آل سعود وتجذر العداء للقضية الفلسطينية.. اللي بيهم ما يخليهم
[جمال حسن]
* حسن العمري
تزامناً مع ذكرى إعلان دولة الكيان الصهيوني في الخامس عشر من مایو عام 1948، شرعت السلطات السعودية البحث في قضية عشرات فلسطينيين وأردنيين من المقيمين تم اعتقالهم في شباط/ فبراير 2019 على خلفية معارضتهم لما أطلق عليها "صفقة القرن"، لتكون النتيجة بعد شهرين من المماطلة وجلسات بعيدة عن حضور محامين أو عوائل المعتقلين، إصدار احكام قاسية بالسجن لمدد تراوحت ما بين 4 - 22 عاما؛ يطرح التساؤل عن أسباب التوقيت وكل هذا التعسف والقساوة الكبيرة ضد أناس لا ذنب لهم سوى الدفاع عن القضية الأم وهي فلسطين؛ سوى أن يكون هذا الإجراء عربوناً من "بن سلمان" للحليف الكابوي يدفعه مواصلة مسيرة المخبول الذي سبقه "ترامب" بدعمه بلوغ العرش، ذلك الحلم الوردي مهما تضخمت ملفات إجرامه الاقليمية منها والداخلية القائمة على انهار من دماء الأبرياء.
اعتقال هذه المجموعة من الفلسطينيين والأردنين المقيمين في بلاد الجزيرة بينهم ممثل حركة حماس السابق لدى المملكة محمد الخضري، بتهمة تقديم الدعم المالي للشعب الفلسطيني.. جاء تزامناً مع الذكرى السنوية للقاء العار والذل والهوان بين الجد عبد العزيز والرئيس الأمريكي آنذاك روزفلت في فبراير 1945 على متن الطراد يو إس أس كوينسي (CA-71)، تمخض عن اتفاق كوينسي (Quincy Pact) على ضوء الوثيقة التي كتبها بخط يده، "أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل آل سعود أقر وأعترف ألف مرة لسير برسي كوكس، مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما تراه بريطانيا، التي لا أخرج عن رأيها حتى تصبح الساعة".
القول بخيانة آل سعود لفلسطين وشعبها المشرد ليس بخاف على أحد وهي من المسلمات والبديهيات لمن يتتبع تاريخ هذه الزمرة الفاسدة القابعة على بلاد الحرمين الشريفين، حيث ينحدر من الجد نحو الأبناء ثم الأحفاد ليزيدها محمد بن سلمان بريقاً وسطوعاً أكثر وأكثر خلال مواقفه السياسية وإجراءاته العملية يوما بعد آخر من دعمه الكامل والصريح لما يسمى "صفقة القرن" وما جرى من حولها حتى إصدار الأحكام الجائرة ضد عشرات الفلسطينين والتي سوف لن تكون خاتمة لمواقف الحفيد الطائش تجاه قضية الأمة الأولى حيث الأمور ستزداد سوءاً أكثر وأكثر يوماً بعد آخر وسط الهرولة الخليجية نحو التطبيع مع العدو الصهيوني بكل صنوفه خاصة وأن المعلم الاماراتي بادر الى تجنيس الآلاف من المستوطنين الصهاينة واسكانهم ما يشكل درساً للتلميذ المتخلف عقلياً.
الجد عبد العزيز آل سعود ولدوره الريادي في إخماد الثورة الفلسطينية العارمة 1936- 1939 تلك التي أربكت قوات الاحتلال البريطاني ودفعت نحو هجرة معاكسة من فلسطين المحتلة وبدء عودة حشود المستوطنين اليهود المهاجرين للعودة الى الديار التي قدمو منها أي الدول الأوروربية، وبيعه فلسطين وشعبها؛ حصل على مقابل 20 مليون جنيه استرليني من بريطانيا، ومديح من الرئيس الأمريكي روزفلت بقوله: "إنني معجب بك يا عبد العزيز, لا لأننا نعتبرك زعيم العرب الأكبر وكبير المسلمين الأوحد فحسب, وإنما لإخلاصك لنا فأنت لن تتغير مهما كبرت وعظم شأنك, لأنك جوهر ثمين لا يقدر بثمن بالنسبة لنا. وإنني أطمئنك بأن الروابط التجارية والإقتصادية والعسكرية والأخوية ستزداد بيننا وثوقاً لما تبذله .."، وبقاء أسرته في السلطة باعتراف "ترامب" مراراً بانه "لولا دعمنا لما بقيت لآل سعود قائمة ولا دولة يحكمونها".
الحفيد المتبحر بالعمالة والخنوع والركون تجاوز ما أقدم عليه الجد وبدلاً من أن يكسب مادياً وسياسياً بات هو الذي يدفع المليارات لتثبيت الكيان الصهيوني في جسد الأمة ويقدم على مقاضاة ومجازات وسجن كل من تسول له نفسه بدعم القضية الفلسطينية حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث عشرات النشطاء السعوديين اعتقلوا وجرموا لهذا السبب وسط كتمان مطبق على أنبائهم في الشارع السعودي بإشغاله بحفلات الفسق والفجور والطرب والرقص المختلط الماجن لإبعاده عما يدور على الساحة الداخلية والاقليمية وأن يكون بعيداً كل البعد عن الدور الذي يقوم به ولي عهد سلمان في امحاء وإنهاء القضية الفلسطينية سعودياً وخليجياً وعربياً عن الجيل الصاعد الذي لم يعد نراه يهتم بما يدور بالقضية الأم بعد أن كان أول المدافعين والداعمين لها سابقاً.
الأمر لن ولم يتوقف عند هذا الحد بل سيتجاوزه كثيراً من قبل الحفيد المصاب بجنون العظمة خاصة وأنه عندما يرى أن جده عبد العزيز قد تعهد لروزفلت, قائلا:“أنه في حال تشريد عدد كبير من الفلسطينيين بعد إعلان إسرائيل في فلسطين. سيتم تشغيل قسم كبير من اللاجئين في شركة آرامكو, وبعض الأعمال الأخرى, وحفر آبار جوفية في صحراء قرية, الواقعة بين الكويت والسعودية لمن يريد الاستيطان.. بالرغم من أنني لا أخفيكم مخاوفي من أن ينقل الفلسطينيون بذور الفتنة لرعايانا فيثيروا الرعية. لكنه ما عندي لهم إلا السيف وأنا معكم في كل شيء الى يوم القيامة”- (عبد المجيد حمدان- إطلالة على القضية الفلسطينية- ص- 136-137)؛ فلا بد له أن يقدم أكثر من ذلك ليثبت ولائه لراعي البقر والثعلب العجوز ويوصل رسالته بأنه سينهي بـ"الحسنى" ما أقدم عليه جده في خيانة الأمة وقضيتها المركزية.
الأرشيف البريطاني والأرشيف العبري أبرز وثائق كشفت عن لقاءات عديدة بين مستشارين للملك عبدالعزيز وقادة ومستشارين صهاينة. من بينها لقاء في لندن بين ديفيد بن غوريون وسفير السعودية في ثلاثينيات القرن المنصرم، ولقاء آخر بين بن غوريون وموشيه شيرتوك من جهة، وبين حافظ وهبة أحد كبار مستشاري عبدالعزيز من جهة أخرى. تلك اللقاءات التي تطرق إليها بالتفصيل ميخائيل كهنوف (الضابط السابق في وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الخمسينيات، ولاحقاً مسؤول رفيع في الموساد) في كتابه "المملكة العربية السعودية والصراع في فلسطين" في أطروحة دكتوراه في جامعة تل أبيب، مستعيناً ايضاً بمذكرات قادة الوكالة اليهودية. يورد فيها بوضوح تقبّل عبدالعزيز لفكرة وجود اليهود على أرض فلسطين ورفض مقاومتهم. يشير الى مصلحة عبدالعزيز في الاستيطان الصهيوني وسيطرتهم على فلسطين بكاملها.
التنسيق القائم في السر والعلن بين الرياض وتل أبيب ضد القضية الفلسطينية، ما هي إلا حلقة جديدة في سلسلة من العلاقات التآمرية السرية بين الكيانين الإسرائيلي الصهيوني والسعودي الوهابي، هدفه الاستراتيجي تصفية القضية الفلسطينيّة.. حيث كانت الأسرة السعودية الحاكمة طيلة أكثر من قرن مضى وحتى يومنا هذا الممول الرئيسي لبناء مستوطنات الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المغتصبة، ليس من فوائد أموالها المنهوبة من مقدرات الشعب السعودي الموضوعة في البنوك الأميركية فحسب بل حتى في العلن وما الأقتراح الملح من محمد بن سلمان لرئيس السلطة الفلسطينية بحضور جاريد كوشنر في 2017 "الإعتراف بدولة فلسطينية مقابل التخلي عن القدس بالكامل لصالح الصهاينة والقبول بضاحية "أبو ديس"عاصمة للدولة الفلسطينية المُقترحة و10 مليارات دولار لتحسين الوضع الفلسطيني - وفق صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية، نموذج آخر من تمادي وتماحي آل سعود في طعن القضية الفلسطينية.
ختاماً، لنسأل آل سعود وعرابهم بن سلمان، ماذا تريدون من الفلسطينيين...؟ أن يستسلموا ويتنازلوا عن حق العودة...؟ أن يكسروا مفاتيح الذكرى...؟ أن يزحفوا على بطونهم طالبين الصفح من قاتليهم...؟ أن يقبلوا... أن يعطوا أرضهم وبلادهم وثرواتهم الى "اليهود المساكين" وفق تعهد جدكم...؟ كل هذا متوقع وطبيعي حيث آل سعود مكلفون بالتنفيذ والتمويل لإنهاء كل ما أسمه فلسطين وشعب فلسطين.
ارسال التعليق