حذار من الوقوع في الفخ الأمريكي... تحت عناوين ومشاريع خادعة!!
[عبد العزيز المكي]
بدا الرئيس الأمريكي جو بايدن جولته في المنطقة, وكان قد حدد مهمته الأساسية في هذه الجولة قبل ثلاثة أسابيع, طبقاً لما نقلته عنه بعض الصحف الأمريكية البارزة وهي تحصين أمن الكيان الصهيوني ودمج الأخير في المنطقة وإعلان "الحب والود البايدني" لما اسماه "الشعب اليهودي" وقبيل بدء جولته حدد بايدن مهمة أساسية أخرى لجولته في المنطقة, إلى تلك الأولى, أي حماية العدو, وذلك في مقال له نشره في 9 تموز في الواشنطن بوست, وجاء فيه.."يتعين علينا الانخراط مباشرة مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى, من أجل ضمان أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قوية وآمنة" ويتابع.."بصفتي رئيساً فإن وظيفتي هي الحفاظ على بلدنا قوياً وآمناً, علينا مواجهة العدوان الروسي ووضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن, للتفوق على الصين, والعمل من أجل مزيد من الاستقرار في مناطق أخرى من العالم!" ولم يشر بايدن لا في مقابلته الأولى مع ملياردير يهودي صهيوني أمريكي نافذ في المؤسسة الأمريكية الحاكمة, ولا في مقاله الأخير في الواشنطن بوست إلى حماية الدول العربية الحليفة لا السعودية ولا غيرها, إنما حجر الأساس في هذه الجولة تعزيز الأمن الصهيوني وتقوية الولايات المتحدة عالمياً في مواجهة كل من روسيا والصين وإيران.
لنقف مع هاتين المهمتين لجولة بايدن ونستلخص من النتيجة الآنفة, فبالنسبة لتحصين الأمن الصهيوني والكل يعرف, أن النظرية الأمريكية الصهيونية لتحقيق هذا الأمر ترتكز على دعامتين هما:
1ـ تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الدول الخليجية وتلك العربية المطبعة مع العدو الصهيوني وصولاً إلى إقامة حلف عربي صهيوني بإشراف أمريكي ولكن بقيادة صهيونية. وإذ تشير التحركات الأمريكية والصهيونية والعربية إلى تعثر الجهود الرامية إلى تكليل التعاون العسكري والأمني بين تلك الدول العربية والعدو, بالحلف العسكري. أو ما أطلق عليه الأمريكان والصهاينة "بالناتو العربي الصهيوني".. نقول: وإذا تعثرت تلك الجهود في إقامة هذا الحلف, فإن التعاون الأمني والتنسيق العسكري السري والعلني ازداد واتسع نطاقه للأسف بين هذه الأطراف والعدو, خصوصاً بين السعودية والعدو, لدرجة أن الإعلام الصهيوني ومنه قناة i24 وصف تكليف محمد بن سلمان لمحمد العيسى الأمين العام لما يسمى رابطة العالم الإسلامي, لإلقاء خطبة الحج بالتحرك الرمزي لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب! فيما نشرت صحيفة "التايمز أوف إسرائيل" مقالاً تحت عنوان بارز باللغة العبرية قالت فيه: "الإمام الصهيوني محمد العيسى خطيباً للحج". وجاءت خطبته كما يعرف الجميع لخدمة الصهاينة والتطبيع, وسيّس الحج بامتياز في الوقت الذي يزعم فيه النظام السعودي أن الحج عبادة بحتة ولا يسمح بتسييسه, وارتكب مذبحة مكة على هذا الأساس, المذبحة الشهيرة التي راح ضحيتها أكثر من 400 حاج إيراني وغير إيراني لأنهم قاموا بمظاهرات البراءة من المشركين الأمريكان والصهاينة!! وللإشارة قرأ المحلل المخضرم للشؤون العربية في القناة 12 العبرية إيهود يعاري تعيين العيسى"بأنه إشارة مهمة من السعودية فيما يتعلق بالموقف من التطبيع مع إسرائيل". وقال يعاري.. "إن العيسى, الذي دعا الحاخامات إلى السعودية وزار جامعة بشيفا في نيويورك, ومعروف في البلاد باسم الإمام الصهيوني.."! ولتسارع خطوات بن سلمان في تعزيز التعاون والتنسيق الأمني والعسكري الذي تحدثنا عنه في مقالة سابقة, أثنى رئيس الوزراء الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو على دور بن سلمان في انجاز "اتفاقيات إبراهام", وفي التعاون مع العدو. وهذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها مسؤول صهيوني بهذا الوضوح عن مساهمة بن سلمان في توقيع "اتفاقات إبراهام" التطبيعية مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان!!
2ـ أما الدعاية الثانية لأمن الكيان الصهيوني ولتحصينه من الانهيار, هي الدعاية الاقتصادية, وذلك باندماج العدو في المنطقة وتسليطه على الدول العربية الغنية, وتمكينه من استغلال ثرواتها تحت عناوين زائفة منها: الدول العربية الخليجية غنية والعدو متقدم بالتكنولوجيا! أو إقامة شرق أوسط متطور!! وما إلى ذلك من "اللافتات" و"المانشيتات" الزائفة! ولقد تحدث وزير المالية الصهيوني افيغدور ليبرمان يوم 11 تموز 2022 بأنه يأمل بأن تقود جولة بايدن إلى إنشاء سوق مشتركة بالشرق الأوسط تشمل السعودية! وقال ليبرمان: "(هذه السوق) ستغيّر الواقع هنا من الأول إلى الآخر في كل من المجالين الأمني والاقتصادي, لذلك آمل أن يكون التركيز خلال زيارة بايدن على إقامة هذه السوق الجديدة في الشرق الأوسط, أي أن ليبرمان وغيره من المسؤولين الصهاينة يريد فتح المنطقة لتكون سوقاً تبتلع منتجاته المختلفة, على حساب بقاء تلك الدول متخلفة وبحاجة دائمة للعدو!!
وما يؤكد الطموح الصهيوني الأمريكي الآنف في محاولة تقوية العدو اقتصادياً, تصريحات مستشار الأمن القومي الصهيوني إيال حولاتا, والتي قال فيها: "من الممكن بالتأكيد بدء الحديث عن التوسيع الممكن لأسواقنا بالمنطقة" . في إطار جولة بايدن. أما ما يخص المهمة الرئيسية الثانية لبايدن بحسب قوله, هو جعل كما أشرنا أمريكا قوية, بالطبع من خلال التحكم بسياسات السعودية وبقية الدول العربية الحليفة, وكما يعلم الجميع أن هذه الدول؛ تعتبر محتلة نظراً لانتشار القواعد العسكرية الأمريكية التي تضم عشرات الآلاف من العسكريين من مختلف الأصناف والاختصاصات, وبالتالي جعل هذه الدول خندقاً متقدماً للولايات في مواجهة روسيا والصين, وفي مواجهة إيران!! وقال بايدن صراحة في مقاله الذي أشرنا إليه: "إن زيارته تستهدف أيضاً وضع بلاده في مكان أفضل للتغلب على الصين ومواجهة العدوان الروسي" على حد قوله.. وأضاف"يتعين علينا التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر في تلك النتائج. المملكة العربية السعودية واحدة من هذه الدول!" بمعنى أو بعبارة أخرى: لا بد من توظيف الثروة النفطية للسعودية ولباقي الدول الخليجية في خدمة المصالح الأمريكية.. دون النظر إلى مصالح السعودية أو الدول الأخرى. وهذا ما أكده بايدن بصورة أوضح مما سبق حيث قال إنه "يسعى إلى شرق أوسط أكثر أمناً وتكاملاً وإن تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة يأتي بفوائد للأمريكيين". وأضاف: "الممرات المائية في الشرق الأوسط مهمة للتجارة العالمية وسلاسل التوريد تعتمد عليها موارد المنطقة من الطاقة الحيوية للتخفيض من التأثير على الإمدادات العالمية للحرب الروسية في أوكرانيا!".
وما تقدم يعني الأخطار التالية:
1ـ جعل السعودية والإمارات والبحرين وغيرها درعاً للولايات المتحدة في مواجهة روسيا والصين, وبالتالي فإن الرد الروسي والصيني سيكون في هذه الدول, أي أنها ستمنى بالتدمير والخراب والقتل والتهجير على شاكلة ما يحصل في أوكرانيا, ولخاطر عيون أمريكا. إذ لا ناقة ولا جمل لشعوب هذه الدول في صراع النفوذ والهيمنة العالمية بين أمريكا وخصومها الروس والصينيين.. ولذلك فإن العقل والحكمة تقتضيان عدم التورط في هذا الصراع الدولي لصالح أي طرف من الأطراف تجنباً لحلول الكوارث والدمار والمآسي.
2ـ ومثلما تريد الولايات المتحدة أن تجعل من السعودية والدول الخليجية درعاً وساحة للمعركة والصراع مع الروس والصينيين, فإن العدو الصهيوني هو الآخر ـ وكما أشرنا ـ يريد دفع هذه الدول للمواجهة العسكرية والأمنية مع إيران, وهذا ما أشار إليه, بل وأكده مراراً وتكراراً المسؤولون الصهاينة, وهم والأمريكان أصحاب فكرة تشكيل أو إنشاء حلف ناتو الشرق الأوسط!" أو حلف عسكري وأمني بين الدول العربية الخليجية والكيان الصهيوني؛ ولأن النظام الأردني أدرك أن الدفع الصهيوني الأمريكي بهذا الاتجاه, وأدرك أو يعرف من خلال التجارب الكثيرة أن الأمريكان والصهاينة سوف يتخلون عن الدول العربية في ساعة الضيق, سارع إلى المطالبة بتوضيح هذا الحلف, ثم راح وعلى عكس ما يريده الكيان الصهيوني يبعث برسائل ودية نحو طهران كما تمثل ذلك في تصريحات رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة الأخيرة.
إذا نجح العدو في دفع هذه الأموال إلى المواجهة العسكرية مع ايران, فإن الرد الإيراني سيكون في هذه الدول وستكون النتائج كارثية على صعيد الدمار والتخريب والقتل نتيجة استخدام الأسلحة المتطورة!
3ـ امتصاص ثروات هذه الدول, وكان حديث افيغدور ليبرمان وزير المالية الصهيوني مار الذكر واضحاً, فالعدو يريد الاستحواذ على موارد هذه الدول من تقوية اقتصاده وحل مشاكله وأزماته الاقتصادية بالإضافة إلى تحويل تلك الدول إلى سوق استهلاكية ومنعها من التنمية الاقتصادية الصناعية خصوصاً!!
وهناك أخطار كثيرة لا مجال لذكرها, يعرفها القارئ العزيز, ولكن السؤال المحوري هو لماذا كل هذه المجازفات بحقوق الشعوب العربية والخليجية خصوصا؟ مقابل أي شيء؟ بالطبع مقابل لا شيء, سوى موافقة أمريكا على تولي بن سلمان عرش المملكة!!
ارسال التعليق