معسكر "الشميسي"، وضيافة الموت بإنتظار مسلمي الروهينغا
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
"إن العاهرة أشرف من رجل الدين المزيف، لأن العاهرة تتاجر بأقذر ما في بدنها، ورجل الدين المزيف يتاجر بأقدس ما جاءت به الأنبياء"- الكاتب اللبناني محمد جواد مغنية، هو ما يحصل اليوم في العالم الاسلامي حيث الدمار والخراب وسرقة المال العام، والسلب والنهب والذبح والسبي، والكذب والتدليس والإغواء والنفاق، إنما يحصل بفتاوى رجال دين وعاظ بلاط آل سعود منذ عقود طويلة، حيث لا زالت فتواهم تُحدثُ صداها، وأثارها المخربة والمنافقة التي لا تنم بصلة للدين الاسلامي الحنيف لا من قريب ولا من بعيد، ويعيث الفساد في البلاد والعباد حيث يقتل المسلمون بعضهم البعض شر قتلة، ويدفنوا في مقابر جماعية، ومنهم مسلمو الروهينغا الذين يقطنون في ولاية راخين الواقعة على الساحل الغربي لميانمار، أولئك الذين قتلهم زيف وتزوير فتاوى المؤسسة الدينية السعودية قبل أن يقتلهم البوذيون والمسيحيون المتطرفون، وسلمان قدم 50 مليون دولار لحكومة ميانمار لأستمرارها في إبادة المسلمين هناك وإضطهادهم - وفق رويترز.
مسلمو الروهينغا وبغية الخلاص من التطهير العرقي وتجارة البشر والمذابح التي يتعرضون لها على يد جيش ميانمار ومجموعات بوذية، تلك التي أختطفت حياة الآلاف منهم فيما تم أحراق آخرين منهم الى جانب إختطاف النساء والأطفال للمتجارة بهم؛ كل ذلك لسبب اتهام البعض منهم بتبني الفكر السعودي المتطرف الذي بلغهم عبر الدعاة السعوديين خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ فما كان منهم إلا أن يفروا الى أقرب نقطة لهم وهي بنغلادش هذا البلد الفقير ليأوي أكثر من مليون و500 ألف من الروهينغا، سرعان ما إنسال عليهم دعاة المؤسسة الدينية السعودية لترغيبهم في اللجوء الى المملكة والسكنى فيها طمعاً بنسائهم وأطفالهم - وفق تقارير وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة.
المئات من الروهينغا شدوا الرحال صوب بلاد الحرمين ظناً منهم بأن يبلغوا ساحل الأمان لكن المأساة الأكثر بشاعة ووحشية كانت في إنتظارهم فور وصولهم بواسطة السفن التي أقلتهم الى جدة لينقلوا منها الى معسكر "الشميسي" الذي يقطنه المئات من اللاجئين السوريين المغلوب على أمرهم من قبلهم، ليتقاسموا المأساة الجديدة معهم.. تجارة البشر والأعضاء التي يديرها أمراء آل سعود كانت في إنتظارهم، فيما تم إعداد وتدريب البعض منهم على تهريب المخدرات والممنوعات - وفق مقال للكاتب الأسترالي "سي جي ويرلمان" في صحيفة "بايلاين تايمز".
تقرير "ويرلمان" وثق عبر اتصالات أجراها مع العشرات من الروهينغا المحتجزين منذ عام 2013 في معسكر "الشميسي" الذي تمتد مساحته على 2.5 مليون متر مربع على الطريق الذي يصل مدينة جدة مع مكة المكرمة، ومصمم ليضم أكثر من 30 ألف مهاجر "غير مسجل" في المملكة (سياسة الضيافة السلمانية)؛ خاصة وأن العشرات منهم بدأ إضراباً عن الطعام بسبب المأساة والمجاعة التي يعيشونها ونظرائهم السوريين الذين كانوا قبلهم في المعسكر، وما يتعرضون له من تجارة البشر والأعضاء وفصل الأطفال عن عوائلهم (كما فعل ترامب مع اللاجئين في أمريكا)؛ ما دفع بالسلطات السعودية الى إستخدام العنف والتعذيب المفرط وإبقائهم لساعات طويلة تحت حرارة الشمس الحارقة، لإكراههم على قبول وجباتهم؛ متجاهلة دعوات الأمم المتحدة للحد من إستخدام العنف ضد اللاجئين الذين قدموا الى المملكة بفخ ديني.
ليست المرة الأولى التي يتم فيها تسليط الضوء على إساءة معاملة السعودية للاجئين الروهينغا وانتهاك حقوقهم الإنسانية، حيث نشر موقع (ميدل إيست آي) قبل أشهر تسجيلا مرئيا مسربا من مركز "الشميسي" يظهر أدلة على هذه الانتهاكات، ويسمع فيه أشخاص عدة من الروهينغا والسوريين يقولون: "ليس أمامنا إلا قتل أنفسنا"؛ وذلك إستناداً لتقرير مقرر الأمم المتحدة الخاص بشؤون اللاجئين في كانون الثاني/ يناير الماضي، وثقه مقطع فيديو، وسربه لاجئون من الروهينغا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر مجموعة كبيرة منهم مكبلين داخل مركز احتجاز سعودي استعداداً لترحيلهم الى ميانمار مرة اخرى ليذبحهم الجيش وجماعات البوذا الارهابية، بحسب ما نشره مراسل "ميدل إيست آي".
الروهينغا الذين أمضى غالبيتهم ما بين سنة وست سنوات العالقين داخل معسكر احتجاز "الشميسي" في جدة، محتجزين لمدة غير محددة تم فصل البعض منهم عن أطفاله - وفق صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، التي نشرت ايضاً مقطع فيديو حصلت عليه لمعسكرات شديدة السرية قيد البناء لإيواء 100 ألف لاجئ من الروهينغا المسلمين الموجودين في المملكة الى جانب 700 ألف آخرين يعيشون حالياً في مخيمات مدينة "كوكس بازار" البنغالية؛ وذلك في جزيرةٍ "باسان تشار" المتآكلة في بنغلاديش بناءاً على طلب من السلطات السعودية ليتسنى لها ترحيلهم في أقرب فرصة الى تلك الجزيرة المتوحشة ظناً منهم أن يكون الأمر هذا بعيداً عن هدر ماء الوجه!!
تتدهور الحياة في معسكر "الشميسي" الاحتجاز السعودي من سيئ إلى أسوأ إلى مروع بالنسبة لما يقرب من ألف لاجئ من مسلمي الروهينغا، وأضحى مركز الشميسي وطنهم المؤقت الذي ينتظرون فيه مصيرهم المحفوف بالمخاطر.. معاناة لا يمكن تصورها تحدث في صمتٍ تام. وإحتجاجاتهم، التي لا تقتصر على محاولات تدمير الذات لأوقات طويلة ومؤلمة أو الإنتحار، لا يسمعها ولا يراها سوى الحراس السعوديين المسؤولين جزئياً عن بؤسهم.. ففي مقطع فيديو ظهر عشرات الرجال من الروهينغا المتكدسين، وهم يحاولون النوم وأخذ قسط من الراحة على أرضية خرسانية جرداء في غرفة بلا نوافذ دون أي مكيفات للهواء، وهو ما وصفه معتقلون آخرون بـ «الغرف الساخنة».
مسلمو الروهينغا أنتخبوا اللجوء الى بلاد الحرمين الشريفيين لقدسيتها بإعتبارها قبلة المسلمين، وملاذهم الآمن وفق ما سمعوه من عشرات الدعاة السعوديين ما شجعهم للقيام بذلك لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة جلية من أن هناك أهداف خبيثة من وراء ذلك.. ليست المرة الأولى التي تكون فيها انتهاكات السعودية ضد لاجئي الروهينغا في دائرة الضوء، إذ نشر موقع Middle East Eye لقطات مسربة من داخل مركز الشميسي للاحتجاز، تُظهر أدلة على حدوث مثل هذه الانتهاكات الخطيرة لأبسط حقوق الانسان.
"سرقت ميانمار مسلمي الروهينغا المنسيين طفولتهم، وسرقت السعودية مراهقتهم، يجب ألا يسمح لأي منهم حرمانه من مستقبله.. كل هذا يحصل داخل المعتقل، في ظل سكوت تام… محاولات الاحتجاج التي تصل الى حد إيذاء النفس والإنتحار لا يراها ولا يسمعها إلا الحراس السعوديين" - حقائق سُربتها وسائل إعلام لم يتمكن المال السعودي إسكاتها، من داخل معسكر الشميسي تعكس الضيافة السلمانية.. صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية نشرت هي الاخرى تقريراً؛ بحثت فيه عن أسباب صمت السعودية إزاء المجازر التي يتعرض لها المسلمون الروهينغا في ميانمار، مبينة أن المصالح الاقتصادية والتوجهات القومية الجديدة للمملكة هي التي دفعتها للتعامل بتباين وبرود مع هذه القضية.
ارسال التعليق