ماذا جرى في بكين ليسابق "بن سلمان" الزمن في الهروب من اليمن؟!
[حسن العمري]
* حسن العمري
بدأت الساحة اليمنية تشهد تطورات سياسية ايجابية كبيرة على الأرض لم ولن يخطر في بال قيادة العدوان وحلفائها هذا الأمر، حيث الانتهاء من أكبر عملية لتبادل الأسرى بين الرياض وصنعاء في تنفيذ لم يستغرق سوى سويعات قليلة من مكوث الوفد السعودي في العاصمة اليمنية والرضوخ لمطالب الحوثي جملة وتفصيلاً، والذي ترتكز على "إعادة فتح المطارات والموانئ اليمنية بشكل كامل ودفع مرتبات جميع موظفي الدولة، وعمليات إعادة الاعمار، وخروج قوى الغزو والاحتلال والانتقال السياسي" - وفق ما نقلته "رويترز" عن مسودة سعودية قدمتها لحكومة صنعاء.. ضمن اتفاق شامل ينهي محمد بن سلمان عدوانه الذي طال ثماني سنوات لم ولن يكسب منه حتى مكسباً صغيراً واحداً ليتمسك به ويخرج من المستنقع اليمني بحفظ ماء الوجه.
الطرف السعودي لم يطلب من الجانب الحوثي خلال مفاوضات "الاتفاق النهائي الشامل" في صنعاء سوى "وقف التصعيد الاعلامي والسياسي والعسكري"!!.. المراقبون للشأن السعودي- اليمني يفقهون جيداً أن التصعيد الاعلامي والسياسي للحوثي لا يمكن مقارنته بالكم الهائل والحجم الكبير لما تملكه الماكنة السعودية من وسائل اعلام وأموال بترول طائلة للجم أفواه المنتقدين وإسكات الأنظمة المتشدقة في الدفاع عن حقوق الإنسان وهو ما استخدمته طيلة سنوات العدوان الثماني الماضية التي ذهب ضحيتها مئات آلاف الأبرياء من شهداء ومعاقين ناهيك عن الملايين من أبناء اليمن المنكوبين الذين يصارعون الموت بسبب المجاعة ونقصان الأدوية والمعدات الطبية جراء الحصار الشامل والظالم الذي فرضه ولي عهد سلمان عليهم.
يبقى خوف العدوان وحلفائه من التصعيد العسكري للحوثي فقط وهو الذي شهد قسم يسير منه في سبتمبر 2019، حينما تعرضت لضرب وابل من صواريخ "كروز" وطائرات بدون طيار استهدفت قلب صناعة النفط في المملكة، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الى النصف لفترة طويلة؛ ما يثير السؤال عما جرى في مباحثات بكين بين الطرف السعودي والايراني التي استمرت أكثر من أسبوع بخصوص عودة العلاقات الثنائية، حتى أسرع محمد بن سلمان ليسابق الزمن في الهروب من مستنقع اليمن بقبوله كل الشروط التي تملى عليه من قبل طهران وصنعاء وحتى دمشق التي دخلت مسيرة ذوبان الجليد وإنهاء العداء المقيت الذي طالها من قبل الرياض بدعم الجماعات الارهابية المسلحة بالمال والأفراد والعتاد والاعلام والفتاوى المزيفة الكاذبة.. لنرى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ضيفاً مكرماً في جدة قبل أيام بعد قطيعة دامت 12 عاماً، تلبية لدعوة من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان!!.
السنوات التي تلت وصول سلمان وولي عهده الى السلطة عام 2015، سنوات عجاف على الداخل والإقليم حيث من الصعب العثور على جدل في الشرق الأوسط لا يشمل بطريقة ما محمد بن سلمانً، وإذا به اليوم بدأ يركز على خطة "منح فرصة للسلام"- وفق تحليل نشرته وكالة أسوشيتدبرس «AP»، بعد أن كان متعطشاً لدماء الأبرياء من المسلمين من اليمن الى افغانستان ومن باكستان الى سوريا ولبنان حيث دعمه المتواصل لكل الحركات الارهابية المسلحة التي تعيث بالمنطقة الفساد وبكل سخاء.. فيا ترى ماذا سمع أرعن آل سعود من الرئيس الصيني خلال زيارته للرياض في بداية كانون الأول 2022 من نصائح حتى التمسه الوساطة مع الجانب الايراني لإنهاء ما يهدد عرشه؟!، وماذا رأى وفده المفاوض في العاصمة الصينية من وثائق ومستندات في هذا الإطار من الطرف الآخر ليسير في خطى متوازية لإنهاء العدوان على اليمن والقبول بكل شروط الحوثي، الى جانب عودة العلاقات مع سوريا في الوقت ذاته؟!.
موقع "ذا انترسبت The Intercept" الأمريكي المقرب من وكالة الاستخبارات الأمريكية، كتب يقول : أن كل هذا الانفراج في القضية اليمنية وإسراع الرياض في تقديم التنازلات نحو إنهاء حربها على اليمن والقبول بإعادة الإعمار وفتح الموانئ والمطارات و..، يأتي بوتيرة متسارعة بعد التقارب السعودي - الإيراني حيث الأيام القليلة أمام فتح السفارات وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.. مضيفاً " مع غياب الأمريكي المؤجج للعدوان، مهدت الدبلوماسية الصينية المسرح لتنازلات سعودية ومحادثات وقف الحرب على اليمن، وتوجه المبعوثين السعوديين الى صنعاء لمناقشة شروط الحوثي لـ "وقف دائم لإطلاق النار"... عقود من السياسة الخارجية الأمريكية العسكرية في الشرق الأوسط، مكنت التنين الصيني من لعب دور "صانع السلام" في حين أن واشنطن عالقة وغير قادرة على تقديم أكثر من صفقات الأسلحة والضمانات الأمنية غير المقنعة بشكل متزايد؛ ونائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينزي لفن الحكم المسؤول، يقول: "بعد عامين من رئاسة بايدن، ربما تكون الصين قد أوفت بهذا الوعد"؛ أي إخراج الشرق الأوسط مما جلبته له السياسة الأمريكية الخبيثة من حروب بالوكالة ودمار شامل.
الادارة الأمريكية وطيلة العقود الأخيرة عمدت على حث السعودية القيام بحروب بالوكالة في المنطقة (مذكرات هيلاري كلينتون "خيارات صعبة") ومنها العدوان على الجار، ومدته بكل أنواع الأسلحة الفتاكة ليريق دماء الملايين من البشر كانت الساحة العراقية وبلاد الشام والمحافظات اليمنية خير مسرح لذلك الاجرام، والآن انتزعت الصين من السعوديين تنازلات جعلت محادثات وقف إطلاق النار ليس ممكنا فحسب بل ذهبوا الى أبعد من ذلك استسلامهم بالكامل لمطالب الحوثيين، والتي تشمل فتح الميناء الرئيسي للسماح بوصول الإمدادات الحيوية الى البلاد، والسماح للرحلات الجوية الى صنعاء، والسماح للحكومة بالوصول الى عملتها لدفع رواتب عمالها وتحقيق الاستقرار الاقتصادي؛ برعاية الحكمة العمانية التي لابد من التذكير بها.. يقول "إريك سبيرلينج" المدير التنفيذي لتحليل السياسية الخارجية الأمريكية التي تعمل على إنهاء الحرب في اليمن منذ سنوات، إن "التنازلات السعودية - بما في ذلك الرفع المحتمل للحصار والخروج من الحرب - تُظهر أن أولويتها هي حماية الأراضي السعودية من الهجوم والتركيز على التنمية الاقتصادية في الداخل".
يبدو أن النطاق الكامل لوقف العدوان السعودي على اليمن لم يكن ليحصل دون التطبيع بين الرياض وطهران بوساطة عمانية – صينية ورعاية الأخيرة له.. لقد كانت السياسة الأمريكية تجاه الصراع في اليمن معادية للسلام لدرجة أنها دفعت بأبن سلمان التوجه نحو الصين لإنقاذ عرشه المستقبلي بسلوكه العقلانية بشكل لا يصدق- وفق مراقبون غربيون، وهو ما أثار انزعاج وإحباط كبير لدى الإدارة الأمريكية وهو ما أعترف به مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز خلال زيارته المفاجئة للرياض ولقائه محمد بن سلمان قبل ايام، حيث شعرت واشنطن بصدمة كبيرة من التقارب السعودي - الايراني، وأن قعقعة سيوفها في الشرق الأوسط باتت دون جدوى برعاية خصومها العالميين - وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
ثماني سنوات حرب ودمار وانهار من الدماء طواها اليمنيون بصمودهم وقوتهم الرادعة في وجه العدوان السعودي - الأمريكي، وحصاره الظالم وجرائمه المتوحشة.. تمّم فيها اليمنيون أبهى الانتصارات، وحققوا أوضح الإنجازات، وارتدت مخططات العدوان الى نحره، وكلما امتد الزمن، وطال الوقت، التم شمل اليمنيين حول الحوثيين أكثر فأكثر وهذا ما سجل خطر كبير على عقل ولي عهد سلمان الأرعن ومن يلف من حوله وتسبب في تفرقة كلمة المعتدين، ونزوحهم نحو التمزق والشقاق والتشتت والفرقة والانهيار، حتى باتوا يتقاذفون التهم، وكل طرف منهم يحمل الآخر مسؤولية الهزيمة وأسباب الفشل.. فشل لن يكون الإطاحة بعبد ربه منصور هادي وجنوح المعتدين نحو الهدنة آخره وفق الأرقام التي وردت قبل أيام في مؤتمر القوات المسلحة للمتعاونين مع الرياض قبل أيام، والتي اشارت الى الانهيار العسكري التام ونمو مضطرد لقوة الحوثي على مستويات متعددة- وفق تسريبات مكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص هانز غرونبرغ الذي حضر الاجتماع.
ارسال التعليق