التدخل السعودي السافر!! معضلة لبنان الأساسية في أزماته وتدهور أوضاعه الداخلية!
[عبد العزيز المكي]
بعد ما كان النظام السعودي يتدخل سراً في الشؤون الداخلية للبنان طيلة العقود الماضية، بات اليوم يتحرك على المكشوف بعد ما انكشفت الأمور وافتضحت التدخلات السعودية للقاصي والداني في لبنان وفي المنطقة، فبين الحين والآخر يطل علينا أحد المسؤولين السعوديين أو أحد إعلامييهم المقربين ليتحدث علناً عن التحرك السعودي في لبنان، والمنافي لمصلحة هذا البلد ومصلحة شعبه وشرائحه الاجتماعية والسياسية!! فبينما لا يزال الجدل مثاراً في الساحة اللبنانية حول تصريحات السفير السعودي في بيروت وليد البخاري حول نتائج الانتخابات والمطالب السعودية من مرتزقة الرياض اللبنانيين وتحديد سهم بوصلة تحركهم في ما بعد الانتخابات.. بينما لا يزال الجدل مثاراً حول تلك التصريحات، جاء حديث وزير الخارجية السعودي في مؤتمر دافوس الذي عُقد في الـ 24/5/2022، حول لبنان، ليؤكد هذا التدخل السعودي السافر في الشأن اللبناني الداخلي، اذ قال فيصل الفرحان: " ان التغيير وموضوع حزب الله بيد اللبنانيين أنفسهم (...) وعليهم ان يقوموا بإصلاحات لاستعادة حكم الدولة في لبنان" على حد زعمه، وواضح ان الوزير السعودي يحرض حلفائه ضد حزب الله! لان الحكومة والسلطة من وجهة نظره بيد حزب الله! وبالتالي لابد من استعادتها بأية وسيلة ممكنة بما فيها التوسل بالحرب الأهلية، مادامت نتائج الانتخابات لم تؤدِ الى هذا الأمر كما كان يريد لها السعودي والصهيوني الأمريكي، من خلال المال السياسي الضخم الذي نزلت به السعودية في الانتخابات كما هو معروف لتغيير أو التأثير على الناخب مستغلة حاجته الماسة للأموال لسد رمقه بسبب الأوضاع المتردية، نتيجة الحصار الأمريكي والسعودي الاقتصادي على لبنان! فقد قدمت السعودية لكل ناخب ينتخب مرتزقتها من أمثال جعجع2000 دولار أمريكي! فكان الهدف من كل هذا الجهد السعودي هو إيجاد كتلة نيابية كبيرة تأخذ على عاتقها التغييرات المطلوبة سعودياً وصهيونياً!! ومنها إنهاء المقاومة وربط لبنان بعد ذلك بالعجلة السعودية الأمريكية الصهيونية.. وكدليل على إصرار النظام السعودي للدفع بالامور في لبنان الى التصادم بين كتله ومكوناته السياسية والاجتماعية ان تصريحات بن فرحان جاءت بعد يومين أو أقل من تصريحات السفير السعودي البخاري في بيروت، في هذا الاتجاه، حيث قال الأخير، خلال استقباله في منزله شخصيات سياسية ودينية لبنانية في ذكرى اغتيال مفتي لبنان حسن خالد وبحضور مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، ووزير الداخلية اللبناني بسام مولوي.. قال: " اغتيال المفتي حسن خالد كان مقدمة لاغتيال كل لبنان، الذي يعيش أياماً صعبة على كل المستويات وفي مقدمتها هويته العربية، وعلاقته بمحيطه العربي"!! وأضاف البخاري: (( نزف للمفتي حسن خالد نتائج الانتخابات المشرفة وسقوط كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية" ))!! على حد زعمه وإدعائه. وذلك ما اعتبره اكثر اللبنانيين تدخلاً سافراً ووقحاً من جانب هذا السفير في شؤون لبنان والعبث باستقراره وسلمه الاهلي!! ولذلك رد عليه رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب موجهاً خطابه لهذا السفير الوقح قائلاً له: " رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت هم ضيوفك سعادة السفير وليد بخاري".. وأضاف.." منهم من قتل أكثر من خمسة الاف ضحية ومنهم من قتل شعباً وسرق أمواله وجعله شحاذاً عند أمثالك".. وقال في تغريدة ثانية..." لو كان بإمكانهم يا سعادة السفير القتل كما كانوا يفعلون دائماً لقتلونا جميعاً قبل ان نخوض الانتخابات لكن سلاح المقاومة هو من يمنعهم من ممارسة هذه اللعبة التي أتقنوها، عليك ان تعلم ان هذا السلاح يمنع عودة ميليشيات القتل في الداخل وقال وهاب في تغريدة ثالثة " تصريحك يا سعادة السفير البخاري هو قمة التدخل الايراني في الشؤون اللبنانية". أما السياسي نجاح واكيم فقد علق على تصريحات السفير السعودي قائلاً: " قال السفير السعودي: نزف للمفتي حسن خالد نتائج الانتخابات المشرفة،.. وأنا أزف لشعب شبه الجزيرة العربية ان سفير النظام " الديمقراطي" السعودي بات يعرف معنى كلمة الانتخابات". من جهتها ردت قناة المنار اللبنانية في تقرير لها على وزير الخارجية السعودي متهمة إياه في تقرير موسع بالتدخل السافر بالشؤون الداخلية اللبنانية، وقالت: " ان تصريحات بن فرحان، بمثابة كلام واضح الدلالة حول التدخل بشؤون لبنان الداخلية من جهة، وتحريض اللبنانيين بعضهم على البعض الآخر من جهة ثانية"! واعتبرت قناة المنار في تقريرها: " ان السعودية تريد لبعض الفئات اللبنانية أن تتصدى بشكل واضح ومباشر لفئة لبنانية أخرى ، حصلت عبر الانتخابات على كتلة نيابية وازنة. من اكبر الكتل في المجلس النيابي"! وشرح التقرير كيف ان النظام السعودي يحاول إثارة الفتنة والحرب الأهلية في لبنان بأية صورة ومنها التحريض، بعد ما أخفق في تدخله بماله السياسي الضخم من ايجاد كتلة كبيرة في البرلمان من مرتزقته لتحقيق من خلالها هدف إشعال وإثارة الحرب الأهلية في لبنان.
هذا أولاً: وثانياً:- يؤشر هذا التدخل السعودي السافر في الشأن اللبناني إلى ان السعوديين لا يفكرون حتى بمصلحة مرتزقتهم اللبنانيين، لأن دفع الأمور في لبنان الى التناحر والحرب الأهلية وعلى أقل تقدير الى الانسداد السياسي والأزمات الاقتصادية، من خلال هذا التدخل، يضر أولاً بهؤلاء المرتزقة ويضرب بلبنان ككل فالحرب الأهلية والصراع الداخلي لا سمح الله سوف يسحق كل الموالين للسعودية وخصومها أو بعبارة أدق من تنظر إليهم أنهم في خندق الخصوم لأنهم يعادون الكيان الصهيوني وأمريكا ومشاريعهم ومؤامراتهم على لبنان والمنطقة! وخير دليل على ذلك الحرب الأهلية التي مر بها لبنان والتي دامت عقد ونصف فهي سحقت الأخضر واليابس، لكن السعوديين لا يفكرون ولا يهمهم اذا ما سُحق مرتزقتهم، والدليل الحي أمام هؤلاء المرتزقة، الرئيس المخلوع، هادي عبد ربه منصور الرئيس اليمني حيث رمت به السعودية في مزابل التأريخ ونكلت ببعض مرتزقتها عند ما اقتضت المصلحة السعودية ومصلحة اميركا استبداله والمجيء ببيدق آخر أو بيادق تحرق بهم الشعب اليمني خدمة لاميركا وللصهيونية!!
ثالثا:- ان التحريض الذي يمارسهُ اليوم النظام السعودي لدفع الشعب اللبناني وطوائفه واحزابه السياسية الى التقاتل الداخلي يؤشر الى الإحباط الذي يعاني منه النظام وأسياده الامريكان والصهاينة لإخفاقهم في تحقيق أهدافهم بقلب نتائج الانتخابات بماله السياسي لصالح مرتزقتهم من جانب، ومن جانب آخر، يؤشر هذا التحريض الى الأرق والقلق السعوديين من وجود المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية ومن تزايد الحاضنة الشعبية لها، كما أشرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على عكس ما كان يراهن عليه النظام السعودي من تدخلاته السافرة في الشأن اللبناني ومن توظيف لماله السياسي في سبيل نسف هذه الحاضنة وتجريد المقاومة من عمقها الجماهيري. واللافت ان الحماس السعودي في محاولة دفع الأمور في لبنان الى الحرب الأهلية، يؤشر بوضوح الى ان القلق السعودي من تصاعد قوة هذه المقاومة في لبنان، يفوق قلق أسياده الصهاينة والأميركان، لأن هذا النظام يدرك ان هذه المقاومة لا يمكن وجودها في تهديد واستقرار العدو الصهيوني وحسب، وانما لانها تهدد بنظريتها وفلسفتها الفكرية والثقافية كل الأسس التي تقوم عليها بنى الأنظمة الدكتاتورية والسلطوية والقبلية المتخلفة، وكذلك ثقافتها، ومنها النظام السعودي نفسه.
رابعاً- هذا التدخل السعودي الفج في الشأن الداخلي اللبناني، هو ابراز لشهادة سلوك النظام الاميركي والصهيوني، بأنه لم يتقاعد عن وظيفته الأساسية وهي إنجاز المشاريع والمؤامرات الامريكية، والتي يقف على رأسها في الوقت الحاضر، محاربة المقاومة الإسلامية والوطنية في لبنان والاجهاز عليها، ولأن الأسياد الأمريكان والصهاينة دائماً يملون على عملائهم ما يريدون مقابل رضاهم عن هؤلاء العملاء، فإنهم أي آل سعود يقومون بكل ما في وسعهم لخدمة أسيادهم من أجل موافقة هؤلاء الأسياد على بقائهم في السلطة!!
خامساً- كل ذلك يؤكد أن النظام السعودي يكذب بادعائه انه لم يطبع مع العدو الصهيوني، إنما التدخل السعودي في الشأن اللبناني يجري بالتنسيق مع العدو الصهيوني خطوة خطوة، ولعلنا نتناول موضوع مستجدات التطبيع السعودي- الصهيوني في مقالاتنا القادمة باذن الله.
و كل ذلك،يؤكد ايضا انة معضلة لبنان وازماته المتوالدة واستعصاء حل بعضها هو بسبب التدخل السعودي في شأنه الداخلي والعبث باستقرار البلد والسلم الاجتماعي، فمتى يرفع النظام السعودي يده الخبيثة عن لبنان واصله!؟
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق