العهد السلماني وطغيان كليبتوقراطية وبلوتوقراطية آل سعود
[حسن العمري]
* حسن العمري
نجحت المخابرات العالمية التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني في صناعة حكام وسياسيون وعسكريون في غالبية دول العالم خاصة في الشرق الأوسط وتحديداً البلدان الخليجية بغية خدمتها وتنفيذ متطلباتها على مر العقود.. ثم أن الأمر لم يتوقف على ذلك بل تعدى أكثر حيث استهدفوا المؤسسات الدينية ايضاً وصنعوا لنا أصحاب الخطاب الديني ومصدري الفتاوى وفق رغبات أجهزة المخابرات والعروش التي يعتاشون على فتاتها، فاشتروا دنياهم بآخرتهم ورضى المخلوق الحقير برضى الخالق فكان دورهم الريادي في إيجاد الخلافات الطائفية والمذهبية بين أبناء الأمة في داخل الجزيرة العربية وعلى مستوى الأقليم، وأضحى التكفير ميزان تفريقهم للمسلمين بأفكارهم الهدامة المدمرة، فمن لم يدين بالوهابية والسلفية المنحرفة التي لا تمت إلى الاسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد لابد أن يذبحوا وتسبى نسائهم وتغتصب فتياتهم، وأحرقوا الأخضر واليابسة ودمروا البلدان بتجييشهم للسذج من أبناء شعبنا بين منتحر تفجيري تشويهاً للدين الاسلامي الحنيف دين الرحمة والمودة والتعايش السلمي.
فقد سلطوا على شعوبنا أنظمة "الكلِبتوقراطية" أو حُكم اللصوص (اللفظ مركب من مقطعين باللغة الإغريقية؛ أولهما "كلبتو" (Κλεπτο) بمعنى لص، وثانيهما "قراط" (κρατ) بمعنى حُكم) حيث يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عن طريق الاختلاس عبر وعود واهية كاذبة في تطوير البلاد اقتصادياً أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان بذريعة التنوع الثقافي فيضحى التعري والرقص المجون بدلاً عن معتقداتنا الاسلامية وتقاليدنا الاجتماعية التي تربينا عليها ليس عقود بل قرون طويلة.. حيث يكون نظام الحكم في هذه الأنظمة وليدة الاستعمار ديكتاتورياً واستبدادياً كما نعيشه في الجزيرة العربية بكل ما للكلمة من معانٍ، حيث يُثري سياسيوهم الفاسدين أنفسهم خارج سيادة القانون، عبر الرشاوى، أو توجيه أموال الدولة لأنفسهم أو لشركائهم ما يعني الأوليغارشية (حكم القلة) ودكتاتورية القبضة الحديدية وغير ذلك من أشكال الحكم الاستبدادي والمحسوبيات التي تكون الرقابة الخارجية فيها مستحيلة أو معدومة.
يؤكد علماء السياسة أن الحكام الكليبتوقراطيون يتعاملون مع خزينة دولتهم (بيت المال) كمصدر لثرواتهم الشخصية، وينفقون الأموال على السلع الكمالية ويبذرون كما تُملي رغباتهم؛ ويحولون الأموال العامة سراً الى حسابات مصرفية شخصية عدة في بلدان أجنبية لتحصين أنفسهم ماليًا في حال أُزيحوا عن السلطة، ما يؤدي الى تدهور في حياة المواطنين بشكل كبير وهو ما نعيشه اليوم في بلاد البترول؛ حيث تُحول الأموال التي تسرقها السلطات السعودية من الأموال المخصصة لبناء البنى التحتية مثل المستشفيات والطرق والمدارس والحدائق والمصانع وإيجاد فرص العمل لشبابنا حيث البطالة تنخر في جسده.. ثم هناك شكل خاص من حكم الكليبتوقراطية يُسمى في الألمانية «اقتصاد السرقة» أو«اقتصاد النهب» إذ يعتمد اقتصاد النظام المستبد الحاكم بأكمله على السرقة والنهب والسلب في الأراضي التي تسيطر عليها، وهو ما يحصل في نيوم والمنطقة الشرقية اليوم؛ ويقول أرنولد توينبي أن الإمبراطورية الرومانية كانت كذلك.
خطاب المؤسسات الدينية المسيطرة على مجتمعاتنا الخليجية خاصة وفي مقدمتهم هيئة كبار العلماء في المملكة، بات اليوم في خدمة الغرب واليهود الصهاينة ومن هذا المنطلق نرى التزامهم الصمت المطبق على ما يتعرض له أشقائنا في فلسطين من مجازر دموية يندى لها جبين البشرية، جرائم لم يشهدها العالم حتى على عهد هتلر وستالين وصدام في قتل شعوب الأمة بعضهم لبعض وتثخين جراحها وإذكاء الصراعات الطائفية بمختلف الحيل، فيما يلتزمون الصمت في مجال ضرورة محاربة أعداء الأمة والدين وفي مقدمتهم الصهاينة المحتلين متذرعين بأن هذا الأمر يخص ولي الأمر الذي يعمل ليل نهار على ضرب الأمة الإسلامية ومصالحها وتمكين أعداءها منها.. أصحاب هذا الخطاب للأسف الشديد هم أول من خذل هذه الأمة وهم من يدمرها ويحاربها ويقف حجر عثرة أمامها فلذلك قد لا يخيب ظننا أن قلنا بأنهم صنيعة المخابرات الغربية والصهيونية.
سئل الخليفة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): ما يفسد أمر قوم يا أمير المؤمنين؟، قال: “ثلاث وثلاثة، وضع الصغير مكان الكبير، ووضع الجاهل مكان العالم، ووضع التابع في القيادة”. وأضاف: “فويل لأمة؛ مالها عند بخلائها، وسيوفها بيد جبنائها، وصغارها ولاتها”.. آنذاك تكثر المفاسد في الدولة؛ فيُصبح النَّهب عادة، والرشى تعظم الفاسد في سلطته وعين العامة، وإيذاء الناس وحرفهم عن حقيقة الدين وحقوقهم المشروعة يكون من المُسلَّمات (خاصة اذا كانت مدعومة بمؤسسة دينية تدعم كل تحركها بفتاوى وأحاديث مجعولة).. وهذا أحد أهم أركان تبدل الحكم من حكم العدالة والمساواة وقانون السماء الى حكم (البلوتوقراطية) أو حكم الأثرياء حيث تكون فيها الطبقة الحاكمة مميزة بالثراء التي سرقته من مال ولقمة عيش الشعب؛ ويكون هناك تفاوت اقتصادي كبير وشاسع جداً بين الحاكم ومن حوله وبين المواطن المغلوب على أمره، ثم أن كلمة "بلوتوقراطية" هي ايضاً مشتقة من الكلمة اليونانية: πλουτοκρατία.
يكتب عالم الاجتماع الألماني "ماكس فيبر" في كتابه (العِلم والسياسة بوصفهما حرفة)، أن نظام الحكم "البلوتوقراطي" هو نظام سياسي تكون فيه الطبقات السياسية المسيطرة والماسكة بزمام السلطة طبقة الأغنياء وأصحاب الثروات تمسك بيدها زمام الأمور دون رحمة أو شفقة وبعيداً عن ضرورة المشاركة الشعبية في السلطة، ويستخدم ايضاً كتحقير لوصف أو للتحذير من وضع غير مرغوب فيه.. فقد أدان مفكرون سياسيون على مر التاريخ هكذا نظام مشددين أنه نظام ديكتاتوري قاسٍ يتجاهل مسؤولياته الاجتماعية ولا يسمح لغيره بإبداء الرأي؛ منهم عالم الاجتماع الفرنسي والمؤرخ ألكسيس دي توكفيل، والمنظر الإسباني خوان دونوسو كورتيس في السابق، وفي الوقت الحاضر نعوم تشومسكي.. مشددين أن هكذا حكام يستخدمون سلطتهم لصالح أهدافهم الخاصة وبالتالي زيادة الفقر وتغذية الصراع الطبقي وكذا الطائفي بإستغلالهم للمؤسسة الدينية الخاضعة لهم، وإفسادهم للمجتمعات (هيئة الترفيه وما تعمله من نشاطات ماجنة) بسبب جشعهم واهتمامهم بمتعهم وإبقاء شعوبهم في الفقر المادي والسياسي والاجتماعي والديني يميلون بهم حيث تميل رغباتهم وشهواتهم الشيطانية خدمة لتلك الاستخبارات العالمية.
ولي العهد محمد بن سلمان، أدعى في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية في 21 سبتمبر الماضي، أن السعودية ستكون في المرتبة الـ7 اقتصاديا على المستوى العالمي، مشيرًا الى أن المملكة من أسرع الدول نموا في مجموعة العشرين وتنافس الهند من حيث سرعة النمو؛ وأضاف كنا نعاني من مشاكل في الماضي وأتيحت فرص لم نستغلها والآن نستثمرها للمضي قدما في المملكة.. . اليوم المملكة في المسار الاقتصادي الصحيح وسنكون في المرتبة الـ7 الأولى لمملكة في المرتبة 17 من حيث الناتج المحلي الإجمالي ونتطلع نحو المزيد كنا في 2022 أسرع دول مجموعة الـ 20 نموا رؤيتنا كبيرة ونفاجأ كل يوم بتحقيق أهدافنا سريعا.. نعمل على تنويع الاقتصاد وسنكون من أقوى اقتصادات العالم"؛ أوهام يبيعها للمواطن الساذج الصامت عن المطالبة بحقوقه، فيما التقارير الاقتصادية الرسمية سعودياً ودولياً تكشف زيف مدعى محمد بن سلمان جملة وتفصيلاً.
نظام "الكليبتوقراطية" و"البلوتوقراطية" السائد حالياً في السلطة السلمانية القابعة على رقاب شعب الجزيرة العربية ومخططاتها تستهدف داخلها ومحيطها الأقليمي، لم يكن ليبلغ مبتغاه لولا تكاسل وتقاعس الشعب عن القيام بواجباته لنيل استقلاله وحكومته المشروعة وحقوقه المسلوبة، ومساندة المؤسسة الدينية الذراع القوي الداعم لسطوة آل سعود على البلاد ونهب ثرواتها بغطاء شرعي مشرعنة أعمال السلطة السياسية اللصوصية بسطوها على الثروة العامة عبر برامج ومشاريع وهمية وأشكال من التستر على سرقات المال العام، تحت مسمى "ولي الأمر" له حق فعل ما يشاء.. نظام حكم آل سعود اللصوصي غير قادر على إنتاج نموذج للسياسي المحترف، فالمنظومة السياسية التي تقوم على أساس تحالف مقدس بين الفساد المالي والتزييف الديني والعمل السياسي، تكون الاحترافية السياسية فيه تعمل وفق معيار الإدامة والإبقاء على عمل هذه المنظومة الأحادية الحاكم والسلطة وفق رغباته الشيطانية مهما كان الثمن.. هكذا نظام لا ينتج إلا الفاسدين ولا تأتي الى سدة الحكم إلا بفاشلين.
ارسال التعليق