الشعب الجزيري يكذّب ما كان يروج له بن سلمان وجوقته حول التطبيع مع العدو!
[عبد العزيز المكي]
طبقاً لما نقلته وسائل الإعلام الأمريكية، فإن نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد السعودي، أكد للمسؤولين الأمريكيين في زيارته لأميركا التي سبقت جولة بايدن في المنطقة، بأن الشعب الجزيري بات أكثر قبولاً للتطبيع مع الكيان الصهيوني..وان النظام السعودي بات هو الآخر على استعداد لاتخاذ خطوات أكثر جرأة نحو التطبيع مع العدو، على أساس هذه القناعة، بعبارة أخرى ان هذا الأمير أراد إقناع الأمريكان بأن ولي العهد نجح في تدجين الرأي العام على قبول العدو داخل وخارج المملكة، وبالتالي لابد من مكافأته للعبور الى شاطي عرش المملكة..
وفعلاً منذ تلك الزيارة التي قام بها خالد لاميركا تسارعت خطوات التطبيع السعودية مع العدو وأصبحت اكثر جرأة من ناحية العلنية ومن ناحية الاحتفاء بها، وأيضاً من ناحية نوعية وأهمية الشخصيات الصهيونية التي استقبلها واحتضنها النظام السعودي في المملكة. وكذلك الاتفاقات وتطور التعاون الأمني والعسكري بين الطرفين!! لدرجة ان الأميركان والصهاينة ظلوا طيلة الفترة الماضية يروجون الى ان الاعلان عن التطبيع بين الكيان الصهيوني والسعودية أصبح تحصيل حاصل، وانه من الأمور الأساسية التي سوف تتحقق في زيارة بايدن للسعودية..
و على خلفية هذا التصور، حاول العدو حرق كل المراحل، وراح يعلن المستور والمخفي من التعاون والتنسيق الأمني والعسكري بين الكيانين الصهيوني والسعودي، سواء كان ذلك قد حصل في الماضي أو يحصل حالياً، ذلك اسهاماً في شن الحرب النفسية ضد الأمة ودفعها الى التسليم بالأمر الواقع في قبول الكيان الصهيوني، كجزء لا يتجزأ من نسيجها، من ناحية أخرى كسر القيود أمام النظام السعودي وإقحامه ومنعه من التراجع عما يقوم به من جهد من التعاون والتنسيق مع العدو على كل الأصعدة... واللافت ان النظام السعودي كان لا يعترض عما يحتفي به النظام الصهيوني أو يعلن عنه من خطوات التوادد والتعاون مع العدو، وأحيانا يشاركهُ بشكل غير مباشر في التأييد أو الاحتفاء أو التبرير، أو الترويج اعلامياً !
وللإشارة فقط نذكر بعض من هذه النشاطات التطبيعية بين الكيانين التي سبقت زيارة بايدن، والتي تؤكد قناعة الطرفين الصهيوني والامريكي، وحتى السعودي أيضاً بأن الرأي العام في المملكة قد دجن وانتهى الأمر!! ومن هذه النشاطات ما يلي:-
1- عرضت وسائل الإعلام، استقبال الشيخ أحمد الغامدي مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقاً في مكة المكرمة، ومستشار مركز علوم القرآن والسنة بالسعودية، للحاخام الصهيوني يعقوب يسرائيل هرتسوغ، في منزله، ثم الترحيب الحار له والثناء عليه، ونشر الشيخ الغامدي صوراً له على حسابه في تويتر تظهر مصافحته للحاخام الصهيوني واستقباله بمنزله وتبادل أطراف الحديث معه، مشيداً بزيارته تحت مسمى " التسامح والتعايش" ومن جملة ما قاله الشيخ ترحيباً بهذا الحاخام..: " أهلاً به وبمن معه لقد كانت فرصة لإظهار صورة من صور التعايش" !
2- انتشر مقطع فيديو يُظهر مراسِلَيْن لقناة i24 News الصهيونية وهما يدنسان جامع الميداني في الرياض، ويجلسان بجانب المصلين أثناء الصلاة وقال أحدهما تعقيبا على هذا المشهد: " من الصعب تصديق أننا هنا". الكشف عن هذه الواقعة جاء بعد الكشف عن واقعة مشابهة، اذ نشرت القناة (13) العبرية تقريراً لمراسلها جيل تماري خلال تغطيته لموسم الحج، حيث أنه دخل مكة المكرمة، قائلاً: " أنا كنت هنا في مكة.. الحلم أصبح حقيقة". وظهر جيل تماري في تقريره وهو يوثق رحلته داخل الحرم المكي، ويظهر هو يتجول بحرية في المشاعر المقدسة مع الحجيج ويتكلم العبرية بلا قيود. وقال تماري، " ان الحكومة السعودية منحته تصاريح أمنية، سهلت له المرور في كل الأماكن التي أراد زيارتها"!
يشار إلى أن الكاتب الصهيوني أفي جوير سش قد كتب مؤخراً، في مقال بصحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية، عن تجربة زيارة الوفد اليهودي الى السعودية، حيث قال " انه في الطريق الى المدينة المنورة أزال المسؤولون السعوديون مؤخراً لافتات كتب عليها للمسلمين فقط".
مقال الكاتب جاء بعد أسابيع من زيارة وفد من 50 من رجال الاعمال اليهود المرتبطين بالعدو الصهيوني المسجد النبوي في المدينة المنورة، كجزء من جهد يهدف الى تعزيز التعاون بين الطرفين قبيل زيارة بايدن الأخيرة. اكثر من ذلك قال الكاتب الصهيوني المشار اليه واصفاً الحميمية بين الطرفين،".. أينما ذهبنا، وجدنا أعضاء وفدنا والسعوديين يتبادلون الخبرات العائلية والشخصية والتجارية العميقة وبدأوا في استكشاف التعاون التجاري"!! وأضاف أفي جوير سش في مقاله " بدا واضحاً لنا أنهم _ السعوديون_ كانوا يكسرون المحرمات التي تعود لقرون، بما في ذلك التحدث بصراحة عن " إسرائيل" واليهود وإعادة تصور العمل معاً في أخطر تحديات المجتمع. أعطتنا هذه المحادثات أملاً هائلاً.."!!
3- كشف المتحدث باسم الجيش الصهيوني ران كوخاف، حقيقة التنسيق المشترك مع الجانب السعودي، بعد ما كشفت صحيفة" الـ وول استريت جورنال" عن اجتماعات ثنائية بين هيئتي الأركان الصهيونية والسعودية في مدينة شرم الشيخ المصرية، وقال المتحدث الصهيوني خلال مقابلة مع القناة السابعة العبرية " ان " اسرائيل" لا يمكنها الإفصاح عن كل شيء فيما يتعلق بالعلاقات الأمنية مع المملكة السعودية"! المتحدث باسم الجيش الصهيوني كوخاف لم يخفِ حقيقة إستمرار التنسيق الأمني بين السعودية والكيان الصهيوني!
على أي حال، هذه مجرد نماذج بسيطة من ممارسات ومظاهر التطبيع المتسارعة، تؤشر بوضوح الى ان النظام السعودي قد أمِنَ من ردة فعل الشارع الشعبي ولم يضع على ما يبدو في خلدهِ أي تحرك قد يهدد وجوده وأمنه!! ومعه كذلك العدو، الذي راح يضاعف الترويج لتلك المظاهر للأسباب التي سبق الإشارة إليها، فهذا الحماس السعودي والصهيوني للتحركات الصهيونية في مملكة آل سعود يعني ان آل سعود وآل صهيون، أيقنوا أنهم نجحوا في تدجين الأمة وباتت الأخيرة غير مكترثة لصولات وجولات الصهاينة في مدن المقدسات، أقدس المقدسات مكة والمدينة المنورة، وبهذا التحدي الذي عبر عنه مراسل القناة 13 تحاري، بقوله " أخرجونا من المدينة قبل 14 قرناً واليوم عدنا إليها "!!
على ان الأمة فاجأت آل سعود وآل صهيون الأخوة التوأم، بردة فعل عارمة وكاسحة إزاء تدنيس المراسل الصهيوني لبيت الله الحرام، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بحملة الانتقادات والغضب وتحميل بن سلمان المسؤولية عن كل ما وصل إليه الأمر، من تدنيس للمقدسات، ومن جلب الصهاينة الى بلد المقدسات والماح لهم بالعبث به، تدنيساً للمقدسات وتهديداً أمنياً ونهباً لثرواته وتحكماً في مصيره ومصير الأمة وهويتها. وانسجاماً مع حملة الأمة في داخل المملكة وخارجها سارع النظام السعودي نفسه إلى التعيير عن بعض المواقف ضد فعل هذا المراسل، من مثل الإقدام على اعتقال الدليل السعودي الذي رافق المراسل الصهيوني إلى الأماكن المقدسة، ولو صورياً، لان هذا الدليل رافق المراسل بأمر من ولي العهد كما يقول المغرد السعودي " مجتهد" كما أن الشيخ الوهابي السديس الذي يعتبر من المروجين للتطبيع دخل على خط انتقاد عمل المراسل الصهيوني، ذلك من أجل امتصاص غضبة الجماهير المسلمة وقطع الطريق على احتمالات تحرك الشعب الجزيري ضد بن سلمان لأن هناك دعوات مباشرة وغير مباشرة لحماية المقدسات من العميل بن سلمان الذي فتح البلد على مصراعيه لعودة الصهاينة واحتلالهم له بطريقة وأخرى، ذلك بعد أن طردهم الرسول قبل 14 قرناً من المدينة المنورة، وهذا الشعار أصبح وسماً لحملة الإدانات والمواقف التي شاركت فيها منظمات وهيئات إسلامية واجتماعية وحتى دولية، الأمر الذي دفع العدو الصهيوني الى اتخاذ خطوات مماثلة من أجل الحد من تصاعد منسوب الغضب والتحريض ضد النظام السعودي، فعلى سبيل المثال سارعت القناة 13 العبرية التي بثت التقرير الى الاعتذار من الغاضبين وزعمت انه تسلل بدون تصاريح من الدولة في محاولة لتبرئة بن سلمان في حين يعلم القاصي والداني انه حتى الذبابة هناك لا يمكنها الوصول إلى ما وصل إليه هذا المراسل بدون تصريح من الجهاز الأمني السعودي، وقالت القناة " نحن في قناة الأخبار 13 نعبّر عن اعتذارنا وأسفنا أن شعر أحد بالغضب بسبب هذه الزيارة، أن الفضول الصحفي هو جوهر العمل الصحفي من أجل الوصول إلى كل الأماكن والتغطية من مصدر أول"! بحسب زعم القناة. من جهته وزير التعاون الإقليمي الصهيوني عيساوي فريج انتقد بث التقرير الآنف واعتبره تصرفاً غبياً وغير مسؤول ومؤذي!
و كل ذلك وغيره يكشف جملة أمور في غاية الأهمية منها ما يلي:-
1- إن ما كان يعتقده بن سلمان وأسياده الصهاينة، بأن الأمة دجنت واستسلمت لقدر التطبيع مع العدو، انه مجرد أوهام فالأمة لازالت حية ولازالت تدافع عن ثوابتها ومقدساتها ولازالت تعتبر العدو الصهيوني العدو الأول لها ولحضارتها وتاريخها وجغرافيتها، وأثبتت أن ما كان يطبل له بن سلمان وجوقته الإعلامية والسياسية من أجل تسويق العدو، لا قيمة له، فقط ساهم هذا التطبيل بكشف حقيقة بن سلمان الصهيونية وبعده عن الأمة وعن مقدساتها، أي أن وعي الأمة كنس كل ما قام به بن سلمان وأزلامه من تسويق للعدو!!
2- أثبتت ردود الفعل الجماهيرية الغاضبة إزاء التدنيس الصهيوني للمقدسات الإسلامية، ان إقدام بن سلمان على إعلان التطبيع مع العدو ينطوي على مخاطر جمة وعلى تهديد مباشر للنظام السعودي برمته، وذكر مجتهد المغرد السعودي المعروف أن التذمر من كثرة مظاهر الصهاينة داخل البلد وصل أسرة آل سعود نفسها، ووصل التذمر ذروته بهد تقرير تماري مما دفع خالد فيصل الى التعبير عن غضبه رغم انه من مؤيدي بن سلمان. وقال مجتهد ان تضايق آل سعود ليس بسبب مبدئي لكن قناعة منهم بان هذه المشاهد تعجل بنهايتهم وتدمر سمعتهم في العالم العربي والإسلامي.
3- كشفت هذه التطورات تزايد اتساع الفجوة بين نظام آل سعود والشعب الجزيري بعد تزايد انكشاف هوية هذا النظام الحقيقية التكفيرية والصهيونية وبعده عن الإسلام الحقيقي وعدائه لهوية الأمة الإسلامية ومبادئها وحضارتها، وذلك بفعل سياسات بن سلمان وارتمائه في أحضان أسياده الصهاينة والأميركان وعلناً وبدون خجل!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق