التطبيع السعودي اليهودي...ما قبله وما وراءه
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكيمظاهر التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني والعلاقات الحميمية بين الطرفين، تتعزز وتصبح أكثر انكشافاً ووضوحاً مع مرور الأيام، فبين الحين والآخر يطل علينا الإعلام الصهيوني، أو الإعلام السعودي المتصهين، ليؤكد عمق هذه العلاقة واحتواء جذورها ورافدها في عمق التأريخ، أي منذ قيام الاستعمار البريطاني في إنشاء الكيانين السعودي والصهيوني، في بداية القرن المنصرم...وفي جديد هذه الإطلالات، التي لا تقتصر على الإعلاميين، بل تمتد إلى السياسيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الصهيوني وطاقمه من الوزراء والجنرالات الصهاينة... نقول في جديد هذه الإطلالات، إشادة الصحفي الصهيوني الشهير شمعون آران...الذي غرد يوم 31آب 2019 على تويتر، مهنئاً محمد بن سلمان بعيد ميلاده، فهذا الصحفي أشاد ببن سلمان، لأنه بحسب قوله قدم للكيان الصهيوني حتى الآن من خدمات لم يسبقه إليها أحد من الحكام العرب!! وتأكيداً لهذه الحميمية بين الطرفين، وللمصير المشترك بينهما أجاب الصحفي الصهيوني، صحفي سعودي متصهين، بعد أربع وعشرين ساعة من تغريدته، بإظهار الود والانحياز والوقوف في الخندق الصهيوني، في مواجهة لبنان. حيث قال هذا الكاتب المتصهين، وهو عبد الحميد الغبين في 1/سبتمبر/2019، قال متسائلا " أين سنقف إذا اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان لاجتثاث حزب الله " ليجيب نفسه ويكشف بل يؤكد دعمه للاحتلال، لقد تغيّر المشهد تماماً عن 2006 وتغيّرت معه مفاهيم وقيم كثيرة اتجاه إسرائيل وحزب الله، الأولى أثبتت الأحداث أنها دولة سلام، والثاني، ليس إلا الوجه القبيح لإيران" على حد مزاعمه وألفاظه، وختم هذا الكاتب المتصهين تغريدته زاعماً أن معظم الشعب العربي سيقف مع " إسرائيل"، على حد قوله..
وهذان المثالان، هما جزء يسير من سيل جارف من التصريحات واللقاءات المتكررة لمسؤولي وإعلامي الطرفين حول تعزز العلاقة والتعاون والتنسيق الأمني، وحول نجاح العدو في اختراق المجالات الاقتصادية والاجتماعية في السعودية، وان كان الصهاينة أكثر جرأة وحديثاً عن ذلك، من السعوديين، ففي هذا السياق صرح رئيس حكومة الاحتلال مراراً وتكراراً حول هذه العلاقة وحول تطور عملية التطبيع بين الطرفين، ومن هذه التصريحات قال في خطاب له أمام الكنيست الصهيوني " أن العائق الرئيسي أمام إبرام سلام بين الدول العربية و"إسرائيل " ليس في قادة الدول، إنما الشعوب العربية ". كما تحدث وزير الطاقة الصهيوني، يوفال شطاينتس، عن علاقات سرية مع السعودية، قائلاً " لإسرائيل بالفعل علاقات سرية مع دول إسلامية وعربية كثيرة، المعني بإخفائها هو الطرف الثاني، من ناحيتنا، لا مشكلة لدينا، لكننا نحترم رغبة الطرف الثاني، سواء مقابل السعودية أو مقابل دول أخرى". مؤكداً وجود علاقات "اكبر بكثير، لكننا نبقيها سراً!".
أما الحضور الصهيوني في المشاريع الاقتصادية السعودية، العملاقة وفي المجالات الأخرى فهناك تفصيلات كثيرة لا يسعنا المجال لذكرها، إنما الصهاينة أنفسهم تحدثوا عنها في مناسبات كثيرة، وبالأرقام والتفاصيل، مثل مشروع (نيوم).
وما تقدم لا يؤشر فقط إلى تسارع عملية التطبيع والتعاون والتنسيق بين النظام السعودي والكيان الصهيوني، وحسب، وإنما يشير إلى جملة معطيات مهمة نذكر منها ما يلي:-
1ـ إن تسارع وتيرة الإعلان السعودي اليهودي عن تعزز العلاقات واتساع آفاق التعاون بين الطرفين، يعكس القلق المتزايد لديهما، حول وجودهما واستقرارهما، نظراً للتحديات الجدية التي باتت تهدد هذا الوجود خصوصاً بالنسبة لكيان الصهيوني، فما بات واضحاً، أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يعانيان وكذلك عملاؤهم من تراجع كبير أمام المحور الإيراني، فلا "الربيع العربي" نجح في تجزئة المنطقة وشرذمتها، ولا مشروع داعش نجح في تعميم مشروع "الإسلام السعودي"، وبالتالي السيطرة على الأمة فكرياً وعقائدياً، وتمكين العدو الصهيوني منها، وتدمير تراثها وإسلامها الصحيح، الذي هو مصدر قوتها وبوصلتها الحقيقية للوصول إلى الأمان وتحرير الأراضي المغتصبة، ولا القاعدة وأخواتها ومشروع إثارة الفتنة الطائفية لاستطاع أن يحقق لأميركا وعملائها أمانيهم في إشعال حرب شيعية- سنية لا تبقي ولا تذر، ولا مشروع تدمير سوريا، وقبلها العراق، حقق لأميركا والصهيونية أهدافهم الخبيثة، وأخيراً وليس آخراً، فشلت حرب السعودية على اليمن، وفشل خروج ترامب من الاتفاق النووي، في تحقيق ما كان ينتظره قادة الكيان الصهاينة وحلفائهم، بل وأشقائهم العرب الصهاينة، من إسقاط النظام الإيراني، أو ضرب أذرعه في المنطقة.
ومقابل ذلك، أن هذه المشاريع لم تفشل وحسب، بل أنها انعكست على أصحابها تراجعاً وهزائم، كما يحصل في اليمن، وفي سوريا والعراق، وثبات نظام إيران، إبراز قوته، الذي اتضح جلياً في إسقاطه الطائرة الأمريكية المسيرة، والتي تمتلك الولايات المتحدة منها (9) طائرات فقط، ذلك في الوقت الذي يتلقى النظام السعودي الضربات تلو الضربات على أيدي احدى اذرع ايران بالصواريخ البالستية والمجنحة وغير المجنحة وبالطائرات المسيرة...
هذا الواقع، وهذا المشهد لا يمضي زمنياً لصالح العدو وأمريكا المتراجعة على الصعد العسكرية والاقتصادية، وعلى صعيد النفوذ في المنطقة، أي انه بات من المؤكد انه يمضي لمصلحة المحور الإيراني، فهذا المحور يراكم الانجازات العسكرية والأمنية والتكنولوجية على حساب تآكل المحور الآخر، الأمريكي الصهيوني العربي الرجعي، وهزيمته الحتمية وبشكل كبير في المنطقة، ذلك ما دفع الصهاينة والسعوديين إلى مراكمة القلق والخوف والهلع، وهذا ما أشار إليه نتنياهو ومسؤولون صهاينة آخرون، في أكثر من مناسبة وتصريح، حيث دعا نتنياهو إلى ضرورة إعلان التحالف الموجود بين السعودية ودول عربية أخرى لمواجهة التحدي المتزايد والمشترك لكيانه وللدول عربية أخرى بحسب زعمه، الذي تشكله إيران! وهذا ما بات الإعلام السعودي والإعلام العربي المتصهين الآخر، يردده في مناسبة أو غير مناسبة.
2ـ ولأن تزايد هذا القلق يتطلب تعزيز الجهود العسكرية والأمنية بين الطرفين، فذلك يتطلب الإسراع في كسر الحواجز النفسية والشعبية التي تشكل بمجموعها عوائق، أمام تعزيز تلك الجهود، لأن الأخير يتطلب مساحة واسعة لكلا الطرفين، النظام السعودي والنظام الصهيوني للتحرك، على صعيد تلك الأصعدة المشار إليها، لأن الأمة، بما فيها شعبنا المسلم الرازح تحت نير وعسف النظام ال سعود يرفض التطبيع مع هذا العدو، فكيف الأمر، والمرحلة تتطلب تعاوناً وتنسيقاً وتحركاً علنياً بين الطرفين!؟ ولذلك فأن النظام السعودي وعلى خلفية رفض الأمة الإسلامية والشعوب العربية منها خاصة للتطبيع مع العدو، مجرد التطبيع، وتعتبر أي نظام عربي مطبع مع هذا العدو الغاصب، نظام خائن وعميل، ولذلك فأن هذا الإسراع في الإعلان عن التطبيع من كلا الجانبين السعودي والصهيوني، لا يستهدف تدجين الشعوب العربية والإسلامية لتعتاد على هذا التطبيع وحسب، وإنما يستهدف هذا الإصرار على إعلان التطبيع والتحدث عنه مسهباً في وسائل الإعلام الصهيونية والسعودية، يستهدف تجاوز عملية التدجين وإنما الانتقال إلى مرحلة تقبل هذه الشعوب التحالف والتعاون العسكري والأمني وعلى باقي الأصعدة بين النظام السعودي والكيان الصهيوني، لأن العائق الوحيد لمثل هذا التحالف والتعاون، هو رفض تلك الشعوب، بشهادة رئيس الوزراء الصهيوني، كما مر بنا، ولذلك فهذا الأخير طالب الأنظمة المطبعة والمتحالفة معه في السر، أن تعمل بكل جهدها من أجل إقناع الشعوب وحملها على القبول بهذا التحالف مع العدو، فما يقوم به الإعلام السعودي، على صعيد الترويج للعدو وتسويق وجهه الإجرامي والكالح بوضع المساحيق لتزييف الحقيقة، إنما يجري ضمن هذه المهمة التي حملها نتنياهو لهذه الأنظمة.
3ـ يبدو أن العدو الصهيوني على عجلة من أمره في تظهير التحالف مع السعودية ليس لأنه صمود وتصاعد قوة المحور الإيراني، مقابل تراجع وتآكل المحور الأمريكي الرجعي وحسب، وإنما ثمة دافع آخر لا يقل أهمية عما ذكرنا، وهو أن الكيان الصهيوني يريد الإسراع في تحقيق هذا التحالف العلني مع النظام السعودي، ما دام ابن سلمان في السلطة، فهذا الرجل أعد اعداداً خاصاً لتنفيذ أو القيام بهذا الدور، لأن غيره لا يمكنه القيام بهذا الأمر، وهذا يفسر بشكل جيد الصعود الصاروخي في الحكم، بل أيضاً هناك تصريح للملك السابق، عبد الله بن عبد العزيز يؤكد هذا الاعداد الصهيوني الأمريكي لهذا الشاب الطامح للوصول إلى العرش، نظراً لما يمتلكه من مواصفات الطغاة الآخرين مثل صدام والقذافي، ومنها الجرأة والإجرام، والأنا الشخصية وما إلى ذلك، فعبد الله قال عندما تم تنصيب بن سلمان وزيراً للدولة وعضو مجلس الوزراء في عهده، حيث أدى اليمين الدستورية أمامه عام 2014م، قال له " الله يوفقك لخدمة دينك ووطنك وأمتك العربية والإسلامية " وأضاف الملك عبد الله داعياً لبن سلمان " إنشاء الله تحكم أرضك "..
ما يعني أن الملك عبد الله كان مأجوراً في إسداء الرعاية الخاصة لهذا الشاب، من قبل الصهاينة والاميركان، ليعين وزيراً في الحكومة، من بين عشرات بل المئات من الأمراء، من أقرانه وأولاد عمومته، الذين هم قد يكونون أكثر كفاءة منه، وأليق منه من ناحية العمر والقرابة، هذا من جانب ومن جانب آخر، فأن الملك عبد الله كان قد أحيط علماً بأن هذا الشاب سيكون له دور في المستقبل، وهذا يفسر ما قام به بن سلمان من تنفيذ للمشاريع الأمريكية والصهيونية والإعلان عن التطبيع، وشن العدوان على الشعب اليمني المسالم، ومعاداة الجيران، والاعتراف للعدو باغتصابه فلسطين، وبالقدس عاصمة له وأموراً كثيرة أخرى، لذلك فالعدو على عجلة من أمره ليحقق كل ما يريد على أيدي محمد بن سلمان (ربيب خيزان اليهودية)، قبل هلاكه أو قتله، فلربما الذي يأتي من بعده لا يمكنه القيام بكل ما قام به بن سلمان خدمة للمشاريع الأمريكية وللكيان الصهيوني، سيما وان أعداءه باتوا كُثر، ليس من خارج والمملكة وحسب وإنما من داخلها، بل ومن الدائرة السعودية نفسها، أي دائرة النظام السعودي، لأن ما قام به هذا الأرعن من هتك للأعراض ومن قمع امتهان للكرامة وحتى الأمراء أنفسهم، جعل نفسه في دائرة الاستهداف اكثر من أي وقت مضى، فقبل أن يقتك أو يهلك هذا السفاح، يريد الصهاينة تحقيق أهدافهم في توظيف الأموال السعودية، وفي إقامة القواعد العسكرية في السعودية، وفي التآمر وحياكة الخطط الخبيثة ضد الأمة الإسلامية ومن مركز مقدساتها الإسلامية، من مكة والمدينة المنورة اللتين تحتضنان بيت الله الحرام، ومرقد الرسول الأكرم (ص) والصحابة الكرام، وأمور أخرى كثيرة، حتى إذا جاء من يخلف بن سلمان يجد هذا الواقع مفروضاً عليه ولا يمكنه الاعتراض عليه، بل يمكن أن يصبح شرطاً أمريكياً صهيونياً القبول به، من شروط الوصول إلى عرش المملكة..
ولأن بن سلمان هو الشخص الذي كنا ننتظره منذ 60سنة ليأتي إلى المملكة، ومسؤولون وإعلاميون آخرون يقولون، أن بن سلمان قدم للعدو وما لم يقدمه أي مسؤول عربي مطبع، فهو قدّم أكثر من السادات الذي زار القدس وانبطح أمام العدو، فذّل الجيش والشعب المصريين! وإذا كان الشعب والجيش المصري قد ثأرا لكرامتهما المهدورة من قبل الخائن السادات، فلا نستبعد أن يقدم الشعب العربي المسلم الأصيل في مملكة آل سعود على معاقبة بن سلمان وإرساله إلى مقبرة الخونة والعملاء، لاستعادة كرامته، التي هدرها هذا الخائن العميل، وهذا هو الذي بات يقض مضاجع الصهاينة، لدرجة أن بعضهم دعا صراحة إلى ضرورة المحافظة على حياة هذا العميل ليحقق العدو من خلاله كل مخططاته ضد الأمة، وليحافظ على وجوده من خلال توظيف التوأم السعودي للكيان الصهيوني، لأن العدو يدرك ويعرف جيداً أن هذين الكيانين ومنذ نشوءهما على أيدي المستعمر البريطاني، يرتبطان من ناحية الوجود ارتباطاً جدلياً، فسقوط أحدهما يعني سقوط الآخر...
ارسال التعليق