أنصار الله وأسرهم السفينة جلاكسي .. والابعاد الاستراتيجية للصراع مع أمريكا والعدو الصهيوني.(٢)
[عبد العزيز المكي]
بسم الله الرحمن الرحيم
أنصار الله وأسرهم السفينة "الإسرائيلية العملاقة
جلاكسي .. والابعاد الاستراتيجية للصراع مع أمريكا والعدو الصهيوني ..........(٢)
في القسم الأول من هذه المقالة تحدثنا عن عملية أنصار الله في أسر السفينة الصهيونية جلاكسي واقتيادها نحو السواحل اليمنية، حيث رصدنا بعض المعطيات الاستراتيجية لهذه العملية الجريئة، والتي قلنا ان من شأنها ان تترك آثاراً و بصمات واضحة على مفردات الصراع العسكري والسياسي بين قوى الغطرسة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الغربيين والصهاينة والعرب أيضا من جهة و بين القوى الشعبية المقاومة وعلى رأسها فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية، وكل قوى المحور المقاوم.. وانتهينا بالحديث إلى التداعيات الاقتصادية الخطيرة لعملية أنصار الله في البحر الأحمر على الاقتصاد الصهيوني وعلى الاقتصادات الأوربية، وحتى على الاقتصاد الأمريكي، أن تطورت المواجهة مع أنصار الله وأقدموا على إغلاق باب المندب ومنع السفن الصهيونية والأمريكية وحتى الغربية من المرور في هذا الممر البحري .. حيث يقول الخبير المصري سامح شكري .. " ان قرار اليمن الدخول على خط المواجهة سيترتب عليه أخطار على حركة التجارة في باب المندب والبحر الاحمر وهو ما قد يدفع نحو مواجهة بالقطع البحرية والصواريخ المضادة للسفن إضافة الى ارتفاع تكاليف نقل السلع إلى الكيان الصهيوني نتيجة رفع تكاليف تأمينها ناهيك عن تردد و رفض البعض الآخر التعامل التجاري مع الكيان الصهيوني، خشية استهداف سفنه". وإلى ذلك، قال الباحث الأمريكي آشر أوركابي .. في مقال له بمجلة ناشيونال إنترست تحت عنوان "إعلان الحوثيين للحرب" .... ان ( التحول المفاجئ من محادثات السلام إلى الهجمات الصاروخية التي تستهدف كيان الاحتلال الإسرائيلي"، يهدد بقلب الشرق الأوسط برمته رأسا على عقب وبعد ان أشار إلى تقاعس الحكام العرب، واكتفائهم بالشعارات الفارغة طيلة العقود الماضية، جاء الحوثيون لينفذوا أقوالهم إلى أفعال وباتوا يهددون العدو جدياً، وتابع قائلا ربما ينصب تركيز العالم على غزة الآن، لكن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الحوثيون حولت التهديدات المحتملة في منطقة الشرق الأوسط إلى مخاطر حقيقية وأجبرت العالم على تركيز الاهتمام عليها. ومع ذلك فقد بدأنا للتو في رؤية تداعيات هذه المخاطر » .. في السياق ذاته قال الرئيس السابق للإدارة المدنية للحكومة الإسرائيلية في مدينتي "يهودا والسامرة، في حديث مع قناة 124 العبرية.. «ا"ختطف" - على حد لفظه وزعمه - الحوثيون اليمنيون سفينة شحن في جنوب البحر الأحمر .. عندما يقول الحوثيون شيئاً فأنهم يفعلونه - وهذا ما يجعلهم فريدين جدا مقارنة بحزب الله وإيران. من جهتها اكدت وسائل إعلام عبرية ان" عملية السيطرة على السفينة من قبل الحوثيين من شأنها أن تشكل مشكلة للتجارة الإسرائيلية .. !! واللافت ان التعليقات الصهيونية تعكس الرعب والخوف والاعتراف بشكل غير مباشر بمديات التأثير لعمليات أنصار الله وسدهم المنفذ البحري امام سفن المحتل، فعلى سبيل المثال قال إيلي شار فيت القائد السابق للبحرية الإسرائيلية - (( إن هذا العمل عنيف وحتى "أجرامي " على حد وصفه ، ولكن ليس ضد دولة اسرائيل" بل ضد التجارة الدولية ، انه امر مثير للشفقة تقريبا أن يتم ربط هذه السفينة بدولة إسرائيل"، إنها تشبه الهجوم على كازينو في اوربا، أحد مالكيه إسرائيلي" من أجل الإضرار بالبلاد !! على مزاعمه وتوصيفاته.. على أن صحيفة "إسرائيل هيوم "( كانت واضحة في التحذير من الآثار المدمرة لعمليات أنصار الله في حظر الممر البحري على إسرائيل حيث قالت" أن عمليات قوات صنعاء تقرع جرس الإنذار بعواقب كبيرة من بينها أنه قد يتم إيقاف الشحن البحري إلى إسرائيل، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة من البحر كما من المتوقع أن يزداد هذا الاتجاه بشكل كبير ويلحق الضرر بالإسرائيليين وأمنهم الغذائي )). ونقلت الصحيفة العبرية الآنفة الذكر عن نير غولدشتاين الرئيس التنفيذي لمعهد الأبحاث الإسرائيلي 1 GF، قوله: " أن الضرر الذي ألحقه الحوثيون بممرات الشحن يمكن أن يكون له تأثير استراتيجي على الواردات إلى إسرائيل وخاصة على عالم الغذاء. منذ بداية القتال، رأينا تخوفاً من شركات الشحن من الرسو في "إسرائيل"، وفي الوقت نفسه ارتفاع أسعار التأمين والنقل البحري إلى إسرائيل . والآن من المتوقع ان يتزايد هذا الاتجاه بشكل كبير ويضر بالأمن الغذائي الإسرائيلي .. )) ويضيف غولدشتاین معلومات مذهلة قائلاً: « ان أكثر من ٧٠ %من غذائنا يتم استيراده عن طريق البحر، وبشكل رئيسي - ٨٠٪ من الماشية، ويأتي الينا عن طريق السفن، عبر موانئ إيلات و اشدود وحيفاء الموانئ الثلاثة أو طرق الوصول اليها مهددون من قبل أعدائنا وعلينا الاستعداد لذلك. فالحوثيون يهددون مدخل البحر الأحمر الذي تأتي إلينا من خلاله سفن من استراليا تحتوي على %١٥ من واردات لحم العجل إلى إسرائيل" على حد قوله...
ج- إضطرار العدو تحويل مساراته البحرية بعد إعلان أنصار الله وقائدهم السيد عبد الملك الحوثي، حظر الممر البحري - البحر الأحمر باب المندب- على السفن الصهيونية، فرغم أن سفنه كانت تتخفى بهويات غير إسرائيلية وترفع اعلام دول أخرى إلا أن أنصار الله نجحوا في الإمساك وتحديد هوية هذه السفن المتخفية، ولذلك لجأ العدو إلى المسار البحري الآخر والطويل والمحفوف بالمخاطر، وهو مسار رأس الرجاء الصالح، وهو مسار طويل جداً مقارنة بمسار باب المندب والبحر الأحمر، فالسفن الصهيونية تضطر إلى الإبحار حول قارة أفريقيا برمتها قبل الوصول إلى الموانئ الصهيونية، مع ارتفاع نسب احتمالات تعرض السفن الصهيونية إلى هجمات قاتلة من قرصان البحر أو من جهات معادية بسبب استحالة تأمين هذا المسار في البحار المفتوحة.. وذلك يفسر أحاديث الصهاينة وحلفائهم عن الآثار الاقتصادية المدمرة للوضع في إسرائيل جراء حظر المسارات البحرية من قبل أنصار الله على السفن الصهيونية ، ففي هذا السياق نقلت صحيفة إسرائيل هيوم عن كبير الاقتصاديين في شركة BDO الاستشارية، تشن هيرزوغ ، حديثه عن العواقب واسعة النطاق التي قد تنشأ نتيجة الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية، ووفقا له، فأن القلق الاقتصادي ينبع من التأثيرات واسعة النطاق على النقل البحري إلى إسرائيل، في أعقاب الحرب، كانت هناك بالفعل زيادة. كبيرة في اسعار النقل الجوي بسبب الأضرار التي لحقت برحلات الشركات الأجنبية الى "إسرائيل". الخوف الآن هو من ارتفاع مماثل في تكلفة النقل البحري الى إسرائيل" أيضاً، بسبب تكلفة التأمين أو إلغاء المسارات الى اسرائيل " .. ان أسعار النقل لها تأثير على تكاليف المعيشة ... من خلال زيادة الاسعار للبضائع المستوردة بالإضافة إلى احتمال تأخير مواعيد التسليم إلى إسرائيل.
4- حققت المشاركة الرسمية والشعبية لأنصار الله في مواجهة العدو الصهيوني ، إلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة، أمرين في غاية الأهمية، ما كانا ليتحققا لولا هذه المشاركة هما : أولاً : تحقيق وحدة الساحات المقاومة، فلأول مرة شعر العدو أنه في أية لحظة سيكون مجبرا على المواجهة في عدة جبهات، وهو غير قادر على ذلك، ولذلك نزلت أمريكا بكل ثقلها وقواتها من أجل منع حصول المواجهة الإقليمية او انزلاق العدوان الصهيوني على غزة إلى تلك المواجهة ، فلقد فوتت هذه المشاركة واحتمالات اتساعها لتشمل لبنان و سوريا و، و، على العدو فرصة الاطمئنان مواصلة الاستفراد بغزة واستمراره ارتكاب المذابح والإبادة بحق أهلها، دون عقاب أو رد ... وفي تعبير غير مباشر عن هذا الواقع، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية " أمان" أهارون هاليفا، بعد إشارته إلى فشل شعبته في مهمتها تقديم تحذير من عمليات طوفان الأقصى، « إن المعركة الحالية غير مقيدة فقط بقطاع غزة، مشددا علي ان لها جوانب متعددة الساحات وجوانب إقليمية لافتا إلى أن ذلك يزيد من تعقيدها.. مؤكداً على ان "إسرائيل" تواجه أعداء من الشمال والشرق والجنوب من قريب ومن بعيد » !هذا و اعترفت الاوساط الإعلامية الصهيونية صراحة بالتحدي الذي باتت المسيرات والصواريخ اليمنية تشكله للعدو ، وفي هذا السياق كانت صحيفة ها اريتز قد قالت: إن إطلاق صواريخ بالستية من اليمن إلى الأراضي الإسرائيلية - على حد قول الصحيفة مثل أطول هجوم بالستي من قاذفات أرضية في تأريخ الحرب الحديثة و هو ما يمثل تحديا كبيرا أمام القدرات الدفاعية الصهيونية). أما ثانياً : فأن مشاركة أنصار الله هزت وعي الناس في المنطقة، فهذه اول حرب في تاريخ الحروب العربية مع العدو يجد الناس، او الرأي العام العربي نظاماً عربيا ًرسمياً يعلن الحروب على العدو، والا في أغلب الحروب يلوذ النظام العربي الرسمي بالتفرج او السكوت، إن لم يشارك في الدفاع عن العدو الصهيوني كما هو حال الأمارات التي وقفت إلى جانب العدو في هذا العدوان على غزة، وضد المقاومة، لذلك فمشاركة أنصار الله هزت الوعي عند الأمة وزرعت القناعة بامكانية زوال هذه الغدة السرطانية ان تظافرت على اقتلاعها كل الساحات وكل الجيوش العربية، ذلك في الوقت ذاته جردت هذه المشاركة الانظمة العربية من اي حجة او تبرير للتقاعس، وكشفت عمالتهم وتقاعسهم ودورهم في مأساة الشعب الفلسطيني وفي مآسى بقية الشعوب العربية والإسلامية ! ولذلك جاءت الإشادة بأنصار الله من القريب والبعيد فهذا المذيع الأمريكي الشهير جلين ديك وصف إطلاق الصواريخ البالستية اليمنية التي عبرت الغلاف الجوي ووصلت إلى مواقع حساسة في الكيان الصهيوني بأول معركة فضائية في التأريخ.. مؤكداً انه لم يسبق أبداً ان قامت أي دولة بإطلاق صواريخ خارج الغلاف الجوي، متسائلاً و يجيب بدهشة من خاض أول معركة خارج الخلاف الجوي هي قوات صنعاء ضد إسرائيل... أما مدير مركز الدراسات العسكرية والسياسية بمعهد موسكو للعلاقات الدولية اليكسي يوديير يور كني فقد قال ان إطلاق الصاروخ بمثابة تدشين لحقبة عسكرية جديدة في التاريخ واعتبر الخبير الروسي أن المواجهة هي اخطر مواجهات بين قوات صنعاء والاحتلال الإسرائيلي". بدوره علق الإعلامي والمذيع التونسي المعروف حسام الهادي على اطلاق الحوثي صواريخ باتجاه العدو الصهيوني قائلاً ( اعدتم الأمل )) وخاطب مرتزقة التحالف السعودي من اليمنيين قائلا لهم .. أنصح العقلاء الا يشتغلوا ليلا نهاراً في إنكار ما يقوم به الحوثي من استهداف لإسرائيل، لأنه، والله ،حتى و لو كان ذلك لا يؤثر بشكل كبير كما يردد بعضكم،لكنه أعاد الأمل الى الشعوب العربية بأنه يمكن أن تعلن دولة عربية الحرب على "إسرائيل" قولا وفعلا .. وهناك عشرات الشهادات والثناء والإشادة بمشاركة أنصار الله في الحرب من الصحفيين وباحثين عرب نختمها بتغريدة الناشط الكويتي فيصل الدويسان التي جاء فيها .. (( اليمن لم يبق عذراً لأحد، رغم جراحاته وضعف اقتصاده وتأثير سنوات الحروب التي لم تهدأ على أرضه ، ها هو ينهض بكبرياء قل نظيره في هذا الزمن ليعلن عن مناصرته قولاً وعملاً لغزة والأقصى .." على أي حال، هذه جملة من المعطيات الاستراتيجية لمشاركة أنصار الله في الحرب، و هناك الكثير من المعطيات بالتأكيد...
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق