الصهاينة يستميتون في الدفاع عن بن سلمان بعد قتله لجمال خاشقجي
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي
منذ جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية في الثاني من الشهر الماضي، في مدينة إسطنبول التركية، وتواتر الأدلة بيد السلطات التركية، على أن بن سلمان ولي العهد السعودي، هو الذي يقف وراءها.. وحملات الضغط والإدانة الدولية للنظام السعودي، ولابن سلمان تحديداً واتهامه بأنه المتهم الأصلي وراء هذه الجريمة النكراء، نقول..منذ وقوع الجريمة وحتى اللحظة لاحظنا أن الصهاينة يستميتون في الدفاع عن بن سلمان لدرجة أن دفاعهم فاق دفاع أقرب المقربين لابن سلمان من الحلفاء، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والأمارات والبحرين، تلك الدول ألتي وقفت مع السعودية بعد هذه الجريمة، فنتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني تدخل لدى ترامب وطالبه بتبرئة بن سلمان من هذه الجريمة وعدم الرضوخ الى ضغوط بعض الأطراف في الكونغرس الأمريكي وباقي المؤسسات الأخرى، والمطالبة بضرورة معاقبة بن سلمان على هذه الجريمة النكراء.. وقال نتنياهو: "إن مقتل خاشقجي أمر مروع، لكن في الوقت نفسه أقول أن من المهم جداً لاستقرار المنطقة والعالم، أن تظل السعودية مستقرة" وتزامن هذا التصريح مع ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية من أن نتنياهو والرئيس المصري عبد السفاح السيسي، تواصلا مع الإدارة الأمريكية للدفاع عن محمد بن سلمان بعد ما تفجرت قضية خاشقجي.. ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها، أن السيسي ونتنياهو أجريا في الأيام الأخيرة اتصالات بمسؤولين رفيعي المستوى في إدارة الرئيس دونالد ترامب، للأعراب عن دعمهما لولي العهد السعودي الذي وصفه نتنياهو بأنه " حليف استراتيجي". ولم تقصر التحركات التي يقوم بها رئيس الوزراء الصهيوني بهذا الاتجاه على ما تقدم، بل كشفت مصادر إعلامية صهيونية أن رئيس وزراء الاحتلال، طلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، وقال موقع "واللا" الصهيوني في 1/11/2018، أن إتصالاً جرى بين نتنياهو وترامب، أكد فيه الأول أن بن سلمان شريك استراتيجي "لإسرائيل" في المنطقة ويجب دعمه وعدم الاستغناء عنه.
نتنياهو لم يكتف بالجهد الذي بذله شخصياً، والمتمثل باتصالات والتصريحات المتكررة في الدفاع عن بن سلمان بل سخّر كل أذرعته وامتداداته الصهيونية للتحرك في هذا الاتجاه، وإثارة موجة ضغط عارمة على الإدارة الأمريكية وعلى غيرها من قوى التأثير في أمريكا وفي الدول الغربية من أجل التخلي عن ملاحقة بن سلمان ومن ثم نسيان قضية خاشقجي..ففي هذا السياق دخل السفير الصهيوني في واشنطن على هذا الخط، حيث وجه هذا السفير المدعو رون ديرمر يوم 5/11/2018 انتقادات إلى تركيا وقطر وقناة الجزيرة بشأن تعاملهم مع قضية اغتيال جمال خاشقجي ينبغي الّا تترك دون رد، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي التخلص من العلاقة مع السعودية ذات القيمة الاستراتيجية".
ودفاعاً عن السعودية، توجه ديرمر للهجوم على تركيا وقطر وقناة الجزيرة، قائلاً: " هناك دول في المنطقتنا كتركيا حيث عدد الصحفيين بالسجون أكبر منه في أي بلد آخر في العالم، هل سمع أحد بذلك؟ كلا"، وأضاف: " أعلم أن الرئيس التركي يعمل ما بوسعه لممارسة الضغوط" وتابع بالقول:" والجزيرة التي تديرها حكومة قطر قناة تلفزيونية مملوكة للدولة..تضغط بقوة لتخريب العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة"على حد قوله..وتوجه بنصيحة إلى الولايات المتحدة داعياً إيها بألا تفرط بالعلاقة مع السعودية!!
ويبدو أن كل هذا الجهد الذي بذله ويبذله الصهاينة في الدفاع عن بن سلمان لم يقنع الكتاب والمعلقين الصهاينة، فراحوا يطالبون بالمزيد من التحرك من أجل حليفهم الحميم بن سلمان، ففي هذا السياق طالب الباحث والكاتب الصهيوني في شؤؤون الشرق الأوسط" إيال زيسر"تل أبيب باستخدام نفوذها الكبير، خاصة في والولايات المتحدة لمساعدة السعودية على تجاوز تداعيات مقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية في الثاني من الشهر الماضي. وقال زيسر في مقال له بصحيفة " يسرائيل هيوم"( اسرائيل اليوم) في 5/11/2018، وهو المقرب من نتنياهو.." لا يوجد حالياً حليف بالمنطقة للولايات المتحدة ولإسرائيل" أكثر مصداقية من السعودية، ورغم أن قوة الرياض في المنطقة مبالغ فيها، من وجهة نظره، فأن الحفاظ عليها كشريك يظل أمراً مهماً، في مواجهة تركيا والتي تتعرض لها السعودية، بها قدر من النفاق والازدواجية، مهاجماً في الوقت نفسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واصفاً إياه بالرجعي! ذلك أن المقياس عند زيسر وغيره من الصهاينة هو أن تكون تركيا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة، متماهية مع مصالح وسياسات الكيان الغاصب خصوصاً في مواجهة إيران ومحور المقاومة، فما دامت كذلك، فلابد من الدفاع عنها حتى اقترفت الأجرام ومارست كل أنواع الممارسات اللا إنسانية البشعة مثل النظام السعودي، حيث يقول زيسر في هذا الإطار " تركيا بوصفها دولة تسعى إلى التقدم، كان يفترض لها أن تقود المنطقة في مواجهة الكثير من التحديات، وتكون حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة، ونقطة استناد لا تقل أهمية في مواجهة إيران"! واستدرك: "لكن أردوغان اختار طريقاً أبعده عن دول عربية سنية كالسعودية ومصر، وتسبب في تدهور العلاقات مع " إسرائيل". وذكر أن الفراغ الذي خلفته تركيا، اضطرت السعودية أن تملأه، دون تردد في مواجهة الإيرانيين وحلفائهم، حتى في اللحظات التي تخلت الإدارة الأمريكية عنها! وتابع زيسر قائلاً: "بأن توثيق العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية، سيمهد للأخيرة تجاوز مشاكلها، وسيسمح لها بخلق جبهة متينة في مواجهة النظام الإيراني، والتقدم في تسوية سياسية مع الفلسطينيين".على حد قوله، فهذا الكاتب كما هو واضح، وكما هو حال كل الكتاب والمسؤولين الصهاينة يصورون أن نجاة السعودية وغيرها من الدول السنية العربية يكمن في الارتماء بأحضان العدو، هو التحالف معه في مواجهة إيران وحلفائها!!
وإلى ذلك، فأنه حتى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدى تجنّد للدفاع عن السعودية وعن ولي عهدها بن سلمان، فهذا الدبلوماسي الأمريكي اليهودي السابق دنيس روس دافع في مقال له عن بن سلمان، نشره على موقع معهد دراسات الشرق الأدنى، صحيح انه في مقاله دعا الولايات المتحدة إلى عدم ترك الجريمة دون رد إلا انه حدد بأن هذا الرد ينبغي الّا يكون بضرر بن سلمان، بل أن يكون بتحديد وتسديد سياساته من خلال الاشراف المباشر من قبل الولايات المتحدة على تلك السياسات ومساعدته في تجاوز التحديات والأخطار، وهو ما يعني أن دينس روس يرى أن ترك هذا الشاب القليل الخبرة والمتهور دون رقابة وتوجيه أمريكي سوف يرتكب مثل هذه الأمور التي تشكل إحراجاً للولايات المتحدة، وخطراً على السعودية وعلى ولي العهد نفسه..
إذن هناك إجماع صهيوني على حماية بن سلمان..وعلى أي حال السؤال الذي بات يفرض نفسه هو لماذا كل هذه الاستماتة الصهيونية على بقاء بن سلمان؟ والجواب بات واضحاً وهو أن بن سلمان يمثل فرصة نادرة للصهاينة لتحقيق أهدافهم ومنها ما يلي:
1ـ مواجهة إيران ومحورها: الكيان الصهيوني بات أنه لا يستطيع بمفرده مواجهة إيران ومحورها الذي يراكم الخبرات العسكرية والأمنية في المنطقة وذلك للأسباب والمعطيات التي باتت معروفة للقاصي والداني، كما أنه يدرك حتى انه ولو انضمت له الولايات المتحدة لا يستطيعان مواجهة هذا المحور نظراً، لأن الأمة الإسلامية التي ترفض هذا العدو وتعتبره محتلاً وغاصباً للأرض الفلسطينية وللمقدسات الإسلامية في القدس والخليل، لا تقف متفرجة في أية مواجهة محتملة بين أمريكا والكيان الصهيوني من جهة وإيران ومحورها من جهة أخرى، ولذلك، وبحسب التفكير الصهيوني ينبغي مواجهة هذا المحور بمحور آخر "إسلامي" دون أن يتحمل العدو عناء هذه المواجهة أو حتى الولايات المتحدة، من خلال تجنيد بلد إسلامي يحتضن أهم مقدسات المسلمين "مكة والمدينة المنورة" أي بيت الله الحرام ومسجد الرسول الأعظم (ص)، وتحت عناوين شتى، طائفي أو مذهبي أو قومي وما إلى ذلك وهو ما يدفع باتجاهه الصهاينة، ويسعى إلى تحقيقه لهم بن سلمان، وتحت العناوين المشار إليها، يحاول بكل السبل، مستخدماً إمكانات المملكة المالية الهائلة وموقعها الديني عند المسلمين، حشد الدول الإسلامية في مواجهة إيران تحقيقا لطموحات الصهاينة والأمريكان معاً.. ذلك أن جهودهم لم تتوقف وهي تتواصل بهذا الاتجاه حتى اللحظة ولذلك فأن إزاحة بن سلمان عن المشهد السياسي يعني تعثر هذه الجهود الخبيثة.
2. تمرير صفقة القرن: حيث يدرك نتنياهو وبقية المسؤولين الصهاينة أن بن سلمان بحاجة ماسة إلى الولايات المتحدة والى دعمها له للوصول إلى العرش السعودي، وليكون زعيم المنطقة، ولذلك فهو مستعد لعمل كل شيء من أجل تحقيق هذا الهدف أي حماية ودعم واشنطن، ما يعني أنه سينفذ كل ما تمليه عليه الإدارة الأمريكية، بما في ذلك تصفية القضية الفلسطينية، وقد لاحظ نتنياهو وزمرته وبالدليل الملموس كيف ان بن سلمان أثبت أنه الرجل القادر على إنجاز هذا الدور، عندما إتصل برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وطلب منه التنازل عن القدس والقبول بابوديس أحد ضواحي القدس البعيدة عاصمة لدولة فلسطينية "وهمية" تقام على غزة وجزء من سيناء، ووعد عباس بمنحه الأموال الطائلة أن هو قبل بصفقة القرن، أو التنحي والمجيء بآخر يقبل بهذه الطروحات الصهيونية، وفيما رفض عباس هذه العروض والضغوط السعودية، فإن الجهد الصهيوني الأمريكي السعودي يتحرك بهذا الاتجاه بانتظار الفرصة المواتية الانجاز هذه الصفقة، وكما سبق وان قلنا، أن أي طرف عربي لا يمكنه تمرير هذه الصفقة، إلا النظام السعودي، بحكم ثقل الدولة السعودية ووزنها الإسلامي، فأنها يمكنها ممارسة الضغوط على الجانب الفلسطيني في الاتجاه المشار إليه..الأهم من ذلك هو أن العدو يدرك تماماً، انه حتى لو عارض الفلسطينيون أو عرقلوا تمرير صفقة القرن، فأن استعداد بن سلمان لتجاوز الفلسطينيين ونسيان حقوقهم، وإقامة الحلف مع العدو، يمكن أن يؤدي إلى نفس النتيجة بالنسبة للعدو، فالأخير يفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني بمواصلة قمعهم ومحاصرتهم في أرضهم فيما العدو يُطبّع ويتحالف مع السعودية وبقية الدول العربية ويحقق أهدافه في محاصرة الفلسطينيين والتنكر لحقوقهم، وفي التمدد إقليمياً وفي فرض نفوذه ومصالحه وهيمنته على المنطقة العربية.
3. إن نتنياهو وبقية المسؤولين الصهاينة يدركون أن تنفيذ المشاريع الاقتصادية والعسكرية التي وقعها بن سلمان مع الجانبين الأمريكي والصهيوني لا يتم بدونه، ومنها ربط دول الخليج بشبكة من سلك القطار تبدأ بالعدو وتمر بالأردن وبالأراضي السعودية وتمتد إلى الأمارات وسلطنة عمان وقطر والكويت، ومنها أيضاً إقامة مدينة اقتصادية قرب الحدود مع مناطق سيناء، وإقامة جسور تربط جزيرتي صنافير وتيران اللتين سلمهما النظام المصري إلى السعودية، بسيناء فالأرض المحتلة، واللافت أنه بدأ العمل الهندسي والتخطيطي لإقامة وإنجاز هذه المشاريع وبتمويل سعودي، حيث لا يمكن لأي طرف دولي إنجاز وتمويل هذه المشاريع غير النظامالسعودي، وغير بن سلمان تحديداً، فذهاب الأخير، أو خروجه من المشهدالسعودي سوف يربك كل هذه الخطط وبالتالي يعطل أو حتى يلغي هذه المشاريع الطموحة للعدو،لأن البديل من آلسعود وان كان سيظل أمنياً للمصالحالأمريكية والصهيونية لكنه لا يذهب بعيداً، كما يفعل بن سلمان حالياً.
4. ومادام الصهاينة يدركون أيضاً أن بن سلمان ومن أجل أن يحقق أحلامه وطموحاته مستعد لفعل كل شيء من أجل ضمان العرش حتى وان كان التحالف مع الشيطان ذاته، فهم_ أي الصهاينة_ يعتقدون أن بقاء بن سلمان على رأس السلطة في السعودية فرصة ذهبية للسيطرة والهيمنة الصهيونية على القرار السعودي، ومن ثم تحقيق الصهاينة من خلال هذه الهيمنة للأهداف التي أشرنا إلى بعضها..
5. على الصعيد الاستراتيجي، يريد الصهاينة الاستثمار في طموحات وأحلام بن سلمان لتحقيق أهداف طالما ظل الصهاينة يعتبرونها محورية في مشاريعهم الصهيونية الخطيرة ومنها ضرب الهوية الإسلامية للمسلمين، وضرب مقدساتهم وتزييفها،وضرب قدسيتها، لأنهم يعتبرون بقاء المسلمين متمسكين بهذه المقدسات، سوف يعقد ويصعّب أيضاً القضاء عليهم وتحويلهم إلى مجرد كم هائل من البشر لا حول له ولا قوة، إنما مجرد سواد أعظم يتولون قيادته وتوظيفه في إطار سياساتهم ومشاريعهم!! ولأنهم_ أي الصهاينة_لا يستطيعون لوحدهم تحقيق مثل هذه الأهداف، فأنهم وجدوا في بن سلمان الفرصة الذهبية لضرب الإسلام عقيدة ومقدسات بواسطة هذا الشاب الأحمق، ذلك أن ضرب الإسلام ومقدساته وبواسطة نظام يعتبر نفسه "خادماً للحرمين الشريفين" و"زعيما للعالم السني"!! سوف يقصر الطريق على الصهاينة في تحقيق هذه المهمة، ويذلل من صعوباته. وللإشارة فأن الكثير من الخبراء الصهاينة كانوا قد أوصوا بأن استمرار بقاء كيانهم الغاصب يكمن أو مرهون بضرب الإسلام المحمدي الأصيل، وأكدوا أنه لا يمكن تحقيق هذا الأمر إلا من خلال تجنيد بعض المسلمين لضرب الإسلام، مشيرين إلى أن ذلك بات متاحاً في ظل تهافت النظام السعودي، ومعه النظام الإماراتي والنظام البحريني وأنظمة أخرى، ولذلك فأن غياب هذا الشاب السعودي يعني ضياع هذه الفرصة، ما يفسر ذلك الاستماتة الصهيونية في الدفاع عن بن سلمان وضمان استمراره في السلطة أو على رأسها في السعودية...
ختاماً يقول أحد الكتاب الفلسطينيين.."لم يعد سراً أن بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد يمثلان رأس الحربة في مشروع إسرائيلي، يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بشكل يخدم مصالحها الإستراتيجية، ولا يعبأ بمصالح العرب، وهما يفعلان ذلك عن قناعة بأن "إسرائيل" حليف مهم يجب الوثوق به أكثر من أي طرف إقليمي آخر..وذلك ما يجعل نتنياهو لا يخجل من الدفاع عنهم باعتبارهم كنزاً خليجياً استراتيجياً لتل أبيب لا يجب التفريط به "!!
ارسال التعليق