القمة العربية في جدة... ودعوة بن سلمان زيلينسكي رئيس أوكرانيا لحضورها !!
[عبد العزيز المكي]
حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القمة العربية الأخيرة التي عقدت في التاسع عشر من مايو/2023 في جدة في المملكة العربية السعودية، فاجأ المشاركين وأثار غضب بعضهم، لأن المضيّف السعودي، لم يحط هؤلاء المشاركين علماً بحضور الرئيس الأوكراني، على ما يبدو، ولم ينسق معهم في استدعائه كضيف شرف لحضور القمة الأمر الذي أزعج البعض، مثل الجزائر، حيث عبرت عن انتقادها لبن سلمان وتبرمها من اتخاذ هذه الخطوة، متهمة إياه بانتهاك بروتكولات القمة العربية، كما انعكس ذلك في تعليقات وتحليلات بعض الصحف الجزائرية، فصحيفة الخبر بعد أن تساءلت"بمانشيت عريض" عن مغزى دعوة بن سلمان للرئيس الأوكراني لحضور القمة قالت نقلاً عن مصادر لم تسمها ان من شأن هذه الخطوة أن تلقي بظلالها على اجتماعات القمة.. أما صحيفة ليكسبريسيون الناطقة بالفرنسية فقد وصفت دعوة زيلينسكي في عنوانها بالتحول المذهل للاحداث قبل 24 ساعة من بدء القمة، وقالت ان ما فعله بن سلمان يضرب بالصميم الموقف الحيادي للجامعة العربية من الصراع الاوكراني الروسي ومساعيها السابقة في الوساطة بين الطرفين..على ان صحيفة" لوسوارد الجيري" هاجمت من جهتها محمد بن سلمان بعنوان اكثر ضراوة، متهمة إياه بتحويل الجامعة العربية الى ملكية خاصة. وتساءلت الصحيفة استناداً الى مصادر دبلوماسية أيضاً عن أهداف ولي العهد السعودي من هذه الخطوة....
وما تجدر الإشارة إليه أن زيلينسكي يهودي صهيوني مؤيد بشدة للكيان الصهيوني، وامّده بالأسلحة، كما ابدى استعداده بإرسال خمسة آلاف مقاتل لهذا الكيان الغاصب، ودافع عن هذا الاخير في حربه على غزة السابقة وفي حربه اللاحقة، معتبراً قتله للعوائل الفلسطينية وتهديم البيوت على رؤوس أهلها وهم نيام بالقصف بالصواريخ الثقيلة،" دفاعاً عن النفس"!! والأكثر من ذلك أن بن سلمان منحه فرصة إلقاء خطاب في الجلسة الافتتاحية، عبّر فيها عن وقاحة مفرطة، ففي الوقت الذي يؤيد فيه بحماس جرائم العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني واحتلاله القرى والمدن الفلسطينية يطالب الزعماء العرب بادانة " الاحتلال الروسي لمدن اقليم دونباس" بحسب قوله والتي تقول روسيا انها أرض روسية ويسكنها روس وليس أوكرانيين.. كما ان زيلينسكي حوّل القمة الى منبر للحديث عن الأوكرانيين ومحنتهم وعن " الاحتلال الروسي" بينما تراجعت قضية الشعب الفلسطيني وما يقوم وما يرتكب بحقه الاحتلال الصهيوني من جرائم واحتلال للمدن وللأراضي إلى الصفر!! فيما يفترض أن تركز هذه القمة على ما يعانيه اليوم الشعب الفلسطيني من عدوان وقتل وتنكيل يتكرر يومياً في الضفة الغربية بالاضافة إلى انتهاكات متكررة لحرمة الأقصى!! وبالإضافة الى نجاح زيلينسكي في تحويل القمة الى منبر للهجوم على روسيا والى توجيه دعوات الى العرب والمسلمين للتحريض على روسيا، ولمساعدة الشعب الأوكراني، فأنه بدون شك حقق مكاسب مادية، تمثلت بمده بالأموال من قبل بعض الدول الخليجية، لاسيما السعودية نفسها، وهذا ما أشارت اليه بعض وسائل الإعلام الغربية بشكل ضمني، مثل " اكسيوس"،و " تايم"، ووول ستريت جورنال" حيث قال موقع اكسيوس الامريكي، ان دول الخليج الغنية قدمت مساعدات الى كييف..فيما قالت مجلة تايم الامريكية " ان زيارة زيلينسكي جاءت في إطار جولاته المتتالية حول العالم لدعم بلاده ضد روسيا.." واشارت المجلة الى ان السعودية كانت قد تعهدت بتقديم 400 مليون دولار كمساعدات لأوكرانيا في وقت سابق وصوتت لصالح قرارات الأمم المتحدة التي تدعو روسيا الى إنهاء حربها والأمتناع عن ضم الأراضي الأوكرانية..
وعلى أساس هذا النجاح لزيارة أو لمشاركة زيلينسكي في قمة جدة، اعتبر الغرب ان هذه المشاركة " ضربة معلم" للرئيس الأوكراني!! كما قالت صحيفة ليبراسيون الفرنسية، واعتبرها أيضاً نجاحاً كبيراً لزيلينسكي، وما يقال عن غبطة الغرب وانشراحه لمشاركة الرئيس الاوكراني وخطابه في قمة جدة العربية، يقال أكثر عن الانشراح الرضا الأمريكي، ما يعني ذلك، ان للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية اليد الطولى في إرغام بن سلمان على دعوة زيلينسكي للمشاركة في القمة العربية، وذلك لتحقيق عدة أهداف منها ما يلي:-
1- توجيه رسالة الى الصين خاصة والى روسيا وحتى الى ايران مفادها ان الولايات المتحدة، رغم أنها تراجعت أو في حالة تراجع عن تلك المنطقة، فانها مازالت تمسك بمفاصلها الأساسية، وما يقال عن ان الصين حققت اختراقاً ونفوذاً كبيراً في منطقة النفوذ الأمريكي، فأن ذلك كلام مبالغ فيه، فأمريكا هي التي تتحكم بمسارات التحرك في تلك المنطقة، وهي التي تقرر لهذا الطرف الحليف ولذاك بالتحرك في المساحة التي تسمح بها والتي لاتضر بمصالحها!!
2- توجيه رسالة أمريكية الى كل المعنيين بالامر وعلى رأسهم الصين، مفادها ان النظام السعودي مازال في قبضة الأمريكان لايمكن أن يتحرك الا بضوء أخضر أمريكي، أو باملاء أمريكي، عكس ما كان، ومايزال يروجه البعض حول ان بن سلمان " تمرد" على سيده الأمريكي وإتجه صوب الصين وروسيا، بسبب ضعف أمريكا وتراجعها، وصعود الصين وروسيا وتزايد قوتهما العسكرية ونفوذها في ساحات الصراع العالمي.. وتجدر الاشارة هنا، الى ان النظام السعودي أراد أن يتخطى الإرادة الأمريكية في مسألة اليمن اذ توصل إلى اتفاق مع أنصار الله لحل الأزمة اليمنية وإنهاء الحرب، وقبل التوقيع على هذا الاتفاق الذي كان مقرراً في عيد الفطر المبارك الماضي تدخلت أمريكا وخرجت الاتفاق وتراجع النظام السعودي عن توافقاته مع أنصار الله وكأن شيئاً لم يكن!! ذلك رغم انني مازلت أرجح ان انخراط النظام السعودي في تلك المفاوضات مجرد تكتيك ومناورة سياسية لكسب الوقت، ولضمان استمرار وقف اطلاق النار، لأن النظام السعودي بات لا يتحمل تبعات الحرب وقصف انصار الله للمرافق الاقتصادية والعسكرية في العمق.. ما يعني ذلك، أو ما يعزز مقولة ان النظام السعودي ما يزال الحليف المطيع والمنفذ للمشاريع والمؤامرات الأمريكية في المنطقة.
3- أراد الأميركان من وراء حضور زيلينسكي القمة العربية، التغطية على حضور الرئيس السوري بشار الأسد للقمة، ومحاولة الوقوف في طريق ان يكون هذا الحضور محور القمة، ومركز تسليط الأضواء الاعلامية والسياسية، ولأن هذا الحضور مؤشر على فشل السياسة الأمريكية ضد سوريا، لأن هذا الحضور حصل رغم معارضة الادارة الأمريكية على مايبدو، وبالتالي كلما بُرِّز هذا الحدث كلما كان ذلك بضرر الولايات المتحدة، لأنه يعني تسليط الضوء على الفشل الأمريكي وعلى نجاح القيادة السورية وحلفائها في تجاوز الأزمة، مما لذلك من تداعيات واحباطات على حلفاء الإدارة الأمريكية خصوصاً الكيان الصهيوني المحبط أساساً، ولذلك فأن حضور الرئيس الأوكراني بالإضافة الى الأمور التي أشرنا اليها والتي تحققت من خلال هذه الزيارة، فأنه نجح بنظر أمريكا والغرب في تقليل وهج الأضواء عن حضور الرئيس السوري وعودة العرب محبطين اليه بعد تآمر استمر عقد من الزمان بدعم وتشجيع من أمريكا والكيان الصهيوني!
4- إضافة الى ذلك، أرادت الولايات المتحدة تشويه روسيا وتخويف الرأي العالم العربي والإسلامي منها من خلال منبر القمة وعلى لسان زيلينسكي " بأنها بلد قاتل ومحتل ومدمر للمدن وما الى ذلك"!! حيث تعتبر واشنطن مثل هذا التشويه والتحريض ضد موسكو فصل ضروري ولازم ومهم من فصول استراتيجية المواجهة مع الصين وروسيا وعلى الصعد كافة ومنها الصعيد الإعلامي. فالإعلام الأمريكي لم يتوقف لحظة هذه الأيام عن تسويق " الوجه البشع" والمعتدي لروسيا!! من أجل التغطية على الجرائم الأمريكية من جهة ومن أجل قطع الطريق على محاولات روسيا والصين انتاج نظام عالمي متعدد القطبية!
على أن السؤال الذي مازال مطروحاً، هو ما هي مصلحة الدول لعربية وجامعتها في حضور الرئيس الأوكراني للقمة! بدون شك لا توجد مصلحة، بل ضرر، إذ أخرج الجامعة العربية من حياديتها إزاء الصراع الأوكراني- الروسي!
نعم بن سلمان هو المستفيد الوحيد في هذه الخطوة، فهو يعتقد انه بهذه الخطوة، أو هكذا قال له الأميركان، أنه سوق نفسه كقائد إقليمي أبرز ثقل المملكة في المنطقة وبات مؤثراً في الساحة الدولية، وإذا صح هذا التصور فأنه سيكون على حساب مصلحة الأمة العربية والإسلامية!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق