند هذا المستوى... اما بالنسبة للتطبيع فبن سلمان مازال يقدم الشهادات تلو الشهادات بالتزامه باقامة التطبيع حتى في ظل المجازر المروعة التي يرتكبها العدو بحق الشعب الفلسطيني في غزة يوميا كما تؤكد ذلك تصريحات فيصل بن فرحان وزير الخارجية المتكررة، وتصريحات سيده بن سلمان، والتي يؤكدون فيها ان السعودية منفتحة على التطبيع مع نتنياهو في اليوم التالي لتوقف الحرب على غزة !! وفيما يخص المحور الثاني، وهو اجراء التغييرات الثقافية والاجتماعية والذي نحن بصدد الحديث عنه، فالجهد الذي يواصل بذله النظام السعودي، قائم على قدم وساق كما اشرنا قبل قليل، من أجل الوصول الى الغاية او الهدف الذي تريده أمريكا والكيان الصهيوني !! حيث يجري هذا الجهد، وفق برنامج يتكون من المحاور التالية:
ضرب البنية الثقافية للمجتمع واحلالها ببنية جديدة، وذلك من خلال إقامة واحياء النشاطات الثقافية المستهجنة كما اشرنا في بداية الحديث، وضربنا مثلاً، المهرجان الذي اقامته اللبنانية مريم فارس، ومثل ذلك ، المهرجان الذي حضره مغني الراب الأمريكي تاي دولا واقيم على خشبة المسرح داخل المركز التاريخي لمدينة جدة البوابة الرئيسية للحجاج المسلمين المتجهين الى مكة !! وبحسب تقرير لموقع المونيتور، "كان مشهداً مثيراً للدهشة في المملكة العربية السعودية المحافظة ، التي سمحت لأول مرة باقامة المهرجانات المختلطة بين الجنسين على نطاق واسع قبل خمس سنوات .. واللافت ان النظام يقوم حاليا بتأسيس حي كامل في جدة ، حيث تشير التقارير الى ان " المنطقة التي تبلغ مساحتها 5/2كم تشهد تحولاً من خلال تدفق المقاهي والمتاحف ومساحات الاداء وورش العمل للفنانين الترفيهيين ! وفيما عبر أهالي جدة عن قلقهم بسبب هذا التحول نحو السفور والتعري واقامة المهرجانات الموسيقية والراقصة، قال علي عاصي لوش، منسق الموسيقى اللبناني الذي يعيش في جدة منذ ٢٠ عاماً ، ان التوسع باستمرار في المهرجانات والمعارض الفنية قد أدى إلى إحياء الحي وجذب الناس الذين قد لا يكون لديهم اهتمام كبير بها.. وإلى ذلك قالت التقارير أيضاً أن النظام السعودي يريد بناء ثلاثة آلاف غرفة فندقية من أجل استيعاب الوفود الفنية وغير الفنية التي تتوافد على المدينة تلك للمشاركة في المهرجانات الراقصة والمختلطة !! على ان اختيار جدة كما اشرنا قبل قليل لتكون مركزاً رائداً في عملية ما يسميه النظام الترفيه " والانفتاح ، هو اختيار مدروس، لأن جدة هي بوابة حجاج بيت الله الحرام، نحو أداء مراسم الحج ما يعني ذلك ضربة لهذه الفريضة ومحاولة نزع القدسية عنها ثم الاستخفاف بها وصولا إلى تدميرها، سيما وان هذه البوابة (جدة) يردها المسلمون من مختلف الاقطار الاسلامية لاداء فريضة الحج هذا اولاً، وثانياً. ، أن النظام وحماته الامريكان والصهاينة استهدفوا استقطاب الشباب في السعودية وفي خارج السعودية، من أجل تحريك غرائزهم وسحق القيم والعادات الأسلامية والاجتماعية التي تربوا عليها تمهيداً لتشييد وبناء منظومة أخلاقية واجتماعية جديدة على نسق تلك المنظومة الغربية والأمريكية حيث التحلل والانحلال !! وما يجري في جدة والتي يقول الخبراء، ان النظام ينوي تهجير اكثر من 2مليون نسمه من العوائل الفقيرة لاقامة هذه المراكز الماجنة على انقاض بيوتهم... ما يجري هناك هو مجرد نموذج لما يجري في المحافظات السعودية الأخرى !! اذ تقول بعض وسائل الإعلام أنه ( في الوقت الذي تتألم فيه الشعوب العربية ألماً بسبب الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة ، تفتح المملكة العربية السعودية أبوابها أمام ممارسات الخلاعة والبذاءة عبر فعاليات ينظمها رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ وباشراف من ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان واشارت وسائل الاعلام تلك الى ان المشاهد من مهرجان ميدل بيست الذي أقيم في الرياض العاصمة، أظهرت جانباً من الرقص المختلط بين حشود من الشباب والفتيات وسط أجواء من التحرش وتحسس أجساد الفتيات، التي باتت معتادة في مثل هذه الفعاليات بحسب وسائل الاعلام تلك ! ومن الجدير الاشارة مثل إلى أن العديد من الفنانين والفنانات من عدد من الدول العربية شاركوا في فعاليات هذا المهرجان، بين هؤلاء الفنانين المطربة اللبنانية اليسا التي ظهرت في المهرجان المقام بالعاصمة الرياض كما اشرنا، بثياب فاضحة كانت ترتديها على منصة الغناء وفي الكواليس خلال افتتاح المهرجان ! ولدرجة ان هذه المشاهد المنافية للاخلاق وللعادات، دفعت بعض السعوديين الى شجبها وادانتها، ودعوتهم مشايخ المملكة إلى التحرك لمواجهة هذه الموجة العاتية التي تستهدف الاخلاق وقيم الأمة ومعتقداتها الإسلامية، وفي هذا السياق غرد الكاتب الصحفى السعودي تركي الشلهوب قائلا "هل يوجد ذكر من الوطنجية يحمل ذرة من دين أو أخلاق أو قيم يجرؤ على انتقاد مثل هذه المظاهر الفاضحة المخزية؟ ثم أين هيئة كبار العلماء؟ وأين السديس الذي يقول من فضل الله هذه البلاد لا يوجد فيها بدع، ولا يوجد فيها حفلات مخالفة للقرآن والسنة، أهذا من القرآن والسنة ؟ حاشا لله، وكتب عماد المبيض امام وخطيب جامع الملك عبد العزيز بالدمام سابقاً " انفلات أخلاقي في بلاد الحرمين الشريفين ينتشر بشكل متسارع ومخيف ودون أية قيود، وهذا مؤشر مقلق، لا تظنوا أيها العقلاء أنه سيقف بنفسه مالم توقفوه انتم كل بما يستطيع.. وفي الحديث: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب » ..
والى جانب محاولات النظام سحق منظومات القيم الأخلاقية والاجتماعية ذات المرتكزات الاسلامية عند المجتمع، عند الشباب بشكل خاص، بادر النظام ومنذ مجئ بن سلمان إلى الحكم الى سحق هذه المنظومات عند النشء والاطفال عبر تغيير المناهج والمصطلحات والتربية الاجتماعية، كمقدمة لصياغة عقول هذه الطبقات صياغة جديدة تتواءم مع التوجه الجديد من الانفتاح وزرع القيم الغربية الهابطة في نفوس هؤلاء وسحق الثقافة الإسلامية وقلعها من الجذور، وقد قطع النظام شوطاً ضخماً وطويلاً في عملية تغيير المناهج من مراحل الروضات وحتى الجامعات طبقاً لما صرح به وزيرالتعليم، ولما اعترف به الصهاينة والأميركان الذين اطروا على بن سلمان واكدوا ان العملية قطعت شوطا كبير و باشرافهم هم أي الأمريكان والصهاينة !!
- تدجين الأمة وتعويدها على تقبل الثقافة الدخيلة وإجبارها على ترك ثقافتها الاصيلة، عن طريق القمع والملاحقة لكل معترض على تلك الثقافة الدخيلة وغزوها للسعودية. وعن طريق تلميع هذه الثقافة الغازية واعتبارها تطورًاً وتقدماً وما إلى ذلك من النعوت والاوصاف !!
على ان أخطر مشروع لبن سلمان لتحقيق إنقلاب على المنظومة الثقافية والاجتماعية في المملكة في اطار ما يسمى الانفتاح والترفيه ، هو مشروع نيوم وهي مدينة جديد على البحر الأحمر رصد لها بن سلمان عشرات بل مئات المليارات من الدولارات لانشائها ولقد قطع شوطاً طويلاً في عملية الانجاز، وستتوفر في هذه المدينة كل ممارسات ما يسمى بالترفيه والفساد والسكر وما الى ذلك، وفي هذا السياق قالت صحيفة وول ستريت جورنال، ان السعودية تخطط لتقديم الخمور والشمبانيا والكوكتيلات التي تحتوي على الكحول في هذا المنتج الواقع على شاطئ البحر الأحمر !! وتقول الصحيفة الامريكية ان منطقة سندالة التي اقيمت عليها مدينة نيوم تعج بالاعلانات المروجة لشرب الخمور ولنساء غير محتشمات... وفي مؤشر تقول الصحيفة، الى مدى تحدي مشاريع نيوم للاعراف الثقافية التي لطالما امتاز بها المجتمع السعودي طوال القرون الماضية .. وللاشارة ان مدينة نيوم الصخمة أسست لجذب آلاف السياح الأجانب ولاعفائهم فيها من كل القوانين الاسلامية، بحيث يتمتعون فيها بالحريات الكاملة واكثر على شاكلة ما يتمتعون به في بلدان الغرب، لأن جذب هؤلاء السواح هو بحد ذاته يشكل هدفاً للنظام السعودي وحماته الأمريكان والصهاينة - لأنه يتضمن تصديراً مكثفاً لثقافة السقوط الأخلاقي والقيمي، إلى المجتمع السعودي، فهذه الممارسات الهابطة والنشاطات غير الأخلاقية لهؤلاء السواح الاجانب من شأنها أن تنشر هذه العادات بين اوساط الشباب وتساهم مساهمة فعالة في سحق منظومة الأخلاق الاسلامية وحتى المعتقدات الاسلامية ليس في السعودية وحسب، وانما حتى في عموم المنطقة العربية!! واذا استمرت هذه السياسة وهذا الانفتاح السعودي على الثقافة الغربية، فأن المملكة سوف تنحدر الى مصير خطير وخطير جدا للأسف !
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق