تحركات السعودية للخروج من المأزق اليمني... ومساعي واشنطن التعويقية!!
[عبد العزيز المكي]
في الوقت الذي تواصل فيه المملكة السعودية تحركاتها على صنعاء، عبر الوسيط العماني، وبصورة مباشرة، للتوصل الى اتفاق ينهي الحرب ويفتح الطريق لخروج السعودية من المستنقع اليمني.. تواصل الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني اعاقة هذه الجهود ومحاولة قطع الطريق على كل تلك التحركات من أجل بقاء الحرب المفروضة على الشعب اليمني واستمرارها!! ومن خلال رصد ومتابعة التحركات الأمريكية والغربية في السياق المشار اليه، يمكن تشخيص ثلاثة مستويات من هذه التحركات هي ما يلي:-
1- ممارسة الضغوط الأمريكية السرية والعلنية على بن سلمان لاقناعة بالتراجع عن التواصل مع أنصار الله، والتفاهم معهم على إنهاء الحرب، أو على الأقل، ألّا يلبي أي اتفاق معهم جميع مطالبهم، وان ينطوي على نوع من المماطلة والمراحل التنفيذية الطويلة ليتسنى تخريبه في نصف الطريق، أو تمييع الأمور الواردة في الاتفاق والتي لاتلبي مصالح المستعمرين أو تتعارض معها، ولذلك فأن واشنطن حينما رأت ان التحركات السعودية التي تجري عبر الوسيط العماني والمدعومة من الصين باتت جدية أكثر من أي وقت مضى أوفدت رئيس السي آي ايه وليم بيرنز الى الرياض في زيارة سرية في الأسبوع الأول/نيسان إذ أفادت مصادر دبلوماسية ووسائل اعلام أمريكية بأن وليم بيرنز التقى بن سلمان وأبلغه رسمياً استياء واشنطن من قرار بلاده التقارب مع خصومها في المنطقة.. وأشارت المصادر الى أن بيرنز أبلغ بن سلمان رفض بلاده ما وصفتها بهرولة السعودية للتطبيع مع إيران وسوريا واليمن. محذراً ابن سلمان من مغبة السير باتفاق سلام في اليمن"..
وقبل ذلك كانت الولايات المتحدة قد سرّعت في فتح ملف الجرائم السعودية في اليمن وتداعت بعض أوساط الكونغرس إلى المطالبة بقطع الأسلحة عنها، ولم تقف الضغوط عند هذا الحد، حيث أقدمت واشنطن على إرسال الغواصة يو اس فلوريدا والتي تعمل بالطاقة النووية والمزودة بصواريخ موجهة من نوع توما هوك إلى الخليج والاستقرار في مقر الأسطول الخامس في البحرين وذلك للترهيب العسكري وللتحذير، أي ترهيب وتحذير الحلفاء ومنهم السعوديون لكيلا يذهبوا بعيداً في التفلت عن الإدارة الأمريكية الغربية في علاقاتهم وسياساتهم مع خصوم الولايات المتحدة، إيران وروسيا والصين..
2- استدعاء العملاء من المرتزقة اليمنيين المحسوبين على الإمارات أو حتى على السعودية نفسها من أجل التحرك السياسي والإعلامي وحتى العسكري لإرباك الساحة اليمنية ووضع العصي في عجلات أي مشروع للاتفاق مع أنصار الله لإنهاء الحرب في اليمن.. سيما وان من هؤلاء المرتزقة من لديهم مصلحة في استمرار الحرب لأن نهايتها تعني نهايتهم ورميهم في مزابل النسيان والإهمال بعد ما استهلكت عملتهم، ولذلك تقول المصادر اليمنية، ان رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي مكلف أربعة من نوابه عن الجنوب هم الزبيدي والمحرمي والجسني والعليمي بالاجتماع والبحث في تشكيل إطار تفاوضي خاص بالقضية الجنوبية يتضمن "فك الارتباط" وفق ما أعلن عنه رسمياً، وهي خطوة فسرها الصحافي محمد الخامري، محاولة للمناورة من قبل المجلس الرئاسي لعرقلة أي تقدم في ملف المفاوضات بين صنعاء والرياض.. أما من جانب التحرك الأمريكي في هذا الإطار " كرر السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن لقاءاته بعيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي، المطالب بانفصال الجنوب، وفي كل مرة يحاول السفير استحضار الصراعات داخل المجلس الرئاسي ليدفع الزبيدي، قليل الخبرة السياسية، للتصعيد إعلامياً واخرها تمسكه باطار تفاوضي للجنوب"! أمريكا أيضاً جندت الأمارات للقيام بهذه المهمة، وهذا ما تشير اليه تغريدة مستشار محمد بن زايد، التي أكد فيها ضرورة التمسك بأقليم جنوبي ضمن دولة فيدرالية" من جهتها السفارة اليمنية في الولايات المتحدة تحركت على هذا الصعيد أيضاً، و بدون شك بإيعاز من المضيف الأمريكي، على منصة تويتر بالتأكيد على ان " آلية الأمم المتحدة للتحقيق والتفتيش في اليمن تمثل ركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها قبل تحقيق السلام العادل" ويشار إلى أن العلاقة بين الأمم المتحدة وأنصار الله توترت في الآونة الأخيرة الى حد تهديد الأنصار بسد مكاتبها في المحافظات الشمالية قبل أن تتراجع المنظمة الدولية وتستجيب لمطالب الأنصار! ذلك من أجل التعويق والتشويش على المفاوضات بين السعوديين وأنصار الله.
3- المستوى الآخر الذي تحركت في إطاره الولايات المتحدة هو التحريض الإعلامي والتشكيك في الاتفاق الذي تتناقل وسائل الإعلام تسريبات عن بنوده، فوسائل الإعلام الأمريكية أو بعضها، وكذلك وسائل إعلام يمنية محسوبة على مرتزقة اليمن مارست وما تزال تحريضاً وتخريباً مدهشاً حقاً عبر اختيار العناوين التحريضية والتشكيكية باتفاقات السلام أو ما يسرب عنها. وعبر اختيار لغة الاستفزاز لكل الأطراف والإثارة من أجل إنعاش غرائز الخصام والتباعد، والحروب والعداوة..وما الى ذلك.. فعلى سبيل المثال قالت مجلة ذا انترسبت الامريكية، ان الحرب في اليمن على وشك الانتهاء في ظل غياب تام لاميركا عن لعب دور في الصفقات التي تجري في المنطقة.. واكدت في تقرير أعده رئيس مكتبها في واشنطن ريان جريم أن السعوديين يستسلمون بالكامل لمطالب الحوثيين!! ونقلت المجلة عن اريك سبيرلينج المدير التنفيذي لمجلة السياسية الخارجية just foreign policy قوله.." ان التنازلات السعودية بما في ذلك الرفع المحتمل للحصار والخروج من الحرب – تُظهر أن أولويتها هي حماية الأراضي السعودية من الهجوم والتركيز على التنمية الاقتصادية في الداخل" مشيراً إلى أن" هذا يختلف عن النهج الذي يفضله العديد من نخب السياسة الخارجية في واشنطن الذين ظلوا يأملون في أن تجبر الحرب السعودية والحصار، الحوثيين على تقديم تنازلات والتنازل عن المزيد من السلطة " للحكومة اليمنية المدعومة من الولايات المتحدة"!! إذن لهجة هذا الكاتب وتبرمه من التفاوض السعودي مع أنصار الله لا تحتاج الى تفسير، فكلها تحريض واعتراض وفي محاولة لتحفيز حكومة الفنادق بقيادة العليمي ومعين عبد الملك ضد الاتفاق السعودي مع أنصار الله ان حصل، شرحت المجلة بأن أي اتفاق دون الرجوع لهذه الحكومة سوف ينهي الأخيرة ويرمي بها في مزابل النسيان والإذلال!! في خطاب تحريضي واضح، وهكذا بالنسبة لبقية بعض وسائل الإعلام الأمريكية والغربية التي وصف بعضها الموافقة السعودية على شروط صنعاء لإنهاء الحرب والعدوان، بالهزيمة السعودية.
و فيما يؤكد ما سبق قلق وخوف الإدارات الأمريكية والغربية ومعهم الإدارة الصهيونية من تطورات الحراك السلمي الذي تقوم به عمان لإنهاء العدوان على الشعب اليمني، فأن أسباب هذا القلق والخوف تكمن فيما يلي:-
1- إيقاف العدوان على اليمن يتعارض مع المشروع الامريكي في المنطقة القائم أساساً على إشعال الفتن والحروب، لأنها توفر لأمريكا ظروف والتوغل والتدخل السافر في شؤون المنطقة وإضعاف أو تصفية الوجودات والتيارات السياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية التي تساهم في عملية الوعي والبناء الفكري للأمة، وبالتالي يكون ذلك على حساب الرفض الجماهيري لكل أنواع الاستعمار والاستغلال والهيمنة الأمريكية الغربية على مقدرات الأمة، ذلك فضلاً عن أن مثل هذه الحروب والفتن سوف توفر لأمريكا وللغرب سوقاً رائجة لتصريف منتجاتها الحربية ولتشغيل مصانعها العسكرية، وما إلى ذلك.
2- بحسب ما تسرب عن الاتفاق الجديد بين السعودية وأنصار الله، فأن الاتفاق يتضمن انسحاب جميع القوات الأجنبية من اليمن، يعني القوات السعودية والإماراتية، وبالتالي فأن هذا الانسحاب ينسف مبررات بقاء أي قوات أجنبية في اليمن وتصبح هدفاً مشروعاً للاستهداف من قبل اليمنيين لأنها قوة محتلة..و ذلك يتعارض مع الرؤية الأمريكية الحالية القائمة على ان التمركز العسكري في اليمن مع قوى غربية وصهيونية خصوصاً في الجزر والموانئ والمناطق النفطية ضروري جداً للسيطرة على مضيق باب المندب والهيمنة على البحار ولاستغلال الثروات اليمنية البكر ومنها النفط والغاز كما يجري حالياً.
3- إن أي اتفاق مع أنصار الله ينهي العدوان، سوف يوفر للأنصار فرصة التفرغ لمواجهة القوات الأمريكية والصهيونية، التي باتت تتمركز وبتزايد كما قلنا في الجزر والمناطق النفطية اليمنية، وتعمل على طردها وإخراجها من اليمن ولعل ذلك يفسر القلق والخوف الذي عبرت عنه بعض الصحف العبرية والأمريكية من الاتفاق مع أنصار الله!! ففي هذا السياق عبرت صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية في 9/4/2023 عن خشيتها من تحول سلاح أنصار الله " الحوثيين" الى تهديد للكيان الصهيوني بعد التوصل إلى اتفاق مع السعودية! وبعد أن أشارت الصحيفة الى قلق القيادات الصهيونية من اتفاق السلام المحتمل بين السعودية وأنصار الله قالت.. " ان الحوثيين أصبحوا يمتلكون مخزوناً هائلاً من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة البالستية والطائرات بدون طيار، التي تستخدم ضد السعودية، مما يعني الآن ان تركيز التهديدات على " اسرائيل..." مؤكدة. أي تلك الصحيفة، انضمام أنصار الله إلى محور المقاومة والمشاركة في مواجهة الكيان الصهيوني.
4- على أي حال، يبدو أن العرقلة الأمريكية الصهيونية نجحت في تعويق التوقيع على إتفاق توصل إليه السعوديون وأنصار الله لإنهاء الحرب ، وكان السعوديون يتصرفون في المفاوضات كطرف في الحرب، وليس كوسيط، لكن بعد ان بادر السفير الأمريكي بالتحرك إلى السعودية فور وصول الوفد السعودي إلى صنعاء للقاء قيادات أنصار الله في إطار المفاوضات المثمرة بين الطرفين بوساطة عمانية، والتقى السفير الأمريكي قيادات سعودية وأعضاء في مجلس القيادة الرئاسي للمرتزقة ومنهم طارق عفاش وعيدروس الزبيدي معكراً صفو المفاوضات، ليس هذا وحسب وإنما أرسل بايدن كبير مستشارية لمنطقة الشرق الأوسط بريت ماكغورك، والمنسق الرئاسي الخاص لشؤون الطاقة الدولية والبنية التحتية آموس هوكستين الى السعودية واجروا محادثات مع ولي العهد السعودي وذلك بعد يومين فقط من محادثات أجراها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مع بن سلمان.. ويبدو ان هذه التحركات أجبرت بن سلمان للإيعاز إلى سفيره في اليمن آل جابر الذي رأس الوفد إلى صنعاء ليغير الاتفاق، من ان السعودية كطرف في الحرب إلى وسيط، بناءاً على توصية لاميركان بحسب ما أكدته بعض الصحف الأمريكية الأمر الذي لم يقبل به أنصارالله وبالتالي لم يُوقع الاتفاق حيث من المقرر أن يجري الوسيط العماني جولة أخرى للمفاوضات بذلك بها الاختلافات المستجدة والتي حتى بعض مرتزقة السعودية اليمنيين يعترفون انها استجدت نتيجة تدخل أطراف أجنبية قبيل توقيع الاتفاق.
ارسال التعليق