اشتداد الصراع السعودي- الإماراتي في المحافظات اليمنية المحتلة!! ما القصة!؟
[عبد العزيز المكي]
في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن احتمال حصول اتفاق بين السعودية وأنصار الله حول إنهاء الحرب والتوصل الى سلام ينهي الأزمة اليمنية ويمكّن السعودية من الانسحاب من اليمن، خصوصاً وان هذا الحديث زادت وتيرته بعد الاتفاق السعودي- الايراني على إعادة العلاقات بينهما...نقول في الوقت الذي يجري فيه الحديث الآنف، يشتد الصراع يوماً بعد آخر بين السعودية والأمارات في المناطق اليمنية المحتلة بحيث بات يتردد كثيراً على ألسنة الصحفيين، وتتناقله وسائل الاعلام باستمرار ويجري على مستويين، الإعلامي والعسكري، فبالنسبة للإعلامي نجد مرتزقة الطرفين يواصلون حملة اعلامية ضد بعضهما الآخر، أو ضد رعاتهما السعوديين والاماراتيين، بل حتى ان وسائل الاعلام السعودية أو بعض المقربين من النظام السعودي يشاركون في تلك الحملة ضد الأمارات ومرتزقتها في المناطق اليمنية المحتلة، والعكس صحيح، وسائل الاعلام الإماراتية تنتقد السعودية واعمالها أو مرتزقتها في المناطق اليمنية المحتلة فعلى سبيل المثال، بدأت السعودية يوم الأربعاء 29/3/2023 بفتح ملف الجرائم الاماراتية في اليمن، ودشن هذه الحملة السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمنت الحملة نشر أسماء ضباط إماراتيين شاركوا في عملية تعذيب السجناء اليمنيين وكذلك المعتقلين المناهضين للاحتلال والعدوان في مدينة عدن!! وذكرت الحملة تفصيلات مقززة لاشكال التعذيب والتي وصلت الى حد سلخ جلود المعتقلين، والاعدام الميداني، وبدون شك ان هذه المعلومات لا يعرفها غير الاستخبارات السعودية المشاركة في الاحتلال والتعذيب أيضاً.. بدورها الامارات ترد على السعودية بفضح مماثل عبر مرتزقتها حيث نشطوا في الآونة الأخيرة في هذا الاتجاه بشكل لافت، فعلى سبيل المثال عرضت قناة عدن المستقلة، الناطقة بإسم المجلس الانتقالي الموالي للامارات تقريراً تحت عنوان " الملف الأسود للاخوان" في 29/3/2023 في اليمن، تحدثت فيه عن الجرائم التي ارتكبها الأخوان بحق اليمنيين بغطاء من السعودية وباشرافها بحسب ما جاء في التقرير وهكذا، فالفضح بين الطرفين جار على قدم وساق!!
أما على الصعيد العسكري، فأن التحركات العسكرية لقوى مرتزقة الطرفين السعودي والاماراتي والحملات المتبادلة المضادة والحادة بين هؤلاء المرتزقة، وحتى بين السعودية والامارات عبر قواتهما أو ضباطهما كما أشرنا قبل قليل.. كل ذلك يؤشر، الى مستويين من التحرك هما:-
التحرك السعودي، حيث تحاول السعودية وبشكل حثيث وجدى تقويض النفوذ الإماراتي في المناطق المحتلة، النفطية منها بشكل خاص، اذ بدأت بالتحرك نحو عدن للسيطرة عليها واخضاعها لمرتزقتها وسحب البساط من المجلس الانتقالي والأحزمة الإماراتية، أي القوى الأخرى التي شكلتها الإمارات في السنوات الماضية ودربتها وسلحتها لتكون قوات رديفه الى جانب قوات المجلس الانتقالي.. ومنذ هذا التحرك والجدل محتدم بين الطرفين فالسعوديون يدعون انهم هم من " حرروا" عدن في بداية العدوان، والاماراتيون يدعون إنهم هم من " حرر" عدن، وكلا الطرفين يحشدان الأدلة!! لاثبات إدعاءاتهما، فيما الحقيقة ان قوات علي عبد الله صالح المتحالف مع أنصار الله يومذاك انسحبت من عدن بناءاً على اتفاق سري بين صالح والامارات كما يزعم البعض ودخلتها قوات المحتلين السعوديين والاماراتيين بدون مقاومة وبدون أن تطلق رصاصة واحدة.. على أي حال، مازالت السعودية تواصل محاولاتها للسيطرة على عدن، وسحب البساط من تحت الأمارات! ومن تلك المحاولات، محاولة دمج الأحزمة الاماراتية التابعة للانتقالي، ضمن قوات طارق صالح والاصلاح تحت مسمى موحد هو " قوات درع الوطن"!! ولتحقيق هذه المحاولة قام كبار ضباط الجيش السعودي بزيارة قيادات الأحزمة، ولكن تلك القيادات ترفض لحد الآن، بينما المحاولات السعودية مستمرة، مشفوعة المغريات المالية وغير المالية...
التحركات السعودية لم تقتصر على عدن بل شملت شبوة والمهرة وحضرموت، والجوف، وطالت تغيير قيادات ومحافظين موالين للامارات من المرتزقة، واستبدالهم بآخرين موالين للسعودية، من الاصلاح أو من المؤتمر الشعبي.. ففي هذا السياق كانت السعودية قد عينت مطلع الشهر الجاري- الشهر الثالث/مارس- قيادات بارزة على رأس ثلاثة ألوية من قوات درع الوطن التابعة لها، يتم تجهيزها للانتشار في محافظة شبوة النفطية، قبل أن تتوقف لحسم معركة عدن.. وهكذا فكما قلنا، ان السعودية تواصل تحركاتها في كل المحافظات النفطية المحتلة لإزاحة الامارات وتشديد سيطرتها عليها...
التحرك الإماراتي..
الأمارات لم تقف مكتوفة الأيدي بل أنها تبدي مقاومة ومعارضة شرسة للوقوف بوجه الزحف السعودي ومحاولته إزاحة أو تقويض نفوذها في تلك المناطق، فمثلا دفعت المجلس الانتقالي الى التضييق على مجئ رئيس المجلس الحاكم المعين من السعودية والامارات رشاد العليمي، الى عدن، بوضع شروط تعجيزية منها الموافقة على تعيين ستة قيادات من المجلس الانتقالي أو تلك المحسوبة على الامارات في مناصب رفيعة، ثم انها أي الأمارات ردت على طرد السعودية محافظها لحضرموت مبخوت ماضي بالتهديد بالخيار العسكري، بنشر فصائل موالية للامارات تعرف بالنخبة الحضرمية في مناطق الوادي والصحراء.. وهكذا في بقية المناطق المحتلة.. ورغم ان السعودية متفوقة على الأمارات في الامكانات العسكرية والاعلام، وفي النفوذ في اليمن، الّا ان من الصعوبة بمكان حسمها هذا الصراع لصالحها وبالتالي تقزيم النفوذ الاماراتي المنافس لسببين أو اكثر ،هما:
أولاً: ان الأمارات انشغلت طيلة الفترة في إنشاء مليشيات يمنية وفصائل موالية لها في كل المحافظات المحتلة وتحت مسميات مختلفة حيث دربتها ومولتها وسلحتها، وأصبحت الأداة الضاربة لها لتطويع وضرب كل من يحاول اضعاف الأمارات أو إخراجها من تلك المناطق.
و ثانياً: فتحت الأمارات الأبواب على مصاريعها للاميركان وللصهاينة للتمترس العسكري والأمني في المناطق الاستراتيجية مثل الجزر، وبعض المناطق الساحلية، حيث أقيمت فيها قواعد مشتركة اماراتية صهيونية مجهزة بكل أنواع الأسلحة مثل القاعدة في جزيرة حنيش، فضلاً عن المناطق الساحلية المحافظات المهرة وحضرموت.. أي ان الأمارات إستقوت بالصهيوني والأميركي وجعلت المهمة صعبة على السعودية لاخراجها من هذه الجزر أو تقويض وجودها ونفوذها فيها، ولذلك نتوقع ان هذا الصراع سيزداد شراسة وسيكون على حساب الشعب اليمني واستقرار بلده!
أما لماذا اشتد الصراع بين الرياض وأبو ظبي في هذا الوقت!؟ فذلك يعني عدة مؤشرات نذكر منها ما يلي:-
ان اشتداد الصراع بين الطرفين المحتلين للمحافظات الجنوبية اليمنية يؤشر الى ان السعودية تريد الخروج من المستنقع اليمني وانهاء الحرب لأنها أصبحت عامل استنزاف عسكري واقتصادي وأمني لها، بل وتهديد مباشر لها بعد ما أيقنت أو وصلت الى قناعة تامة انه المستحيل الحاق الهزيمة بالحوثيين، ولذلك فهي تريد ترتيب الاوضاع في المناطق النفطية والاستراتيجية لصالحها على حساب الآخرين.
يؤشر اشتداد الصراع الى ان لا السعودية تريد الخروج من اليمن خالية الوفاض ولا الأمارات، فالطرفان يسعيان الى تثبيت أطماعهما في اليمن ومنها السيطرة على المناطق النفطية والموانئ، والمواقع الساحلية المطلة على باب المندب ومنها الجزر اليمنية، وهذا يؤكد بدوره ان المحتلين الذين رفعوا شعارات إرجاع ما يسمونه " الشرعية" الى صنعاء والى مساعدة الشعب اليمني في استرداد السلطة من الحوثيين، إنما هي شعارات جوفاء رفعت لتكون غطاء للعدوان الذي أهدافه الحقيقية ما يعلن عنه الآن وهو نهب ثروات اليمن والتحكم بشعبه وسلبه الاستقلال وتحديد مصيره ومستقبله بيده.
واضافة الى ما تقدم فأن العامل الامريكي الفرنسي الصهيوني له دور أيضاً في اثارة الصراعات والخلافات بين السعودية والأمارات، عبر دعم هذا الطرف واضعاف الآخر وبالعكس، من أجل إدامة الصراع في اليمن واستمرار الازمة ومن أجل تعويق انسحاب السعودية من اليمن وعرقلة كل مشاريع التسوية التي سعت وتسعى اليها عبر الوسطاء العمانيين وغير العمانيين، لأنه امريكا تريد غطاءاً سعودياً وكذلك فرنسا والعدو الصهيوني لوجودهم في اليمن، وفرنسا عبرت علنا عن قلقها من إنسحاب السعودية المحتمل من اليمن، لأن هؤلاء المستعمرين بدأوا استثماراتهم ونهبهم للنفط اليمني فعلاً ولايريدون أنه تنكشف ظهورهم بعد إنسحاب القوات السعودية!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق