المقاطعة والمصالحة الخليجية.. خفايا وحقائق الدوافع
[حسن العمري]
نحن لا نذهب بجيوشنا العسكرية والسياسية الى خارج الولايات المتحدة دفاعا عن الديمقراطية أو الشرعية الدولية أو لمحاربة الدكتاتورية، بل نذهب الى هناك كي لا نسمح بأن تمس مصالحنا الحيوية.. فمثلاً تتمثل مصالحنا الاستراتيجية الشرق أوسطية في حماية النفط، والحفاظ على "إسرائيل" وحماية نفوذها في المنطقة" - الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" مستنداً بذلك لمسار الستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط والذي قام الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته "دونالد ترامب" بتنفيذه بالحرف الواحد ممتطياً بقراته الحلوب في المنطقة الخليجية بكل ما للكلمة من معنى.
مروراً سريعاً على أحدى مخططات ترامب التي أربكت وحدة دول "مجلس التعاون" ألا وهي "المقاطعة الرباعية" لدولة قطر (2017 – 2021) يتضح لنا رؤية واشنطن المنسجمة مع مسارات الستراتيجية الأمريكية وطبيعة إدارتها لعلاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط، والتي تتقاطع مع مجموعة من التحولات الاستراتيجية في المنطقة، سعى ترامب من خلالها ابتزاز السعودية وأخواتها لتحقيق التنمية الاقتصادية لبلاده وشعبه على حساب حياة ومستقبل شعوبنا والتي نجح فيها، لكن تداخل رغباته الشخصية وتأثيراته بنظريات كبير مستشاريه وصهر جاريد كوشنر أدت الى التصادم مع مصالح بلاده ما تسبب الى تراجع أداء إدارته في الشرق الأوسط ، فيما يقول آخرون انها شكل جديد من إدارة النفوذ والإبتزاز الأمريكي الذي سنشهد استمراريته مستقبلاً.
النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي، السياسي "ناصر الدويلة" يكشف النقاب من أن "ترامب وكوشنر هما من أشعل نار الأزمة الخليجية بأنفسهم، ثم أطفأوها بعد حصولهم على المال" وبلوغهم الحد الأدنى من استحلاب البقرات.. مضيفاً: أن ذلك يرجع لأن دول مجلس التعاون منكشفة أمام الصراع بين الفيلة (أمريكا وايران)، فهي منكشفة سياسياً وعسكرياً وسياسياً ولا تستطيع المقاومة في هذا الصراع".. الأمر الذي فتح من شهية الراعي الأمريكي أكثر فأكثر وآثر على إستثماره بكل الوسائل والأسباب الهزيلة فكانت قطع العلاقة بين الدوحة وطهران من أهم الشروط الـ13 لدول المقاطعة على ، والتي لم تثمر بل بانت بالفشل الذريع وأجبرت الرباعي ومن حوله لقبول تفوق الدوحة والرضوخ للواقع القائم.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفي مؤتمر صحفي في البيت الأبيض (9 يونيو 2017) قال: "أن دولة قطر للأسف كانت تاريخيا ممول للإرهاب على مستوى عال للغاية"، أي بعد أربعة أيام من اعلان الرباعي مقاطعة قطر معترفاً بانه شارك في إتخاذ هذا القرار، واضاف: لقد"اجتمعت الدول وتحدثت معي حول مواجهة قطر بشأن سلوكها لذلك كان علينا إتخاذ قرار، هل نسلك الطريق السهل؟ أم نتخذ أخيراً إجراءً صعباً لكنه «ضروري»؟، يجب أن نوقف تمويل الإرهاب، فقررت مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون وجنرالاتنا العظماء والعسكريين أن الوقت قد حان لدعوة قطر الى إنهاء تمويلها للإرهاب"!!.
تصريحات الكابوي الأمريكي هذه تكشف دور واشنطن في إنتاج الجماعات الإرهابية المسلحة ودور مال البترودولار الخليجي في دعمها وهو ما اعترفت به وزير الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" في كتابها "الخيارات الصعبة"، كاشفة من أن قادة دول مجلس التعاون هي نعاج وبقرات استحلاب لا غير سيتم ذبحها قرابين على مسلخ المصلحة الأمريكية ما أن يجف ضرعها.. مئات مليارات الدولارات تنهبها واشنطن بين الحين والآخر بفبركة هوليوودية ساخرة من العقول الخليجية؛ فقد كتبت نيويورك تايمز تقول "ترامب نسب لنفسه الفضل في تحرك السعودية لعزل جارتها"؛ هذا الأمر يكشف أنه حتى ذلك التاريخ كان جائزاً للدوحة دعم الإرهاب والإهاربيين الذين يعيثنون في المنطقة الدمار ويزهقون أرواح عشرات آلاف الأبرياء، وأن هذا الأمر أي دعم الإرهاب والإرهابيين في القتل والدمار كان من مصلحة واشنطن.
ثلاثة أشهر بعد مقاطعة الرباعي لقطر أي في 19 أيلول/سبتمبر 2017، قام أمير دولة قطر «الراعية للإرهاب» - وفق ترامب؛ بزيارة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية، ليواجه بعرض وساطة وحل للأزمة القائمة من قبل الرئيس الأمريكي ذاته الذي أعترف بأنه السبب في ذلك!!، متبجحاً أمام الصحفيين في البيت الأبيض بقوله: "أحاول أن أحل مشكلة الشرق الأوسط أنها ستحل.. لدي شعور قوي بأنها ستحل بشكل سريع!!"؛ ليعقب "معهد واشنطن" على تصريحات ترامب هذه بالقول: "لقد لعبت هذه الإدارة (إدارة ترامب) دوراً متناقضاً في الأزمة الخليجية".
بحلول العام الثاني للأزمة بدأ ترامب بالتقرب مجدداً من الأمير القطري بعد أن جنى أكثر من 15 مليار دولار من الدوحة و95 مليار دولار من الرياض والإمارات والمنامة بصفقات أسلحة واخرى تهمه وصهره شخصياً والتي كانت سبب اندلاع الأزمة، ليصرح الرئيس الأمريكي بشكل فاجئ الصحفيين الحضور في البيت الأبيض خلال إستقباله للشيخ تميم في نيسان/أبريل 2019، بقوله: "إنه لشرف عظيم أن يكون أمير قطر معنا، إنه صديق لي عرفته قبل وقت طويل من دخولي عالم السياسة، إنه «رجل نبيل» يحظى بشعبية كبيرة في بلده، شعبه يحبه.."؛ لتكون بداية لإبتزاز خليجي آخر أما من نوع التقريب تحت زوبعة "ايران فوبيا" عسى ولعلها تأتي بثمارها لكن الدوحة لن تستسلم لهذه الفرضية حتى بعد "قمة العلا" للمصالحة.
تمت عملية الاستحلاب ولم يعد هناك ما يمكن أخذه في الفترة الزمنية القليلة من بقاءه في البيت الأبيض من بعد الاعلان عن خسارته الفادحة في توليه دورة رئاسية ثانية، والتي شكلت خيبة أمل كبيرة لديه وفريقه وصهره وحلفائه خاصة المحمدين وهزت قصورهم قبل البيت الأبيض .. كان لترامب من خطة جديدة تأتي أوكلها ولو بثمن بخس فأوعز لصهره الإعلان عن المصالحة وضرورة إمتثال تلاميذه في مجلس التعاون تنفيذ واجبهم الليلي هذا وإلا لم تبقى لهم باقية في العرش، فكان الإسراع لمبادرة كويتية تلاها قبول سعودي وعرقلة اماراتية وتتم مهزلة "العلا" بكل مسرحيتها المضحكة ويعود الراعي كوشنر الى الديار محملاً بحقائب الدولارات.
قناة "الحرة" الأمريكية أكدت أن "ترامب وصهره أرادا أن يسجلا المصالحة الخليجية كانتصار لهما.. هما يعتقدان أن جبهة خليجية موحدة ربما تضعف ايران وتوقف اندفاع بايدن نحو التسوية مع طهران، فور بلوغه البيت الأبيض وفق تصريحاته خلال حملاته الإنتخابية".. في الوقت ذاته قالت وكالة الأسوشيتدبرس الأمريكية: السعودية تسعى منح ترامب فوزاً دبلوماسياً نهائياً وإزالة العثرات أمام بناء علاقات دافئة مع إدارة بايدن" خاصة وأن ولي العهد ينتابه الخوف والقلق مما ستؤول اليه العلاقة بين واشنطن والرياض بعد بدء عمل الحكومة الأمريكية الجديدة.
بالمعلومات وليس بالتحليل، ما يسمى بالمصالحة الخليجية ما هي إلا آخر عمليات حلب البقرات التي بدأها المرابي والنصاب المخبول ترامب وصهره، فكانت النتيجة أن أصبح كوشنر وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي أي قبل أيام من "قمة العلا" الواجهة لاستثمارات محمد بن سلمان المستقبلية في وول ستريت، فيما استثمارات قطر باتت منقذة لعائلته من الإفلاس، ولم تستمر نهاية هذه المسرحية الهزيلة سوى شهر واحد عبر اتصالات وزيارات مكوكية لكوشنر الى دول مجلس التعاون ولقائه قادتها، ليتم الإعلان عن حل الأزمة وتوقيع اتفاق المصالحة دون التطرق الى المطالب الـ13 لدول المقاطعة رغم مرور حوالي أربع سنوات (من 5 يونيو 2017 حتى 5 يناير 2021) كانت سنوات عجاف للمحمدين أكثر مما لقطر التي رأت في الجار ايران منفذاً كبيراً للتنفس والعيش المشترك والتعاون؛ وسط غياب تام للشروط الـ13 لبلدان المقاطعة!!.
ارسال التعليق