هل تمردت السعودية على الحليف والحامي الأمريكي!؟.. ماذا وراء التوتر الحالي بين واشنطن والرياض!؟
[عبد العزيز المكي]
لعل المتابعين للعلاقات الأمريكية- السعودية، يتذكرون الضجة الاعلامية والسياسية، التي أثيرت قبل ثلاثة أشهر، أي قبيل زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن للسعودية، حول التوتر بين الرياض وواشنطن، فيومذاك زخرت الصحف الامريكية والبريطانية والغربية بالتحليلات ورسم السيناريوهات المستقبلية للعلاقة بين العاصمتين، مجمعة تقريباً على ان ثمة احتمال حصول طلاق بينهما في ظل هذه الاثارة الصاخبة للتوتر بين الطرفين، والتي تعززت وازدادت الأجواء بسببها توتراً، بتصريحات السياسيين في امريكا والداعية الى نبذ وعزل النظام السعودي، بعد ما جرى فضح ونشر جرائم النظام السعودي وفساده على الملأ خصوصاً جرائم وفضائح بن سلمان وفساده... وفي ظل قمة التوقعات على خلفية هذا التوتر المفتعل بحصول الطلاق، جاء بايدن للسعودية وضرب عرض الحائط كل الوعود والتهديدات السابقة بعزل بن سلمان، وبعدم مصافحته، فصافح بن سلمان بالقبضة والتقى به طويلاً وأعلن بايدن ان العلاقة مع السعودية استراتيجية وان امريكا وضعت وراءها مطالباتها السعودية بمراعاة حقوق الانسان، الى جانب جريمة خاشقجي وغيرها من الجرائم، وانتهت يومئذ تلك الزوبعة الاعلامية والسياسية وتلاشت تحليلات الخبراء وطواها النسيان!!
و اليوم تتكرر نفس الحالة، فمنذ قرار منظمة أوبك بلاس بتخفيض الانتاج مليوني برميل يومياً، النصيب الاكبر من هذا التخفيض من حصة النظام السعودي، والاعلام الغربي والأمريكي يواصل حملته الاعلامية وكذلك بعض السياسيين الأمريكيين يواصلون التصريحات والانتقادات، ضد خطوة النظام السعودي وكما في المرة السابقة راحت الصحف الأمريكية والبريطانية البارزة والمواقع الالكترونية، تحلل وتطل علينا يومياً برأي خبرائها، وتنقل تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول العلاقة مع السعودية مستقبلاً، ورد المسؤولين السعوديين عليها، ويلاحظ ان لدى الصحف الامريكية و البريطانية مثل الغاردين والاندبندنت والميدل أيست آي، والنيويورك تايمز، والواشنطن بوست وغيرها إجماع على ان الولايات المتحدة جادة هذه المرة في تغيير علاقتها مع النظام السعودي، في ظل تهديدات بايدن بمعاقبتها أي السلطات السعودية على خطوتها الآنفة، وتصريحات بلينكن وزير الخارجية وسوليفان والناطقين باسم البيت الأبيض والخارجية الامريكية والتي جاءت كلها تقريباً شديدة واحياناً عنيفة في مهاجمتها للنظام السعودي وسياسته، أو في التأكيد على قيام أمريكا بمراجعة علاقتها مع هذا النظام، حتى خال الكثير من المحللين العرب، أن السعودية تمردت على الولايات المتحدة، واختطت لنفسها سياسة خارجية مستقلة عن واشنطن، " سياسة متوازنة" تأخذ بنظر الاعتبار مصالحها، وتغيّر موازين القوى في العالم لغير صالح الولايات المتحدة!! بل حتى ان بعض المحللين البريطانيين ذهب الى هذا الرأي من مثل ديفيد هرست رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي البريطاني في احد مقالاته حول " التوتر" بين الرياض وواشنطن!!
و لكن هل تعني تلك الضجة ان الولايات المتحدة سوف تراجع علاقاتها مع السعودية؟ وهل السعودية تمردت على الأدارة الأمريكية وتحالفت مع روسيا كما ذهب بعض المسؤولين الامريكيين الى هذا التصور في حملة انتقاداتهم للنظام السعودي؟ وهل فعلاً ان أنظمة الخليج العربية بدأت تفكر بالاتكاء على حلفاء جدد غير امريكا، ومنهم روسيا والصين كما ذهب ويذهب الكثير من المحللين الغربيين والأمريكيين وكذلك بعض أقرانهم من المحللين العرب!؟
تختصر الأجابة على هذه الأسئلة وغيرها بالنقاط التالية :-
1- ان زيادة انتاج منظمة اوبك بلاس، الذي تدعي أمريكا أنها طالبت به من تلك المنظمة تقف أمامه عدة معوقات وموانع جدية منها ما يلي:
أولاً: ان الشركات الأمريكية النفطية العاملة في الداخل تريد المحافظة على السعر الحالي وتعارض بشدة خفض الاسعار، صحيح ان ارتفاع الأسعار لمشتقات النفط حالياً أثقل كاهل المواطن الأمريكي واوجد حالة عضب وتبرم لدى المواطن الأمريكي، دفعاه لانتقاد بايدن والضغط على حكومته، الّا ان تلك الشركات هي بدورها تمانع من تخفيف أو تخفيض أسعار المشتقات، لأن خفض الأسعار من شأنه أن يتسبب لها بخسائر فادحة، وبالتالي احتمال اضطرارها الى تلاشيها وانهيارها، أو اندماجها مع شركات أخرى اكبر منها قادرة على الصمود، أما ما يرفعه بايدن وطاقمه الحكومي من انتقادات للنظام السعودي فلا يُستبعد أن يكون قد جاء في إطار الاستهلاك المحلي لإرضاء المواطن الأمريكي الغاضب، أما في الواقع فأن بايدن لا يمكن أن يتجاوز قرارات وارادات هذه الشركات التي تعتبر وبقية كارتلات مصانع السلاح هي الحاكم الفعلي للولايات المتحدة، وبدون شك هذا يفسر قول بعض المسؤولين السعوديين ومنهم وزير الخارجية فيصل بن فرحان، ان قرار منظمة اوبك+ هو لمصلحة الجميع اقتصادياً، ومنهم الولايات المتحدة نفسها، فلا يستبعد أن يكون الأمر قد جرى بالتنسيق وراء الكواليس بين الطرفين وهذا ما المح اليه بالإشارة عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية في تصريحاته قائلاً انه تم بالتنسيق مع جميع الأطراف، وان العلاقات مع أمريكا استراتيجية!!
و ثانياً: ان الولايات المتحدة رغبة خفية بمواصلة الضغط على الدول الاوربية من بوابة الحاجة الى النفط، لأن هذه الدول الى الآن ترفض الانصياع التام للولايات بالذهاب بعيداً في التورط بالحرب الأوكرانية لصالح أوكرانيا ضد روسيا نظراً لعدم قدرتها على الصمود، ونظراً لاعتقادها بأنه امريكا باتت بسبب تراجعها، غير قادرة على الدفاع عنها، بل ان ثمة أصوات أوربية تعالت مطالبة بالتخلص من هذه الورطة، وبالاستقلال عن السياسة الأمريكية لانها باتت المتضرر الأكبر من توريط أمريكا اوكرانيا في الحرب مع روسيا، ولذلك تحاول أمريكا مواصلة الضغط على أوربا من خلال حشرها وابتزازها بالمحافظة على أسعار النفط الحالية، من جهة ومن جهة أخرى قامت باعطاب، حسب الاتهام الروسي، أنابيب ضخ الغاز والنفط الروسيين الى أوربا.
و ثالثاً: ان النظام السعودي وحتى سيدته الإدارة الامريكية، يدركان جيداً بل تلقياً تهديداً مباشراً عبر أطراف أخرى، ومن وراء الكواليس، من روسيا بأن اي عبث بأسعار النفط من خلال إغراق السوق بالنفط السعودي الفائض سوف يجر أو يضطر الروس أو حلفائهم الى قصف المنشآت النفطية السعودية والإماراتية، وبالتالي أحداث أزمة عالمية، برفع أسعار النفط الى مستوى قد يصل الى 300 دولار للبرميل الواحد، حينئذ لا قدرة لا لأمريكا ولا للدول الأوربية على تحمل هذا الوضع والنتيجة انهيارات حتمية في الاقتصادين الأمريكي والأوربي وانجرار الدول الى الحرب العالمية التي لاتبقى ولاتذر، وهذا ما لاتريده لا واشنطن ولا العواصم الأوربية، ما يعني ذلك ان أمريكا واوربا تريد المحافظة على أهون الشرين، اي المستويات الحالية من الأسعار، بدلاً من حدوث السيناريو المشار اليه.
2- ان الغرب والولايات المتحدة مجبران على المماشاة مع الوضع القائم اي عدم دفع السعودية الى زيادة الانتاج النفطي، أولاً: لانهما لا يحتملان تبعة أزمة اقتصادية قد تجر الى حرب عالمية كما اشرنا قبل قليل، وثانياً: إنهما غير قادرين على حماية النظامين السعودي والإماراتي ومنشآتهما النفطية، فإذا هم عجزوا- اي الأمريكان والغربيين- عن حماية تلك المنشآت أمام ضربات او من ضربات وقصف مسّيرات وصواريخ أنصار الله، فأنهم أمام ضربات الروس أعجز بالتأكيد.
اذن في ضوء ما تقدم فأن القرار السعودي بمماشاة منظمة اوبك+، انما هو قرار أجبر عليه النظام وامريكا كذلك، فليس لديهما خيار آخر غير ذلك، وبالتالي فأن النظام السعودي لم يتمرد على واشنطن، ولم يحالف موسكو ولم يختر سياسة خارجية مستقلة عن واشنطن كما ذهب الكثير من المحللين والمراقبين، أما وما يعزز هذا الرأي: اولاً: تأكيدات المسؤولين السعوديين على العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، ثم تهرب المسؤولين الأمريكيين من تنفيذ تهديداتهم بمعاقبة النظام السعودي على تخفيض انتاج نفطه، كما جاء ذلك على لسان سوليفان، إذ قال قرار ليس سريعاً بل يأخذ وقتاً طويلاً !! ما يعني ذلك ان كل التهديدات هي مجرد عملية ابتزاز للنظام السعودي.
وثانياً: ان النظام السعودي وتأكيداً على ولائهِ لواشنطن وانصياعه وخضوعه لاملاءاتها وأوامرها اعلن عن تقديمه لأوكرانيا 400 مليون دولار دفعة واحدة كمساعدات عاجلة بناءاً على طلب أمريكا ويفهم من كل كلام الرئيس الأوكراني ان النظام السعودي كان قدم الكثير من الأموال لأوكرانيا، اذ أعرب: " عن شكره وتقديره لقرار القيادة السعودية بتقديم حزمة مساعدات إنسانية إضافية بمبلغ 400 مليون دولار والتي ستسهم في تخفيف معاناة الأوكرانيين في ظل الازمة الحالية"! بحسب قوله. وكانت السعودية قد صوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بادانة محاولة روسيا لضم أربع مناطق أوكرانية، وهو ما أعاد التأكيد على هذا الموقف بن سلمان في اتصاله الهاتفي مع زيلنسكي الأخير!!
اذن كما قلنا تلك الضجة إنما هي عملية إبتزاز من ناحية، ومن ناحية اخرى هي عملية تخويف لهذا النظام وارعاب له لمنعه من التفكير من الخروج عن الطاعة الأمريكية في ظل اهتزاز ثقة حلفاء واشنطن من العرب والأوربيين بحماية الولايات المتحدة على خلفية تراجعها وضعفها أمام تصاعد قوى عالمية صاعدة!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق