الإمارات.. وتدخلاتها في الشأن العراقي الداخلي.. القسم الثالث
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي..
في القسم الثاني من هذه المقالة، أشرنا إلى أن مخطط تقسيم العراق، هو الأخطر في عملية التوظيف الأمريكي الصهيوني، الاحتجاجات الشعبية الحالية ضد الفساد والحرمان، وقلنا أيضاً أن الإمارات اضطلعت بدور بارز وخطير في دعم وتمويل هذا المخطط والدفع به نحو التحقيق.. والتركيز على الدور الإماراتي لا يعني إلغاء ادوار بقية الأطراف، إنما لأن الدور الإماراتي الأكثر فجاجة وخطورة كما قلنا.
تبني الخطة الإعلامية والسياسية الأمريكية الصهيونية الخاصة بالعراق والتي يديرها فريق من الخبراء الذين دربتهم أمريكا ودوائر المخابرات للأنظمة العملية في المنطقة، حيث يدير هذا الفريق تلك الخطة من غرفتي عمليات واحدة في محافظة أربيل العراقية والثانية في العاصمة الأردنية عمان، ومن مفردات هذه الخطة الترويج للحل بتقسيم العراق، على قاعدة، أن التقسيم هو حاصل فعلاً، فإقليم كردستان يكاد يكون مستقلاً عن المركز، وهو فعلاً كذلك فأن مسعود البارزاني ومنذ عهد صدام حسين وحتى اليوم استغل الظروف المواتية له بإحراز شبه استقلالية للإقليم، على أن هذه الشبه استقلالية تعززت بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 حيث كان مسعود البارزاني رئيس الإقليم السابق يتصرف بشكل مستقل عن المركز بغداد، بدعم أمريكي وصهيوني، حيث يستقبل رؤساء دول في أربيل، ويزور دول وبدون التنسيق مع الحكومة المركزية، ومنذ ذلك الوقت احتضنت الأمارات هذا الأقليم، ودعمت توجهاته الانفصالية وساهمت في بناء البنية له، وبضوء أمريكي، ففي شباط عام 2011 قام وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان بزيارة لأربيل، دعماً للتوجه الانفصالي، كما أكد في ذلك الوقت وزير شؤون مجلس الأمارات محمد القرقاوي في تصريح قال فيه نحن.."سنحتاج إلى إقليم كردستان، وإقليم كردستان سوف تحتاج إلينا لأن لدينا نفس المبادئ والاهتمامات"!! وعلى اثر زيارة بن زايد تم فتح قنصلية إماراتية في أربيل في عام 2012م. ومنذ عام 2012 توطدت العلاقات بين الطرفين وتسارعت الزيارات المتبادلة، ففي عام 2012 زار مسعود البارزاني مرتين! وتوطدت العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية وبدون شك الأمنية أيضاً، وقد أشارت أوساط إعلامية وسياسية عراقية إلى أن الإمارات استثمرت في إقليم كردستان أكثر من 3 مليارات دولار!! وهناك تفاصيل كثيرة يمكن الخوض فيها في هذا السياق إلا أننا نكتفي بالإشارة إلى الحماس الإماراتي عندما قرر مسعود البارزاني إجراء استفتاء على انفصال الإقليم، وذلك في عام 2017م، وهو القرار الذي استنكرته ورفضته قوى عربية وإقليمية ودولية، وحتى الأمم المتحدة، لا بل ان قسماً من الأكراد العراقيين أنفسهم كانوا قد انتقدوا ورفضوا هذا الاستفتاء، ولكن رغم كل ذلك كانت الإمارات الطرف الأكثر حماساً لخطوة البارزاني تلك!!
إن هذا الموقف دفع بعض الأوساط الإعلامية والسياسية العربية إلى الاستسخار منه والتعجب أيضاً، ففي هذا السياق أشار موقع العربي الجديد في 26 سبتمبر 2017، إلى تساءل الصحفي القطري جابر الحرمي " لا يؤيد انفصال كردستان بعد الكيان الصهيوني إلّا السعودية والأمارات التي قامت بتمويل الاستفتاء..
فهل هذا مؤشر على شكل التحالف الجديد؟ "وقالتِ المعارضة الدكتورة مضاوي الرشيد.. "الحماس الإماراتي الاستفتاء كردستان قد يتطلب حماساً مماثلا للأقليات العرقية كالمالي باريين الهنود في الأمارات". ونقل الموقع المذكور تغريدات بعض المعلقين العرب على الحماس الإماراتي، ومنهم فهد الصحاري الذي كتب قائلاً "دبي تضررت كثيراً من التصرفات الصبيانية لإمارة الشر أبو ظبي.. من حقها أن تنفصل مثلما تؤيد الأمارات استفتاء كردستان". وغرد سليمان قائلاً: "الأمارات قسمت اليمن، وأيدت تقسيم كردستان وتعمل على تقسيم ليبيا بمساعدة حفتر وتعمل على تقسيم السعودية من خلال نشر العلمانية". في السياق ذاته كتبت صحيفة الشرق القطرية مقالاً في 27 سبتمبر 2017 علقت فيه على قرار الاستفتاء في كردستان العراق أشارت فيه إلى تأكيد المراقبين.. "إن ثمة أطرافاً إقليمية أخرى تقف وراء ذلك الانفصال ودعمه وفي مقدمتهم الإمارات و"إسرائيل" التي لم يتورع أبناء الإقليم (كردستان) عن رفع إعلامها خلال احتفالاتهم بالاستفتاء التاريخي"! وحاول مقال الصحيفة أن يربط بين الموقفين الصهيوني والإماراتي، ويؤشر إلى التناغم بين هذين الموقفين ليؤكد انسياق الإمارات مع خط الكيان الصهيوني في دعم بل والعمل على انفصال إقليم كردستان عن العراق، وذلك بالإشارة إلى إعلان الكيان الغاصب دعمه الكامل لإجراء الاستفتاء في كردستان العراق، كما جاء ذلك على لسان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بقوله.. إن "إسرائيل تدعم الجهود المشروعة التي يبذلها الشعب الكردي من أجل الحصول على دولة خاصة به" على حد مزاعمه وأقواله.. كما دعت وزيرة العدل الصهيونية إيليت شاكيد إلى ضرورة الاعتراف بما أسمته حقوق الشعب الكردي في إقامة دولته المستقلة على الحدود مع العراق وتركيا على حد قولها. وأشار مقال الصحيفة القطرية إلى تصريحات بعض المسؤولين الإماراتيين المتناغمة مع تصريحات المسؤولين الصهاينة والمعززة والمؤكدة لها، في هذا الاتجاه أي انفصال كردستان العراق عمق الجسد العراقي، ومن بين هؤلاء المسؤولين الإماراتيين أشارت الصحيفة إلى رئيسة مركز الإمارات للسياسات، ابتسام الكتبي التي وقعت مذكرة تفاهم مع الإقليم مطلع العام 2017 للمساعدة في تنظيم عملية الاستفتاء، حيث أكدت في تصريحات لها انه.."إذا أعلن عن استقلال كردستان بشكل كامل عن بغداد، فأن أبو ظبي ستعترف بهذا الاستقلال" وفقاً لزعمها، وهو الأمر الذي أثار غضب بعض المسؤولين العراقيين ودفع بهم الى مهاجمة النظام الإماراتي..
وفيما تواصل الأمارات تقديم الدعم بكل أنواعه للأكراد للعراقيين ودفعهم نحو الانفصال حتى اللحظة، فأنها دخلت على خط الاحتجاجات والأوضاع السياسية المضطربة التي يشهدها العراق حالياً للدفع باتجاه وتشجيع انفصال المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية، من أجل تعزيز (الاستقلال أو ما يسمونه الاستقلال الكردي) في شمال العراق، من ناحية ومن ناحية أخرى تعزيز مشروع تقسيم العراق وفرض أمر واقع لا مفر منه !!
وفي الحقيقة أن التدخل الإماراتي لدعم انفصال ما يسمونه الإقليم السني في غرب العراق، لم يكن وليد الأحداث الحالية، فكما كان التدخل الإماراتي في شمال العراق بدأ منذ إعلان الدستور العراقي الذي وضع أسسه الاحتلال الأمريكي عام 2003، حيث تضمن بنود تنص على حق ثلاث محافظات أو أكثر بالانفصال الإداري عن المركز.. فكما كان التدخل الإماراتي في شمال العراق، منذ ذلك الوقت، كانت الإمارات تتدخل بشكل موازي ومتزامن من تدخلاتها في شمال العراق، والدفع باتجاه العصيان والانفصال في المنطقة الغربية، وهذا ما أكده ممثل حكومة كردستان لدى إيران ناظم الدباغ، حيث كشف في 30/12/2015 لوكالة تسنيم الإيرانية للأبناء، عن جهود مشتركة لثلاث دول عربية إلى جانب تركيا لتشكيل إقليم سني في العراق، وقال: "إن دولة الأمارات وقطر والسعودية تعمل مع تركيا على متابعة هذا المشروع المشترك بهدف تقسيم العراق". وجاء الدعم الإماراتي في الوقت الذي جون بولتون المسؤول السابق في الحكومة الأمريكية والمتصهين أكثر من الصهاينة أنفسهم، أثار موضوع الإقليم السني في العراق وضرورة إقامته بحسب زعمه. على أن الإمارات وجدت في الظروف الحالية التي يعيشها العراق كما أشرنا، فرصة لتكثيف التحرك في هذا الاتجاه، خصوصاً بعد ما صار "الإقليم السني" وإقامته أحد الخيارات الأمريكية لبقائها في العراق، بعد فشلها في فرض نظام عميل لها في العراق، وبعد استهدافها لرموز الشيعة أو لبعضهم وعلى رأسهم أبو مهدي المهندس، الذي كان له دور وباع طويل دحر المشروع الأمريكي في العراق والمتمثل بداعش، أولاً لان المنطقة الغربية تحتضن ثروات من الفسفور والغاز والنفط لم تستغل لحد الآن، وثانياً لان الرموز السنية العراقية المدعومة سعودياً وأردنيا وإماراتيا وتركياً تريد بقاء القوات الأمريكية لحماية "الكيان السني"..خاصة وان النواب الشيعة في البرلمان العراقي صوتوا بأغلبيتهم على خروج القوات الأمريكية وباتت الحكومة العراقية مكلفة بتنفيذ هذا القرار البرلماني السيادي.. ففي ظّل هذه الظروف، بدأت تتسرب الأحاديث عن الدور الإماراتي لإقامة مثل هذا الإقليم انسجاما مع التوجه الأمريكي القديم الجديد.. وهذا ما أكده النائب العراقي عبد الخالق العزاوي عن حزب "المشروع العربي" بزعامة خميس الخنجر والمعروف بارتباطاته الأمريكية والسعودية والإماراتية، بحديثه إلى موقع عربي 21، حيث قال العزاوي فيه "أنه بالفعل ورد إلينا أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وعدد من النواب ورؤساء الكتل في اتحاد القوى السنية الذي يرأسه، أي الحلبوسي، اجتمعوا في دولة ما وتباحثوا في موضوع إنشاء إقليم سني". وبخصوص السبب وراء إثارة وبحث هذا الموضوع، قال العزاوي أن: "الأمر جاء بدفع من دولة خارجية، والدليل على ذلك إنهم كانوا يتباحثون في الموضوع في هذه الدولة، ولم يتجرأوا على تنبيه أو طرحه بشكل علني" في إشارة واضحة إلى الإمارات. من جهته قال الباحث في الشأن السياسي سعدون التكريتي، طبقاً لما نقله موقع عربي 21 المذكور.. في 19/1/2020 أن .." الإمارات تدعم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لإقامة مثل هذا المشروع في محافظة الانبار، وكل المؤشرات الأخيرة تؤكد أن الأخير يسعى إلى تزعم المكون السني والعمل على إنشاء إقليم بدعم من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد". ولفت التكريتي إلى "أن الموضوع يقال انه جاء بترتيب من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها تعمل عملية حتى يجري تحقيقه في وقت لاحق. وكذلك تسعى إلى توفير الحماية لهذا الإقليم السني الذي تعد الأنبار نواته الرئيسية"!
هذا وأكدت وسائل إعلام عراقية وسياسيون عراقيون، رعاية الأمارات لاجتماع لبعض النواب والشخصيات السياسية العراقية من المنطقة الغربية، بحسب ما ذكرته مصادر متعددة في 21/1/2020.. وبحسب الأوساط الإعلامية العراقية فأن اجتماع أبو ظبي حضره رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس حزب الحل جمال الكربولي، والنواب محمد الكربولي، واحمد الجبوري، ومحمد التميمي، وفلاح زيدان، ورعد الدهلكي، وزياد الجنابي، ومحمد إقبال، ورجل الأعمال سعد البزاز. ووفقاً لما ذكرته بعض الأوساط، فأن الاجتماع عقد يومي التاسع والعاشر من شهر يناير للعام الجديد (،10/1/2020). وتقول هذه المصادر، انه بحسب ما سُرّب فأن الإقليم المقترح سيشمل محافظة الأنبار وصلاح الدين في مرحلة أولى، على أن تلتحق بهما نينوى (الموصل) فيما بعد. وتضيف المصادر، عن المحلل السياسي والباحث والكاتب الناصر دريد قوله إن خلطة أبو ظبي الجديدة في العراق جاءت بتنسيق مع الرياض من جهة ومع واشنطن من جهة أخرى.
على أي حال الأمور اليوم تتحرك بهذا الاتجاه لتحقيق هذا الهدف، بحسب تصريحات النائب عن محافظة الأنبار فيصل العيساوي، التي نقلها موقع الجزيرة القطرية في 14/1/2020، والتي قال فيها " إن خطوات عملية بدأت نحو تشكيل إقليم الأنبار" وأضاف، لافتاً، إلى أنهم في محافظة الأنبار شرعوا بالعمل واتخذوا الإجراءات الحقيقية مع فرق عمل تشمل الأحزاب والمنظمات والعشائر. السنوات الماضية بحسب زعمه. والمفارقة أن دعم الإمارات لمشاريع التقسيم في العراق، واليمن وليبيا، رغم أن ذلك يشكل خطراً على الاتحاد الإماراتي نفسه، سيما وان هناك من أمراء أو حكام بعض الإمارات يريد الاستقلال عن أبو ظبي بسبب الويلات التي جلبها لهم محمد بن زايد من سياساته الطائشة، فرعاية الأخير لمشروع التقسيم يمكن أن يشمل الإمارات نفسها، أكثر من ذلك أن ابن زايد يقوم بكل هذا التدخل السافر التخريبي و" التقسيمي" في العراق وفي دول عربية أخرى، لكنه ينتقد العراق لتدخله بحسب السلطات الإماراتية ومزاعمها في الشأن الداخلي البحريني، لأن المسؤولين العراقيين انتقدوا البحرين على تدخلات المسؤولين البحرينيين في الشؤون الداخلية العراقية، فبن زايد انتفض في بيان ضد العراق في 28 ابريل عام 2019 واتهمه بالتدخل بالشؤون الداخلية البحرينية، وذلك ما يؤشر إلى النفاق والعهر السياسي لمثل هذه القيادات التي توظف كل إمكانات الأمة وثرواتها في خدمة الامريكان والصهاينة ومشاريعهم ضد الأمة وحضارتها في المنطقة.
ارسال التعليق