الإمارات... في سباق الجري العربي نحو التطبيع مع الصهاينة
[عبد العزيز المكي]
لا يخفى على المتابعين تحركات ونشاطات دول الخليج العربية أو بعضها، في مجالات التواصل والهرولة نحو الارتماء في أحضان العدو الصهيوني، خصوصاً من المتابعين العرب الذين تهمهم قضية فلسطين وجثوم الكابوس الصهيوني الاحتلالي عليها، فالأنظمة السعودية والإماراتية والبحرينية تتسابق فيما بينها نحو التطبيع مع العدو وكسب وده، وبات الحديث والاعتراف متواتر بين العدو وهذه الأطراف، حول تعزيز وتوطيد علاقات التعاون والتحالف والتنسيق الأمني والعسكري، وفي المجالات الاقتصادية والدبلوماسية، وتبادل الوفود الرياضية والدبلوماسية والرسمية وما إلى ذلك من النشاطات والمجالات.. بين العدو وبين السعوديين والإماراتيين والبحرينيين، والمقصود هنا الجهات الرسمية في هذه الدول، أي الأنظمة.. وفي سياق هذه الهرولة السعودية الإماراتية البحرينية نحو الارتماء في أحضان الصهاينة، والمتسارعة بشكل لافت، أقدمت السلطات الإماراتية على عدة خطوات، ففي19/5/2020 أرسلت طائرة إماراتية قيل أنها محملة بالأدوية والمعدات الطبية اللازمة للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة لمواجهة فيروس كورونا! وقد رفضت السلطة الفلسطينية هذه الشحنة وقالت إن السلطات الإماراتية لم تنسق معها ولم تعلم أي شيء عن هذه الشحنة ورفضت إرسالها عن طريق مطار بن غوريون، خوفاً من ردة فعل شعبية على هذه الخطوة رفعت السلطات الإماراتية شعار الشركة- شركة الاتحاد الإماراتية للطيران- وعلم الإمارات عن الطائرة!! وحينما لم تحصل أي ردة فعل على هذه الخطوة، تشجعت السلطات الإماراتية في إرسال الطائرة الثانية بعد أقل من شهر وبذات الحجة أيضاً، أي في 9/6/2020 وصلت الرحلة الإماراتية الثانية لمطار بن غوريون محملة بحسب ادعاءات المسؤولين الإماراتيين بالأدوية والمعدات الطبية للشعب الفلسطيني، مع بقاء العلم الإماراتي وشعار الشركة الإماراتية للطيران على الطائرة!
وبينما ما زالت ردود الأفعال تتواصل عربياً استنكاراً وغضباً وصهيونياً إحتفالاً واحتفاءاً بهذه الخطوة التطبيعية من جانب الأمارات، كتب السفير الإماراتي في واشنطن مقالاً نشرته صحيفة إيدعوت احرونوت الصهيونية واسعة الانتشار في 12/6/2020 أي بعد ثلاثة أيام من هبوط الطائرة الإماراتية في مطار بن غوريون خاطب فيه يوسف مانع العتيبة الرأي العام الصهيوني، حول العلاقات الصهيونية الإماراتية، وبعد أقل من 24 ساعة على نشر هذا المقال غردت شقيقة السفير الإماراتي في واشنطن هند مانع العتيبة مثنية على المقال، ومعتبرة أن الأمارات تعتبر الكيان الصهيوني فرصة لا عدواً، كما جاء في مقال شقيقها !!
علماً أن هند، هي مديرة الاتصالات الإستراتيجية في وزارة الخارجية الإماراتية. والى ذلك فأن وكالات الأنباء أعلنت، أن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش ووزير العدل السعودي السابق، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي في السعودية محمد العيسى، شاركا إلى جانب سياسيين صهاينة في مؤتمر عبر تقنية الفيديو نظمته اللجنة اليهودية الأمريكية، وهي من دعاة الصهيونية! والى جانب العيسى ألقى قرقاش في المؤتمر كلمة تحدث فيها عن (جهود الإمارات لتعزيز الاستقرار الإقليمي والحوار ما بين الأديان). وذكرت المنظمة أن المؤتمر الذي شارك فيه أيضاً رئيس الحكومة الصهيوني البريل، بيني غانتس، شهد جلسات حووارية عن بعد امتدت لخمسة أيام وناقشت بالأساس الملفات التي تهم اليهود في العالم!!
كل هذه الخطوات الإماراتية تجري كما أشرنا في إطار الهرولة المتسارعة للإمارات والسعودية والبحرين نحو التطبيع مع العدو الصهيوني، ولكن رغم أن شأن هذه الخطوات شأن التي سبقتها لتعزيز التعاون والتنسيق بين الطرفين، إلا أنها إذا نظرنا إليها من زاوية التطورات الجارية التي تشهدها الأرض المحتلة والمنطقة، فأنها تعتبر على مستوى من الخطورة على المنطقة، ولا تبقى في حدود الخطوات التطبيعية مع الصهاينة فحسب، ومن هذه التطورات ما يلي:-
1ــ إن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يعتزم الإعلان عن ضم المستوطنات التي بدأ العدو بإنشائها منذ الاحتلال عام 1967 للضفة الغربية شهدت نحواً متسارعاً وتضخمت كما أشرنا لعشرات المرات بل لمئات المرات، بحيث باتت تهدد بقضم أغلب أراضي الضفة الغربية، ويأتي الاستعداد الصهيوني لإعلان الضم في سياق ما تنص عليه "صفقة القرن" المشؤومة التي أعلنها أو أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أشهر، ويجري العدو وأجهزته الأمنية والسياسية تحركاً محموماً على الصعيدين الداخلي والخارجي، سيما على الصعيدين الأمريكي والعربي، على الصعيد الخليجي على وجه الخصوص للتمهيد للإعلان عن الضم..
تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتراجع مشروعها فيها، بسبب تلاحق الهزائم العسكرية والسياسية وحتى الأخلاقية التي منيت بها بسبب أفول قوتها وجبروتها من جهة ومن جهة تصاعد قوى إقليمية وعالمية من جهة أخرى، كالصين وروسيا وإيران، فأمريكا سجلت اكثر من مرة تراجعاً أمام قوة إيران وتحديها للغطرسة الأمريكية، ومسلسل هذا التراجع غير خافٍ على المتابعين، آخر حلقاته وليس آخرها، كسر إيران للحظر الذي فرضته أمريكا على فنزويلا، وتزويد الأخيرة بالوقود والمعدات اللازمة عبر إرسال ستة سفن نقل عملاقة شقت عباب البحار في مسار بحري طويل وأمام أعين القوات البحرية الأمريكية المنتشرة في مياه البحار والمحيطات...هذا التحدي مقابل التراجع الأمريكي، ثم تغير الأولويات الأمريكية والتطورات الأخيرة التي شهدتها أمريكا، أي التحرك ضد العنصرية، والذي قلص من حظوظ فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقلبة.. كل ذلك ضاعف الخوف والهلع عند الأنظمة العملية ومنها نظام الإمارات التي راهنت على حماية الأمريكي ووظفت كل إمكاناتها وأموالها في خدمة المشاريع الأمريكية الصهيونية في المنطقة! على خلفية هذا الرهان.
2ـ وعلى اثر تعاظم هذا الخوف نتيجة التراجع الأمريكي، ونتيجة هزائم التدخلات الإماراتية السعودية في اليمن وفي ليبيا وفي سوريا، بات النظام الإماراتي ومعه بقية الأنظمة العربية المطبعة ففي حاجة ماسة إلى نقل عملية التطبيع مع العدو الصهيوني من الحالة السرية أو العلنية الخجولة، إلى العلنية الرسمية وعلى كل الأصعدة ليأخذ التطبيع مدياته على الصعيد الشعبي العربي وجداناً وتدجيناً وما إلى ذلك، ما يفسح ذلك المجال بنظر السلطات الإماراتية وحكام أبو ظبي، إلى إقامة تحالفات عسكرية وسياسية واقتصادية وأمنية مع العدو الصهيوني، وبالتالي الاتكاء إلى الحماية الصهيونية بدلاً من الرهان على الحماية الأمريكية المحفوفة بالسقوط والتراجع بل وحتى التخلي عن الحماية كلياً، كما تخلت أمريكا عن مبارك وعمر البشير وزين العابدين بن علي والشاه الإيراني، وحاكم بنما وغيرهم كثير..
وانطلاقاً من هذه النقطة يمكن تفسير الاندفاع الإماراتي العلني والنشط للانتقال بالعلاقات مع العدو الصهيوني إلى الحالة الرسمية الطبيعية، بل والتفاخر والاحتفال بتعزيز هذه العلاقات من خلال التحركات التي أشرنا إلى بعضها في بداية هذه السطور، والتي لم نُشِر إليها.. ويبدو أن خوف السلطات الإماراتية ومعها نظرائها في الرياض والبحرين، والذي شكل – الخوف- خلفية التحركات والاندفاعات الإماراتية نحو أحضان العدو، لم يقتصر على القلق أو لا ينحصر بالخوف من التراجع الأمريكي، والهزائم التي منيت بها لحد الآن مشاريعهم في اليمن وسوريا وحتى ليبيا وحسب، وإنما يكمن هذا الخوف من المستقبل في تطورات باتت خطيرة ومقلقة، أن حصلت أو التسبب في وقوعها بشكل وآخر فأنها ستحرق هذه الأنظمة ومنها ما يلي:
أولاً: افتضاح حقيقة هذه الأنظمة، خصوصاً النظام الإماراتي ونظيره السعودي، وعمالتها للأمريكي والصهيوني ونشاطهما المعادي للأمة ولهويتها ولمقدساتها، ذلك خدمة لمصالح امريكا والصهاينة، وعربونا لحماية وبقاء هذه الأنظمة على عروشها متسلطة على رؤوس أبناء شعوبها.. وبالتالي فأن كل محاولات الخداع والتشدق بالوطنيات والدفاع عن الأمة، استهلكت وتآكلت وبات استخدامها كما في السابق مجدياً، غير مجدي أمام فضائح هذه الأنظمة وسقوطها على كل الأصعدة.
ثانياً: هذه الفضائح ساهمت في تراكم وزيادة وعي الشعوب العربية والإسلامية، مضافاً إلى هذا الوعي فشل الأنظمة في تدجين وخداع هذه الأمة، باستخدام كل وسائل الخداع والتضليل وإثارة النعرات الدينية والطائفية، والفتن والخلافات والتناقضات الاجتماعية والطبقية وما إلى ذلك.. كل ذلك ضاعف الخوف عند هذه الأنظمة من موجة غضب جارفة لهذه الشعوب يمكن أن تتفجر بأية لحظة بسبب وآخر وبالتالي جرف كل ما وقف أمامها من نتؤات ومعوقات مثلتها هذه الأنظمة بعمالتها وبُعدِها عن أهداف وتطلعات هذه الأمة..
هذا الخوف الجارف عند النظام الإماراتي من الشعوب العربية والإسلامية، ومن الشعب الإماراتي تحديداً هو الذي شكل أحد الدوافع الأساسية لمقال السفير الإماراتي في واشنطن يوسف مانع العتيبة الذي نشرته كما أشرنا صحيفة ايدعوت احرونوت الصهيونية في 12/6/2020.
ولأهمية هذا المقال، وما أثاره من ردود أفعال صهيونية وعربية حول التطبيع مع العدو والعلاقة الإستراتيجية معه، نتوقف عنده، لقراءة أبعاد النقطة المشار إليها، لتسليط الضوء على الأبعاد الأخرى التي أراد العتيبة إيصالها، وذلك بالنقاط التالية:-أــ إن مقال العتيبة لم يكن مقالاً عابراً جاء في سياق الخطوات الإماراتية التطبيعية مع العدو الصهيوني، كما اشرنا في البداية وحسب، وإنما يشكل محطة حاسمة للنظام الإماراتي، حسم فيها أمره وبشكل رسمي إنه يطبع مع العدو الصهيوني ويتحالف معه وينسق معه في المجالات الأمنية والعسكرية، ويمكن أن يشكلا، الكيان والإمارات من خلال هذا التنسيق قوة عسكرية في الإقليم تلعب دوراً بارزاً لصالح كليهما ولصالح المصالح الأمريكية، من خلال وقوفهما في خندق واحد بذريعة مواجهة إيران ومحورها، وعلى هذا الأساس صنفت الأمارات حزب الله اللبناني"حركة إرهابية" وانتقدت أساليب " العنف التي تتبعها حركة حماس، ثم أيدت الأمارات التسوية، لدرجة أن العتيبة تفاخر بتأييد "صفقة القرن" عندما أعلن عنها ترامب بحضوره أي العتيبة في المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب الى جانب ممثلين لدولتين عربيتين آخريين!! وبذلك يكون النظام الأماراتي قد انتقل من مرحلة التردد والخجل الى مرحلة العلنية وتحدي مشاعر الأمة والتحرك على الكشوف ضد طموحاتها في التحالف مع العدو الصهيوني.. وهذا ما يفسر الثناء والإطراء الصهيوني على المقال وعلى إبعاده، كما جاء ذلك في نقاشات القنوات 12و 14 الصهيونيتين، وفي مقالات كتاب الصحف الصهيونية، كهاآرتيز، وجيروزاليم بوست ويدعوت احرونوت التي نشرت المقال نفسه وغيرها..فصحيفة هاآرتيز اعتبرت المقال وثيقة سياسية، يخدم المصالح " الإسرائيلية"!
ب ـ اعترف العتيبة بأن الإمارات انحازت للعدو في صفقة القرن، من خلال حضوره المؤتمر الصحفي لترامب أثناء الإعلان عنها، وأكثر من ذلك أن الإمارات ساهمت بحسب العتيبة مساهمة فعالة ومكثفة في تمرير المنطق الصهيوني الأمريكي لتسوية القضية الفلسطينية وإنهائها، من أجل تمهيد الطريق للحلف الصهيوني الإماراتي أو للإعلان عن هذا الحلف الذي بات بنظر السلطات الاماراتية ضرورة لا مفر منها في ضوء تسارع التطورات التي تشهدها المنطقة، ومن اجل ذلك اعترف العتيبة بان الامارات قامت بدور نشط في تسويق العدو كصديق للعرب، وكفرصة لا كعدو!! وهذا ما أشارت اليه صحيفة هاآرتيز في مقال الكاتب تسفي برئيل، ومما جاء في المقال في هذا السياق: أن " محمد بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات، لا يتحدث فقط عن علاقات الدولة مع (اسرائيل)، مثلما تم التعبير عن ذلك في زيارات لرجال أعمال "اسرائيليين" الى دبي، أو إرسال طائرات هبطت في مطار " بن غوريون "، بل يعمل بالتشاور مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قدماً بخطة ترامب (صفقة القرن) ". كما أننا إذا دققنا في مقال العتيبة نجده أختزل القضية الفلسطينية في حكم ذاتي وفي عملية ضم المستوطنات دون أن يتحدث عن الدولة الفلسطينية وعن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وهذا ما يفسر الإطراء الصهيوني على هذا المقال، وانه من بناة أفكار الصهاينة أنفسهم، خصوصاً وان التقارير الصهيونية تحدثت بصراحة عن ان المقال كتب بالتعاون مع صديق العتيبة الملياردير والمستثمر وصاحب النفوذ " الإسرائيلي " الأمريكي حاييم سابان، فهذا الأخير الذي أجرى على المقال تصحيحات متعددة، هو الذي مهد لنشره في صحيفة يدعوت احرونوت لتحقيق أبعاد ذات أهمية إستراتيجية للعدو، كما أشارت الاوساط الصهيونية.
ج ـ ولأن النظام الإماراتي يقف تماماً في الخندق الصهيوني، ويختصر القضية الفلسطينية في حكم ذاتي مختصر، فهو يضفي مشروعية عربية على ضم الضفة الغربية، وعلى قمع العدو الصهيوني لأبناء الشعب الفلسطيني وقتلهم، أما اعتراض العتيبة على الضم فهو لا يعني معارضته وابن زايد لجوهر عملية الضم، انما الاعتراض على الاسلوب فهو وأسياده في أبو ظبي يرون في محاولات نتنياهو استعراض " بطولة " و" انجازات" و" احتفالية" في عملية الضم، خطورة على أنظمة الامارات والسعودية وغيرهما من الأنظمة المطبعة وحتى الكيان الصهيوني نفسه، لأن مثل هذه الاحتفالية سوف تسبب استفزازاً للشعوب مما يفجر فيها الغضب إلى تحرك جماهيري لا يبقي ولا يذر، سيما في الأرض المحتلة وفي الأردن، ما يجبر ذلك النظام الإماراتي وبقية الأنظمة المطبعة على مجاراة هذا الغضب، الأمر الذي يتسبب في نسف كل هذه التحركات والجهود التطبيعية مع العدو ويعطل عملية التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية، إن لم تؤدِ هذه التطورات إلى اقتلاع تلك الأنظمة والى تهديد الكيان الصهيوني نفسه، ففي هذا السياق قال العتيبة أن مخطط الضم الصهيوني، سيشمل ما اسماه ((العنف)) ويحرك من وصفهم (المتطرفين) معتبراً من يعارض متطرفاً ويمارس العنف، وأضاف العتيبة موضحاً أن هذا الضم سوف ينسف كل الجهود الإماراتية الضخمة من أجل تسويق العدو الصهيوني والتحالف معه قائلاً: "إن الضم سيؤدي إلى تشدد وجهات النظر العربية حيال إسرائيل، في الوقت الذي فتحت فيه مبادرات إماراتية فرصة لتبادل ثقافي وفهم أوسع لإسرائيل"! وهذا ما يراه الكثير من السياسيين والمحللين والصحفيين الصهاينة، إذ يشاطرون يوسف العتيبة الرأي في أن الضم للمستوطنات في الضفة الغربية بهذه الفجاجة سيشعل المنطقة، والمقالات التي نشرتها صحف هاآرتيز، وايدعوت احرونوت، وإسرائيل اليوم، وغيرها بالإضافة إلى عدد من قنوات التلفزة العبرية، والتي أيدت ما قاله العتيبة واثنت عليه، لدرجة وكما أشرنا، أن صحيفة هاآرتيز اعتبرت مقالة العتيبة وثيقة سياسية!!
أما مقالة المستشرق الصهيوني آيال زيسر التي نشرتها صحيفة "إسرائيل اليوم" ونشر ترجمتها موقع عربي 21 في 15/يونيو/2020، فقد جاء فيها أن " العلاقة الإسرائيلية مع الدول العربية عموماً، ودول الخليج العربية خصوصاً لها سقف زجاجي، لأن الرسالة المتحمسة من سفير الأمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة على صفحات يدعوت احرونوت، يمكن فهمها بأنها جزء من خطوة تفسيرية واسعة النطاق لإقناع الجمهور "الإسرائيلي"، بأن تطبيق السيادة على بعض مناطق الضفة الغربية سيضر بالعلاقات الإسرائيلية مع جيرانها ".. واعتبر زيسر أن هذا السقف يمكن أن يتحطم ويسقط على رؤوس أصحابه ويثخنهم بالجراح أن لم يتفق العدو في عملية الضم..
د ـ أن السفير الإماراتي في واشنطن استجدى الصهاينة بتأجيل عملية الضم أو اجرائها بشكل غير مستفز للشعوب، من أجل أن يسمح للإمارات بمواصلة الجهد الضخم الذي أشار إليه العتيبة في مقالته، من أجل تسويق العدو ودمجه في نسيج المنطقة، وإعلان التحالف معه في مواجهة مقاومة الأمة للاحتلال، وكأن العتيبة يقول أعطونا الفرصة لمواصلة مشوارنا، ونحن سنحقق لكم هذا الضم وتصفية القضية الفلسطينية، ومن خلال التحرك في الإطار المذكور، وتحت لافته الدفاع عن القضية الفلسطينية!! لان في هذا الخداع ضمان لتحقيق ما يصبو إليه الإماراتيون والصهاينة ويؤمن لهم، بنظر الإمارات عدم حصول هبات شعبية تهدد وجود الأنظمة العربية، ومنها النظام الإماراتي، بل وتهدد الكيان الصهيوني، والذي يقرأ رسالة العتيبة بتمعن يتجلى له هذا الأمر بوضوح.
وفي الحقيقة أن مواقف المسؤولين الإماراتيين اللاحقة أثبتت الإخلاص الإماراتي لكيان الصهيوني والانحياز له، فهذا قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الذي شارك في مؤتمر اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC) ، قال في هذا المؤتمر في كلمته فيه يوم17/حزيران/2020 انه " يجب فتح قنوات اتصال مع إسرائيل والاختلاف السياسي مسموح به!! معتبراً أو مبرراً أن عدم الاتصال أو التأخر به يعقد الوضع بالنسبة للعرب والفلسطينيين، بالقول: إن" فتح قنوات اتصال مع " إسرائيل " قد يؤدي إلى حل القضايا العالقة "!! وأشار إلى أن " ما كان ممكناً عام 1948 أصبح عام 1967 غير ممكن والأمور تزداد صعوبة "!! بمعنى انه يروج لثقافة الاستسلام والانبطاح للعدو، لأن المهم بالنسبة لنظام الأمارات الحفاظ على نفسه وإرضاء الصهاينة الذي هو الشرط الأساسي للحفاظ على النظام والضمانة لبقائه بنظر بن زايد والشلة المحيطة به من الحثالات والعملاء. بدورها نقلت وكالة رويترز عن مسؤول إماراتي رفيع لم تكشف الوكالة عن اسمه قوله: " إن الاتصالات مع إسرائيل ستستمر"!! مدعياً أن الاستمرار في " الاتصالات مع إسرائيل سيسفر عن نتائج أفضل"!! ولهذا السبب نشرت المستشرقة الصهيونية موران زيغاً في صحيفة يدوعوت احرونوت مقالاً بالتزامن مع تصريحات قرقاش المشار إليها، أكدت فيه أن الإمارات تنتمي للجانب الأيديولوجي الصحيح " لاسرائيل"!! واشارت هذه المستشرقة، التي هي زميلة في المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية (ميتافيم) والباحثة في مركز تشايكين للاستراتيجية الجغرافية بجامعة حيفا، إلى الدور المهم للإمارات في تسويق العدو ومشاريعه في المنطقة بالقول: "إن مكسب إسرائيل الكبير ليس بالضرورة بهذه العلاقات المباشرة، ولكن في نطاق نفوذ الإمارات في المنطقة، وفي الجوانب التي يصعب قياسها " كما قالت في مقالها!! وشرحت هذه المستشرقة في هذا المقال الدور الإماراتي الضخم في تسويق العدو وشق الطرق الوعرة له وتمكين عربية من النفوذ واختراق تحصنات ونسيج هذه المنطقة الرافضة!! مثنية على قرقاش والعتيبة ومقاله وعلى بقية المسؤولين الإماراتيين بإسهاب!!
كل ذلك، يؤكد أن الإمارات لا تريد الانتقال من مرحلة التطبيع الخجول إلى مرحلة التطبيع العلني والرسمي والتحالف مع العدو وحسب، وإنما السعي بالوصول إلى جعل الكيان الصهيوني، محوراً أساسياً في المنطقة من خلال توظيف إمكانات وأموال الدول العربية الخليجية انطلاقاً من الإمارات ونظيراتها العربيات المطبعات، أي خلق الظروف المناسبة لإعادة تموضع الكيان الصهيوني في المنطقة، وتحويله إلى قطب مركزي في شرق الأوسط والعالم العربي، كما اشرنا قبل قليل.
وبعد هذا كله، السؤال المطروح هو هل الكيان الصهيوني قادر على حفظ عروش هؤلاء الذين باتوا يعبرون ويعترفون بوقاحة بالانتماء إلى خندق العدو نهجاً وأيديولوجية، وتعاوناً عسكرياً وامنياً وعلى كل الأصعدة، من أمثال النظام الإماراتي؟ نترك الإجابة للمتابع والقارئ الكريم.
ارسال التعليق