التحالف السعودي - الإماراتي في اليمن ... هل بات على مشارف التفكك والانهيار !؟
[عبد العزيز المكي]
في الأسابيع الأخيرة كثر الحديث في الصحافة الأمريكية والغربية وفي الصحافة المحلية عن تفاقم الخلافات السعودية الإماراتية في الساحة اليمنية بسبب تضارب وتصادم أجندة كل منهما مع الآخر.. صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية ذكرت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جمع الصحفيين المحليين في الرياض، في إحاطة نادرة غير رسمية، وألقى رسالة مذهلة قال فيها أن «الإمارات العربية المتحدة ، حليفة السعودية منذ عقود طعنتنا في ظهرنا .... وأضاف بن سلمان، بحسب أشخاص كانوا حاضرين في الاجتماع "سأريهم ما يمكنني فعله" وفق الصحيفة الأمريكية الصادرة في تموز 2023 كما سلط مرکز "ستراتفور" الأمريكي المتخصص في البحوث السياسية الضوء على تزايد التوتر والتنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات "مشيرا إلى أن التوترات المتزايدة بين البلدين سوف تؤدي إلى زيادة المنافسة الاقتصادية والدبلوماسية والدفاعية، ما يجعل من الصعب على الشركات أو بعضها العمل في البلدين معاً، ويؤدي إلى تفاقم المخاطر الأمنية في اليمن أو في السودان" وأسهب المركز في تقريره الذي نشرت ترجمته العربية على موقع الخليج الجديد في ٢٨ اغسطس الماضي، في بيان واستعراض موارد الاختلاف ونشوئه بين البلدين.. على أن بعض الأوساط الإعلامية ذهبت إلى أكثر من ذلك، بنبش مدفونات التأريخ، واعتبار أن هذا الخلاف هو امتداد للخلافات التاريخية القديمة بين آل زايد وآل سعود، فآل سعود رفضوا الاعتراف بالإمارات حتى وقت متأخر لأن لديهم أطماع بضم أجزاء من الإمارات غنية بالنفط، وحتى بعد الاعتراف ما زالت عيون السعوديين مشرأبة نحو تلك المناطق !!
على أي حال، النظام الإماراتي حاول إنكار وجود خلاف بين الطرفين، كعادته في كل مرة تثار هذه القضية في الإعلام الأمريكي والغربي، فقد علق أنور قرقاش، مستشار محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات على تقرير صحيفة الوول ستريت جورنال نافياً وجود مثل هذه الخلافات مع السعودية بقوله "إن الإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد ماضية بعزم نحو تعزيز السلام والأمن والتنمية وينعكس إيجابياً على مستقبل المنطقة ورفاه شعوبها ويضمن قدرتها على التعامل مع قضاياه بشكل فعال ومثمر" من جهته عبد الله عبد الخالق الأكاديمي المقرب من السلطات الإماراتية، صرح أكثر من مرة مكذباً ما تروجه بعض الصحف حول الاختلافات بين الرياض وأبو ظبي ومكرراً مقولته المعروفة بأن التحالف بين السعودية والإمارات استراتيجي ولا توجد اختلافات !! غير انه ما يقوله الإماراتيون شيء وما يجري شيء آخر، بل طفح الكيل وبات السعوديون يصرحون علانية ويتوعدون الإمارات، بعد أن كانوا يلوذون بالسكوت ولا يعلقون على نفي الإماراتيين ما يعني أن الخلافات وصلت حد اللاعودة. فبالإضافة إلى ما نقلته صحيفة الوول ستريت جورنان عن محمد بن سلمان كما مر بنا، فإن الباحث السعودي سعد العمري المقرب من السفير السعودي في اليمن شن هجوما على الإمارات واتهمها بتهديد أمن السعودية القومي وخيانتها في اليمن !! وقال إن "دعم إنفصال اليمن والاستيلاء على الجزر وتأسيس ميليشيات متمردة، مشاريع إماراتية تتنافى مع أهداف التحالف وتهدد الأمن القومي السعودي...".
وأضاف.. الضعيف من يستغل ضعف اليمن لتمرير مشاريعه السياسية الضعيفة".
وأيد العمري ما كان قد قاله عضو مجلس الشورى السابق، الدكتور محمد آل زلفة من انتقادات للإمارات، والتي جاء فيها.. "أن الإمارات ابتعدت عن اهداف التحالف وذهبت نحو قضايا واجندات خاصة في اليمن" وأوضح زلفة في حديث لقناة (يمن شباب) اليمنية، أن الإمارات أقحمت نفسها في قضايا أكبر من حجمها وقدراتها، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن تنافس السعودية أو حتى مقارنتها بها..!! بحسب قوله.. ولوح زلفة المسؤول السعودي السابق، إلى خيانة الإمارات للسعودية بعد إعلانها الانسحاب من اليمن دون سابق إنذار في العام: 2019م، وهو ما اعتبره آل زلفة تآمر من جانب أبو ظبي على السعودية في اليمن !!
وهجوم زلفة على الإمارات دفع أنور قرقاش الذي دائما ما يعكس موقف المسؤولين الإماراتيتين إلى الرد بالقول.. : ) ".. إن مواقف أبو ظبي، إتسمت دائماً بالشجاعة والأصالة والتقييم الاستراتيجي الذي يرى أن أمن واستقرار وازدهار المنطقة كل لا يتجزأ" بحسب زعمه وأضاف قرقاش قائلاً: " تبقى هذه رؤيتنا حتى وإن تغيرت الظروف والأدوات، وتبقى مواقفنا مع الأشقاء والأصدقاء راسخة ومستمرة" مختتماً بالقول.. "الإمارات لا تتغير وتسمو فوق منطق القيل والقال.." على حد قوله وزعمه.. ولم تكتف الإمارات بهذا الرد وإنما انبرى فيما بعد الأكاديمي الإماراتي عبد الله عبد الخالق الذي يعبر عن رأي السلطات الإماراتية، للرد أيضاً قائلاً: "محمد آل زلفة كان يمدح الإمارات وأشاد بنجاحها في تحرير عدن سابقاً، فما الذي يجعله ينقلب على مواقفها ويقلب المديح إلى انتقادات مجانية؟"
وأضاف: "تناقض يؤكد أن موقف آل زلفة يعكس وجهة نظر آخرين، وليس وجهة نظر شخصية". في إشارة إلى السلطات السعودية.. من جانبها صحيفة العرب اللندنية الممولة من الإمارات اعتبرت أن هذه الانتقادات لا يمكن التهوين بها لأنها جاءت هذه المرة على لسان آل زلفة وهو شخصية على معرفة دقيقة بالتزامات السعودية وأهمية تحالفها مع الإمارات في اليمن، واستغربت الصحيفة سكوت الجهات السعودية الرسمية على تصريحات آل زلفة التي استنقص فيها من الإمارات كما تقول الصحيفة، معتبرة أن هذا السكوت يعني استنتاجاً آخر وهو أن الأمر مقصود!! وذلك ما أيده الكثير من المعلقين والمتابعين حيث أجمعوا تقريباً على أن آل زلفة كان قد أخذ الضوء الأخضر من السلطات السعودية للنيل من الإمارات ودورها في اليمن تحديداً..
على أنه ورغم هذا الجدل لم يتوقف الهجوم السعودي على الإمارات، فظل المقربون من الكتاب والصحفيين للبلاط السعودي ينالون من الموقف الإماراتي في اليمن تحديداً، بين الحين والآخر، فالأكاديمي والمحلل السعودي خالد آل هميل هاجم تحركات الإمارات في اليمن بعنف متهما إياها بأنها تعمل ضد مصالح السعودية هناك وقال: "الذي لا يمكن تجاهله أن هناك (دولة) تسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب مصالح سيادة الدولة اليمنية وسعت مع الأسف إلى عمل (خوازيق) باستنبات ميليشيات على سواحل اليمن وفي عدن وفي غيرها متخيلة أن هؤلاء سوف يكونون أدوات تحارب بهم وتدفع بهم ضد مصالح السعودية"!!.
وتابع آل هميل مستنقصا من الإمارات بقوله: "ينبغي أن تفوق هذه الدولة وترعى مصالح الأشقاء. نسبة الأجانب في بلادها يشكلون أكثر من تسعين بالمئة من تعداد المواطنين مما يهدد سيادتها من الداخل"..
ويكشف هذا التراشق والجدل بين الإمارات والسعودية أن الإمارات: باتت تزعج السعودية وتسبب لها معاناة وصداعاً مستمراً ليس في الساحة اليمنية وحسب بل في كل الساحات وعلى جميع الأصعدة - لأن النظام الإماراتي بات ينافس السعودية على قيادة المنطقة العربية في الخليج وفي غير الخليج، ويعمل بكل طاقته لإزالة السعودية من مربع الريادة والقيادة، ففي اليمن تحدث السعوديون عما يجري، وفي السودان، السعودية تدعم البرهان والإمارات تدعم حميدتي، وكذا الأمر في ليبيا وفي بقية الساحات والميادين وعلى الصعيد الاقتصادي تريد الإمارات أن تكون مركزاً للبنوك العالمية وللشركات الأجنبية، على حساب السعودية التي تعتبر نفسها أحق بهذه المركزية فهناك تفصيلات مذهلة حول الصراع الاقتصادي بين الطرفين، وسعي كل طرف ليكون الجهة الرائدة على المستوى الاقتصادي الإقليمي والعالمي، وكذلك التنافس محتدم بين الطرفين في مجال أسعار النفط ومنظومة أوبك، ولاحظنا كيف أن الإمارات شاكست السعودية وهددت بالخروج من تلك المنظومة في اتفاق أوبك العام الماضي على حصص الإنتاج، والقصة معروفة..
1. إن التبرم السعودي من الإمارات يكشف أن السعودية أخفقت في التخلص من مزاحمة ومنافسة الإمارات، بل وإزاحة الأخيرة عن طريقها، لأن الإمارات فرضت على السعودية واقعاً في ساحة الصراع بات من الصعب على السعوديين على ما يبدو تجاوزه أو القفز عليه، وهو الأمر الذي جعل السعوديين يعبرون صراحة عن تبرمهم وغضبهم مما تقوم به الإمارات، وذلك لعجزهم ولأن الأخيرة باتت فعالة في تخريب أو تعطيل أو حتى افشال مشاريعهم ومخططاتهم، كما هو واضح جلياً في اليمن وفي السودان و.و الخ !!
2. إن تشجيع ودعم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة للإمارات للعب دور إقليمي ودولي في إطار المشاريع الأمريكية والصهيونية، منح الإمارات زخما كبيراً لمنافسة السعودية ومحاولة إزاحتها والتسيد في المنطقة، الأمر الذي عقد الوضع بالنسبة للسلطات السعودية، فهي ليست قادرة على إزاحة الإمارات عن طريقها ووضع حد لطموحاتها ومحاولاتها التسلق على مواقع السعودية التي تعتبرها الأخيرة، أنها وحدها المؤهلة لها، وليست قادرة أيضاً على تأديب السلطات الإماراتية بسبب الدعم الصهيوني الأمريكي ومنحها الضوء الأخضر في مضايقة وحتى ابتزاز السعودية في المجالات المشار إليها من أجل ممارسة الضغط على النظام السعودي وحمله على الاستجابة إلى كل الإملاءات الصهيونية والأمريكية، ومنها إعلان التطبيع الرسمي مع العدو الصهيوني، الأمر الذي يؤكد عمق المأزق السعودي، واحتمالات انهيار التحالف السعودي الإماراتي إن عاجلاً أو آجلاً .
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق