أراد قمة العشرين أن تكون له عوناً في صعوده فأضحت فرعون سقوطه
[حسن العمري]
علق محمد بن سلمان آمالاً كثيرة وبنى أحلاماً وردية على استضافته لقمة مجموعة العشرين التي تضم أكبر الاقتصادات في العالم، حضورياً في الرياض لكن بين عشية وضحاها انقلب السحر على الساحر وفتكت جائحة كورونا بكل ما تم إعداده مسبقاً وسارت الرياح عكس ما كانت تشتهي سفن سلمان ونجله وأعتبر المراقبون بأنها أكبر فشل لقمم من هذا النوع منذ تأسيس المجموعة.
وكانت السلطات السعودية قد خططت لاستغلال القطاعين الاقتصادي والسياحي بالبلاد من انعقاد قمة مجموعة العشرين، لكسب عوائد بعشرات مليارات الدولارات حيث كان من المتوقع أن تستقبل المملكة نحو عشرات الآلاف من الزوار والصحفيين والدبلوماسيين إلى جانب زعماء ووفود الدول العشرين وضيوف الشرف في الرياض ما يشكل دعاية دولية كبرى للمدينة وللسياحة فيها.
الى جانب تعزيز الثقة في البيئة الاستثمارية والترويج لبرامج ومبادرات رؤية المملكة (2030) أبرز المكاسب التي كان قد بنى عليها نجل سلمان آماله باستضافة القمة، إضافة الى الشهادة الدولية بأهمية اقتصاد المملكة ودورها في تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي في العالم، لكن كل ذلك أضحى هواءً في شبك وسرعان ما تبخرت المخططات وفي مقدمتها مشروع "نيوم" والبحر الأحمر، لتأخذهما رياح الفشل العارمة نحو المجهول.
أما على المستوى السياسي والمساعي المكثفة طيلة عامين من أجل تبييض الوجه الإجرامي القبيح الكريه للعهد السلماني، والعمل على كسب الدعم وإضفاء الشرعية السياسية على "نموذج قيادة" محمد بن سلمان للمملكة وتسهيل توليه العرش قبل وفاته أبيه المصاب بالزهايمر العضال، أفشلته أحداث يوم الافتتاح الذي كان خير شاهد بعدم اهتمام الحلفاء قبل الخصوم بسلمان ونجله بما شهده من مسرحيات هزيلة كان أبطالها لكبار المشاركين.
فمثلاً الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الداعم الأساس والرئيسي لعرش "بن سلمان" قد شارك في القمة وهو مشغول بكتابة تغريدات على موبايله من غرفة العمليات في البيت الأبيض، تركز على جهوده لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، طوال الجلسة الافتتاحية، وبعد 13 دقيقة ترك القمة وتوجه إلى نادي الغولف بدلا من استكمال فعاليات القمة.
كما رصد موقع إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية تناول الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" مشروبا غازيا خلال فعاليات الاجتماع. في الوقت ذاته كانت المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل" تتابع بمضض كلمات القادة المشاركين في القمة. والنهاية كانت لصالح الرئيس الصيني "شي جينبينغ" بإعلانه قرار بلاده بوضع لقاح كورونا بثمن زهيد في متناول الجميع.
وقال الباحث في ستراتفور للأبحاث الجيوسياسية "رايان بوهل" "قمة مجموعة العشرين كانت مخيبة جداً لآمال السعودية"، حيث بدأت بكلمة الافتتاحية للملك سلمان والذي انطلق أبكر مما كان مخططا له، وسرعان ما توقف بعدما أدرك أحدهم ذلك وحذّر الكهل السعودي.
أما "كارين يونغ" من معهد الشرق الأوسط فقالت: "القمة لم تسير حسب ما كان مخطط لها، وكانت مخيبة لاعتبار المملكة لاعباً على المسرح الدولي، فيما عبر كوغل عن دهشته الكبيرة من شعار قمة مجموعة العشرين وهي تقوية المرأة، في وقت تم سجن السعوديات البارزات أو دفعهن للمنفى أو الصمت. وموضوعهن يحتاج الى اهتمام ولا يمكن "سحبه تحت السجادة".
وكتب صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا أكدت فيه فشل ولي العهد السعودي في استغلال قمة مجموعة العشرين من أجل تلميع صورته وتحقيق المكاسب. في وقت أشارت صحيفة "الإندبندنت" بتقرير لـ "مايا أوبنهايم" الى تعرض ناشطات حقوق المرأة والسجناء السياسيين في المملكة للاعتداء الجنسي والتعذيب، ولقي الكثير منهم حتفهم في سجون آل سعود.
أما المراقبون للشأن السعودي فقالوا أن لدعوات المنظمات الدولية الحقوقية والمعنية بحقوق الإنسان بمقاطعة قمة مجموعة العشرين في الرياض المتورطة في جرائم بشرية كبيرة منها العدوان الوحشي على اليمن، واعتقال آلاف النشطاء والناشطات وسط رفع شعار حقوق المرأة للاجتماع المذكور، الى قضية تنشير الصحفي "جمال خاشقجي" في 20 أكتوبر 2018 داخل القنصلية السعودية باسطنبول؛ التأثير الكبير في إفشال القمة.
وظهر سلمان في مواقف محرجة بعد أن بدأ لا يعرف إن كان حضر القمة السابقة لمجموعة العشرين قبل عام في اليابان من عدمه، فيما لم يظهر نجله في الاجتماعات وكأنه ذو القبضة الحديدية بل كان أشبه بوجه نمر من ورق وراء الشاشة؛ وصحيفة "ناشيونال بوست" الكندية قالت: إن إخفاقات "بن سلمان" المتكررة جعلته أسوأ زعيم في العالم.
وقال الباحث في معهد ستراتفور للابحاث الجيوسياسية "رايان بوهل" "لقد كان مؤتمر قمة مجموعة العشرين G20 هذا العام مخيبا للآمال بالنسبة للسعودية التي لم تتمكن من استعراض ما تسميه التطورات بالطريقة التي تأملها وحتى أن خط المترو الجديد الذي كان من المقرر افتتاحه في الرياض خلال القمة، لم يؤت ثماره كما كان مخططا له.
ما إن انتهت القمة حتى بدأت بوادر الهزيمة والضياع والخيبة تحيط بولي عهد سلمان لينكب موبخاً كل من حوله. في وقت فجرت فيه صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية مفاجأة من العيار الثقيل، بكشفها عن مخاوف كبيرة لدى ولي العهد وقناعاته بأن جهاز المخابرات الأمريكية يسعى لتصفيته -على الأقل سياسيا- وإعادة محمد بن نايف للواجهة مرة أخرى.
أما صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية فقد خلصت إلى أن العلاقات الإستراتيجية بين نظام آل سعود والإدارة الأمريكية ستظل مستمرة في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" لكنها لن تكون على غرار عهد الرئيس الحالي ترامب بما في ذلك انتهاء حصانة ابن سلمان، خاصة وإن بايدن مصر على تلقين "بن سلمان" الدرس.
ولطالما وصف الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن السعودية بأنها "منبوذة"، وناهض بشدة حربها على اليمن، وحث على إعادة تقييم العلاقة بينها وبين واشنطن. والسفيرة السعودية في واشنطن "ريما بنت بندر"، أكدت في خطاب لها بالفيديو أمام المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، "علاقتنا أعمق بكثير من مجرد زعيم سعودي واحد أو رئيس أمريكي واحد!!".
كما تداول ناشطون مقطع فيديو محرج لسلمان وهو يتحدث على ما يبدو إلى نجله ولي العهد بكلمات غير مفهومة أثناء استعداده لإلقاء كلمته بقمة العشرين ولم يلتفت هو ومن معه أنهم على الهواء مباشرة، مشددين على تعمد نجله بإظهار والده بمظهر الحاكم الخرف الذي لا يمكنه إدارة الحكم وذلك لتسريع عملية انتقال السلطة إليه، وشبهوا ذلك بما فعله ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" مع شقيقه "خليفة".
تقارير اقتصادية دولية كشفت النقاب عن إنفاق السعودية لعشرات مليارات الدولارات لاستضافة فعاليات ترفيهية وثقافية ورياضية ضمن إستراتيجية متعمدة لصرف الانتباه عن صورة العهد السلماني كأكبر منتهك لحقوق الإنسان وبشكل واسع، ما دفع مقررة الأمم المتحدة الخاصة التي حققت في جريمة القتل أغينيس كالامارد، إلى دعوة دول مجموعة العشرين لاتخاذ موقف أخلاقي من هذا النظام المجرم.
أما مدير منظمة أنقذوا الأطفال في اليمن كزافييه جوبير، فقد استغل قمة العشرين، حاثاً دول المجموعة وقف مبيعات الأسلحة للرياض التي تشن حرباً مدمرة منذ أكثر من خمس سنوات أدت إلى تشويه الآلاف الأطفال في أنحاء اليمن، زادت الحصيلة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بنحو خمسة أضعاف.
ارسال التعليق