التورط السعودي في أحداث إيران يفتح المنطقة على التصعيد
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
لم يكن مفاجئا لمتتبعي الشأن الإيراني أن يتضمن البيان المشترك الصادر أمس الجمعة ٢٨ تشرين الأول/ أكتوبر عن وزارة الأمن الإيرانية وجهاز إستخبارات الحرس الثوري إتهاما ل" السعودية" جنبا إلى جنب الموساد الإسرائيلي وجهاز " السي أي إيه" والإستخبارات البريطانية بالضلوع في مخطط ضربالإستقرار في إيران وإغراقها في الفوضى الأمنية وفتح جبهات الإنفصال عليها لإستنزافها في أفق إسقاط نظامها الإسلامي الثوري.
منذ تفجر الاضطرابات في إيران إثر وفاة الشابة "مهسا اميني" التي اعتقلتها دورية لشرطة الأخلاق في طهران لعدم تقيدها بضوابط الحجاب الإسلامي، لأسباب صحية كشف عنها تقرير الطب الشرعي، برزت إلى واجهة الإعلام التحريضي والفتنوي الأدوات الإعلامية السعودية، وفي مقدمتها "إيران -إنترناشيونال" الناطقة باللغة الفارسية والممولة تمويلا سعوديا كاملا وقناة "العربية" والمنصات التابعة لهما على مواقع التواصل الإجتماعي.
عملت هذه القنوات على إيقاع حالة الطوارئ "الإعلامية" القصوى وأعلنتها حربا على الأمن الإيراني واعتمدت التضليل والتضخيم والفبركات، وركزت على مشاهد المساس بالرموز الثورية الإيرانية من قبل المخربين، مستفيدة في ذلك من تجربة الحدث السوري وما تراكم من خبرة في أساليب التحريض والتضليل الإعلاميين.
ليس الدور الإعلامي الخطير المستهدف للأمن الإيراني هو ما يتحدث عنه البيان المشترك لوزارة الأمن وجهاز الاستخبارات للحرس، بل التورط العملاني مع اجهزة معادية لضرب الإستقرار والتحريض علىا لإنفصال زائدا التغطية المالية الهائلة لعمل جهاز الموساد وجهاز "السي أي إيه" في الداخل الإيراني. وهذاما ستكون له عواقب وتداعيات خطيرة على المنطقة وملفاتها الساخنة، إذ بمنطق الصراع لا يمكن لإيران أن تتسامح مع تهديدات جدية وفادحة على أمنها قومي ووحدة أراضيها.
التورط السعودي في المؤامرة الكبرى على إيران والتي ترقى إلى إعلان حرب عليها وعلى نظامها السياسي من قبل تحالف امريكي اسرائيلي بريطاني سعودي، يكشف مرة أخرى عن الدور الوظيفي الذي يضطلع به النظام السعودي في كل مخططات التآمر على إيران وعلى الحركات المتحالفة معها في المنطقة. كيان تحول من وظيفته العقدية في نشر عقيدة التوحيد على وفق الدعوة الوهابية المغالية إلى أداة في المخططات التآمرية الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي وذلك منذ لقاء البارجة كوينسي بين الملك السعودي عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرنكلين روزفلت عام 1945، وحيث مقايضة التغطية الأمنية للأسرة الحاكمة ونظامها في مقابل النفط والعمل على تسهيل الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين وهو ما استتبع أدوارا في وقت لاحق تمثلت في التصدي لكل حركات ومشاريع التحرر في العالمين العربي والإسلامي وتوظيف المكانة الدينية والعقيدة الوهابية في خدمة هذه الأهداف. لذلك لا يمكن قراءة العلاقة السعودية الأمريكية خارج هذا الدور الوظيفي والذي يتطور ويتجدد بحسب السياقات الإقليمية والدولية، وما شهدناه من توترفي العلاقة السعودية الأمريكية منذ مجيء جو بايدن إلى البيت الأبيض ما هو إلا سعة في هامش المناورة،سمح به من جهة التراجع الأمريكي على مسرح السياسات الدولية خاصة بعد الإنسحاب الكبير من أفغانستان، وتطلبته من جهة اخرى زعامة مندفعة تريد ان تثبت نفسها وأهليتها فيما يتعدى الداخل"السعودي". وفي كل الأحوال فهي مناورة تحظى برضى وضمان إسرائليين تاميين.
بعد البيان المشترك الصادر عن الجهات الأمنية الإيرانية والذي هو صك اتهام خطير بحق التحالف المشارإليه آنفا، فإن ما يرفع من درجة قلق وإستطرادا حزم دوائر القرار السياسي والأمني في إيران هو ذلك التنسيق الإستراتيجي بين الكيان الصهيوني والنظام السعودي والذي دخل طورا عملانيا متقدما خاصة مع الإمساك الفعلي ل "محمد بن سلمان" بزمام السلطة في ظل حكم أبيه، وكان المؤشر الأبرز والخطير على هذا التنسيق ما حصل قبل سنتين -تقريبا- من الآن، مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" على ارض مدينة نيوم ، مرفوقا برئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي " الموساد" يوسي كوهين في ذلك الحين، وبحضور مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي آنذاك.
ويبدو من معطيات التورط السعودي في المؤامرة ضد إيران أن ولي العهد المتهور لازال عند قراره بنقل المعركة إلى الداخل الإيراني كما صرح بذلك في مقابلة معه بثها التلفزيون السعودي قبل خمس سنوات، وأن جولات المباحثات المتعددة بين إيران و"السعودية" بوساطة عراقية، والتي توقع لها مراقبون ان تثمر عودة قريبة للعلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، لم تكن إلا خديعة سعودية لإفتكاك هدنة على الجبهة اليمنية.
وبالنتيجة فالمنطقة مقبلة على تصعيد خطير ستمتد آثاره على كل جغرافية الإشتباك الإيراني السعودي. ومن الأكيد أن طهران مصرة هذه المرة على تدفيع محمد بن سلمان ثمن تورطه في التآمر على الأمن القومي الإيراني والوحدة الترابية لإيران.
بقي سؤال برسم هذا الإعلام السعودي المستنفر في حرب إعلامية شعواء ضد إيران ومعه باقي جوقة الإعلام المُموّل ، إذا كان الشعب الإيراني "ينتفض على حكامه" بحسب ما يقوله هذاالإعلام، فهل الشعب السعودي يرفل في جنة الديمقراطية ويتنعم بالتداول السلمي على السلطة ويشهد فصلا خلاقا للسلطات الثلاث وترقى الدولة فيه إلى دولة المؤسسات؛ دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات؟!
ومن الإندفاع والتهور ما يقتل.
ارسال التعليق