المتغطي بالأمريكان عريان.. عبرة لا يفقهها "بن سلمان"
[حسن العمري]
* حسن العمري
من الغباء والسذاجة المفرطة أن لا نعتبر أن "أمريكا دولة مخادعة" ونظام استعماري لا يفكر إلا بمصالحه القومية والدعم المفرط لوليده غير الشرعي الكيان الصهيوني في منطقتنا العربية والاسلامية.. وأنها لا تسعى الى تكرار تجربة "الغدة السرطانية" هنا وهناك في الشرق الأوسط كلما سنحت لها الفرصة، والأحداث التي افتعلتها ودعمتها خلال العقد الماضي في بلادنا العربية بحلة "الربيع العربي" أو بالاحرى "الربيع الارهابي" دليل واضح و مبرهن باعتراف كبار قادة الولايات المتحدة مثل الرئيس السابق ترامب ومن قبله وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في كتابها "الخيارات الصعبة"، اللذان كشفا عن دور البيت الأبيض في خلق "داعش" وأخواتها من الجماعات الإرهابية المسلحة لتعيث في منطقتنا الفساد، بدعم وإسناد وأموال بقراتها الحلوبة.
وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد أبوالغيط كشف في مذكراته خلال برنامج «رحلة في الذاكرة»، أن الرئيس السابق حسني مبارك كان متشككا في الهجوم الذي وقع على برج التجارة العالمي بنيويورك في 11 سبتمبر 2001 وكان يرفض تصديق قيام مجموعة من الشباب العرب بمهاجمة البرج بمفردهم، مؤكدا -باعتباره طيارا محترفا- صعوبة مهاجمة الطائرات لهذه المباني بقيادة أفراد ليس لديهم خبرة كبيرة في الطيران، وبضرورة وجود مؤامرة تسمح بهذا التدخل الأمريكي في شئون البلدان العربية والإسلامية. وشدد أبوالغيط في مذكراته، إن مبارك قال له في 2005: «لا أستبعد أن يكون لدى الأمريكان رغبة في إقصائي عن الحكم في مصر» وظل منذ ذلك الوقت يردد مقولة إن "المتغطي بالأمريكان عريان".. ومن سذاجته وغبائه واعتماده المفرط على راعي البقر الأمريكي أن ترك لهم الخيوط يلعبون بها داخل مصر.
الأحداث التي شهدتها أفغانستان وعلى عجالة وفي ظلام الليل الدامس حيث انقلبت الإدارة الأمريكية المتشدقة بالديمقراطية ومحاربة الإرهاب وإثارتها للنعرات إرهابية وطائفية هنا وهناك وزعزعة استقرار الكثير من الدول تحت ذريعة "حماية حقوق الشعوب في تقرير المصير" والتي تسبب بإراقة دماء الملايين من الأبرياء بسلاح الارهاب التكفيري الوهابي السلفي، وعدوان على بلد شقيق فقير ضعيف الحال مثل اليمن، واحتلال آخر مثل البحرين، وتدمير ثالث ورابع مثل سوريا وليبيا؛ فاذا بها تسلم مقاليد الحكم الى أكبر جماعة ارهابية تكفيرية في المنطقة "طالبان" وتوقع معها "اتفاقية لإحلال السلام" متجاهلة الأسباب التي تشدقت بها في غزوها لأفغانستان عام 2001 والاطاحة بـ"إمارة أفغانستان الاسلامية" لطالبان نفسها، وبعد الخسائر البشرية الهائلة التي تسببت للشعب الأفغاني المسلم، ناهيك عن مقتل 2300 جندي أمريكي وجُرح أكثر من 20 ألفاً آخرين، الى جانب مقتل أكثر من 450 بريطانياً والمئات من الجنسيات الأخرى؛ وتنكرت واشنطن بكل بساطة لحلفائها في ذلك البلد بين عشية وضحاها.
يحكى أن ديكاً كان يؤذن عند فجر كل يوم،وذات يوم قال له صاحبه :ايها الديك لا تؤذن وإلا سأُنتّف ريشك!، فخاف الديك وقال في نفسه.. الضرورات تبيح المحظورات ومن الذكاء أن أتنازل وأن أنحني قليلا للعاصفة حتى تمر حفاظا على نفسي، فهناك ديوك غيري تؤذن، ومرت الأيام والديك على ذلك الحال... وبعد أسبوع جاء صاحبه وقال: أيها الديك إن لم تكاكي كالدجاجات ذبحتك !، فأعاد الديك قوله السابق "الضرورات تبيح المحظورات..."، وتمر الأيام والديك الذي كان يوقظنا للصلاة أصبح وكأنه دجاجه !!!... وبعد شهر قال صاحبه: أيها الديك الآن إما أن تبيض كالدجاج أو سأذبحك غداً؛ عندها بكى الديك وقال :ياليتني مت وأنا أؤذن. ..هكذا تكون سلسلة التنازلات عن المبادئ والقيم والأخلاق، حيث تبدأ بالتخويف حتى تصل الى مرحلة العبودية ... وقد قيل قديماً :القرارات التي تصنعها الكرامة صائبة، وإن أوجعت ..
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن زارا في سبتمبر الماضي دول خليجية، حملا خلالها رسالة صريحة وواضحة المعالم من الرئيس جو بايدن تؤكد أن "أمريكا لن تدافع عن دول مجلس التعاون ولن تخوض معركة من أجل نفطها من الآن فصاعدا، وعلى هذه البلدان الخليجية أن تتكيف مع مرحلة ما بعد أمريكا؟!" - وفق ما نشره عبدالخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية الإماراتي والمُقرّب جدا من محمد بن زايد في تغريدة له عبر حسابه على تويتر.. لكن حكام هذه الدول وفي مقدمتهم محمد بن سلمان، لم يستوعبوا لعبة العم سام الجديدة حتى الآن وأنه سريع التخلي عن أعتى حلفائه أياً كان وعاقبة الديكتاتور العراقي "صدام حسين" دليل واضح إذا لم نأخذ بنظر الاعتبار ما حل بحسني مبارك وزين العابدين بن علي في تونس ومن قبلهم الرئيس الباكستاني وشاه ايران.. والتاريخ مليء بالغدر الأمريكي للحلفاء.
المتتبع للسياسة الأمريكية طيلة العقود الماضية يقف على الغطرسة والديكتاتورية الأمريكية في سياساتها تجاه الحلفاء والأعداء على حد سواء، حتى بات العالم بأغلبيته الساحقة يقف اليوم ضد واشطن، والبيت الأبيض هو ثور هائج.. يرغي ويزبد.. ويهدد الدول والشعوب للتغطية على هشاشة نظامه العنكبوتي الذي طالما بلطج على العالم في السنوات الأخيرة؛ حيث تمكن من خلالها ابتزاز الأنظمة الرجعية والضعيفة المعتمدة على دعم الأجنبي لها لمواصلة سلطتها على رقاب شعوبها حيث لا قاعدة شعبية لها يحسب لها حساب في الداخل، وسياسة حروب الوكالة والتدخل في شؤون البلدان الاخرى أبعدتها عن محيطها الإقليمي والعربي والاسلامي، فباتت طعمة سهلة الأكل والهضم للمخبول ترامب لاستحلابها أكثر من تريليوني دولار خلال سنواته الأربعة في البيت الأبيض، ليحيل مهام الاستحلاب لرقيبه بطريقة اخرى.
الحمار الأمريكي ورث سياسة غريمه الفيل ولكن أكثر ذكاءاً وإحترافاً في ابتزاز السلطة السعودية المتزلزلة الأركان للصراع المتنامي في داخل الأسرة الحاكمة من جهة، ومسلسل الفشل الذي يطارد العهد السلماني الذي بدأ بالحرب على اليمن وهو لا يزال رهين وحل مستنقعه بعد سبع سنين من وعده للحليف الأمريكي بدخول صنعاء وانهاء الحوثي في عشرة أيام على أكثر تقدير، ليتصاعد صراخ طلب الإغاثة والنجدة من الحليف الأمريكي بعد 41 يوماً فقط من بدء العدوان وقصف غالبية مناطق اليمن من قبل السعودية وحلفائها، ورغم مئات مليارات الدولارات التي كلفتها - وفق ما كشف عنه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول خلال حديثه مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكي، مضيفاً "أمريكا أخطأت بترك السعودية تهاجم اليمن.. وقد راهنّا على جيش ضعيف ووزير دفاع ليس لديه فكرة عن كلمة حرب"؛ فكانت مفاجئة الحمار أن سحب بطاريات صواريخ "باتريوت" وكذلك منظومة دفاعية من طراز "ثاد" تابعة للجيش الأمريكي من أهم المراكز العسكرية السعودية وهي قاعدة الأمير سلطان الجوية، ومن مناطق اخرى ايضاً.
رغم ذلك نرى أن المختبئ في قصره بنيوم خوفاً وفزعاً من انقلاب داخلي يواصل المراهنة على رؤساء البيت الأبيض للبقاء في سدة الحكم دون أن يعي أن ذلك يعد خسران كبير وهو ما ثبت على أقل تقدير خلال الرئاسات الأمريكية الأخيرة من نعومة وخبث "باراك أوباما"، ومن ثم ترامب ذلك الديكتاتوري المجنون، حتى سياسة "بايدن" هذا العقرب السام الذي يمتاز بالهدوء والخبث تجاه كل الحلفاء في المنطقة الخليجية؛ فسارع محمد بن سلمان الى عقد صفقة سلاح جديدة بقيمة 650 مليون دولار تضم الصفقة 280 صاروخا متطورا متوسط المدى "جو- جو" والتي تستخدم في تعزيز القدرات الدفاعية الجوية ، وتعتبر هذه الصفقة الثانية للسعودية تحت إدارة بايدن، حيث كانت الأولى بمبلغ 500 مليون دولار - وفق البيت الأبيض.. فيما سلاح الدرون والمسيرات اليمنية تجول وتصول في عمق المملكة دون رادع؛ ضناً منه أنه قادر على إبقاء قبضته الحديدية على عرش بلاد البترول بالاعتماد على الأفعوان الأمريكي بعيداً عن الشارع السعودي.. القاعدة الرئيسية التي تعلمناها أن المتغطي بالغرب بعيداً عن شعبه "عريان" وهذه ثوابت من فطرتنا التي لا تقبل الشك أو المزايدة .
ارسال التعليق