كثُر في الآونة الأخيرة، الحديث والجدل، والتحركات الاقليمية والدولية والحضرمية، عن المطالبة باستقلال محافظة حضرموت عن اليمن وانفصالها عنه كدولة مستقلة، وقد تجلت تلكم النشاطات في الخطوات التالية:-

1-   زيارات متتابعة لسفراء أمريكا وبريطانيا، لحضرموت ولقاءاتهم بأعيانها، والاهتمام بهم، ذلك تزامناً مع وفود لشركات أمريكية وبريطانية متخصصة في انتاج النفط، وفي عمليات التنقیب عنه، والأهم من ذلك تزايد الانتشار العسكري الأمريكي والبريطاني في المناطق الاستراتيجية والمفاصل المهمة للمحافظة، وذلك بالتنسيق مع الكيان الصهيوني الذي غالباً ما يكون حاضراً في كل هذه النشاطات ولكن تحت العباءات السعودية والاماراتية وتحت الظلال الأمريكية والبريطانية!

2-   تحرك سعودي حثيث ونشط في المحافظة، وعلى اكثر من صعيد، أهمها، تغيير المسؤولين في هذه المحافظة وإناطة ادارتها بمسؤولين من حلفاء النظام السعودي، الذي يتبنون المشروع السعودي الامريكي البريطاني في تقسيم اليمن وتجزئته وتشظيته " فقد تمت تسمية أبرز القوى التي ستتولى ادارة المحافظة النفطية خلال الفترة المقبلة، وهذا ما كشفه الخبير العسكري والباحث في الشؤون الاستراتيجية والدولية السعودي الدكتور أحمد القرني في تغريدة له، حيث قال: ان اللواء الركن/ فرج البحسني نائب رئيس قيادة المجلس الرئاسي، وفؤاد التميمي قائد المنطقة العسكرية الثانية ومبخوت بن ماضي محافظ محافظة حضرموت، هم فقط من يمثلون حضرموت.. واضاف هذا الباحث قائلاً: " البحسني والتميمي وبن ماضي هم الممثلون لحضرموت والحوار قائم مع المجلس الرئاسي وصولاً لتوافقات، ما عدا ذلك فهرج ومرج!"

وإلى ذلك فأن النظام السعودي وظف علاقاته مع رؤساء عشائر وقبائل حضرموت التي نسجها وعززها بالاموال والرشوات وبالسلاح مع هؤلاء الرؤساء ومع العشائر نفسها على مر العقود الماضية.. وظف هذه العلاقات بدفع تلك العشائر نحو تبني خطوة انفصال محافظتهم حضرموت عن الجنوب والشمال، اذ شكلت من تلكم العشائر حلفاً، أصدر قراراً بتشكيل لجنة تحضيرية لفعالية الذكرى التاسعة للهبة الحضرمية والتي ستخصص لإعلان حضرموت مستقلة! عبر تسمية هذه الفعالية باليوم الوطني لحضرموت..و الاستعدادات السعودية في هذا المجال شملت بدء نشر قوات موالية للسعودية تم تشكيلها مؤخراً وتعرف بقوات " درع الوطن"!

3-   و فعلاً أعلن في العشرين من كانون الأول 2022 بما عرف بـ " يوم حضرموت الوطني" وفي هذا الإعلان تم الإعلان حضرموت " دولة مستقلة" عن الشمال والجنوب.. واليوم الوطني الحضرمي كما قلنا تم اعتماده من قبل حلف القبائل الموالي للسعودية الذي يرأسه الشيخ عمرو بن حبريش، الذي قال في ذلك الاحتفال " ان اختيار هذا اليوم.. جاء لتأكيد انتصار حضرموت على الذل والمهانة، واستعادة مكانتها وكرامتها" على حد زعمه وقوله. وذهب هذا الشيخ الى تهديد من يقف امام تلك "الطموحات" التي أعلن عنها وقال " ليس لدينا أي عداوة مع أي طرف لكننا سوف نواجه كل من يقف في وجه أهدافنا أو يطمع في أرضنا وثرواتنا" على حد قوله...و على هذا النسق دأب المتكلمون الآخرون في هذا اليوم " اليوم الوطني الحضرمي"..فالقيادي في الحراك الشعبي الحضرمي عصام الكثيري قال في هذا الاحتفال.. " إن حضرموت ستكون دولة مستقلة بحدودها وعلمها ونشيدها الوطني"!!

4-   مصادقة رئيس المجلس السياسي اليمني المعين من قبل السعودية والإمارات، رشاد العليمي، على مطالب القوى الحضرمية بإعلان انفصال حضرموت، وذلك في 19/12/2022!! وجاءت تلك المصادقة قبيل الاحتفال " باليوم الوطني" لحضرموت حيث كان عدد من القيادات الحضرمية التقت العليمي في الرياض، وأكد دعمه الكامل لمطالبهم.. وواضح ان العليمي هو الآخر، والحليف للسعودية، قد أُملي عليه هذا الموقف من قبل النظام السعودي ، ولديه قرار من " السيد" السعودي بتنفيذه، وهذا  ما أكدته أوساط ما تسمى" بحكومة الشرعية" فمستشار وزير الأعلام في حكومة معين عبد الملك والسكرتير الصحفي السابق للرئيس المخلوع هادي عبدربه منصور..مختار الرحبي اتهم مجلس العليمي بالانبطاح والعبودية للسعودية.. وقال: " ان قيادة مجلس القيادة أسيره لدى التحالف ولاتستطيع اتخاذ أي قرار بعيد عن السعودية والأمارات. وكذلك قيادة الانتقالي اكثر انبطاح وعبودية للسعودية والأمارات لذلك لا يمكن أن يقوم الانتقالي بخطوات بتصعيدية بعيداً عن أخذ الموافقة والدعم المالي من الكفيل"! ذلك في تغريدة له على تويتر في 25/12/2022...

و يبدو ان هذا التحرك ينطوي على جدية وخطورة، اذ لا ينحصر في اطار التحرك المجرد والدعوات المتفرقة، ولذلك حذر الباحث والمفكر اليمني عبدالله بن عامر في 20/10/2022 من هذا المخطط الخطير الذي يستهدف فصل حضرموت من جسم اليمن وقال بن عامر في تغريدة له على تويتر: " تحريك ورقة فصل حضرموت ليست مجرد تلويح كما يظن البعض لاستهداف الانتقالي ضمن الصراع الدائر جنوباً والمدفوع من عواصم خارجية" وأضاف: " ان الهدف الحقيقي هو التهيئة للفصل بالفعل وهذا مخطط قديم جديد لم تتوقف السعودية عن محاولات تنفيذه كلما تهيأت لها الفرصة لذلك منذ 1936 و1972و 1994"..

و لأن المشروع ينطوي على الجدية حذر منه أيضاً: الرئيس اليمني الأسبق، رئيس اليمن الجنوبي، على ناصر محمد، ورد على خطاب الشيخ عصام بن حبريش الكثيري يوم 20/12 الماضي، والذي اعتبره الأخير، كما أشرنا فيما مر من سطور " يوما تاريخياً" باعلان " دولة حضرموت بحدودها وعلمها ونشيدها الوطني"..و قال ناصر في مقال مطول نشره موقع حيروت الإخباري اليمني في 25/12/2022، بيّن فيه ان حضرموت لم تخضع للظلم كما زعم الكثيري كما ان اكثر القيادات والمسؤولين سواء في اليمن الجنوبي أو في يمن الوحدة هم ينحدرون من محافظة حضرموت ذاكراً عدد من أسماء هؤلاء المسؤولين والقياديين..و قال ناصر مشيرا الى انه ليس " ضد مطالب المحافظات للحصول على حقوقها كاملة ولكننا لسنا مع إنفصال حضرموت أو باكازم أو جمهورية دثينة أو العودة الى ما قبل حدود المشيخات والسلطنات" مشيراً الى " أننا اذا تغاضينا عن هذه الدعوات والرغبات العديدة التي بدأت تستغل غياب الدولة والفراغ الممتد في كامل الساحة، فأن النتائج ستكون كارثية ومدمرة" على حد قوله. مشدداً على وقف الحرب لإحلال السلام في اليمن، معتبراً العمل في هذا السياق مدخلاً لمعالجة كافة " مشاكلنا وقضايانا" بحسب قوله.

لماذا التأكيد على انفصال حضرموت!؟

الحقيقة تجزئة اليمن وتقسيمه الى كانتونات ومشيخات هدف. بريطاني استعماري قديم، وأيضاً هدف أمريكي سعودي إماراتي جديد! ولعل تقسيم اليمن الى ستة أقاليم في الحلول التي وضعتها السعودية والأمارات في ما يسمى الحوار اليمني المشترك، يؤشر الى هذه الحقيقة، اذ ظل التقسيم يشكل ركنا أساسياً في التفكير السعودي الإماراتي، فعندما كانت الإمارات في عام 2017 تسيطر على حضرموت سعت بكل ثقلها لانفصال حضرموت، حيث أخضعتها للميليشيات الموالية لها، وأضعفت ما يسمى " بالشرعية" هناك الى أبعد حد، وكذا الأمر بالنسبة للنظام السعودي عند ما نجح في التخلص من القوات الموالية للامارات في المدينة، فكانت السعودية العامل الاساسي لاخفاق الامارات بسبب التحالفات التاريخية التي نسجتها السعودية مع رموز وقبائل حضرموت يضاف الى ذلك أنها عملت طيلة الفترة خصوصاً بعد العدوان على " سعودة" بعض أهالي حضرموت أي تزويدهم بالجنسية السعودية وربطهم بالمملكة!! وعلى أساس تلك الخلفيات تجري التحركات السعودية المسنودة والمدعومة أمريكيا وبريطانيا، لاسباب كثيرة منها ما يلي:-

1-   ان حضرموت تشكل جغرافيا اكثر من نصف اليمن، فنسبة مساحتها الى اليمن بشماله وجنوبه 51% أو أكثر.و تقطنها قبائل وعشائر كما أشرنا اكثرها ترتبط بروابط عائلية واجتماعية بالعشائر الموجودة في الطرف الآخر أي السعودي الذي نجح في توطيد علاقاته واختراقاته ونفوذه وتأثيره في المجتمع الحضرمي. والى ذلك، فأن حضرموت غنية بالنفط والمعادن الأخرى والنظام السعودي يعرف هذه الحقيقة بأن حضرموت تطفو فوق بحيرة من النفط.

2-   الأهم من ذلك ان النظام السعودي يدرك جيداً انه باعلان حضرموت دولة مستقلة، وهي تتمتع بكل مقومات قيام الدولة، انه سوف يحقق أهداف استراتيجية كثيرة، منها التأسيس لتقسيم اليمن وبالقوة وبالتالي قطع الطريق على توحيد اليمن، ومنها، قطعه الطريق على النظام الإماراتي الساعي بكل جهده الى السيطرة على الجنوب اليمني بموانئه وسواحله وثرواته، حيث يعمل ليل نهار من أجل تلك الأهداف على أضعاف النفوذ السعودي هناك، فالصراع الدموي والتنافس السياسي بين مرتزقة السعودية والأمارات اليمنيين لم يتوقف منذ بدء العدوان وحتى الآن حيث يحتدم في عدن، فالسيطرة السعودية على حضرموت سوف تقسم الجنوب وتحاصر النفوذ الاماراتي في الجنوب في المهرة والجزر اليمنية وفي الجوف. ومنها ان السيطرة السعودية على تلك المدينة، يمنح السعودية موقعاً استراتيجياً مهماً في السيطرة على بعض الموانئ اليمنية قرب سلطنة عمان، وفي السيطرة على مضيق باب المندب، وتمكينها من شق قناة نحو البحر العربي والاستغناء عن مضيق هرمز وحتى باب المندب لنقل النفط الى العالم.. اكثر من ذلك ان اعلان حضرموت دولة مستقلة تحت الوصاية السعودية يمنح الاميركان والصهاينة والبريطانيين موقعاً استراتيجياً هاماً، وقاعدة عسكرية قوية تسيطر على منافذ البحار وتمنع أنصارالله من التمدد جنوباً لتوحيد اليمن.

3-   ان النظام السعودي لديه أطماع تاريخية بالاراضي اليمنية، ولحد الآن هو يسيطر ويحتل محافظات نجران وعسير وجيزان، التي تعادل مساحتها مساحة لبنان تقریبا، وحملة التجنيس السعودية لقبائل حضرموت التي توسعت قبل اكثر من سنة ومازالت جارية على قدم وساق في الخفاء، تؤشر الى اصرار النظام السعودي على الحاق حضرموت بالمملكة كأمر واقع..فهل ينجح النظام السعودي ومعه أمريكا وبريطانيا والعدو الصهيوني في فصل حضرموت من جسد اليمن!؟هذا ما تجيب عليه الايام القادمة، يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

عبد العزيز المكي