قراءة سريعة لإدارة أنصار الله للصراع مع قوى العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الصهيوني
[عبد العزيز المكي]
المتابع للمشهد اليمني حالياً على صعيد الجهود الحثيثة التي تبذلها وتواصلها سلطنة عمان والأمم المتحدة والسعودية وحتى الولايات المتحدة عبر ممثلها في اليمن، لإقناع أنصار الله بتمديد الهدنة، وهم يرفضون ذلك إلا بتحقيق كامل شروطهم المعروفة، نقول المتابع لكل هذه التطورات وغيره لا يسعه إلا أن يقف مندهشاً أمام التحولات الاستراتيجية للمشهد اليمني، والتي جعلت من أنصار الله قوة إقليمية تتوسل بها أمريكا من أجل إيقاف الحرب، وإذا تتبعنا هذه التحولات الاستراتيجية في المشهد اليمني، تتضح لنا حقيقة كيف ان أنصار الله وقيادتهم ومجاهديهم نهضوا بإمكاناتهم العسكرية والسياسية البسيطة في مواجهة اعتى أسلحة أقوى قوة في العالم أمريكا، وانتصروا عليها بالصمود والإبداع والثبات والصبر، فعلى طول فترة العدوان خلال السبع سنوات ولحد الآن فرض أنصار الله تحولات استراتيجية في المشهدين العسكري والسياسي فضلاً عن المشهد الاجتماعي قلبت الموازين والمعادلات ليست في اليمن وحسب، وإنما في الإقليم برمته، ومن تلك التحولات ما يلي:-
1- في بداية العدوان عام 2015 كان المهاجمون وعلى رأسهم النظام السعودي يعتبرون ان الحرب مجرد نزهة! نظراً لآلتهم العسكرية الجبارة، ونظراً لتدني الإمكانات العسكرية لأنصار الله فأغلبها قديمة وبسيطة، لدرجة ان بن سلمان وعد الامريكيين بأن النظام سوف يكتسح اليمن في عدة أسابيع أو عدة شهور على أبعد تقدير، كما صرح بذلك كولن باول رئيس الأركان الامريكي الأسبق، وحينها اعتبر ان بن سلمان لم يقرأ الساحة اليمنية بدقة. فلقد فوجئ النظام السعودي بقوة صمود أنصار الله ومن ورائهم الشعب اليمني الذي ألتف حولهم ومنحهم زخم الصمود ومدهم بالمقاتلين الأشداء والشجعان ، الذين وقفوا كالطود الشامخ في وجه تقدم القوات الغازية وتكبيدها الخسائر الفادحة.
2- بعد هذا الصمود الأسطوري لجأ المعتدون السعوديون والإماراتيون الى فرض حصار بري وبحري وجوي محكم على الشعب اليمني، إقترن بتدمير ممنهج للبنى التحتية للمحافظات التي تحت سيطرة أنصار الله، مستغلين بذلك تفوقهم الجوي!! صحيح ان الحصار بدأه المعتدون مع بداية شن العدوان لكنه تكثف بشكل لافت ومثير بعد تعثر غزوة النظام السعودي، من أجل كسر الإرادة ودفع الشعب الى التسليم والانهيار!! غير أن تلكم الجرائم خصوصاً جرائم الحصار والتجويع والقتل والتدمير وشل الحياة في المحافظات اليمنية الشمالية زادت أنصار الله وشعبهم إصراراً على المواجهة والمقاومة والثبات وتفجير الطاقات الخلاقة فظهرت الصواريخ البالستية المصنعة على يد الكفاءات اليمنية وبدأت تفتك بقوى العدوان والقصة معروفة وموثقة أِقترن ظهور الصواريخ البالستية المصنعة محلياً والدقيقة بتطورين آخرين قلبا المعادلة العسكرية لصالح الأنصار هما: ظهور الطائرات المسّيرة والتي شهدت بروز أجيال منها، كل جيل يفوق الذي قبله دقة وقدرة على المناورة وفتكا بالهدف، والمديات التي تقطعها تلك الطائرات، حتى وصلت إلى مديات أكثر من 2000 كم جوي، ومازالت هذه الطائرات تشهد تطوراً على أيدي الخبرات اليمنية، حيث فرضت نفسها سلاحاً فاعلاً في المعركة فرض معادلة جديدة في المشهد العسكري للعدوان على اليمن برمته، أما التطور الثاني فهو إنتقال أنصار الله من مرحلة الصمود والدفاع بوجه الغزاة السعوديين والإماراتيين ومرتزقتهم إلى مرحلة الهجوم، اذ حققوا في هذه المرحلة انجازات ضخمة، منها تحرير منطقة نهم وابعاد الغزاة عن العاصمة صنعاء وكذا تحرير محافظة الجوف، واجزاء كبيرة من محافظة مأرب، ومنها تحرير مساحات شاسعة من محافظات اليمن المحتلة، نجران وجيزان وعسير ، حتى وصلوا على مشارف المدن الرئيسية في نجران،
3- نجح أنصار الله في شل السلاح الجوي الذي يتفوق به السعودي والإماراتي من خلال وسيلتين، هما انتاج صواريخ مضادة للطائرات محلياً، حيث تم اسقاط العشرات من تلك الطائرات بهذه الصواريخ، بل نجحوا في تحييد سلاح طائرات الهيليكوبتر (الاباتشي) الأمريكية المعروفة والفاعلة في المعارك البرية. أما الوسيلة الثانية فهي نجاحهم في فرض معادلة جديدة بقصف المنشآت النفطية والحيوية الأخرى بالطائرات المسيرة وبصواريخ كروز المجنحة والمصنعة يمنياً، ولعل قصف منشآت آرامكو في حقل الشيبة، وفي حقلي بقيق وخريص شكلا الحد الفاصل في فرض تلك المعادلة، فاستهداف المنشآت في بقيق وخريص أوقف نصف الإنتاج السعودي للنفط أي بمقدار ستة ملايين برميل يومياً، من مجموع الإنتاج السعودي البالغ12 مليون برميل يومياً، وبعد هذه الاستهدافات والاستهدافات الأخرى في جدة والرياض ومناطق أخرى، وفي الأمارات أيضاً، نجح أنصار الله في تحييد القصف الجوي السعودي الإماراتي للعاصمة صنعاء ولبقية المدن اليمنية الخاضعة لسيطرتهم، والذي كان يجري على مدار الساعة وبشكل يومي!!
4- هذا الصمود، وهذه الانتصارات الضخمة تركت تطورات ضخمة على جبهة الخصم، حيث تفككت جبهات المرتزقة وبرز التناحر بالسلاح بين بعضها ضد البعض الآخر، كما برز التناحر والصراع بين المحتل السعودي والمحتل الإماراتي وانعكس هذا الصراع على جبهة الداخل وجبهات المرتزقة مما زاد تلك الجبهات تمزقاً وتفككا وصراعاً عسكرياً دامياً، وشهدت تلك المرحلة في ظل هذا التفكك أن بدأ الكثير من قيادت المرتزقة وطواقمهم وكتائبهم وسراياهم المراجعة، والتوبة، وان يؤوبوا إلى رشدهم والتسليم لأنصار الله، والانضمام إلى جبهات القتال لمواجهة العدوان ومرتزقته، ولعل المتابع للشأن اليمني تابع موجات التسليم زرافات زرافات لأنصار الله، على مستوى سرايا وكتائب وقيادات عسكرية وسياسية عليا...
ولعل أهم تطورين شهدهما المشهد اليمني العسكري والسياسي في ظل التحولات المشار اليها، واللذين أحدثا هذا التحول في مواقف اليمنيين المتحالفين مع العدوان، هما: يأس المرتزقة والغزاة السعوديين والأماراتيين من كسر شوكة الانصار بل العكس هو الصحيح كما سنشير بعد قليل، هذا أولاً، وثانياً: انكشاف أهداف المحتلين السعوديين والأماراتيين، وما تسببوا به في معاناة المناطق الجنوبية المحتلة من تعذيب وعسف وقتل وعدم استقرار أمني أو سياسي، فقد اضطر هؤلاء المحتلين إلى الكشف عن أطماعهم بثروات اليمن، وتساقط شعاراتهم باسم تحرير المواطن اليمني من " الانقلاب الحوثي" الواحدة تلو الأخرى.. لدرجة ان عدداً من قيادات حزب المؤتمر الشعبي الذي كان يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والذين وقفوا مع العدوان، اليوم يتهمون السعودية بالهيمنة على اليمن ونهب ثرواته واستعماره، ومن هذه القيادات عادل شجاع.
5- و لأن المشهد اليمني بدأ يتدحرج بسرعة نحو انهيارات محتملة جداً في صفوف المرتزقة وأسيادهم الغزاة، لصالح أنصار الله، سيما وان أهالي الجنوب بدأوا يتطلعون لمجيء الأنصار للتخلص من ظلم وعسف المحتلين وأزلامهم اليمنيين، دخلت أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني بكامل ثقلهم بعد ما كانوا يتدخلون من وراء الكواليس، خصوصاً بعد ما رأوا إن أنصار الله باتوا على وشك تحرير مدينة مأرب النفطية والاستراتيجية، لأن سقوطها سوف يفتح الطريق إلى أنصار الله والجيش اليمني للسيطرة على كل المنطقة الجنوبية، سيما وان هزائم المرتزقة في مأرب أشرت إلى احتمالات حصول انهيارات كبيرة في صفوف المرتزقة، وكان لهذا التدخل العسكري الأمريكي الصهيوني البريطاني أن عرقل تحرير مأرب كاملة.
لم يكتفِ الاميركان بهذا التدخل وإنما ضغطوا بإيقاف الحرب تحت لافتة " هدنة إنسانية" وشغلوا عمان للوساطة وأطراف أخرى إقليمية ودولية، وتمت الاستجابة لشروط أنصار الله، وكان حرص الأميركان على ايقاف الحرب نابع من أمرين مهمين، هما ان مجريات الحرب باتت تمضي لغير صالح حلفائها، ثم حرصها على وقف الحرب بالهدنة، لتجنب ضربات أنصار الله لمنشآت النفط في السعودية والإمارات وفي اليمن، في وقت حرج تحرص فيه أمريكا على تدفق النفط لأوربا والحفاظ على أسعاره الحالية، بعد نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية واحتمالات تدحرجها إلى حرب عالمية، سيما إذا ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات عالية، اذ حينها يتعذر على أوربا الصمود أو حتى أمريكا لا يمكنها الصمود أيضاً فيمكن أن تنهار اقتصاديا.
6- نجحت أمريكا والسعودية في تحقيق الهدنة، وتجنب تداعيات التصعيد العسكري، ونجحتا في تمديدها لمرتين، والآن الجهود جارية لتمديدها ستة أشهر دفعة واحدة، غير ان الرياض وواشنطن، ليس لم يلتزما ببنود اتفاقات الهدنة كليا وحسب، وانما حاولا أن يجعلا الهدنة مناورة للالتفاف على انجازات الأنصار وليحققا ما عجزا عن تحقيقه بوسائل الحرب والضغط السياسي والتجويع والحصار! غير أن حنكة أنصار الله ويقظتهم ومراكمة قوتهم العسكرية وضعت الخصوم في مأزق، خيارات ان الخروج منه أحلاها مر جداً، فهم حققوا في هذه المرحلة إنجازات ضخمة منها:-
أ- الاعتراف السعودي بالأنصار اعترافاً رسمياً من خلال تبادل الوفود الأخيرة واجراء المحادثات المباشرة بين الطرفين، فيما رمت الرياض بالمرتزقة والعليمي ومجلد على قارعة الطريق طبقاً لقول أحد قيادات المرتزقة تعليقاً على هذا التطور.
ب- يعني هذا الاعتراف الرسمي يأساً سعودياً من إسقاط صنعاء وتسليماً بالأمر الواقع تداركاً للمحافظة على وجودها، ولهذا السبب تداعى المحللون العسكريون وبعض المرتزقة من القيادات الى التصريح والاعتراف بأن " التحالف" خسر الحرب مع الحوثيين، بل تقدم خمسة أعضاء من مجلس القيادة اليمني الذي شكلته السعودية برئاسة رشاد العليمي، إلى التفاوض مع أنصار الله! وبعد السعودية تجري الإمارات اتصالات سرية مع أنصار الله لإقناعهم بإرسال وفد رسمي لصنعاء، كما أن عدداً من الدول الأوربية بات يتطلع للاعتراف لحكومة صنعاء رسمياً، بل بعضها أقدم فعلاً على هذه الخطوة.
ج- الأهم من ذلك فرض الأنصار معادلة جديدة بقصفهم منشآت النفط اليمني تحت سيطرة الاحتلال السعودي، في منطقة الضبة في حضرموت ومنعهم السفن من نهب ثروات اليمن، ما لم يدفع الاحتلال رواتب ومعاشات كل اليمنيين الموظفين عسكريين ومدنيين، ومتقاعدين، وقد لقيت هذه الخطوة تأييداً شعبياً شمل حتى المحافظات الجنوبية التي يسيطر عليها الاحتلال السعودي، ووضعت هذه المعادلة الخصم في مأزق فأما ان يذهب الى الحرب والتصعيد وهذا ليس في صالح أمريكا وحلفائها في كل الأحوال، واما الاستجابة لمطلب أنصار الله، وهو ما يشكل أنتصاراً ساحقاً لهم وهزيمة منكرة لأمريكا ولحلفائها ومرتزقتها وبالتالي عليهم تجرع مرارة وتبعات هزيمتهم في اليمن وفي المنطقة برمتها.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق