العدوان على اليمن... بين العجز السعودي الإماراتي وبين السلام الممنوع أمريكيا وبريطانيا!!
[عبد العزيز المكي]
منذ انتهاء فترة الهدنة الأخيرة قبل عدة أشهر، والمساعي الأممية والإقليمية لم تتوقف لتمديد الهدنة ولتلمس طريقاً للسلام وإنهاء الحرب وإيقافها نهائيا، فظل الوسيط العماني طيلة تلك الفترة نشطاً الى جانب تحركات المبعوث الدولي في الأزمة اليمنية، في التحرك على طرفي الحرب من أجل الخروج بصيغة مرضية لكل الأطراف وبالتالي إيقاف تلك الحرب ، واذ أخفقت كل تلكم التحركات، فأن المعتدي السعودي الذي يقود العدوان على الشعب اليمني دخل بكل ثقله على خط تلك التحركات والمساعي، خلال الأسابيع الماضية وحتى اللحظة، وتحدثت وسائل الأعلام عن تبادل الزيارات السرية والوفود بين الرياض وصنعاء، وقد اشارت أوساط سياسية واعلامية من كلا الطرفين الى تأكيد هذه اللقاءات، بل ان بعض الأوساط اليمنية زعمت بأن السعوديين والحوثيين توصلوا الى اتفاق يمدد الهدنة فترة أخرى ويمهد لاتفاق سلام في اليمن ينهي الحرب.. اكثر من ذلك، ان بعض المواقع اليمنية سربت بعض ما جاء في مسودة الاتفاق بين الطرفين، بحسب قولها!
و في ظل تواتر عن زيارات ولقاءات السفير السعودي آل جابر في اليمن مع المسؤولين الحوثيين في صنعاء، وكذلك زيارات وفود الوسيط العماني المكثفة، بالاضافة الى الردود المتشنجة من قبل مرتزقة الامارات وما يسمى بمجلس الرئاسة بقيادة رشاد العليمي، على الأنباء المتواترة حول المفاوضات السعودية مع أنصار الله.. في ظل ذلك وغيره، يمكن القول ان هناك مفاوضات جارية بين الطرفين السعودي واليمني في صنعاء لإنهاء الحرب والتوصل الى إتفاق سلام في اليمن ينهي العدوان والحصار.. وتجدر الإشارة هنا الى ان النظام السعودي بات يتطلع الى الخروج من المأزق اليمني وبشكل جاد لأسباب كثيرة منها ما يلي:-
1- وصول النظام السعودي إلى قناعة بأن العدوان بات غير قادر على إلحاق الهزيمة العسكرية بأنصار الله، بعد ان استخدم وشريكته الإمارات كل أنواع أسلحة الحصار وكل أنواع وأساليب الحرب العسكرية واستخدام الأسلحة المتطورة، وعلى مدى ثمان سنوات متواصلة، على العكس من ذلك تماماً ان مجريات الحرب باتت كلما استمرت فترة أطول، تمضي لصالح أنصار الله حيث تزداد قوتهم العسكرية، وكلما باتوا يشكلون خطراً ليس على مرتزقة السعودية في اليمن وحسب، وانما يشكلون خطراً على السعودية نفسها والعمقين الإماراتي والسعودي، بعد ان طالت صواريخهم وطائراتهم المسيرة، المنشآت النفطية والمناطق الحساسة في كلا العمقين الإماراتي والسعودي وبالنسبة للسعودية، فأنها أصبحت مهددة بفقدان جيزان وعسير ونجران التي توغلت فيها قوات أنصار الله، وباتت على مشارف مدينة نجران في محافظة نجران- وهي بالمناسبة محافظات يمنية كان آل سعود قد استولوا عليها في بداية القرن التاسع عشر، وشرعوا سيطرتهم عليها، بمعاهدات مع النظام الحاكم في صنعاء يومذاك، ثم جاء نظام صالح ليمنحهم السيطرة النهائية على تلك المحافظات. وقبال التفوق العسكري لأنصار الله، فأن جبهة مرتزقة السعودية والإمارات تعاني من التفكك والتشرذم نتيجة الخلافات والتنافس بين السعودية ومرتزقتها من جهة وبين الأمارات ومرتزقتها من جهة أخرى، وهي خلافات تنعكس دائماً وتترجم على أرض الواقع بصدامات عسكرية دامية..ونتيجة انكشاف الأهداف العدوانية للسعودية والإمارات في اليمن وسحقهما للمواطن اليمني في المناطق المحتلة، بل واضطهاد المحتلين للمرتزقة أنفسهم وعدم احترامهم، ما دفع بعض هؤلاء إلى مراجعة حساباته، وسلم نفسه لأنصار الله بعد تمرده على المحتل السعودي أو الإماراتي بعد أن تكشفت له أهداف ونوايا السعوديين والإماراتيين، ولقد سلم الآلاف من هؤلاء المرتزقة بعد الإعلان عن توبتهم، وبينهم رتب عسكرية عالية جداً..
2- و لأن مشهد العدوان بعد ثمان سنوات انتهى إلى ما اشرنا إليه، فأن النظام السعودي أيقن أن هذا العدوان تحول إلى كارثة، سيؤدي استمرارها الى النيل من استقرار النظام، ومن اقتصاد المملكة، ومن مستقبلها وعلى كل الأصعدة، وهذا ما أكدته بعض الأوساط الإعلامية الغربية نفسها، ففي هذا السياق رأت صحيفة " لابريس" الكندية.." أن الرياض شنت تدخلاً عسكرياً في مارس 2015 " لتدمر قوات صنعاء" لكنها أدركت في نهاية المطاف أنها لن تنجح في هزيمة القوات المسلحة اليمنية عسكرياً" وتابعت الصحيفة قائلة: أنه نتيجة لذلك تسعى إلى فك الارتباط، مع تقليل تكاليف مغامراتها الكارثية".. وذلك في إشارة إلى المفاوضات الجارية مع أنصار الله. وكانت هذه الصحيفة قد وصفت العدوان، بأنه كارثة للنظام السعودي! خلاصة القول في هذا السياق ان النظام السعودي بدأ يدرك، ان عدوانه على اليمن أصبح إنهاكاً لمملكة آل سعود، استمراره سوف يؤدي الى انهيارها ودمارها وتفككها لا محالة.
3- بالإضافة إلى ذلك، والى وجود خلافات حادة بين السعودية والإمارات وبين مرتزقتهما، كما اشرنا في النقطة الأولى، فأن تراجع الحماية الأمريكية للنظام على خلفية ضعف امريكا وانسحابها من المنطقة، وعلى خلفية تراجع اعتمادها على نفط السعودية.. أن هذا التراجع الذي تجسد في امتناع الرئيس السابق دونالد ترامب الصديق المقرب لآل سعود ولبن سلمان نفسه عن الدفاع عن السعودية عند ما تعرضت للقصف المدمر من قبل أنصار الله، والذي استهدف منشآتها النفطية ومراكزها الحساسة في عمق المملكة ولأكثر من مرة، وإعلان ذلك الموقف صراحة بأن ترامب ليس مستعداً للتضحية بجندي أمريكي واحد من أجل النظام السعودي، ثم جاء انسحاب القوات الأمريكية المشين من أفغانستان ليعزز القناعة عند النظام السعودي، بأن أمريكا ليست كالسابق تدافع عنه، وانه بات مكشوف الظهر، ولذلك فأن أي تطور دراماتيكي في مجرى الحرب اليمنية يمكن أن يفقد النظام السعودي أجزاء كبيرة من المملكة.. وحتى حينما حاولت الولايات المتحدة طمأنة النظام السعودي وغيره من أنظمة عربية، بهدايتها إلى الاتكاء على حماية العدو الصهيوني، فأن النظام السعودي بل وغيره من الانظمة أيضاً اقتنعوا بأن هذا العدو غير قادر على حماية نفسه من التحديات الخارجية والداخلية بسبب تصاعد المقاومة في المنطقة، فالمسؤولون الصهاينة أنفسهم يصرحون بأن العدو بات معرضاً للتفجر والتلاشئ من الداخل بسبب الصراعات الداخلية بين مستوطنية، والتي باتت اليوم حديث الإعلام، وحتى حديث المسؤولين الصهاينة أنفسهم.. فالقناعة اذن عند السعوديين اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ان الرهان على حماية العدو، هو رهان خاسر بكل المقاييس.
4- والى ذلك، فأن مملكة بن سلمان، ورغم التغطية على ما يجري في الداخل، تحولت الى مرجل يغلي يمكن أن ينفجر في اية لحظة ليس على صعيد الشعب وحسب، وانما على صعيد العائلة المالكة، فهذه العائلة تعيش احتقاناً منذ تولي بن سلمان ولاية العهد وقمعه للآخرين، وبسبب ما يعتبره الأمراء السعوديون الناقمون إغتصاب بن سلمان للسلطة " بغير حق" فهؤلاء الناقمون يبدون معارضة ومقاومة لآل سلمان، وسرب الإعلام أكثر من مرة عن حصول حوادث صدام بالأسلحة ومحاولات اغتيال لبن سلمان في جدة وفي الرياض!!
أما الاحتقان على الصعيد الشعبي فهو بات حديث الشارع، وحديث الصحافة الغربية، واللافت ان استمرار العدوان السعودي أضحى عاملاً مهماً في تغذية هذا الاحتقان، بل وفي احتمال تفجيرة في النهاية.
بسبب هذه العوامل وغيرها تبحث السعودية وتحاول تلمس طريق يخلصها من هذه الورطة والمستنقع الذي بات يهدد وجودها.. لكن المشكلة أن ثمة محددات تحول دون وصول السعودية الى بر الأمان، بعض هذه المحددات، خارج نطاق قدرة وإمكانيات النظام السعودي ومنها ما يلي:-
1- إصرار النظام السعودي على اقتطاع ما يسميه " حزاماً أمنياً بعمق 20 كم داخل الأراضي اليمنية، تصبح تحت السيطرة السعودية، تبتعد قوات أنصار الله ما بعد هذا العمق الى 20 أو 30كم، اولا لضمان عدم تكرار الهجوم اليمني على السعودية. وثانياً للادعاء بتحقيق انتصار عجز عنه النظام السعودي بالوسائل العسكرية وثالثاً، وهو الأهم تحقيق أطماع آل سعود في الثروة النفطية اليمنية في باطن الأرض، وتجدر الإشارة الى ان النظام السعودي كان قد زحف داخل العمق اليمني في بعض المناطق الحدودية مسافة 10 كيلومترات لتحقيق هذه الأطماع وذلك قبل سقوط نظام علي عبد الله صالح، حيث ان هذا الأخير، غض الطرف عن هذا الزحف بسبب علاقاته المشبوهة مع النظام السعودي!
2- معارضة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا لإنهاء العدوان لأن استمراره يوفر الفرصة السانحة للاميركان والانجليز لتشغيل او استمرار تشغيل مصانعهم العسكرية، ونهب ثروات اليمن، النفطية خصوصاً، ثم التدخل والتخندق العسكري في اليمن وفي تلك المنطقة بشكل عام، وقد أشار بعض المسؤولين في أنصار الله إلى التدخلات الأمريكية والبريطانية للتشويش على المفاوضات بين السعودية وبينهم أو تخريبها!!
3- معارضة الشريك الإماراتي في العدوان على الشعب اليمني لأي تسوية للعدوان تنفرد بها السعودية لوحدها ولذلك أشارت بعض أوساط مرتزقة السعودية اليمنيين إلى الدور والمحاولات الإماراتية لتخريب هذه المفاوضات خوفاً من أن تخرج- الإمارات – من المشهد اليمني خالية الوفاض، وهذا يفسر التوتر المتصاعد هذه الأيام بين الطرفين وبين مرتزقتهما في حضرموت وفي عدن وفي مناطق أخرى!! فهل يجتاز النظام السعودي كل هذه المعوقات ويصل إلى صيغة تنهي العدوان، ومعاناة الشعب اليمني المظلوم أم سيظل أسير أوهامه وأسياده، وحينذاك سوف يكون العدوان كارثة فعلاً على هذا النظام وعلى مملكته، وعلى من وقفوا إلى جانبه في جرائمه الوحشية التي ارتكبها في اليمن!؟
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق