مأرب بيضة قبان الحوار السعودي الإيراني والحوثي يفرض رأيه
[حسن العمري]
* حسن العمري
ليس من باب حسن النية لكن الظروف الاقليمية والدولية دفعت القيادة السعودية الاتجاه نحو ايران لانقاذ ما يمكن انقاذه على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي لسلطتهم حيث الحرب الطاحنة على اليمن الجار الفقير المسالم على وشك ان تنهي عامها السابع دون أدنى جدوى ملموس وغير ملموس لسلمان ونجله الطائش الذي قال عنه وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول وفي حديث له مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، بأنه لا يفقه من السياسة والحرب أدنى فكرة وجيشه مهزوم متزلزل لا قوة له على مواصلة الحرب على اليمن وعويله بدأ يصدح في مراكز قراراتنا لإنقاذه.
بعد أكثر من أربع سنوات على تصريحات حادة اللهجة على نحو غير معتاد أطلقها ولي العهد "أن الحوار مع إيران مستحيل.. كيف يكون لديك حوار مع نظام مبني على أيديولوجية متطرفة؟.. وإن أي صراع على النفوذ بين بلاده وإيران يجب أن يحدث في إيران وليس في السعودية".. سارع في شباط الثاني الى تغيير موقفه 180 درجة خىل تصريحات تلفزيونية "إن بلاده تسعى لإقامة علاقات جيدة مع إيران.. ونحن نسعى الى إقامة علاقات جيّدة مع ايران… نحن نعمل مع شركائنا في المنطقة للتغلب على خلافاتنا مع طهران"، فما الذي حدث يا ترى خلال هذه الفترة ما دفع بمحمد بن سلمان الى تغيير وجهة نظره نحو الغريم الايراني؟!.
من هذا المنطلق بدأ لافتاً التحول في سياسة الرياض تجاه ايران حيث بدأت الاشارات السعودية تلوح بوضوح وتمهد الطريق أمام عودة العلاقات الدبلوماسية مع ايران بما في ذلك الخطوة التي أقدم عليها سلمان بن عبد العزيز في عدم المجاهرة بتطبيع العلاقات القائمة مع "إسرائيل" بشكل رسمي، ثم الانخراط في مساعي عودة الحكومة السورية الى الجامعة العربية وهي خطوتان تنظر طهران اليها بإيجابية، ثم إقدام الإمارات - حليف السعودية الوثيق- على تهدئة التوتر مع طهران على مختلف المستويات وأخذت بنصائحها فيما يخص العدوان على اليمن بسحب قواتها والعمل على وضع بنك الأهداف السعودية تحت متناول الحوثيين حلفاء ايران.
هناك سبب وجيه وفق لتعديل السعودية استراتيجيتها الجيوسياسية العدائية من ايران تتمثل في السياسة التي أعلن عنها وبدأ بتطبيقها الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الرامية الى تقليل عمليات الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والتي توجت بخروج هزيل للقوات الأمريكية من أفغانستان والإعداد لمثل هذه الخطوة في العراق ومن ثم سوريا، بعد ان وضع "أمريكا أولاً" شعاره، ولم يعد اهتمامه ورغبته في بذل جهود كبيرة لحماية الحلفاء في المنطقة ما أثار الخوف والرعب لدى ساكني قصر اليمامة- وفق البروفيسورة سانام فاكيل الباحثة في المعهد الدولي للشؤون الدولية البريطاني تشاتام هاوس، توج بسحب واشنطن لمنظوماتها الصاروخية باتريوت وغيرها من الأراضي السعودية ليبقى بنك الأهداف السعودي مكشوفاً وعرياناً أمام مسيرات الحوثي وصواريخه الباليستية.
أربع جولات من المحادثات السعودية - الايرانية أقيمت بوساطة عراقية في العاصمة بغداد منذ شهر أبريل/ نيسان الماضي، بما في ذلك أول اجتماع خلال الشهر الماضي مع حكومة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، لاستعادة العلاقات التي قُطعت في يناير/ كانون الثاني من عام 2016 بعدما تعرضت السفارة السعودية في طهران لهجوم من محتجين، بعد أن أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي البارز باقر النمر.. بعد شوط طويل من المحادثات السرية بين الطرفين برعاية عمانية دفعت بكلا الطرفين الانتقال الى العراق باعتبارها واليمن أهم محاور الحوار السري الثنائي، لتضم الوضع في سوريا ولبنان وأفغانستان ايضاً وشملت محادثات كبار المسؤولين الأمنيين في دول مختلفة، بما في ذلك ما ادعته صحيفة بريكانية من لقاء بين قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، ورئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان-.
المراقبون للشأن الإقليمي يرون أن الجولات عديدة والملفات كبيرة والمسير لا يزال في بدايته رغم الاعلان عن توجه وفود سعودية الى طهران لبحث عودة العلاقات الدبلوماسية وافتتاح السفارة السعودية في ايران، حيث طاولة المفاوضات بين الطرفين تطرح بنودا تتسم بالتعقيدات الكثيرة والتي تترجم في المنطقة على ساحات مختلفة خاصة الحرب على اليمن التي تتهم الرياض طهران بدعمها العسكري للحوثيين وتطالب بالضغط عليهم لوقف التقدم نحو مأرب، وهو ما نفته ايران .. "إن التصور بأن إيران تسيطر بشكل كامل على الحوثيين في اليمن هو تصور مضلل. إيران غير قادرة على إصدار أوامر للحوثيين بشأن ما يجب عليهم القيام به حيال عدوان السعودية وحلفائها على بلادهم وشعبهم"- جينيفر هولايس.
الطلب السعودي من المسؤولين الايرانيين بالضغط على الحوثيين لوقف زحفهم نحو إكمال مسيرة تحرير محافظة مأرب من مرتزقة آل سعود وقوات الرئيس المستقيل والهارب منصور هادي، لم تر آذاناً صاغية في طهران وصنعاء، وواجه رداً رسميا بأربعة رسائل واضحة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية خطيب زاده يوم الأثنين للصحفيين قائلاً: المحادثات مع السعودية مستمرة وهناك ملفات مهمة مطروحة على طاولة الحوار.. يدنا الممدودة دائماً للسعودية لا تعني أننا نغض النظر عن جرائم حرب اليمن.. يدنا الممدودة للسعودية لا تعني كذلك غض النظر عن دورها في ضرب الاتفاق النووي.. طهران تبحث في حوارها مع الرياض عن صيغة تفاهم بين البلدين".
الرد اليمني جاء هو الآخر مدوياً وصاعقاً للنظام السعودي وملوحاً بفشل مساعيه إقناع طهران التوسط لوقف تحرير الأراضي اليمنية المحتلة من قبل القوات السعودية وحلفائها ومرتزقتها وعملاء الامارات، وذاك خلال حديث السيد عبد الملك الحوثي خلال احتفالات ذكرى مولد الرسول الأكرم أمام حشود الملايين في اليمن، حيث شدَّد على وجوب "مواصلة الجهاد حتى رفع الحصار، وإنهاء العدوان والاحتلال، ومعالجة ملفات الحرب"، وتابع "أدعو شعبنا العزيز الى مواصلة الجهود في التصدي للعدوان الأميركي السعودي الغاشم.. العمل على تحقيق الحرية والاستقلال جهاد مقدس في سبيل الله ولن يخضع للمساومة أبداً.. نؤكد على أن هدفنا في تحقيق الحرية والاستقلال على أساس هويتنا الإيمانية هو هدف مقدس يرتكز على مبدئنا في التوحيد لله والكفر بالطاغوت".
المتحدث بإسم حركة أنصار الله ورئيس الوفد اليمني المفاوض محمد عبدالسلام رحب من جانبه بالحوار السعودي الايراني مشيرا الى أن هذه المحادثات تخفف الكثير من التصعيد الموجود في المنطقة والموقف المتصادم بين البلدين لا يمثل الايجابية على الاطلاق، كاشفا عن وجود علاقات طيبة وجيدة ومهمة ومشرفة بين طهران وصنعاء، وان الدور الايراني تجاه اليمن موقف حكيم ومسؤول وموفق على مستوى التاريخ والأجيال واليوم والدليل على ذلك ان اليمن ينتصر وموقف ايران هو موقف صحيح لان هذه الحرب خاسرة، مشدداً أن طهران لم ولن تملي علينا شروطها رغم الدعم الكبير الذي تقدمه على المستوى السياسي والإعلامي والاجتماعي والشعبي ونشكرها على الخبرات العسكرية التي قدمتها للشعب اليمني؛ موضحاً طالما قلنا ذلك للسعوديين خلال لقاءاتنا معهم في جدة والرياض وظهران الجنوب وصنعاء ومسقط.
"أن معركة مأرب معركة كبيرة ومهمة أرعبت السلطة السعودية وحلفائها الامريكان والصهاينة والبريطانيين، ونحن مصممون على مواصلتها حتى التحرير الكامل لها ولكل شبر من الأراضي اليمنية المحتلة والمغتصبة، وهذا الوضع منفصل عن المحادثات السعودية الايرانية التي تصب في خانة خفض التوتر".
ارسال التعليق