وحدة الخطوات السعودية - الصهيونية نحو أفعوان التطبيع الابراهيمية
[حسن العمري]
* حسن العمري
ذكر الثعابين ورد ضمنا في القرآن الكريم كدابة تمشي على بطنها " وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" سورة النورة الآية 45، ثم ورد ذكرها حين ألقى موسى عصاة فتحولت ثعبانا ابتلع حياة السحرة "فأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ" سورة الأعراف الاية 107.. كما ورد أسم الثعبان في اليهودية خصوصا النفاثة منها في سفر العدد (قسم من التوراة) كحيوان شفى أحدهم بعد أن كان يوشك على الموت وفي إنجيل يوحنا أعمال سداد الدين تقارن بمشاهدة ثعبان نفاث على الرغم من ذلك يصور الثعبان في المسيحية واليهودية مخلوق ملئ بالمكر والشر وفي سفر التكوين أن الثعبان هو من أغرى حواء بإقناع آدم للأكل من شجرة المعرفة ومن ثم معاقبتهما بانزلهما من الجنة.
نشر تقرير عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الى أن موقع المملكة الجغرافي التي تمتد حدودها على طول 4415 كيلومتر "يتميز بكثرة الجبهات والحدود الطويلة والمخترقة. وقوات أمن المملكة تواجه في الوقت نفسه عددا كبيرا من مراكز التهديد"؛ داعياً الى العمل سرا لدى الإدارة الأميركية من أجل أن تكون إجراءاتها ضد المملكة ضئيلة، في ظل تزايد الانتقادات في الحزب الديمقراطي لممارسات محمد بن سلمان، والتي تزيد من تخوف دائم عند حدود المملكة مع دول مجلس التعاون من سيناريوهات انقلاب يوصل الى الحكم، من دون إنذار كاف، نظاما مواليا لايران"- حسب تعبير التقرير. مؤكداً أن ثمة مصلحة بارزة لإسرائيل بالحفاظ على استقرار ومكانة المملكة كجزء من ترسيخ معسكر- براغماتي في المنطقة، لنخرج رابحين".
ليس جزافاً أن يعتبر غالبية المراقبين للشأن الأقليمي أن المشروع الابراهيمي الطافح على المستوى الخليجي اليوم هو القسم الثاني لمشروع "سايكس بيكو" الاستعماري الرامي الى تجزئة ما تبقى من استقلالية وأراضي عربية لصالح الكيان الاسرائيلي المحتل نحو توسعة من النيل الى الفرات، خاصة وأن استمرار بقاء الكيان الصهيوني في المنطقة على قيد الحياة رهن بتغيير عميق في ثقافة شعوبنا التي تعتبر "الدويلة العبرية" كيانا غاصباً محتلاً إجرامياً غريبا ومعاديا لها دينياً ووطنياً وقومياً.. وإن أي تغيير في ثقافة شعوبنا رهن بتغيير عقيدتنا الدينية، ومن هنا كان لا بد من اختلاق أسم ديني معتبر لدى الأديان السماوية الاسلام والمسيحية واليهودية لمشروعهم الاستعماري التقسيمي الجديد لينطلي على القاعدة الشعبية الساذجة في بلداننا وفي مقدمتها الخليجية منها.
الغالبية العظمى من أبناء الأمة لم يسع لمعرفة مخطط أفعوان "مشروع الإبراهيمية" أو "المشترك الإبراهيمي" الناعم الذي يرتبط جغرافيا وديمغرافيا وسياسيا واقتصاديا بالمشرق العربي امتدادا الى تركيا وايران، ضمن الأفكار الخيالية التي تحولت مع الوقت وبدعم من اللولبيات الصهيومسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية الى فكرة واقعية تبنتها مراكز دراسات مرموقة تابعة للمخابرات الأمريكية وجامعات مثل "هارفارد" وغيرها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبدأ فيها العمل على أرض الواقع تحت شعارات ملونة مثل "(السلام العالمي، والتعايش، وتعزيز القيم الإنسانية، وثقافة السلام…" عبر إيجاد تفاسير حديثة وتأويلات جديدة للنصوص المقدسة؛ وخاصة للآيات القرآنية التي ترى فيها الصهيونية العالمية خطراً عليها!.
مبادرة السلطات السعودية في طبع القرآن الكريم بنسخة عبرية يحتوي على أخطاء وتحريف لآياته الكريمة في أكثر من 300 موضع أصدره مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة يدخل في هذا الاطار، حيث أخطاء تمس العقيدة الإسلامية، وتتوافق مع معتقدات اليهود الصهيونية، وترقى لأن تكون تحريفاً متعمداً للقرآن؛ منها تبديل كلمة المسجد الأقصى الى "الهيكل" الصهيوني المزعوم ليتوافق مع الرواية اليهودية المتطرفة لواقع أحداث التاريخ.. وكذا في ترجمة معاني سورة الإسراء، وذلك في الآية التي تقول: "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة..".. وايضاً عدم ذكر اسم الرسول "محمد" صلى الله عليه وآله وصحبه المنتجبين، والنبي "عيسى" عليه السلام.. فيما ذكرت الترجمة أيضا النبي "إبراهيم" كأب لـ"إسحاق" و"يعقوب" وسائر أخوتهم، واستثنت "إسماعيل"، توافقا لمعتقدات التطرف اليهودي؛ جاءت لتكميل تغييب الحقيقة رويداً رويدا من المجتمع الإسلامي والذي بدأته بحذف الآيات القرانية التي تمس اليهودية من الكتب الدراسية في المملكة ايضاً.
تجاربنا السابقة مع الاستعمار الصهيو غربي تكفي لأن نقف على حقيقة مشاريعه ذات الطابع السياسي وترفع شعار التعايش الانساني والديني المشترك لأتباع الأديان السماوية الاسلام والمسيحية واليهودية في منطقتنا العربية الخليجية ذاتها فيما الاسلام محارب على مختلف الصنوف لدى الغرب؛ نراها مشاريع تتسق مع بعضها البعض لتفتيت وحدتنا وتمزيق بلداننا وتحويلها الى كانتونات صغيرة يسهل السيطرة عليها من قبل الاحتلال الاسرائيلي نحو ايجاد "اسرائيل الكبرى" من النيل الى الفرات وما أبعد من ذلك؛ مشاريع استعمارية خبيثة بحلة جديدة تسعى نحو تحقيق ما فشلوا من تحقيقه عبر مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، ومشروع "صفقة القرن"، وإسقاطها على الواقع السياسي والديني في منطقة المسار الذي سلكه سيدنا إبراهيم عليه السلام في رحلته من حدود تركيا وصولا الى مكة المكرمة.
أول رئيس وزراء لكيان العدو الصهيوني "ديفيد بن غوريون" كتب في مذكراته: «إسرائيل تؤمن أن قوتها ليست في امتلاكها للسلاح النووي، وإنما في تفتيت ثلاثة جيوش عربية كبرى وهي (العراق، وسوريا، ومصر) وتحويلها الى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية»، منوهًا إلى أن «تل أبيب تؤمن بأن نجاحها في ذلك لا يعتمد على ذكائها بقدر ما يعتمد على جهل الطرف الآخر وغبائه وعمالته».. ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس "مشروع الشرق الأوسط الكبير" والذي ولد ميتاً بفعل حرب تموز وهروب الجيش الاسرائيلي في جنح ليل مظلم من أمام فئة صغيرة من قوة حزب الله اللبناني؛ جاء لإستكمال رغبة قادة اللوبي الصهيوني للسيطرة على ربوع بلادنا العربية والاسلامية وهو ما يحصل تحت مسميات التطبيع والعلاقات السياسية والاستثمارات التجارية القائمة على قدم وساق في منطقتنا الخليجية مع الأسف.
مراقبون للشأن الإقليمي يشددون على أن المخطط هو “تقسيم المقسّم، وتجزئة المجزأ” من الأقطار العربية، والحرب على اليمن، وفي ليبيا، والارهاب الذي يعصف في سوريا والعراق و...، ليست سوى غطاءً لتقسيم هذه الدول بعد إنهاكها، واستهلاك مواردها البشرية والطبيعية والمالية، وهدم بنيتها الفوقية والتحتية… هو المخطط الذي وضعه اليهودي البريطاني المتصهين «برنارد لويس» عام 1980، صاحب أول مخطط لتقسيم المنطقة العربية، وصاحب نظرية أن "الاستعمار للشعوب العربية نعمة تخلصهم من آفة الجهل والتخلف التي زرعتها الأديان السماوية، سيما الإسلام"!!؛ ما يثبت قدم التخطيط وأن عملية التطبيع بين دول مجلس التعاون الخليجي والذي ذهبت اليه كل من الإمارات والبحرين علناً، وقطر والسعودية في الخفى، ليس سوى نتيجة لهذا المخطط التآمري.
المشروع الأمريكي الصهيومسيحي هذا آيل للإتساع ليشمل الشمال الأفريقي وبعض الدول الأخرى ليغطِّيها هذا المشروع الاستعماري الزاحف على المدى البعيد لنشر الديانة الإبراهيمية المستحدثة أو المشترك الإبراهيمي الذي يحاول الجمع بين سكَّان هذه المناطق في دائرة سياسية واحدة وفقا للقيم والمشتركات الإنسانية التي تجمعهم بسيدنا إبراهيم أبي الأنبياء عليه السلام، ونشرا للتسامح والقيم الإيجابية الروحية، واختيار ما يناسب من مشتركات في الديانات السماوية الثلاث التي تغطِّي هذه المساحة الجغرافية، وهي اليهودية والمسيحية والإسلام؛ لكن علينا أن لا ننسى أن اليهودية لا تعترف بما جاء بعدها من ديانات رغم اعتراف الأديان الأخرى بها.. أنه الأفعوان بنعومة جسده وسمه القاتل.
ارسال التعليق