الرابح والخاسر في معركة الدب الداشر والدب الروسي!!
[حسن العمري]
"إستناداً إلى أسعار النفط المنخفضة أصدرت التعليمات إلى وزير الطاقة الأمريكي " دان بروييت كثاني" لشراء كميات كبيرة بهذا السعر الجيد جداً، وتخزينها لصالح المخزون الإستراتيجي للولايات المتحدة، سنقوم بملئ الخزانات إلى أقصى سعة بما يوفر لدافعي الضرائب الأمريكيين بليونات الدولارات ويساعد صناعتنا النفطية على أن تكون أفضل.. وصولا الى ذلك الهدف الرائع الذي حققناه الذي لم يظن أحد أننا سنستطيع الوصول اليه وهو الإستقلالية في مجال الطاقة.. هذا يضعنا في وضعية قوية جداً ونحن نشتري بأسعار جيدة وهو أمر لم يكن ممكنا حتى قبل أسبوع، أسعار النفط تهاوت بشكل واضح لذلك سنقوم بملء الخزانات وهذا وقت جيد لذلك" – الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
دون سابق يذكر شن الدب الداشر آل سعود حرباً نفطية عشوائية ظناً منه الإطاحة بالدب الروسي، ما دعا العديد من أعضاء في الكونغرس الأمريكي إدارة الرئيس "دونالد ترامب" الى مقاطعة النفط السعودي والروسي، ردا على حرب النفط بين السعودية وروسيا، التي أدت إلى انخفاض حاد في أسعار الخام. حيث بعث السيناتور "كيفين كريمر"، من ولاية نورث داكوتا الغنية بالنفط و9 أعضاء جمهوريين آخرين في مجلس الشيوخ، بينهم "جون هوفن" و"دان سوليفان"، الى إرسال رسالة الى "ترامب" قالوا فيها: "..تصرفات شريكنا الاستراتيجي السعودية تثير القلق بشكل خاص".
أسعار النفط هوت الى مستويات قياسية، بتراجع العقود الآجلة للخام الأمريكي الى أدنى مستوى في 18 عاما، مسجلة أقل من 20 دولارا للبرميل الواحد؛ تزامن ذلك مع ما نقلته مصادر بقطاع الشحن "إن السعودية حجزت عدداً كبيراً من الناقلات العملاقة يصل الى 25 واستأجرت بشكل مبدئي 15 سفينة أخرى لإرسال النفط الى عملاء جدد وقدامى بهدف إزاحة روسيا، ويمكن للسفن أن تحمل معا 80 مليون برميل من النفط، وهو ما يوازي تقريبا يوما من الطلب العالمي- وكالة بلومبيرغ الأمريكية.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبعد تلقيه إتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي ترامب الأسبوع الماضي، قرر على الفور رفع إنتاج المملكة من النفط ليصل الى 13 مليون برميل بحلول مايو/أيار المقبل، كما تم خفض أسعار الخصم على نفطها، بمقدار يصل الى عشرة دولارات للبرميل، حيث يرى المراقبون لشؤون الطاقة أن هذا التوجه خطير جدا ومن الممكن أن يهوي الى دون عشرة دولارات للبرميل الواحد، ما سيحمل اقتصاد المملكة وأخواتها أضراراً جسيمة جداً، مطلقين أسم "السيناريو الأسود" على الحرب الدائرة بين الدب الداشر والدب الروسي، ما يعني أن دول مجلس التعاون ذاهبة نحو "العوز" الشديد.
صحيفة "لاتريبون" الفرنسية شددت إن هبوط سعر برميل النفط الى ما دون 20 دولارا لن يمر دون عواقب وخيمة، معزية ذلك الى صدمة مزدوجة: صدمة قلة الطلب لسبب تأثير وباء كورونا على الاقتصاد، وصدمة إمداد بسبب الصراع بين السعودية وروسيا. ويقول المراقبون إن البلدين رغم تمتعهما ماليا بمجال للمناورة، لن يكونا قادرين على المقاومة مع مرور الوقت، ويبقى أن نرى أيهما سيستسلم أولاً. مشددين أن هذا الوضع مأساوي أيضا بالنسبة لشركات النفط الغربية أدى الى إنخفاض حاد في سوق الأسهم، إذ تراجعت أسهمها منذ بداية العام الى60% .
منذ توليه القيادة في المملكة، أتخذ محمد بن سلمان قرارات خطيرة جداً في المجالات الاقتصادية والسياسية على المستويين الداخلي والخارجي ما ينذر بمستقبل قاتم ومظلم للبلاد والعباد؛ فرفع إنتاج المملكة للبترول بهذه الدرجة الكبيرة سوف لن يكون آخرها، حيث تسبب هذا القرار الطائش الى إنهيار كبير في أسعار النفط بنسبة 70% تقريباً خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 1985 الى مايو/أيار 1986. وهو ما يؤكد المراقبون للشأن السعودي مشددين أن المملكة لا يمكنها تحمل الأضرار الكبيرة التي ستنجم من وراء هذا القرار الصبياني لانها بحاجة ماسة لأن يكون سعر البرميل الواحد هو 80 دولاراً وليس عشرة دولارات كما هو متوقع، في وقت تعاني فيه موازنة العام الجديد عجزاً يبلغ أكثر من 65 مليار دولار وفق مصادر رسمية، ما سيعرض التوازن بين عملتها الريال والدولار الأمريكي للخطر- حسب صندوق النقد الدولي.
تقارير الإدارة الأمريكية تؤكد أن حرب أسعار النفط التي أشعلها محمد بن سلمان هي خطوة عالية المخاطر لن تمكنه من الانتصار على روسيا، رغم تنسيقه مع الإدارة الأمريكية خاصة وأن الطلب العالمي على النفط في حالة هبوط حرَ، منخفضاً بنحو 20% عن العام السابق، وهو أكبر انخفاض واجهه على الإطلاق.. ووصف "بوب ماكنالي" مؤسس شركة Rapidan Energy Group الاستشارية ومسؤول نفطي سابق في إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، هذا الانخفاض، قائلاً: “إنه انخفاض تاريخي خطير جداً في أسعار النفط”.
وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية أكدت في تقريرها بقلم الخبير الستراتيجي "دافيد فليكلينغ": أن الإنهيار بأسعار النفط الذي يشهده العالم بسبب تعنت ولي العهد السعودي، يعد مؤشرات على بدء "سقوط إمبراطورية النفط الخليجية.. الانهيار المذكور بات وشيكا، وقد لا يكون لحرب الأسعار إلا القليل من الأثر على السقوط الحتمي للثروة الخليجية.. أن الممالك الخليجية أمتطت موجات مذهلة من الثروة على مدى نصف القرن الماضي أو يزيد، ولكن ما من موجة إلا ومآلها الى التكسر"، مشيراً الى أن "الأجيال القادمة لن ترى أبدا تلك الثروة التي تستمتع بها هذه الدول حالياً. وسثبت الأيام أن دول مجلس التعاون هي الاخرى لن تنجو من لعنة النفط. كل ما هنالك أنها كانت لحظة مؤجلة".
مسؤول بوزارة الطاقة الأمريكية اعلن قبل يومين بأن خزانات الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة تستطيع إستيعاب أكثر من 77 مليون برميل إضافية من النفط.. تزامن مع ذلك قال "ريتشارد ماثيوز" مدير الأبحاث لدى "إي.إيه جيبسون" لسمسرة السفن: "من كان يتطلع الى استئجار لمدة محدودة قبل 3 أسابيع لتخزين محتمل كان عليه دفع حوالي 30 ألف دولار يوميا وربما استطاع تحقيق ربح من ذلك أو إعادة تأجير الناقلة في السوق مقابل 200 ألف دولار يوميا"، ما يعني أن الرياض ستدفع أمولاً طائلة على إستئجارها لناقلات النفط العملاقة ربما ستزيد حتى مما تجنيه من بيع بترولها وسط المخاوف القائمة على إنخفاض الطلب على الطاقة مع إتساع نطاق فيروس كورونا (كيد19) خاصة أمريكا والدول الأوروبية زبائن النفط السعودي.
المنطقة الخليجية وفي مقدمتها السعودية، تواجه أزمة اقتصادية مقبلة وملامح هذه الأزمة تتضح شيئاً فشيئاً، فسعر البرميل الواحد من خام «برنت» كان قد وصل 72 دولاراً بداية العام الحالي 2020، لكنه يتجه اليوم الى دون 20 دولاراً، وسط تحذيرات بأن يهوي نحو الـ10 دولارات، أي تعود الأسعار الى المستويات التي كانت عليها في ثمانينيات القرن الماضي، ويومها كان العالم العربي يعاني أصلاً من ركود، فكيف به اليوم لو عادت الأسعار الى تلك المستويات؟.. من الرابح ومن الخاسر في هذه الحرب الطائشة التي شنها محمد بن سلمان، ليس سوى المواطن السعودي والخليجي.
الوضع في المملكة مختلف جداً عما هو عليه في روسيا، فالسعودية دولة بترولية تعتمد كلياً على عائدات النفط، فيما الدب الروسي ليس كذلك؛ ثم تلك الثروة التي أعتمد عليها نجل سلمان لبناء خطة طموحه في إطار "رؤية 2030" لتنوع الاقتصادي، تواجه اليوم الفشل الذريع قبل أن ترى النور في ظل ألأوضاع المستجدة أقليمياً وعالمياً الى جانب حرب النفط التي شنها دون تعقل - وفق موقع "إيل سوسيداريو" الإيطالي.
ارسال التعليق