"الخلاف بين واشنطن والرياض"... مجدداً تحت الضوء الإعلامي ما الإثارة!!
[عبد العزيز المكي]
مرة أخرى, اندفعت بعض الأوساط الإعلامية الأمريكية والبريطانية إلى إثارة ما يسمونه بالخلاف بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية بسبب قضية جمال خاشقجي, وسجن المعارضين وما إلى ذلك!! وساقت هذه الأوساط مثل صحيفتي الأوبزرفر والغارديان البريطانيتين, وصحيفة الواشنطن بوست ونظيرتها نيويورك تايمز وبعض المواقع الألكترونية. وأيضاً بعض مراكز الدراسات الأمريكية, ساقت نفس الروايات والتحليلات التي أثارتها في جولة الإثارة السابقة التي سلطنا عليها الأضواء في حينها في مقالة سابقة, حيث ذهبت هذه الأوساط يميناً وشمالاً في تحليل الأسباب وراء الخلاف, فمرة يعللون الخلاف بسبب اعتراض أمريكا على القمع الذي يمارسه بن سلمان بحق المعارضين!! ومرة ثانية بسبب قضية خاشقجي! بل ذهب البعض على شخصنة الخلاف على أنه بين بايدن وبن سلمان, إلى آخره من التحليلات التي لا تخرج عن التضليل وتغبيش الرؤية والتحكم بوعي المتلقي للأسف, لكن في هذه الجولة من الإثارة لوحظ التركيز على عنصر تحدي بن سلمان لبايدن ومحاولاته إلى تغيير دفة الاعتماد السعودي على الحماية الأمريكية إلى الصين وروسيا!! يضاف إلى ذلك دخول رموز إعلامية بريطانية وأمريكية على خط هذا الجدل والإثارة مثل المسؤول السابق في السي آي إيه بروس ريدل, والسفير البريطاني السابق في السعودية جون جينكز وكأن ذلك مقصود لإعطاء ومنح تلك التحليلات نوعاً من المصداقية ومن القوة, وذلك من أجل تمرير الأهداف التي تقف وراء تلك الإثارة لهذه القضية مجدداً.
وللإشارة والإنصاف, إن هذا الجدل , لم يأت من فراغ, إنما هناك مواقف وتصريحات تثار بين الحين والآخر, والتي تعطي الانطباع بأن الخلاف بين "واشنطن والرياض" يتفاقم!! بحسب ما تروج له الأوساط المذكورة, من مثل تصريحات بن سلمان لمجلة أتلانتيك الأمريكية, والتي بدا فيها وكأنه يتحدى بايدن! ومن مثل مطالبة مجموعة من أعضاء الكونغرس بايدن للتشدد تجاه بن سلمان, وقطع الأسلحة عن السعودية!
وصحيح أن أمريكا ترفع لافتات الدفاع عن حقوق الإنسان في مملكة آل سعود, إلا أن آخر ما تفكر به, حقوق هذا الإنسان, إنما تستخدم هذه اللافتات وتلك الشعارات كما هو معروف كأداة ضغط لابتزاز عملائها مالياً وسياسياً وعلى كل الأصعدة..
في ضوء ما تقدم نطرح السؤال الذي طرحناه في مقالتنا السابقة, وهو: هل فعلاً بن سلمان يتحدى بايدن؟ ويريد تغيير ولائه إلى الصين أو لروسيا كما يروج الإعلام الأمريكي والبريطاني في هذا الاتجاه؟!
وللإجابة على هذا التساؤل أو جملة التساؤلات التي تثار على هامش هذا التساؤل, نشير أولاً إلى المعايير الرئيسية والإستراتيجية التي تحكم علاقة واشنطن مع أي حليف لها في المنطقة العربية والإسلامية, ومنها:ـ
1ـ العلاقة مع الكيان الصهيوني, فعلى أساس القرب أو البعد من العدو تحدد الولايات المتحدة علاقاتها مع النظام السعودي وبقية الأنظمة العربية الحليفة لها.
2ـ الامتثال للإملاءات الأمريكية وتقديم المصالح الأمريكية على المصالح الخاصة لهذا البلد العربي الحليف أو ذاك.
3ـ الإمساك بالمفاصل الأمنية والعسكرية الحساسة للبلد الحليف, والتي من خلالها تتمكن واشنطن من التصرف بحرية في مجريات البلد الحليف السياسية والعسكرية والاجتماعية.
وإذا طبقنا هذه المعايير على النظام السعودي نجد ما يلي:
1ـ العلاقة مع العدو, فهذه العلاقة بشهادة المسؤولين الصهاينة تزداد إلفاً! وتتوسع يوماً بعد آخر على كل الأصعدة, لا سيما الأمنية والعسكرية منها!
وكان محمد بن سلمان قد صرح لمجلة ذا أتلانتيك الأمريكية في 3/3/2022 حول موقف المملكة من الكيان الصهيوني ومن اندفاع الإمارات والبحرين والمغرب نحو التطبيع معه.. صرح: "إننا لا ننظر إلى إسرائيل كعدو, بل ننظر إليه كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً", وزير الخارجية فيصل بن فرحان بدوره قال لصحيفة معاريف الصهيونية, "إن اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط سيكون بمثابة فائدة كبيرة للمنطقة"! على حدّ قوله وهو تصريح فسرته الصحيفة على أنه غزل سعودي للعدو؛ وإشارة جديدة على رغبة السعودية بالتطبيع مع العدو. وتجدر الإشارة إلى أن إشارات السعودية الودية نحو العدو كثيرة, وتتكرر على لسان الصحفيين السعوديين الذين جندهم بن سلمان للترويج للتطبيع ولتلميع العلاقة مع الكيان الصهيوني, ففي هذا السياق اعتبر الكاتب السعودي مشاري الذايدي, "إن إسرائيل هي الحليف الموضوعي للسعودية في سبيل مواجهة إيران"! وأشاد في مقال له نشرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية بالتعاون بين دول التطبيع العربي والكيان الصهيوني وما تمخض من اجتماع وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب مع نظيرهم الصهيوني فيما عرفت بقمة النقب. كما أثنى على تصريح وزير الخارجية الصهيوني يائير لابيد, الذي قال فيه: "عدونا المشترك إيران, ومن هم وكلاء لها, وما نقوم به هنا هو صنع التاريخ وبناء أسس إقليمية تستند إلى التعاون المشترك وهندسة هيكلية جديدة لهذا التعاون تردع إيران وأذرعها عن غيها" على حد قوله وزعمه! وأضاف الكاتب السعودي قائلاً بعد هذا الإطراء على الوزير الصهيوني: "هذه لحظة تاريخية, ما نحاول فعله هو تغيير السردية وبناء مستقبل مختلف تكون فيه إسرائيل جزءاً طبيعياً من دول المنطقة ونقيم معها علاقات التعاون كاملة"! على حد قوله. وأكد هذا الناعق باسم العدو والتطبيع معه أن الكيان الصهيوني "حليف موضوعي بحكم الواقع والضرورة, تلك هي الحقيقة الجرداء, دون تزويق ولا تزييف ولا تلميح"! على حدّ قوله.
وهناك الكثير من التصريحات الصهيونية والسعودية على أن التعاون بين الرياض وواشنطن تمضي قدماً وتتطور يوماً بعد آخر, بل إن المسؤولين الصهاينة أعلنوا أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة, أن بن سلمان خيارهم المفضل, فهو منذ مجيئه وإلى اليوم يعزز ويوسع مجالات التعاون العسكري والأمني والتجسسي والاقتصادي مع هذا الكيان بحسب اعترافات المسؤولين الصهاينة.. وبالتالي فإن النظام السعودي يحقق معياراً أساسياً من معايير تعزيز العلاقة مع واشنطن!
2ـ أما المعيار الثاني, أي تنفيذ الإملاءات الأمريكية, فإننا نجد أن النظام السعودي لا يرد لواشنطن أي طلب, بالأمس مولت السعودية المشروع الأمريكي الجديد المتمثل بإنشاء قوة بحرية من 34 دولة في البحر الأحمر, لحماية ما سماه الأمريكان الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب, وبالطبع بمشاركة العدو الصهيوني والسعودية معاً!! كما أن بن سلمان أيضاً بالأمس قدم ملياري دولار لجاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب الرئيس السابق لاستثمارها في الولايات المتحدة رغم أن الخبراء السعوديين أكدوا لبن سلمان, أن مشاريع كوشنر خاسرة. أكثر من ذلك بالإضافة إلى تزويد أمريكا بالأسلحة والمعدات العسكرية المتواصل للرياض في عدوانها الظالم على الشعب اليمني, عينت سفيراً جديداً لها في الرياض هو مايكل راتني الذي رشحه بايدن في 22/ ابريل/ 2022, وهو ما اعتبره الخبراء مؤشراً على حرص واشنطن, أو بالأحرى, إدارة بايدن على تمتين العلاقة بين الرياض وواشنطن. وكان هذا السفير يشغل القائم بأعمال واشنطن في الكيان الصهيوني, كما أنه كان الممثل الخاص لواشنطن في الأزمة السورية, ما يعني ذلك أن تعيين هذا السفير يكشف أن الأولوية لدى واشنطن هي تقوية العلاقات الصهيونية السعودية, وتأكيد واشنطن على توظيف الإمكانات السعودية في خدمة العدو الصهيوني!! ورداً على التقارير التي تتحدث عن "تردي العلاقة بين واشنطن والرياض" جددت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون التزام الولايات المتحدة بدعم الدفاع الإقليمي للمملكة, واستشهدت بالانجازات الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة مثل إدانة دول الخليج, ومن ضمنها السعودية, "لغزو روسيا لأوكرانيا". كما قال المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن فهد الناظر يوم 23/4/2022 "إن العلاقات بين البلدين تقف على أرضية صلبة, مشيراً إلى أنها متنوعة وتمتد إلى ما هو أكثر من السياسة!!
3ـ أما ما يخص المعيار الثالث, فإن القاصي والداني يعرف أن القواعد الأمريكية منتشرة في السعودية وفي بقية دول الخليج, حيث تمسك واشنطن من خلال هذه القواعد ومن خلال هذا النفوذ داخل نسيج العائلات الخليجية الحاكمة ومنها العائلة السعودية, تمسك بمفاصل الأوضاع الأمنية والسياسية في المملكة, وفي غيرها من دول الخليج, وسبق للرئيس السابق ترامب أن قالها بالفم المليان, لولا حمايتنا لسقطت هذه الأنظمة منذ زمن بعيد. ومرة قال لولا حمايتنا لسقط النظام السعودي خلال أسبوعين.
إذن ما يقال ويثار حول أن النظام السعودي يريد الاتشاح بوجهه وولائه إلى الصين أو روسيا, إنما هو مجرد هراء, فرئيس الوزراء الباكستاني زعيم أقوى دولة إسلامية ونووية, أسقطته الولايات المتحدة لأنه لم يسايرها في دعم أوكرانيا وإدانة روسيا, فكيف بالنظام السعودي الذي لا حول له ولا قوة ولم يسجل له وجوده على مدى تسعة عقود تقريباً في السلطة بكلمة لا بوجه سيده الأمريكي! أما ما يثار ـ وإن انطوى بعضه على نوع من المصداقية ـ حول الخلاف بين الطرفين فهو لا يتعدى الصراع داخل الأجنحة السعودية, والاختلافات بين المؤسسات الأمريكية الحاكمة على زعامة هذا الأمير أو ذاك, ليس إلا, وكما سبق وأن قلنا, فإن بعض التصرفات السعودية التي تبدو للبعض تمرداً على الإدارة الأمريكية إنما هي تجري بالتنسيق مع المؤسسات صاحبة القرار والتأثير في السياسة الأمريكية.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق