التطبيع السعودي - الصهيوني.. إكذوبة القرن!!
[حسن العمري]
كثيراً ما نقرأ ونسمع ونرى بخصوص محاولات التقارب السعودي - اليهودي، حيث تتعالى أصوات البعض عالية منددة بهذه الحركة السريعة من التطبيع بين الرياض وأخواتها وبين الكيان المحتل لقبلة المسلمين الأولى، ما يثير الريبة والشكوك والخوف لدى الأوساط العربية والإسلامية المغلوبة على أمرها والتي لا تعي حقيقة ما يدور من وراء الظهر منذ مطلع القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
"التطبيع مرة أُخرى" الى الواجهة ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة؛ فالبطل كما جرت العادة خلال الفترة الأخيرة هي السعودية، أو بالأحرى رأس السلطة فيها محمد بن سلمان، الذي قدم ولا يزال يقدم، كل قرابين الولاء والطاعة لـ"حلفائه الجدد" الصهاينة.. على ما يبدو ولم يعد لديه أي غضاضة في التحركات التطبيعية العلنية - وفق ما نشرته "بلومبيرغ" الأمريكية في مقال للكاتب "ويل أوليفر".
ولي عهد سلمان يواصل مسيرة جده عبد العزيز الذي قدم فلسطين على طبق إخلاص ذهبي لمن جاء به ورعاه وصولاً للسلطة وبقائها في نسله، في رسالته التي وجهها للضابط الرابط البريطاني “بيرسي كوكس” سنة 1915، والتي جاءت على صيغة خطاب كتبه الملك عبد العزيز آل سعود ونصه: "أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل السعود أقر وأعترف ألف مرة، للسيد برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من أن أعطي فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها، حتى تصيح الساعة".
عجباً، عن أي تطبيع يتكلم البعض ويملأ صفحات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بذلك؟!.. لمن السخرية الإنشغال بكل هذا التهويل بخصوص العلاقة الودية الأخوية بين بني سعود وبني صهيون، والأمور كانت منذ نشأتهما تشير الى وجود علاقات طبيعية على مختلف الصعد بين الكيانيين اللقيطين اللذان زرعهما الإستعمار الثعلب العجوز في قلب منطقتنا خدمة لمشروعه النفاقي التفسيقي التفتيتي للأمة الإسلامية والعربية على حدِ سواء.. لذا ليس هناك ما يمكن تسميته تطبيع أي "إقامة علاقات طبيعية" بين المملكة والكيان المحتل بل إستمرارية ما كان عليه منذ القرن الماضي بالعلن.
خلال طواف صهيوني حول "صفقة القرن" للرئيس الأمريكي "ترامب" تلك التي كان من المقرر أن يطرحها صهره "جاريد كوشنر" خلال مؤتمر البحرين يومي 25 و26 يونيو 2019، سارع "الحفيد" الاعلان رسمياً بدعمه لها خلال لقائه قادة المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة "إيباك" خلال زيارته لأمريكا نهاية مارس 2018، مشدداً تمسكه الكامل بوعد "جده" وقت تسنمه السلطة في بلاد الحجاز، ومشدداً "حان وقت الدفع ونحن مستعدون مهما كلفنا ذلك" - وفق موقع "ديبكا" العبري المقرب من السلطات العسكرية والأمنية الصهيونية.
صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية كشفت عن جدول أعمال ولقاءات محمد بن سلمان آنذاك وكتبت.."أن ولي العهد السعودي التقى أيضاً بعدد من قادة مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية، وبناي بريث واللجنة اليهودية الأمريكية المتطرفة، طالباً إقامة علاقات على مختلف المستويات بين الرياض وتل أبيب؛ في إعتقاد منه كما هو شأن الكثير من المسؤولين العرب المنبطحين، أن قادة المنظمات المؤيدة للكيان الاسرائيلي هم بمثابة "حراس بوابات واشنطن"، فسارع التودد لهم وإظهر دعمه لقرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة قبل غيره.
"حاييم وايزمن" رئيس الحركة الصهيونية وأول رئيس للكيان الغاصب في فلسطين يقول في مذكراته: قال لي تشرشل (الذي كان له الدّورُ الأبرزُ والأساسيُّ في قيام الكيان الوهابي السعودي والكيان العنصري الصهيوني) رئيس وزراء بريطانيا آنذاك وهو يودعني، "أريدك أن تعلم يا وايزمان.. إنَّ مشروعَ إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول والمشروع الثاني هو إنشاء الكيان الإسرائيلي عبر الدويلة السعودية".
اليوم.. الأمر تعدّى ذلك كثيراً وبات تعاوناً واضحاً وصريحاً وبشكل دقيق سيما في المجالين الأمني والعسكري- بحسب ما يرى مراقبون، خاصة بعد إستلام محمد بن سلمان ولاية العهد والتعاون بات على المكشوف في كل المجالات، فشركة "NSO" الإسرائيلية التابعة لوحدة النخبة في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية وتحمل رقم (8200)، والمختصة في برمجيات التجسس الإلكتروني (برنامج "3Pegasus ") باتت اليوم الذراع الأيمن لنجل سلمان في إستهدافه وإعتقاله لمعارضيه، وهي من مردودات لقائه وقادة "إيباك" الذين وعدوه بدعمه - وفق صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، كاشفة عن عقد اتفاق بين مسؤولي الشركة الصهيونية وكبار الضباط في المخابرات السعودية في العاصمة النمساوية (فيينا) أواسط عام 2017، قامت الرياض بشراء عشرات النسخ من هذا البرنامج التجسسي بعشرات ملايين الدولارات.. ما يكشف عن عمق التعاون الأمني الإستخباراتي السعودي- الإسرائيلي الذي تعدّى حدوده المصالح السياسية.
"القناة 13" الإسرائيلية كشفت في 8 كانون الثاني/يناير العام 2018 عن "التحالف السري" بين تل أبيب والرياض، في مجال "تطوير القدرات الدفاعية السعودية"، ومساعي الأخيرة لشراء أنظمة أسلحة من الكيان الصهيوني؛ ما يؤكد على وجود تعاون عسكري مكثف بين الطرفين - وفق صحيفة "باسلر زايتونغ" السويسرية، وكذلك صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية التي كشفت عن قيام وفد عسكري سعودي رفيع بزيارة لــ"إسرائيل" وإبتياعه منظومة "القبة الحديدية للدفاع الجوي" الفاشل مقابل مئات ملايين الدولارات.
رئيس مؤتمر رؤساء كبرى المنظمات اليهودية الأمريكية "ستيفن غرينبرغ" لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، دعا مؤخراً خلال كلمته أمام مؤتمر للمنظمة في واشنطن الى دعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقادة الإمارات. كاشفاً إنه زار البلدين (السعودية والإمارات)، وأشاد بقادة البلدين والتزامهم تجاه "إسرائيل"- على حد تعبيره، فيما كشف "داني أيالون" نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، على هامش المؤتمر "إن هناك علاقات جيدة تربطه بالقادة السعوديين" الجدد.. مضيفاً: أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين "إسرائيل" وكل من السعودية والإمارات والبحرين، خاصة فيما يتعلق بمواجهة نفوذ ايران في المنطقة، إنها عدونا المشترك".
مصادر موثوقة في البيت الأبيض قالت أنه وفي اطار "صفقة القرن" لتغيير الشرق الأوسط، تجري حالياً إتصالات وترتيبات أمريكية اسرائيلية بكل سرية، كي تحتضن القاهرة قريبا لقاء يجمع رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وولي عهد سلمان وحاكم البحرين والحاكم الفعلي لمشيخة الامارات ورئيس مجلس السيادة السوداني بحضور وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.. علماً أن محمد بن سلمان و"نتنياهو" كانا قد ألتقيا مسبقاً عدة مرات منها خلال الإجتماع الثلاثي الذي ضم عبد الله الأردني بعمان في شهر حزيران 2018 - وفق صحيفة "معاريف" الإسرائيلية .
ليس ثمة إستغراب في العلاقات الودية والحميمة بين آل سعود والكيان الغاصب لمن له أدنى تأمّل في تاريخ هذه الأسرة وخيانتها للقضية الأم فلسطين ودور مؤسس دويلتهم الثالثة في إخماد الثورة الفلسطينية عام 1936 بإيفاده نجله فيصل- وفق مذكرات العميل الانجليزي "جون فيلبي" مستشار عبد العزيز بنجاح الأخير في إخماده الثورة الفلسطينية التي عجزت بريطانيا عن إخمادها، فيقول "لقد سرّت القيادة البريطانية أعظم سرور ونلنا على أثرها ثلاثة أوسمة تقديرية الأول لي، والثاني لعبد العزيز، والثالث لفيصل لهذا الدور؛ بل لهذا الفاصل التاريخي الذي قام به صديقها الحميم عبد العزيز آل سعود والذي وُجّهت إليه رسالة شكر تفيض بالعواطف, والذي نجح فيما عجز عن فعله الجميع, كما سُرَّ قادة اليهود الصهاينة في فلسطين لهذا الجهد السعودي الجبّار.."!!.
ارسال التعليق