"المحاولة الانقلابية الفاشلة في الأردن"..الدرس والتحذير الجديد للمطبعين والمهرولين العرب نحو العدو!!
[عبد العزيز المكي]
لا أضيف شيئاً جديداً للقارئ الكريم إذا تحدثت عن عمالة النظام الأردني وعلاقته المصيرية والوطيدة مع الكيان الصهيوني ومع أسياده ورعاته القدماء البريطانيين والجدد الأمريكان، فهذه العلاقة والدور الذي يقوم به النظام الأردني في المنطقة في إطار المشروع البريطاني الأمريكي الصهيوني في المنطقة بات معروفاً ومفضوحاً، ولذلك اكتفي بإشارات سريعة للتذكير فقط، ولتكون منطلقا لما أريد التركيز عليه في هذه السطور، فقد كشفت وثائق ويكيليكس، أن الملك حسين كان أحد عناصر وعوامل السي آي ايه في المنطقة يتقاضى راتباً شهرياً مقداره مليون دولار حتى وفاته، ومنذ نعومة أظفاره ولا ندري هل ان هذا الراتب بقي لأحد أولاده أم لا؟ لكن الدور الذي كان يؤديه والتقارير التي يقدمها طبقاً لما قالته السي أي ايه حتماً يتواصل من خلال أبنائه وأحفاده، والملك حسين أول مطبع بعد مصر مع الكيان الصهيوني فقد أبرم معاهدة وادي عربة المعروفة في عقد التسعينات، وقبل ذلك كان الملك حسين يتحدث عن كيفية استدعائه للجنود الصهاينة عند ما كان يذهب للتنزه قرب الحدود مع الأرض المحتلة، ويحتسي معهم القهوة والشاي!!
نعم لقد شكل النظام الأردني مصداً لحماية الكيان الصهيوني، والمجازر التي أرتكبها نيابة عن العدو بحق الفدائيين الفلسطينيين وبحق اللاجئين منهم في الأراضي الأردنية في عقد السبعينات، شاهداً على ذلك، حيث قتل الآلاف من هؤلاء الفدائيين من أجل القضاء على ثورتهم وإيقاف عملياتهم الفدائية ضد الاحتلال الصهيوني!! ومنذ ذلك الوقت وهذا النظام يقدم الخدمات تلو الخدمات للعدو الصهيوني وعلى كل الأصعدة.. وباعتراف الصهاينة تحول النظام الأردني، أو حول الأردن إلى مركز لنشاط المخابرات الصهيونية في التجسس على الدول العربية والإسلامية وعلى المقاومين الفلسطينيين والعرب، بل ومركزا لتسويق المنتجات الاقتصادية للعدو وللأسواق العربية بعد إعادة تعبئتها، ووضع الشارات الأردنية عليها..
وكان أجداد العائلة الهاشمية الأردنية وخلال وجودهم في الحجاز موطنهم الأصلي قاموا بدور ضخم في خدمة الاستعمار البريطاني وفي إسقاط الدولة العثمانية وفي إقامة كيان الاحتلال الصهيوني، وتكفي الإشارة لاستمرار هذا الدور في أن النظام الأردني جعل الأردن محطة أساسية وغرفة عمليات للإطاحة بالدولة السورية، وعلى مدى سبع سنوات من المؤامرة الدولية بقيادة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، وبدعم من أنظمة الخليج السعودية والأمارات وقطر خاصة مالياً وعسكرياً وضخاً بالمقاتلين، بمئات الآلاف من هؤلاء من التكفيريين والوهابيين الذين طيلة هذه الفترة، أي السبع سنوات عاشوا في أرض سوريا قتلا وتخريباً وتدميراً وفساداً، وحولوا البلد إلى خربة!! وغرفة الموك في الأردن قرب الحدود السورية من جهة منطقة درعا مازالت تشرف وتدير عمليات الإرهابيين ضد سوريا من أجل الإطاحة بالنظام السوري وتمزيق هذا البلد، وغرفة الموك تديرها قيادات عسكرية رفيعة المستوى من الاميركان والبريطانيين والصهاينة ومن الأتراك فضلاً عن نظرائهم من السعوديين والقطريين والأردنيين أيضاً!! والقصة معروفة للقاصي والداني ويتحدث عن تفاصيلها الإعلام بين الحين والآخر.
وإلى الآن يؤكد المسؤولون الصهاينة، أن النظام الأردني يشكل عمقاً استراتيجياً للكيان الصهيوني، فهذا وزير الدفاع بيني غانتس يقول في سياق تصريحاته حول " المحاولة الانقلابية الفاشلة" " أن الأردن دولة سلام وجارة وذات أهمية استراتيجية، وعلينا الحفاظ على هذا التحالف مع الأردن كمصلحة أمنية وسياسية واقتصادية". أما رئيس جهاز الموساد السابق داني ياتوم فقد قال هو الآخر في تصريحاته حول" المحاولة الانقلابية" وبعد إشارته إلى العلاقة والتعاون الاستخباراتي بين الأردن والكيان الصهيوني، قال.." في النهاية، فأن الأردن القوي حليف لنا ويساعدنا، ونحن نتعاون معاً منذ سنوات عديدة"!
أما رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق الآخر أفرايم هاليفي فهو الآخر قال في تصريحاته لموقع " زمن إسرائيل" "حول محاولة الانقلاب في الأردن": " إن الأردن من وجهة نظر إسرائيل هو حاجز بينه وبين أنشطة المنظمات المعادية و" النفوذ الإيراني" في العراق، وكذلك في أجزاء كبيرة من جنوب سوريا، وبالنسبة للأردن فإن إسرائيل هي العمود الفقري الأمني ومظلة استخباراتية مهمة لما يحدث داخل حدوده، خاصة في منطقة العقبة، مخرج المملكة الوحيد إلى البحر الأحمر".
و هناك الكثير من شهادات المسؤولين الصهاينة حول دور الأردن في حماية ودعم الكيان الصهيوني والقضاء على العمليات الفدائية الفلسطينية عبر الحدود الأردنية، لكن ماذا قدم العدو الصهيوني للأردن قبال هذه الخدمات الحجمية والتي ساهمت بشكل أساسي في تقوية شوكة العدو الصهيوني وفي إطالة وجوده وتعزيز مرتكزاته العسكرية والسياسية وحتى الأيديولوجية ومنحه الشرعية أو ما يسمى بالشرعية بالوجود غدة سرطانية تنخر بالجسد العربي والإسلامي أيضاً!؟
والاجابة على هذا السؤال سهلة جداً اذ ان العدو وباعتراف الأردنيين وبعض المسؤولين الصهاينة، لم يقدم أي شيء للأردن، بل انه ظل يتملص من تنفيذ بنود اتفاق عربة، منذ التوقيع عليه سنة 1994 وحتى اليوم، ولم ينفذ أياً منها.. عكس النظام الأردني الذي التزم بالاتفاقية بحذافيرها.. وإذا أجرى المتابع مسحاً للتملصات الصهيونية من يوم توقيع تلك الاتفاقية يجد تفصيلات مذهلة حول غدر العدو بالأردن، وللإشارة أن كتاباً أردنيون وعرب وحتى صهاينة انبروا للكتابة عن ازدراء العدو بالأردن وعدم وفائه بما وقعه من اتفاقية مع الأردن، ولذلك نكتفي بإشارات إلى المحطات الأخيرة حول الغدر الصهيوني بالأردن لنتوقف بعد ذلك عند المحاولة الانقلابية الفاشلة، فقد سبق هذه المحاولة توتر بالعلاقات الأردنية مع الكيان الصهيوني على خلفية منع نتنياهو لزيارة ولي العهد الأردني حسين بن عبد الله إلى القدس، وعلى خلفية امتناع رئيس وزراء العدو عن الاستجابة لطلب الأردن بتزويده بـ800 ألف متر مكعب من المياه، وبدلاً من ذلك أقدم العدو على تزويد الأردن من مياه الصرف الصحي، ذلك فضلاً عن قرار نتنياهو بضم أراضي غور الأردن إلى العدو، وأمور أخرى.. ورغم مساهمة هذه الأمور الخلافية في توتير العلاقات الصهيونية الأردنية، إلا أن ثمة أمرين شكلا مفصلاً أساسيا في هذا الخلاف للدرجة التي جعلت النظام الأردني يشعر بأزمة وجود، ويتوجس خيفة مما يحاك له في الخفاء في دهاليز الكواليس الصهيونية والأمريكية، وفي دهاليز الأنظمة الخليجية المطبعة مع العدو الصهيوني، الأمران هذان هما:-
1- مسألة القدس ورعايتها، فمما هو معلوم أن النظام الأردني يتولى الوصاية على القدس منذ اتفاق وادي عربة عام 1994م، ورعاية الشؤون الدينية في هذه المدينة المقدسة.. لكن العدو في الآونة الأخيرة أراد إناطة هذه الأمور بعهدة النظام السعودي، لأن الأخير بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان أكثر انصياعاً وطاعة للاملاءات الصهيونية، من النظام الأردني، الذي يربط استمرار هذه الرعاية باستمرار وجوده وتوفير الحماية له من قبل أمريكا وبريطانيا، ولذلك فان انتهاء هذه الرعاية يعتبر من وجهة النظر الأردنية انتهاء هذه الحماية وبالتالي يصبح النظام في مهب رياح التغييرات الدولية والإقليمية، وأخيراً احتمالات سقوطه وانتهاء فترة حكمة، بل واختفاء المملكة الأردنية الهاشمية برمتها.
مما أدى ذلك إلى إزعاج السعوديين الذين يبدون حماساً لخدمة المشاريع الصهيونية، حتى يضمن بن سلمان وصوله للعرش بضمان دعم الصهاينة له، وذلك ما فسر قطع المساعدات وتحولها إلى مساعدات شحيحة جداً من جانب السعودية وحتى الأمارات، إذ استخدمت هذه الدول وبإملاء من الكيان الصهيوني المساعدات المالية للأردن، لان الأخير يعيش على قسم من هذه المساعدات، أو أنها تشكل جزءاً مهماً من الدعم الاقتصادي للأردن، استخدمتها كأداة ابتزاز للحكومة الأردنية، وهو ما يفسر تفاقم الأزمات الاقتصادية التي شهدها الأردن في الأشهر الأخيرة من العام2020، وحتى الآن وأدت إلى سقوط العديد من الحكومات في الأردن، والى تذمر قطاعات كبيرة من الشعب الأردني بسبب هذه الأزمة، وفساد تلك الحكومات وأزلامها، ذلك لأن للاقتصاد الأردني ارتباطاً وثيقاً بتلك المساعدات السعودية، فأصبح عرضة للاهتزازات والأزمات العنيفة بمجرد وقفها أو تحجيمها أو ما شابه ذلك!
وبناءاً على ما تقدم يقرُّ الصهاينة أن مسألة الرعاية للمقدسات ظلت تؤرق القيادة الأردنية، فرئيس الموساد الصهيوني السابق أفرايم هاليفي قال في تصريحاته الأخيرة: " أن قضية القدس والمسجد الأقصى ستبقى مصدر قلق دائم في البيت الملكي الأردني" وأضاف.. " أن الأردن يعتبر أي تنازل عن الوصاية الهاشمية. على القدس، مساساً بأصل كبير جداً في الإرث الملكي، لذلك فهم يحاولون مقاومة الضغوط القادمة من "إسرائيل"، خشية أن يخسروا العربي". بحسب قوله.
2- أما القضية الثانية، فهي صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فهذه الصفقة عارضها النظام الأردني ووقف بالضد منها بقوة بعكس النظامين السعودي والأماراتي اللذين كانا متحمسين لها بشده، بل إن بن سلمان حاول إغراء محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بعشرة ملايين دولار كمنحة له مقابل الموافقة عليها!! لأن النظام الأردني يعي جيداً أن من استحقاقات تلك الصفقة إحياء مشروع الوطن البديل للفلسطينيين الذي يعني إلغاء الكيان الأردني والأسرة الهاشمية الحاكمة والى الأبد..
و لأن الملك عبد الله رفض هذه الصفقة ظل العدو يمارس الضغوط من خلال الأنظمة الخليجية تارة بتشحيح المساعدات المالية عليه، ومن خلال الأساليب المباشرة، ووصلت هذه الضغوط إلى مستويات خطيرة بمحاولة الانقلاب الأخيرة، عندما لم تؤدِ تلك الضغوط إلى إقناع الملك عبد الله بالتخلي عن مواقفه السابقة من القدس ومن صفقة القرن، بعد ما لجأ إلى الأتراك والى تعزيز العلاقات مع الأخوان المسلمين في الداخل والخارج، فكل المعطيات تؤشر إلى أن هذه المحاولة يقف وراءها الكيان الصهيوني وحلفائه القدماء الجدد في السعودية والأمارات!! فحتى بعض الأوساط الإعلامية والسياسية الصهيونية ألمحت بشكل وبآخر إلى أن العدو يقف وراء هذه المحاولة، ففي هذا السياق، أكدت سمارابيري الكاتبة" الإسرائيلية" في مقال لها في صحيفة يدعوت احرونوت بنشر موقع عربي21 ترجمته العربية في 11/4/2021 بعد ما اشارت الى الخلافات الأردنية الصهيونية.. أكدت أنه: " يتبين الآن بما لا يدعو مجالاً للشك، أن نتنياهو( وليس هو فقط) كان يعرف غير قليل عما يشغل بال الملك عبد الله في الأسابيع الأخيرة، فلماذا مثلاً اهتم بمنع رحلة رئيس وزراء " إسرائيل" الجوية إلى الأمارات، ونتنياهو لم يكن وحده الذي يحاسبه الملك، حيث كان يتبين الآن، أن حاكم أبو ظبي تعاون مع من حاولوا التآمر ضده" بحسب بيري التي أضافت: إن عمّان وبكلمات أكثر صراحة، تشتبه بنتنياهو الذي كان يسره جداً أن يتخلص من عبد الله الملك الأخير، وأن يرى مكانه حاكما أردنياً آخر". وتابعت هذه الكاتبة قائلة: " ليس مؤكداً أن يكون نتنياهو قد وجه مخططاته إلى ابن العائلة المالكة، ويحتمل بالتأكيد أيضاً إلى رجل عسكري كبير، فحسب اشتباه آخر في القصر الملكي، فأن نتنياهو لم يكلف نفسه أيضاً عناء الإبقاء في السر على تفضيلاته، لكنه أشرك فيها أصدقائه الجدد في الخليج" بحسب قولها.
من جهتها وسائل الإعلام الأردنية ألمحت إلى الكيان الصهيوني بأنه وراء المحاولة الانقلابية، التي قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، والملك عبد الله في خطابه حول المحاولة، أن جهات خارجية تقف ورائها وجهات داخلية على رأسها شقيق الملك من أبيه حمزة بن الحسين ولي العهد السابق والبارزان في القرار الأردني، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد..فوسائل الإعلام الأردنية قالت إن ضابطاً سابقاً في الموساد " الإسرائيلي" هو من تواصل مع زوجة الأمير حمزة بن الحسين وعرض عليها توفير طائرة لإخراجها من الأردن.
بالإضافة إلى ذلك، أن رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني كشف ان " هناك إشارات في التحقيقات تقول إن " إسرائيل"هي الدولة المعنية بتصريح الحكومة حول تواصل المجموعة معها بشأن قضية الأمير حمزة بن الحسين، ومجموعته". وكان نائب رئيس الوزراء ووزيرالخارجية أيمن الصفدي قد قال خلال مؤتمر صحفي أن " الأجهزة الأمنية تابعت عبر تحقيقات شمولية مشتركة حثيثة على مدى فترة طويلة، نشاطات وتحركات لكل من الأمير حمزة، والشريف حسن بن زيد، وباسم إبراهيم عوض الله، وأشخاص آخرين تستهدف أمن الوطن واستقراره" على حد قوله..
اتهام باسم عوض الله وحسن بن زيد النافذين في الديوان الملكي الأردني يعني الاتهام غير المباشر للنظام السعودي بالتعاون مع العدو الصهيوني، لأن هذين الشخصين نافذان أيضاً لدى النظام السعودي ويحملان الجنسية السعودية أيضاً وتوليا مسؤوليات في الحكومتين السعودية والأردنية عالية وحساسة، كما ان عوض الله رجل أعمال وصاحب شركات احتجزه بن سلمان في الرتيز كارلتون، وله علاقات تجارية ضخمة مع الأمارات وكذا الأمر بالنسبة للشريف حسن بن زيد ولهما علاقات قوية مع المقامات الأمريكية والبريطانية ما يعني كل ذلك أن السعودية لها باع طويل في المشاركة في هذه المحاولة..
على أي حال، الغدر الصهيوني الأمريكي بالنظام الأردني، ومحاولة كنسه من أمام المشروع الصهيوني والرمي بالعائلة الأردنية الهاشمية المالكة في مزابل التأريخ ليس الأول من نوعه، بل رمى الصهاينة والاميركان بالكثير من العملاء والأدوات الذين خدموا المشاريع الصهيونية الأمريكية طيلة وجودهم متصدرين المشهد السياسي في بلدانهم، من أمثال مبارك وصدام والقذافي ونورييغابنما، والكثير من العملاء الجدد والقدماء، ومحاولة التخلص من النظام الأردني أيضاً هو درس جديد وعبرة للمطبعين واللاهثين وراء الحماية الصهيونية والأمريكية، سيكون مصيرهم الرمي في مزابل التأريخ، كما هو حال من سبقوهم، متى ما ينتهي مصرفهم والحاجة إليهم، فهل هؤلاء يرعوون من هذه الدروس ويأوبون إلى رشدهم!؟
ارسال التعليق