السعودية، الإمارات والبحرين.. من حماية المهزوم إلى حماية المأزوم!!
[عبد العزيز المكي]
رغم تعثر فكرة تشكيل " حلف ناتو عربي" قبيل زيارة بايدن لجدة في النصف من تموز الجاري... بسبب معارضة مصر والكويت وعمان، الّا ان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والسعودية والأمارات، والبحرين يدفعون باتجاه هذا التشكيل ويبذلون حالياً المساعي والتحركات المكثفة من أجل إقناع الأطراف الرافضة ، بيد أن بلورة الفكرة من جانب أمريكا وحتى الكيان الصهيوني تشكل مفصلاً أساسياً وحاجة ملحة لكليها بهدف تحقيقها، لأنهما يعتبرانها، أي فكرة تشكيل الحلف العربي الصهيوني- السُلم الذي من خلاله يمكنهما التسلق والصعود إلى مراحل أخرى فالولايات المتحدة تريد الانسحاب من المنطقة لأنها باتت فير قادرة على مواصلة ما تسميه هي والأنظمة العربية الخليجية، الحماية لهذه الأنظمة والمنطقة بسبب التحديات العالمية وبسبب تراجعها وضعفها العسكري والاقتصادي، وخوفاً من تشتت هذه الأنظمة وذهابها نحو الشرق، ومن ثم تغيير ولاءاتها لقوى الشرق، تحاول لملمتها ووضعها تحت حماية الكيان الصهيوني، الطامح لهذا الدور، والأسباب معروفة وأهمها حماية نفسه وضمان وجوده واستغلال ثروات هذه الدول!! ولذلك تحاول أمريكا بقدر المستطاع ربط هذه الأنظمة والسيطرة عليها بأي إطار بعد تعثر تشكيل " الناتو" الذي بشر به المسؤولون الصهاينة، ولو على شاكلة الإطار المتمثل بإيجاد منظومة جوية مضادة للصواريخ والطائرات موحدة للدول الخليجية العربية ومصر والأردن والكيان الصهيوني وتحاول أمريكا الآن ضم الهند أيضاً الى هذه المنظومة لجرها من الاستقطاب الروسي اولاً، ولتقوية " تلك المنظومة الجوية" بها ثانياً !!
وفيما تجري الأمور بهذا الاتجاه، ولا ندري إلى أي مدى ستنتهي، فأن السؤال المنطقي المطروح حالياً، خصوصاً مع تحمس البحرين والإمارات والسعودية لهذا الجهد الأمريكي لإقامة هذا التشكيل، هو هل العدو الصهيوني قادر على حمايتها؟
لا بل إن سؤالاً آخر يفرض نفسه و يسبقه، هو هل أمريكا المهزومة في المنطقة، خاصة في أفغانستان وفي العراق وسوريا، كانت تقدم الحماية لتلك الأنظمة، ليستطيع النظام الصهيوني القيام بها بعد انسحاب أمريكا من المنطقة؟
جواب التساؤل الثاني واضح للقاصي والداني، ولذلك أكتفي بإشارات سريعة لمجرد التذكير، فمنذ أن حطت أمريكا رحالها في المنطقة، واستلمت " المهمة الاستعمارية" من القوة العظمى المنهارة والمتراجعة يومذاك " بريطانيا" لم تشهد تلك المنطقة استقراراً أبداً، فبين الحين والاخر نشهد حرباً بين دولها برعاية أمريكا، فمن حروب بن سعود على المناطق العربية، وحرب اليمن في الستينات التي تورط فيها جمال عبد الناصر ومرواً بحروب كثيرة مثل الحروب الصهيونية العربية التي انتصر فيها العدو وهزمت الأنظمة العربية، إلى الحرب العراقية الايرانية التي فرضها النظام الصدامي المقبور بأمر من أمريكا والتي دامت ثمان سنوات أكلت الأخضر واليابس إلى حرب الكويت- العراق التي غزا فيها النظام الصدامي دولة الكويت بتشجيع وتوريط من أمريكا مباشرة بعد لقاء صدام بالسفيرة الأمريكية إبريل كاترين غلاسبي في عام 1990، ثم بعد الغزو جاءت الحرب على سورية ودور أمريكا وعملاء المنطقة فيها وحرب داعش على العراق، وقبل ذلك حرب أمريكا على العراق، وحرب الشمال العراقي، وغيرها من عشرات الحروب والتوترات بين دول المنطقة، حيث دفعت فيها شعوب المنطقة الآلاف من الضحايا بل مئات الآلاف من هؤلاء الضحايا، واستنزفت ثرواتها ومنعتها من التنمية واللحاق بالدول المتقدمة، مع ان كل شروط النهضة الحضارية والصناعية وعلى الصعد الأخرى متوفرة للمنطقة وبوفرة، بل متوفرة لكل دولة من دولها على حدة، لكن هذه الحروب أكلت خيرة أبناءها وثرواتها خدمة للمشاريع الأمريكية، والى الآن أمريكا تواصل إشعال الحروب فيها، فالحرب اليمنية الحالية أعلنت من واشنطن بأمر من الإدارة الأمريكية السابقة أي إدارة أوباما ومازالت متواصلة حيث اعلنها من هناك السفير السعودي السابق عادل الجبير!! فيما الحديث الآن يدور في الأروقة الصهيونية والأمريكية حول شن حرب جديدة يشارك فيها العرب الخليجيون إلى جانب الكيان الصهيوني ضد إيران!! أو ضد لبنان وغزة معاً !!
وإذا دقق المراقب في كل تلكم الأحداث وتابع الحضور الأمريكي الغربي في المنطقة في تلك الحقبة ولحد الآن، لم يجد ان الولايات المتحدة قدمت لها الحماية أو ساعدتها على التنمية كما حصل لليابان او كوريا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية على العكس كما اشرنا قبل قليل ازدادت الدول العربية تخلفاً واستبداداً وفقراً ومعاناة من المصائب والقتل وعدم الاستقرار بسبب العبث الأمريكي في شؤونها وارتهان أنظمتها العميلة " للحماية الأمريكية" المزعومة، وحتى عند ما صرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأن بلاده تقدم الحماية للسعودية ولغيرها من حلفاء أمريكا العرب لقاء المال، قالها بصيغ مهينة وفي كل مرة يتقصد تشديد الاهانة للنظام السعودي.. نقول حتى انه ورغم هذا التعهد الأمريكي اللفظي والكتبي سابقاً بحماية السعودية لقاء الأموال الطائلة التي شفطها ترامب وقبله من الرؤساء الأمريكيين والتي تقدر بالاف المليارات من الدولارات، والجنيه الإسترليني، لم تفِ أمريكا بهذه الحماية وأعلنها ترامب صراحة بأن أمريكا لا تدافع بجنودها عن السعوديين بعد ما تعرضت مملكة آل سعود، وبالذات منشآت شركة آرامكو الأمريكية في السعودية إلى الضربات الموجعة والخطيرة من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية بقيادة أنصار الله، بل ان ترامب في فترة من الفترات سحب أنظمته المضادة للطائرات من باتريوت وثاد، من السعودية لتلجأ الأخيرة إلى اليونان، ذلك بعد ما فضحت الصواريخ والمسيرات اليمنية الصنع أسطورة هذه المنظومات الكاذبة، وقبل ترامب كان الرئيس الديمقراطي أوباما قالها صراحة أن أمريكا لا تدافع عن السعودية، لأن الخطر الأكبر عليها أو الذي يتهددهم من الداخل من معارضة الشعب الجزيري لا من إيران، فلتحل مشاكلها مع ايران بالحوار وتتجه لإصلاح الداخل كي تتخلص من الأخطار المحدقة بها !! قال أوباما إذن بعد الذي قدمته أمريكا إلى الدول العربية والإسلامية الحليفة لها من يوم مجيئها للمنطقة المشؤوم وحتى الحال الحاضر حيث تفكر بالانسحاب والتراجع بعد افولها وضعفها، وهو كما أشرنا الويل والدمار لشعوب المنطقة...نقول بعد الذي قدمته امريكا من خراب ودمار وتعطيل للتنمية، ماذا يقدم العدو الصهيوني للأنظمة المطبعة والمتحالفة معه!؟ بالتأكيد لا نتوقع أن يعطي العدو لهذه الأنظمة غير الذي أعطته أمريكا، فماذا أعطى لمصر وللأردن، فمنذ اتفاقات كامبديفيد ووادي عربة يرفل البلدان بالمشاكل وتعصف بهما الأزمات تلو الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والضياع وعلى كل الأصعدة، لأن سياسة العدو تجاه العرب والمسلمين قائمة على مرتكزات توراتية وتلمودية ثابتة لا تتغير، منها تدمير العرب وتفكيك مجتمعاتهم ونشر الفساد فيها، وطمس قيمها وحضارتها، لتدخل هذه المجتمعات في أطوار التيه والتفسخ وتتحول إلى قطعان لا حول لها ولا قوة، يستغل العدو ثرواتها وإمكاناتها وتتحكم بها يوجهها بحسب ما تقتضيه مصالحه، ومنها بناء قوة تضمن له البقاء، متفوقة على كل قوى المنطقة، ومنع أي قوة في المنطقة يشعر منها العداء أو حتى المنافسة، لأنه يعتقد أي العدو بحسب تعاليمه التوراتية أن بقاء هذا الكيان يتنفس مرهون بمنع أي قوة ناهضة من القوى العربية والإسلامية، وهذا ما يفسر العداء الذي يكنه العدو والتحشيد ضد مقاومة لبنان ومقاومة فلسطين، وضد إيران، وضد أنصار الله اليمنية، وسوريا و.و. وبناء على ذلك فأن المؤكد أن العدو لا يقدم للسعودية والإمارات والبحرين الحماية أبداً إنما يقدم أكثر مما قدمته أمريكا من مما يلي:-
1- مثلما فعلت أمريكا وقبلها بريطانيا يريد العدو أن يجعل من الدول العربية المطبعة، الخليجية منها على وجه الخصوص قواعد عسكرية ومراكز للتآمر على كل من يهدد أمن الكيان الصهيوني، بمعنى آخر، هو يجعل من تلك الدول درعاً له يقيه من الأخطار، وساحة لمعاركه مع الآخر، فيكون من نصيبها الدمار والخراب الذي يلحق بها جراء مغامرات العدو.
2- الابتزاز واستغلال الثروات للدول المطبعة، سياسة ثابته للعدو الصهيوني كما كان وما يزال لحاميته وداعمته أمريكا، وهذا ما صرح به نتنياهو وبقية المسؤولين الصهاينة بشكل منمق، من مثل " إسرائيل لديها التكنولوجيا بحسب زعمه المتقدمة ولدى الدول الخليجية الأموال الوفيرة" فإسرائيل سوف تنهض اقتصادياً بهذه الأموال! بحسب قوله!
3- العدو ليس بإمكانه تقديم الحماية لهذه الدول، لأنه يحتاج لهذه الحماية، فهو مأزوم داخلياً ومحور المقاومة يشكل له تهديداً وجودياً جدياً ولذلك يريد من خلال هذا التطبيع منح هذا الكيان نفسه عمراً جديداً وإلا وفق كل المعطيات وكل توقعات الخبراء الصهاينة، الأمنيين والعسكريين منه بشكل خاص- أن هذا الكيان يعيش أيامه الأخيرة، وللتأكد فليتابع القارئ تصريحات المسؤولين الامنيين الصهاينة الأخيرة حول قرب زوال " إسرائيل" وحول فقدانها القدرة على حماية نفسها في ضوء تفكك الوضع الداخلي وتعاظم الخطر الخارجي!
هذه الأمور وغيرها كثير تجعل من عملية لجوء بعض الأنظمة الخليجية وغير الخليجية العربية كمن يلجاً من نار أمريكا إلى رمضاء العدو، أي أنها بهذا التطبيع والتحالف لا تجلب لنفسها، هذه الأنظمة، سواء الدمار والخراب وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والعسكري، فهل تعي الأنظمة هذه النتائج المأساوية من وراء لهاثها وراء حماية العدو المزعومة لها!؟
ارسال التعليق