التوتر بين السعودية والإمارات .. واجهته منطقة "الياسات" المتنازع عليها ... أما أسبابه فامور أخرى ؟
[عبد العزيز المكي]
بسم الله الرحمن الرحيم
بين الحين والآخر نشهد توتراً بين الرياض وابو ظبي، لكن سرعان ما يتحرك مسؤولو البلدين نحو تطويقه واحتوائه، وحتى نفيه وانكاره، باللقاءات والتصريحات أو حتى بالزيارات المتبادلة.. غير انه في هذه المرة، يبدو ان الكيل قد طفح على السطح نظراً لاشتداد الحملات الأعلامية والسياسية بينهما، سيما من الجانب السعودي الذي صعد الموقف بشكل لافت، بتقديمه شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ضد الامارات يتهمها فيها بالسيطرة على منطقة الياسات المتنازع عليها.. وعبرت السعودية في مذكرة شفوية مؤرخة بـ ١٨ مارس ٢٠٢٤، قدمتها للامين العام، عن رفضها المرسوم الأميري لدولة الإمارات المتحدة لسنة ٢٠١٩ باعلان منطقة الياسات محمية بحرية)، وقالت المملكة إعلان الأمارات لا يعتد به ولا يعترف به ولا يعترف بأي أثر قانوني به كونه مخالف للقانون الدولي). واكدت السعودية في مذكرتها على تمسكها بكافة حقوقها ومصالحها وفقاً للاتفاقية المبرمة بين البلدين في ا، آب ١٩٧٤م الملزمة للبلدين وفقاً للقانون الدولي، وعدم اعترافها بأي إجراءات أو ممارسات يتم إتخاذها أو ما يترتب عليها من قبل حكومة الإمارات في المنطقة قبالة الساحل السعودي بما في ذلك البحر الأقليمي للمملكة ومنطقة السيادة المشتركة وفي جزيرتي المكاسب والقفاي.. ودعت البعثة السعودية، بتعميم المذكرة السعودية الشفوية ومرفقها باعتبارهما وثيقة رسمية من وثائق الجمعية العامة في اطار البند (٧٥ (أ) من جدول الاعمال، واصدارها في العدد المقبل من نشرة قانون البحار ... وجددت حكومة السعودية دعوتها حكومة الامارات إلى إستكمال تنفيذ المادة الخامسة من اتفاقية تعيين الحدود البرية والبحرية بين البلدين المؤرخة ٣ شعبان ١٣٩٤ هـ الموافق ) آب ۱۹۷۴م ...
على أن الأمارات تعتبر منطقة الياسات منطقة اماراتية، ولا تعترف باتفاقية الحدود لعام ١٩٧٤ لأنها جاءت في ظروف غير طبيعية حيث كان الجيش الاماراتي ضعيفاً طبقاً لما تراه القيادة الإماراتية وكانت السعودية في ذلك الوقت قوية عسكرياً، والقيادة الإماراتية آنذاك قبلت بهذه الاتفاقية حفظا لسلامة الأمارات وتحت الضغط العسكري.. وسبق أن أشارت وكالة الانباء الإماراتية الرسمية إلى أنها أنشئت بمرسوم اميري في عام ٢٠٠٥ بناء على توجيهات من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الامارات الراحل .. ومنطقة الياسات جزيرة تتميز بأهميتها البيئية، حيث توفر مواطن حساسة من الشعاب المرجانية والاعشاب البحرية والشواطئ الرملية فضلاً عن أهميتها التاريخية والثقافية، وفضلاً عما يقولون أنها غنية بالنفط... وكما مر بنا أن المرسوم الاميري الاماراتي بضم جزيرة الياسات للامارات جاء في عام ٢٠١٩ أي قبل خمس سنوات، فلماذا اثارت السعودية القضية بعد هذه المدة،ولم تثرها في حينها ؟ ثم ماذا تعني إثارتها في هذا الظرف، وهل لذلك علاقة بما يشهده الاقليم من تطورات وتحولات عسكرية وسياسية!؟ سيما العدوان الصهيوني على غزة، ثم الهجوم الإيراني التأديبي للكيان الصهيوني!؟ هذه التساؤلات تشير إلى ان وراء الاكمة ماورائها !! على أي حال، السعودية لا تعترف بإدعاءات الأمارات بل وتعتبر كما مر بنا ما تقوم به الامارات في الجزيرة من اجراءات وتسييج وزراعة للمرجان مخالف لاتفاقية ١٩٧٤ وللقانون الدولي ! ولذلك ذهبت بعيدا في حملة التصعيد، إلى حد التهديد بالخيار العسكري !! كما جاء ذلك في تدوينة أبرز السياسيين السعوديين السياسي سلطان الطيار الذي قال في تدوينة بأن بلاده قد تضطر لاستخدام القوة لاستعادة جزر متنازع عليها مع الإمارات.. واضاف سلطان الطيار في تدوينة أخرى قائلا : " الامارات تحفر للمملكة بدسائس جديدة حيث قامت بالاعلان رسمياً بمرسوم من محمد بن زايد أن أربع جزر ذات سيادة مشتركة مع السعودية محمية إماراتية خاصة محمية الياسات وبعد خمس سنوات من التعنت الاماراتي أمام التفاوض السعودي )) !! واستمراراً لهذا التصعيد، فأن النظام السعودي يتحرك الآن على اكثر من اتجاه لمحاصرة وتحجيم حليفته الأمارات، منها مايلي:
• 1- وهو الذي اشرنا اليه ، قبل قليل، وهو رفع الخلاف الى الأمم المتحدة وهو مؤشر واضح الى ان النظام السعودي بات يعتقد ان الخلاف بين الطرفين يتعذر حله في الإطار الثنائي، او عبر مجلس التعاون الخليجي او حتى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ما يعني ان الأمور أخذت مديات كبيرة في الاختلاف والتباعد والنفور بين الطرفين وكذلك فرفتهما!!
2- تقليم أظافر الأمارات في اليمن، بتطويق نفوذها هناك، وبمحاولة كنسها من الساحة اليمنية، وقد شرعت السعودية وبنشاط وفاعلية كبيرين لتحقيق هذه الغاية فدعمت العليمي رئيس المجلس الرئاسي بشكل لافت وذلك بالتوازي مع تضعيفها لرئيس الانتقالي ورجل الامارات عيدروس الزبيدي ونوابه ومحاولة اخراجهم عن المشهد، كما جاء ذلك في افتتاحيات عدد من الصحف السعودية باقلام كتاب معروفين ومحسوبين على المخابرات السعودية، وابرز هؤلاء مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ عبد الله آل هتيلة، والذي اكد رغبة بلاده بتصدير العليمي فقط، والذي وصفه بانه اكثر شعبية في صفوف اليمنيين واعتبره مهندس مستقبل اليمن والضامن الحقيقي لتحقيق آمال بلاده وطموحاتها، على حد زعمه وقوله !! يضاف الى ذلك، ان مصادر في وزارة الاتصالات بعدن، التابعة لحكومة احمد عوض بن مبارك، أفادت بأن السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، اصدر توجيهات بالغاء الاتفاقية التي أبرمها معين عبد الملك رئيس الحكومة السابق معين عبد الملك مع الأمارات بشأن تشغيل الاتصالات في مناطق سيطرة التحالف جنوب وشرق اليمن ، بحجة ان تحقيق وزارة الاتصالات الذي أجرته بعد صدور أوامر من السعودية، حول الاتفاقية ، تبين ان الشركة أسرائيلية "مقرها في ابوظبي، واللافت ان وزير الاتصالات الذي عقد الصفقة مع الإمارات، في عهد حكومة معين عبد الملك، هو نفسه يتولى وزارة الاتصالات في عهد أحمد عوض بن مبارك لأن الحكومة بقيت نفسها بكامل طاقمها ولم يتغير غير رأسها معين عبد الملك !! فهل وزير الاتصالات لا يدري بأن هذه الشركة اسرائيلية" أم ان الغاء هذه الاتفاقية جاء في سياق تقليم أظافر الإمارات وتقليص نفوذها ؟ وبحسب موقع المشهد اليمني الأول فأن " الخطوة السعودية لم تقتصر على استهداف الأتصالات الأماراتية بل طالت الى ترتيب الأطاحة بمحافظ الأمارات في شبوة الثرية بالنفط عوض بن الوزير، حيث أفادت مصادر في حكومة معين عن توجيه السفير آل جابر لرشاد العليمي باصدار قرار بتسمية وكيل أول محافظة شبوة عبد القوي المروق والمحسوب على الاصلاح محافظاً لشبوة" ! ويضيف الموقع الأنف أن هذه الخطوات تتزامن مع حملة سعودية تبناها الإعلام الرسمي لتصدير رشاد العليمي إلى واجهة المشهد في اليمن وتهميش بقية أعضاء الرئاسي بمن فيهم أعضاء الأنتقالي المحسوبين على الأمارات.
ما الاسباب الحقيقية للتصعيد السعودي!؟
صحيح ان الخلافات الحدودية بين السعودية والإمارات، خلافات تعود إلى عقود ماضية، خلفها الاستعمار البريطاني بعد تجزئته للمنطقة العربية ، لتكون هذه الخلافات الغاماً يفجرها المستعمر كلما اراد ابتزاز طرف من الأطراف، أو الضغط عليها بتحريك الطرف الآخر من خلال أزمة الحدود، فهناك خلافات بين الكويت والعراق وبين الكويت والسعودية والسعودية وقطر، واليمن.. وكذلك مع الإمارات، فهناك صراع على واحة البريمي الغنية بالنفط والذي سيطرت عليه السعودية، وهناك حقل شيبه النفطي الذي تدعي الامارات ملكيتها له، وتسيطر عليه السعودية. ، ثم منطقة الياسات المتنارع عليها ... صحيح ان هذه الخلافات قديمة ونشأت منذ نشوء هذه المماليك والإمارات الخليجية على يد الانجليز - حيث ترتفع وتيرتها ثم تختفي، الآ ان التوتر الحالي اعتقد انه يتجاوز مسألة الخلاف الحدودي والأخير لم يكن سوى الواجهة لهذا التصعيد الذي يشي كما اشرنا في بداية الحديث انه غير قابل للاحتواء من خلال الجهد الثنائي ولا الجهد الخليجي ولا حتى العربي والإسلامي، ولذلك تم تدويله من قبل الجانب السعودي في خطوة تؤشر انه لا مجال للتراجع عن الموقف، والأ سيكون البديل الحرب كما قال بعض السياسين السعودين كما مر بنا ما يعني ان ثمة عوامل خفية دفعت بالسعودية إلى هذا
الموقف تذكر منها ما يلي:
1- ان السعودية تري ومنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عقد الثمانينات، أنها الأخ الأكبر للدول الخليجية العربية، وأنها القائد لهذه الدول، التي تعتبر بنظر السعودية وبنظر الامريكان الذين يقفون وراء مجلس التعاون وتأسيسه، أن تلك الدول الصغيرة هي عمق استراتيجي وجغرافي للسعودية، وظلت هذه الرؤية تحكم العلاقة بين تلك الدول رغم وجود الخلافات الحدودية القديمة، ورغم تذمر الدول الصغيرة من بعض تصرفات الأخ الاكبر المعارضة مع تطلعاتهم !! لكن هذه المعادلة بدأت بالتفكك في السنوات الاخيرة واصبح التمرد على الاخ الاكبر من قبل قطر والإمارات ، ظاهرة بارزة تحكم علاقاتها مع النظام السعودي، على ان هذه الظاهرة اخذت بالاستفحال والتضخم بعد مجيء سلمان وولي عهده ابنه محمد، وماجرى خلاله من خلافات عصفت بالبيت السعودي على خلفية الصراع على العرش، حيث أدى ذلك الى ضعف النظام وتراجع سطوته على الأخوة الصغار، فاستغل بن زايد أو النظام الاماراتي بشكل عام، وبدأ يتحرك ليس في نطاق التمرد على السعودية وحسب وانما منافستها ليكون هو صاحب الصوت العالي في منظومة مجلس التعاون ، أن لم نقل قيادة المنطقة !!
2- عزز النظام الاماراتي طموحاته تلك في منافسة الحليف السعودي بالتحالف السري والعلني مع النظامين الصهيوني والامريكي والذي توجَّه باعلان التطبيع "الابراهيمي "مع العدو! صحيح ان النظام السعودي وبن سلمان خاصة شجع الامارات والبحرين على اعلان هذا التطبيع مع العدو، ليكونا جسراً يمهد لتطبيع السعودية مع المحتل، لكن النظام الإماراتي ذهب بعيداً في هذا التفاعل مع العدو، وبشكل يوحي أنه الحليف الأفضل للعدو الذي يلبي كل مخططات ومشاريع المحتل في المنطقة وفي الاقليم، فأقام مستعمرة في دبي للصهاينة حيث منحهم حيا كاملاً وبتمليك الأراضى والمساكن، واسس لهم قواعد عسكرية في الأمارات، وحتى في المناطق المحتلة في اليمن في حضرموت والمهرة، وجزائر سقطري وعبد الكوري وما اليهما، ولذلك دعم العدو الإمارات وتطلعاتها على حساب النظام السعودي وهو ما أزعج الأخير... وللاشارة ان أمريكا هي الأخرى دعمت هذا التوجة الصهيوني بترجيح كفة بن زايد على بقية الانظمة الخليجية وماتزال الأمور تتجه بهذا الاتجاه، كما تؤشر اجراءات بن زايد بتحويل الإمارات إلى قواعد عسكرية و امنيه للعدو ولاميركا
3- وعلى اساس هذا التحالف الاماراتي الصهيوني الأمريكي أنطلق بن زايد للعب أدوار في الاقليم وفي المنطقة اكبر من حجمه، واصبح الواجهة العربية ورأس الحربة الصهيونية والأمريكية في المنطقة، بغض النظر عن كون هذه الادوار تصصدم اولا تصطدم بالمصالح السعودية أو تكون بالضد منها، المهم انها تنسجم مع المصالح الصهيونية والامريكية، فقد تدخل الاماراتي في ازمة السودان لصالح حميدتي وقوات التدخل السريع فيها ووقفت السعودية إلى جانب الجيش وقائدة، وتدخل في الشأن الليبي في اتجاه مضاد للنظام السعودي او ما يقوم به من ادوار هناك، وكذا الأمر في افريقيا، حيث يقوم الآن بتعزيز النفوذ الصهيوني هناك على حساب النفوذ العربي وهلم جرا .. أما في اليمن ساحة التنافي
الرئيسية بين الطرفين فحدث ولا حرج والقصة معقدة، وصورة مشهد الصراع بين الطرفين عبر مرتزقتهما في اليمن لا تغيب عن وسائل الاعلام والمتابعين.. وآخر مشهد لهذا الصراع والمواجهة بين الطرفين، وليس آخره ، هو المتمثل في محاولة الإمارات تخريب عملية السلام بين السعودية وانصار الله لانهاء الحرب في اليمن! وبدعم من امريكا والعدو وبريطانيا، لأن أمريكا ارادت ان يكون تخلي انصار الله عن نصرتهم لغزة بالتخلي عن الحصار البحري للعدو، شرطاً من شروط الموافقة على شروط الانصار في عملية السلام - وهو ما ادى الى إفشالها، الأمر الذي أزعج السعوديين إلى حد كبير مما تقوم به الإمارات في هذا الاطار، وقامت بالتحرك كرد فعل على هذا التخريب الإماراتي بمحاولة تقويض نفوذها في اليمن كما مربنا..
4- النفط: ولعل هذا العامل الاساسي لتفجر التوتر بين الطرفين، فقد قيل أنه تم اكتشاف ثروة نفطية هائلة تحت جزر الياسات، وهو ما دفع النظام السعودي على خلفية أطماعه بهذه الثروات، للاستحواذ عليها كما استحوذ من قبل علي حقل شيبة وواحة البريمي!!
هناك اسباب أخرى لا تغيب عن ذهن القارئ والمتابع، نكتفي بالإشارة إلى أن هذا التوتر لا يؤدي إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين، الا اذا أرادت أمريكا تسويق المزيد من الأسلحة وتشغيل معاملها ومصانعها العسكرية.. فالصراع سيظل محكوما بالارادة الامريكية الصهيونية وحسب ما تقتضيه المصالح الامريكية الصهيونية. أما بن سلمان وبن زايد ما هما الا ادوات تنفذ ما يملى عليها من السيدين الأمريكي والصهيوني !!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق