الحق يؤخذ ولا يعطى، والصمت يشجع أبو منشار بتنشيرنا
[جمال حسن]
* جمال حسن
حذرنا في مقال سابق وبعد المجزرة التي طالت عشرات النشطاء في البلاد مارس الماضي، من إن القادم سيكون أبشع مما هو عليه طالما واصلنا الصمت على أجرامه، وسيقوم النظام السلطوي السعودي بتجريم وبصورة ابشع من السابق بحق حرية التعبير وتكوين التجمعات والخروج بتظاهرات سلمية مطالبة بأبسط حقوق العيش السليم.
هذه المخاوف التي حذرنا منها قبل عامين ايضاً، لم تأخذها قوى المعارضة السعودية المتشتتة بشكل ملائم، وهي ذاتها التي أثارت المجموعات الحقوقية السعودية والدولية المخاوف منها مؤخراً لما يجري على أرض الواقع تجاه معتقلي الرأي وسط صمت أبكم لمتشدقي الدفاع عن حقوق الإنسان من الغربيين.
في الاطار ذاته كتبت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، إن سجناء سياسيين معتقلين بسبب معارضتهم للحكومة في السعودية يتعرضون للقتل و"الاعتداء الجنسي" و"الوحشية المطلقة" خلال فترة وجودهم في السجن؛ وفق دراسة أجرتها مؤسسة "غرانت ليبرتي" الخيرية لحقوق الإنسان.
وأشرنا الى أن أبو منشار يستخدم أموال البترول المنهوب من لقمة عيشنا لشراء ذمم وضمائر الحكومات الغربية التي ترفع شعار الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان زيفاً، فيما تلتزم الصمت المطبق على ما يجري من مظالم ومذابح بحد السيف واعدامات علنية وخفية ضد نشطاء شبه الجزيرة العربية وعلمائها ومفكريها من كلا الجنسين، لا صدى له حتى في وسائل الإعلام الغربية التي تشغلنا ليل نهار بحرب أوكرانيا.
من جانبها اعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مراراً أن محمد بن سلمان يستخدم توزيع مئات ملايين الدولارات على الحكومات الغربية والمشاهير والفنانين والرياضيين لغسل سجله الحقوقي المزري وتشتيت جهود محاسبته على الانتهاكات الصارخة التي يقترفها وفرق اغتيالاته في داخل المملكة وخارجها بعلم البلدان الراعية له.
ثم أن تقارير بعض منظمات حقوق الانسان الغربية تشير الى وجود العشرات من الناشطات السعوديات ما زلن خلف القضبان، بالإضافة الى أن هناك 54 صحفيا معتقلا، الى جانب وجود أكثر من 25 شخصاً في سجون آل سعود تم اعتقالهم وهم صبيان بتهمة المشاركة في مسيرات سلمية تطالب بتساوي الحقوق ونبذ التمييز الطائفي القبلي غالبيتهم من المنطقة الشرقية.
وشدد تقرير مؤسسة "غرانت ليبرتي" الخيرية لحقوق الإنسان، بأن محمد بن سلمان والعائلة السعودية الحاكمة تقوم باحتجاز بعض عوائل وأهالي الناشطين والمعارضين خارج المملكة، كرهائن ليضغطوا على المعارضين في الخارج بالعودة لمواجهة التعذيب والموت الوشيك حتى يتم اسكاتهم وكل من يطالب بالمساواة والعدالة المجتمعية، وحرية الرأي والتعبير.
ويروي عبد الله الغامدي، الناشط السياسي في مجال حقوق الإنسان، إنه هرب من السعودية بعد أن تعرض للتهديد بسبب حملته ضد السياسات الاستبدادية في بلده الأم؛ فيما سلطات "بن سلمان" تحتجز والدته عايدة البالغة من العمر 65 عاما واثنين من أشقائه منذ أكثر من ثلاث سنوات، في سجن ذهبان المركزي في جدة قبل نقلها إلى سجن مباحث الدمام.
وكشف الغامدي أن والدته وأفراد اسرته وضعوا في الحبس الانفرادي وتعرضوا للتعذيب الجسدي عن طريق إطفاء السجائر بأجسادهم والضرب والجلد، وفق ما نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية مستشهدة ايضاً بما جرى للناشطة لجين الهذلول، التي تعرضت لحظر سفر وسجن وتعذيب والصعق بالكهرباء والجلد والتحرش الجنسي أثناء وجودها في السجن.
ففي آذار/مارس الماضي أقدمت سلطات آل سعود باعدام أكثر من 80 مواطناً وعربياً بتهم مزيفة مزورة، هي أكبر إعدام جماعي في بلاد رمال الموت منذ سنوات، ما يشير الى فظاعة الانتهاكات المتفشية والممنهجة في النظام السعودي الحاكم، كان حوالي 40 منهم ينتمون الى الأقلية المسلمة الشيعية في المملكة، التي عانت طويلا من التمييز والعنف الممنهجَين من قبل آل سعود، وفق "هيومن ووتش رايتس".
فقد قال مايكل بَيج، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "إن النظام السعودي الحاكم يستعرض بين الحين والآخر عرضا وحشيا تؤكد حكمها الاستبدادي ونظامها القضائي الفاسد الذي يضع عدالة محاكماتهم وأحكامهم موضع شك كبير. وما يزيد من رَوع القسوة في معاملتهم هو أن العديد من عائلات المعدومين اكتشفت وفاة أحبّتها تماما كما اكتشفناها نحن، بعد الواقعة ومن خلال وسائل الإعلام".
وكان ولي العهد محمد بن سلمان قد تعهد عام 2021، الحد من عقوبة الإعدام في المملكة، والتي فسرها النشطاء السعوديون بانها إشارة واضحة الى التصعيد في عمليات الاعدامات الميدانية والقتل حرابة، والتصعيد في اعتقال النشطاء في المستقبل وهو ما تحقق بعد تلك التصريحات الكاذبة والمزيفة لابومنشار.
وكانت سلطات آل سعود قد أعدمت 47 رجلاً في يناير/كانون الثاني 2016. وفي أبريل/نيسان 2019، أعدمت 37 رجلا، 33 منهم على الأقل من الأقلية الشيعية في البلاد، أدينوا في أعقاب محاكمات جائرة بتهم ملفقة مزيفة انتزعت الاعترافات منهم تحت التعذيب القسري والاعتداءات الجنسية خاصة للصبيان، منها المشاركة في الاحتجاج السلمية؛ كل ذلك ومدعو حقوق الإنسان ملتزمين الصمت وعيونهم لا ترى بفضل أموال لقمة عيشنا المنهوبة.
وقد دعا مايكل بيج المشاهير العالميين ممن يتطلعون الى جني الأموال من السلطات السعودية لغسل سمعتها الدموية الإجرامية الفضيعة، عليهم التفكير في هذا الانتهاك الأخير للعدالة، وهو الإعدام لعشرات الأشخاص من السعوديين وهم يقيمون الحفلات الراقصة والمشاركات الرياضية والسينمائية وغيرها، وأن يسألوا أنفسهم ما إذا كان الأمر يستحق ذلك حقا؟!.
وذلك في اشارة الى انطلاق أول مهرجان للسينما الأوروبية في السعودية، بتعاون مشترك بين الوفد الأوروبي ومجموعة الصور العربية للإنتاج الإعلامي المرئي والمسموع، والذي ضم عرض 14 فيلماً من النمسا وبلجيكا، وقبرص، والدنمارك، وإستونيا، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، و مالطا، وبولندا، وإسبانيا والسويد؛ حيث غالبية الأفلام كان استهدف المعتقدات الاجتماعية للمجتمعات المحافظة مثل مجتمعنا، الهدف من قصصها.
وقد أكد مراقبون للشأن السعودي أن المملكة تتصدر البلدان التي تنفذ في سجونها وبشكل كبير عمليات التعذيب، وتفرض محاكمها عقوبة الاعدام غالبيتها ضد المتظاهرين السلمين المطالبين بحقوقهم المسلوبة على أسس طائفية وقبلية ومناطقية، وهو ما لم ولن نشهده في أية بقعة اخرى من العالم.
ختاما، لابد من التأكيد على ان الحق يؤخذ ولا يعطى، فعلينا توحيد صفوفنا والابتعاد عن النعرات القبلية والطائفية وتوحيد الصف لتحقيق أمنية شعبنا المغلوب على أمره بإنتفاضة واعية واحدة، ونصرخ بأعلى الأصوات كي يصل صوتنا الى أقصى المعمورة نستعرض من خلالها مظلوميتنا وأجرام آل سعود الدموي البشع.. وإلا فصمتنا هذا هو من يشجع الطغمة الحاكمة على مواصلة الإجرام والقمع دون رحمة، ومستقبل أبنائنا نحو الظلام.
ارسال التعليق