هل حان وقت إنتهاء حلف الثماني عقود؟!
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
ثمانية عقود هو تاريخ الحلف الخفي المعلن بين الأسرة السعودية والراعي الأمريكي، هذا ما أعترف به وزير الخارجية عادل الجبير خلال كلمته أمام معهد "بروكينغز" بالعاصمة الأمريكية واشنطن في آذار عام 2018؛ بقوله: " التعاون الأمني والعسكري السعودي والأمريكي يعود لعقود طويلة.. بالخمسينات والستينات تعاونا مع أمريكا لإسقاط جمال عبد ناصر وباقي ثورات الشرق الأوسط، وبالسبعينات والثمانينات تعاونا مع أمريكا لتحويل مصر للمعسكر الغربي وكذلك فعلنا في الصومال والكثير من دول المنطقة.. ثم تعاونا من أجل خارطة الشرق الأوسط الكبير وضرب حركات المقاومة.. نتعاون مع أمريكا لاحتواء إيران.. وعانينا معها منذ 1979.. أن الحرب في اليمن تم فرضها علينا ولم نخترها بإرادتنا، والأزمة في اليمن لا يمكن أن تحل سوى عبر المسار السياسي!!".
تنامي تودد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لايران وإصراره على حلحلة الأزمة القائمة بين البلدين طيلة العقود الأربعة الماضية، حتى بلغ به المطاف لإلتماس الرئيس الايراني روحاني القبول بلقائه أو حتى أخذ صورة معه على أقل تقدير كما حصل مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، سعياً منه لكسب الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث يرى ايران مفتاح الفوز أو السقوط وليست مئات مليارات الدولارات التي إستحلبها ويستحلبها من الحليف السعودي على الدوام بالتهديد والإستحقار والمهانة والمذلة؛ أربك العرش السعودي وزلزله نوعاً ما من تحت أقدام ولي العهد خاصة وأنه شاهد عن كثب التودد الأماراتي لايران ايضاً ما زاد الطين بلة عليه ويدفعه القيام ببعض التعديلات في سياسة المملكة الخارجية.
تغيير وزير الخارجية كان أول قدم يقوم به سلمان بغية كسب ود الحلفاء الغربيين لضمان بقاء العرش في سلالته بدلاً من بلوغها أخيه أحمد بن عبد العزيز الذي سارع بدوره وبناء على توصية بريطانية فرنسية ودعم كويتي الى فتح باب الحوار مع طهران لإنقاذ المملكة من مهلكة رمال اليمن المتحركة، في زمن سيطر سلاح الجو المسير اليمني وصواريخها الباليستية على سماء وأرض بلاد الحجاز من حقل الشيبة التابع لشركة أرامكو السعودية في شرق السعودية وقرب الحدود مع الإمارات، وحتى قاعدة الملك خالد العسكرية الجوية في خميس مشيط بعسير مروراً بمطاري جازان وأبها وأهدافاً عسكرية في العاصمة الرياض.
إستقبال حار تخلله تقديم ورود وحلوى للحجاج الايرانيين الذين قدموا على الديار المقدسة هذا العام مع إهداء ايران حصة إضافية بلغت أكثر من ألفي حاج دون غيرها من البلدان الاسلامية، والإفراج عن ناقلة السفينة الايرانية "هابنس 1" التي كانت قد رست في ميناء جدة بعد تعرضها لخللٍ فني حيث جرى إصلاحها، والاهتمام بطاقمها، والسماح لها بالعودة الى المياه الإقليمية الايرانية؛ شغلت بال الكثير من المراقبين متسائلين عن أسباب هذا الغزل السعودي لايران في هذا الوقت بالذات فيما كان بمقدور الرياض العمل بذلك قبل سنوات لإنهاء إرثٍ طويلٍ من الصّدامات والخلافات الى جانب وضع حدٍ للأزمة اليمنية التي خطفت أرواح عشرات الآلاف من مواطني كلا البلدين الجارين دون جدوى، بعد أن كان قد وعد سلمان ونجله الطائش الحليف الأمريكي بدخول صنعاء والقضاء على الحوثيين في مدة أقصاها عشرة أيام - وفق ما قاله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كول باول في حديث له مع قناة فوكس نيوز الأمريكية وذلك بعد ستة أشهر من بدء العدوان السعودي على اليمن.
تخبط وتخوف يسيطران على مستقبل الأسرة السعودية الحاكمة لسبب السياسة المتهورة التي ينتهجها محمد بن سلمان وفريقه، دفع بكل جناح منها يعمل لمفرده بالتشاور مع الجهة الأجنبية الداعمة له؛ في وقت تشير الأصابع الى أحمد بن عبد العزيز ليحل محل أخيه سلمان بغية إنقاذ ما تبقى من ماء وجة السلطة والمملكة والحفاظ على العرش الأسري بدلاً من إنزلاق البلاد في متاهة الانقلاب العسكري أو حرب الشوارع التي يرجحها الكثير من المراقبين للإنفلات الأمني الكبير الذي يعصف اليوم في الشارع السعودي لغباء وطفولة ولي العهد بتزويده تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من جنوب اليمن مقراً له، بأسلحة أميركية متطورة بدافع إماراتي وبذريعة محاربة الحوثيين الذين استولوا بدورهم على كميات كبيرة منها الى جانب تدمير قسم آخر خلال معارك الساحل الغربي - وفق ما سربته قناة سي إن إن الأمريكية قبل أيام.
عشرات الأمراء وأبناء العم من فروع قوية لأسرة آل سعود الحاكمة بينهم أمراء بارزين يسعوون جاهدين للتغيير في خط الخلافة على رأس الهرم، في مسعى منهم لمنع ولي العهد محمد بن سلمان من أن يعتلي العرش ويصبح الملك بعد والده - حسب تقارير لرويترز نقلاً عن مصادر مقربة من البلاط والقصور الملكية في جدة والرياض، دعماً لإعتلاء عمه الأمير أحمد الذي يعد أكثر تعقلاً وحنكة في الأسرة الحاكمة ومدعوماً بريطانياً وأوروبياً، حيث التقاه كبير مستشاري الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنر قبل أسبوعين خلال زيارة سرية للأخير الى الرياض سبقت زيارة الوفد السعودي الى طهران!.
يقول مواقبون أن كل الرهانات التي دخلتها المملكة منذ بدء العهد السلماني وما قبله بقليل، لن تنجح في أي واحدة منها. لا في اليمن ولا في العراق ولا في لبنان ولا حتى في سوريا؛ فالمملكة تعيش مرحلة جديدة في تاريخها لا تشبه سياساتها السابقة التي كانت تمارسها بالخفاء، فكانت تدعم قوى وإتجاهات وتقدم تمويل وما شابه ذلك من خلف الستار، لكنها تتدخل مباشرة وبرعونة ولم تعد تعمل من خلف الستار، تتدخل في اليمن وتمارس الحرب مباشرة هناك، وتدخلت في سوريا وأعلنت صراحة أنها ترسل السلاح الى لبنان، وتهدد ايران تارة وتتودد وتلتمسها لإنقاذها تارة اخرى، في وقت تطلب من الولايات المتحدة الأمريكية ان تشن الحرب على ايران، وهذا لم يحصل سابقا خلال العقود الماضية في تاريخ السعودية.. الذي يجري اليوم هو مرحلة انتقالية للحكم في المملكة، ولي العهد يريد ان يحصل على الدعم من الخارج، وبالتحديد من الحليف والراعي الأمريكي بأي ثمن لكي يصبح هو الملك المستقبلي وهذا ما يخيف الأسرة السعودية الحاكمة على مستقبلها.
وسائل اعلام أمريكية سربت إن إدارة ترامب أخذت منحى الإبتعاد عن ولي العهد السعودي بصورة تدريجية بعد أن كانت تتجنب إنتقاده، ما دفعه الى الكشف بالعلن عن علاقاته بالكيان الاسرائيلي تحسباً لأي طارئ سلبي من قبل ترامب الذي يمهد لدخول سباق الانتخابات الرئاسية القادمة وكسب الشارع الأمريكي الرافض لعلاقة بلاده مع نجل سلمان الملطخة يداه بدماء الأبرياء في اليمن الى جانب الكاتب المخضرم جمال خاشقجي؛ ما ينبئ عن إحتمالية تدهور الحلف القائم بين البلدين لوجود محمد بن سلمان - كما جاء في مقال للكاتبين الأمريكيين ستيفين سايمون ودانييل بنجامين، نشرته "نيويورك ريفيو أوف بوكس" الأمريكية.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية أوردت خبراً قالت فيه إن إدارة ترامب تستعد لبدء محادثات مباشرة مع جماعة الحوثي في اليمن المدعومة من ايران، في محاولة منها لتبييض سمعتها التي تلطخت بسبب العدد الكبير من الضحايا الذين سقطوا في هذا العدوان المستمر منذ أكثر من أربعة أعوام بعد أن خففت من دعمها المحدود لتحالف الرياض، مشيرة الى أن واشنطن أوعزت للرياض بوجوب المشاركة في هذه المحادثات التي ترعاها سلطنة عمان بشكل سري!.. الرياض بعثت على الفور نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان الى واشنطن لبحث الأمر مع المسؤولين الأمريكيين.
ارسال التعليق