"أوبك+" بقيادة السعودية تخفض إنتاج النفط لحفظ الأسعار.. هل تحدت واشنطن!؟
[عبد العزيز المكي]
أقدمت منظمة الدول المصدرة والمنتجة للنفط اوبك زائداً روسيا، أو ما يطلق عليها " أوبك+" على خفض الانتاج النفطي بمقدار مليون و650 ألف برميل يومياً، من أجل منع الأسعار من الانحدار نحو الـ60 أو الـ50 دولاراً للبرميل والمحافظة عليها عند سقف 70-80دولاراً للبرميل الواحد، وكما في الخطوة المماثلة التي أقدمت عليها المنظمة المشار اليها في أكتوبر الماضي سارعت الصحف الغربية البريطانية منها على وجه الخصوص الى القول بأن الخطوة السعودية صاحبة السهم الأكبر في كمية التخفيض الى جانب روسيا، تشكل " تحدياً" لواشنطن! وانها سوف تؤدي الى مزيد من توتر العلاقات بين العاصمتين، " المتوترة أصلاً" بحسب ما تراه هذه الأوساط بل ان اوساطاً في الكونغرس الأمريكي هي الأخرى تداعت للمطالبة بتشديد العقوبات على السعودية وإيقاف توريد الاسلحة، وذهب المحللون الأمريكيون الى القول بان بن سلمان بات يتحدى الإدارة الأمريكية ولم يعد مهتماً بارضاء الولايات المتحدة، كما يقول محلل صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية، والذي اضاف ان ولي العهد السعودي ينفذ سياسة اقتصادية تعطي الأولوية لاحتياجات بلاده، وذهبت الى هذا التحليل هيليميا كروفت رئيسة استراتيجية السلع في "” RBC capital Markets،حيث قالت ان " السعودية تضع استراتيجية اقتصادية مستقلة عن الولايات المتحدة بعد تدهور العلاقات بين الرياض وواشنطن خلال ادارة بايدن".. وهكذا فإن الكثير من المحللين اعتبر ان خطوة بن سلمان ستؤدي الى تعكير العلاقات بين الطرفين وزعم بعضهم أن ابن سلمان ادار ظهره لواشنطن مقترباً من روسيا والصين! ولكن، هل الأمر، هو كذلك!؟ ردود الفعل الأمريكية على خطوة تخفيض الانتاج جاءت متواضعة جداً وخجولة لا توحي بأن الأمور ستذهب الى ما أشار اليه المحللون الأمريكيون، أي تصاعد التوتر بين الرياض، وواشنطن.. أو على الأقل ستذهب الى ما ذهبت اليه في خطوة التخفيض السابقة قبل ستة أشهر حيث كان الرئيس الامريكي جو بايدن قد أعلن انه سيعاقب الرياض على إنحيازها لموسكو في حربها ضد اوكرانيا، بل وذهب كبار المسؤولين الامريكيين آنذاك للحديث مجدداً عن ضرورة إعادة تقييم العلاقات مع السعودية. في حين طالب أحد أعضاء الكونغرس الامريكي بسحب القوات الامريكية من السعودية والأمارات، وتفعيل قانون " نوبك" الذي يتيح معاقبة الدول التي تؤثر على أسعار النفط.. أما في هذه المرة فلم تأتِ التصريحات الأمريكية بتلك الحدة، واقتصر الحديث على ما ادلى به منسق الاتصالات بمجلس الأمن القومي جون كيربي، الذي وصف قرار خفض الانتاج بأنه " غير منطقي" وقال " ان واشنطن تتواصل مع الحلفاء بضمان عدم إرتفاع اسعار الوقود داخل الولايات المتحدة"، وفي اليوم التالي للقرار قال جون كيربي " إن واشنطن ستواصل العمل مع المملكة السعودية لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة" واصفاً الرياض بأنها حليف استراتيجي!! اكثر من ذلك ان كيربي أوضح ان الولايات المتحدة على علم بخطوة التخفيض، بمعنى ان السعودية تنسق معها خطوة بخطوة، وان عملية خفض الانتاج حصلت برضا أمريكي تام مادامت لا تؤدي الى إرتفاع أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة.. حيث قال كيربي " ان واشنطن كانت على علم بقرار خفض الانتاج، وانها نصحت (أوبك) بعدم الاقدام على مزيد من الخفض، لأن هذا ليس من مصلحة السوق" بمعنى ادق ليس من مصلحة الولايات المتحدة.. البعض يفسر هذا الموقف الامريكي الهادئ، لأن موقفها الآن ضعيف مقارنة بالسابق أي في خطوة اكتوبر، بمعنى أنها غير قادرة على ممارسة الضغط على السعودية، وبامكان الأخيرة التمرد على الادارة الامريكية، وهذا غير صحيح الى حد كبير، صحيح ان السعودية باتت اليوم قادرة على التمرد بنسبة معينة على الإدارة الأمريكية، عند ما يكون هذا التمرد غير مضر بالمصالح الأمريكية، ومادامت مفاصل البلاد تحت السيطرة الأمريكية..ذلك بسبب ضعف اميركا وتراجع قوتها العسكرية في المنطقة كما وتراجع أهمية النفط السعودي لها مقارنة بما كان عليه من الأهمية في العقود السابقة..
الصورة تتضح اكثر حول الموقف الأمريكي الهادئ، بل ويمكن القول ان خفض الانتاج جاء لمصلحة الولايات المتحدة، وذلك من خلال تحليل الوضع النفطي في أمريكا، فما هو معروف، ان الولايات المتحدة بعد اكتشاف النفط الصخري باتت تنتج يومياً 12 مليون برميل، وهي تعتبر اليوم دولة مصدرة للنفط وليست فقط مستهلكة، ولكن المشكلة ان عملية الانتاج مكلفة، ابتداءاً من الحفر الى الاستخراج والتصدير، مقارنة بعملية الانتاج والاستخراج في السعودية وفي باقي الدول العربية والاسلامية المنتجة للنفط، ولذلك فإن انخفاض أسعار النفط سوف يؤدي الى خسارة الشركات الأمريكية ولذلك فهي لها مصلحة بل تعمل بكل جهدها من أجل المحافظة على مستوى للاسعار يضمن لها الربح، وهذا يفسر قول كيربي الآنف بأن الخفض يجب ان لا يؤثر على السوق، فمادام ينفع كارتلات النفط الامريكية ولا يشكل ضغطاً على المستهلك الامريكي فليس ثمة مشكلة.. اذ يشير الخبراء الاقتصاديون ان انخفاض الأسعار النفطية الى اقل من 50و 60 دولاراً للبرميل الواحد سوف يضر بكارتلات النفط الأمريكية.. هذا من جانب ومن جانب آخر، فأن أصحاب الشركات النفطية داخل الولايات المتحدة اما يرتبطون بعلاقات وطيدة مع الحزب الجمهوري المنافس للحزب الديمقراطي، وأما يميلون لتأييد الحزب الجمهوري، ولذلك فأن هذا الأخير في بعض مقاطع التوتر بينه وبين الحزب الديمقراطي يسيس موضوع النفط من أجل الضغط على الديمقراطيين وعلى الرئيس كما حصل قبل ستة أشهر، في اقدام الجمهوريين على دفع اصدقائهم السعوديين للقيام بخفض الانتاج لرفع أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة ودفع الرأي العام فيه الى النقمة والتذمر من الرئيس جو بايدن.. على ان ثمة تأكيد من كثير من الخبراء الاقتصاديين ان خفض الانتاج في هذه المرة، لم تكن له دوافع سياسية تخص الداخل الامريكي يضاف الى ذلك ان من مصلحة الولايات الّا تنخفض اسعار النفط، لان انخفاضها يوسع الخيارات امام الدول الاوروبية التي تستورد النفط الأمريكي فتشتري من دول أخرى نفطاً رخيصاً بدلاً من النفط الأمريكي الذي لا يمكن للشركات الأمريكية خفض سعره الى حد ينافس أسعار بقية نفوط العالم، نظراً لارتفاع كلفة استخراجه كما أشرنا قبل قليل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ان انخفاض الأسعار سوف يفقد أمريكا سلاحاً قوياً تستخدمه الآن في الابتزاز والضغط على الدول الأوربية لحملها على تبني المواقف والسياسات الامريكية، سيما تجاه روسيا والصين، وتجاه الحرب الجارية في اوكرانيا.
أعود الى النقطة المهمة التي أثرتها قبل قليل، وهي تمرد بعض حلفاء الولايات المتحدة في الساحات التي لا تشكل خطراً على الحليف الأمريكي، فذلك صحيح خصوصاً في الآونة الأخيرة لأن أغلب حلفاء امريكا في المنطقة وصلوا الى قناعة بأنها في حالة تراجع وضعف، كما اكد ذلك هزيمتها في افغانستان، وقبل ذلك في العراق، وفشلها في سوريا وفشلها الحالي في اوكرانيا، لذلك بات الحلفاء مقتنعون بأنهم اذا تعرضوا الى هجوم خارجي سوف تبقى ظهورهم مكشوفة، ولذلك اندفع بعضهم للتفكير باتجاهات أخرى، ومنهم السعودية، لضمان أمنه وحماية نفسه، ولكن دون التخلي عن التحالف الاستراتيجي مع الحليف الأمريكي، لأن هذا الحليف كما أشرنا، مازال يسيطر على المفاصل الأساسية للمملكة، ومازال المؤثر الاساسي في سياساتها، وهذا ما يؤكده باستمرار المسؤولون الأمريكيون والسعوديون بالإشارة الى استراتيجية وعضوية العلاقات والتعاون بين الطرفين.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق