النظام السعودي المنفلت وسياسة الإخفاء القسري للمعارضين
[حسن العمري]
* حسن العمري
تتميز السنوات الخمس الماضية من سطوة محمد بن سلمان على العرش في بلاد الحرمين الشريفين، بحملة قمع وحشية وقاسية على أي شكل من أشكال المعارضة وفي مقدمته تنامي جريمة الإخفاء القسري، منتهكا بذلك أبسط حقوق الإنسان بشكل لا يصدق في ظل صمت الأوساط الدولية التي تم شراء ذمم غالبيتها بمال البترول المنهوب من لقمة عيشنا ولا أحد ينطق ولو بكلمة لكبح جماح انتهاكات أبو منشار ضد أبناء الجزيرة العربية الآخذة في تصاعد جنوني لإسكاته المتفرعن للمعارضين في سجون يكتنفها الغموض لحد كبير دون أي رقابة مستقلة، بما في ذلك التعذيب الوحشي في أماكن الاحتجاز غير الرسمية، مثل قبو القصر الملكي، ومكان آخر مجهول يُسمى بــ"الفندق".. ناهيك عن مدينة "الحائر" ذلك المعتقل سئ الصيت والذي يقطن فيه عشرات الآف من ابناء الجزيرة العربية وقد مضى على بعضهم عقود طويلة.
نظام آل سعود لطالما كان نظاماً قمعياً دموياً إجرامياً باعتراف الأوساط الدولية وحتى الحكومات الصديقة والداعمة له منذ قبل عهد محمد بن سلمان، إلا أن الفترة التي تلت صعوده للسلطة أرتفعت فيه نسبة القمع الوحشي بشكل غير مسبوق لحرية الرأي والتعبير.. خاصة بعد قرار سلمان بإنشاء رئاسة أمن الدولة (جهاز أمني تم فيه دمج جهاز مكافحة الإرهاب وأجهزة المخابرات الداخلية تحت قيادة واحدة)، في يوليو/ تموز 2017، ترفع تقاريرها مباشرة للملك (نجله المدلل) دون المرور بوزارة الداخلية؛ نجم عنه حملات اعتقالات قمعية وحشية وانتهاكات جسيمة وإخفاء قسري طال آلاف المواطنين السعوديين من مدافعين وناشطين وأكاديميين وحقوقيون وشخصيات دينية ومفكرين نشطاء بشكل تعسفي، لا يعرف عن مصير الغالبية منهم حتى كتابة هذه السطور وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية.
يُعرّف الاختفاء القسري (Forced disappearance/ Enforced disappearance) في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بأنه "اختطاف شخص ما، أو سجنه سراً، على يد دولة أو منظمة سياسية أو طرف ثالث لديه تفويض أو دعم أو إقرار من دولة أو منظمة سياسية، مع رفض الجهة المختطفة الإعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، وذلك بغرض وضع الضحية خارج حماية القانون".. حيث يُعتقل الضحية بشكل غير قانوني، وغالباً ما يعذب أثناء استجوابه، ثم يُقتل وتُخفى جثته.. وترقى جريمة الاختفاء القسري، الى الجرائم ضد الإنسانية، وذلك وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المُعتمد في 17 يوليو 1998.. فيما اعتبرت الإتفاقية الأمريكية بشأن الاختفاء القسري للأشخاص (دخلت حيز التنفيذ في 28 مارس 1996)، اعتبرت أن جريمة الإختفاء القسري هي "إهانة للضمير وجريمة بغيضة ضد كرامة الإنسان الملازمة له".
الحليف الاستراتيجي والداعم الرئيسي لسلطة آل سعود، الراعي الأمريكي أعرب وفي تقرير سنوي لوزارة خارجيته عن بالغ مخاوفه بشأن الاختفاء القسري لـ"كبار أفراد العائلة المالكة السعودية" وهو ما شكل صدمة كبيرة لمحمد بن سلمان بدأ الخوف والفزع يتزايد لديه.. الخارجية الامريكية تعرب عن مخاوفها بخصوص أفراد الأسرة العميلة لها ولن تعير أدنى أهمية لما يعانيه سائر افراد الشعب من إخفاء قسري، حيث يرقد عشرات الآلاف منهم في سجون مظلمة غير معروفة مثل المجمّع الضخم يقع في طريق الحزم المؤدي لمنطقة ذهبان بمنطقة مكة المكرمة وكشف عنه المعارض السعودي يحيى عسيري وهو السجن السري الذي تعرضت فيه المعتقلة لجين الهذلول للتعذيب؛ رغم أن فرق الأمم المتحدة العاملة في مجال حالات الاختفاء القسري اشارت مراراً وتكراراً الى تنامي هذه الظاهرة الاجرامية عند السلطات السعودية ضد الكثير من مواطنيها.
جاء في نظام روما الأساسي، للمحكمة الجنائية الدولية، لسنة 1998، أن تورط قوات الشرطة في القبض على الأفراد وتعمّدها إنكار ذلك أو حجب حقيقة ما حدث للمقبوض عليهم عند سؤال ذويهم، ممَّا يترتب عليه وضع هؤلاء خارج حماية القانون هو الأمر الذي يرقى إلى تعريف الإختفاء القسري والذي يُعدّ أحد الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تعتبر من بين الجرائم ضد الإنسانية.. لكن رغم ضخامة موضوع “الاختفاء القسري” داخل المملكة خاصة خلال السنوات الأخيرة الماضية، إلا أنها لم تأخذ حيزاً كبيراً مقارنة بحجمها لدى المجتمع الدولي، حيث لا يكاد معتقل دخل سجون النظام السعودي إلا وقد مر بتجربة “الاختفاء القسري” المريرة، فهي طريقة استقبال السلطات السعودية للعديد منهم، ما يؤكد أنها سياسة “ممنهجة” وليست عارضاً يقوم به بعض الأفراد.
جديد فضائح السلطات السعودية ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو على نحو واسع تُظهر كيف يعتدي رجال أمن بن سلمان على الفتيات في دار التربية الاجتماعية للبنات في خميس مشيط بمنطقة عسير، بعد أن دخلت مجموعة من الأشخاص المُلثّمين وعدد من رجال الأمن الى دار التربية الاجتماعية، وأقدموا على ضرب الفتيات هناك وسحلهن على الأرض بطريقة بشعة ووحشية من دون رحمة ولا شفقة؛ لسبب مطالبة الفتيات بحقوقهن في الدار ما قوبل بالرفض فقُمن بالإضراب احتجاجاً على الفساد والظلم اللاحق بهنّ. حيث أن بعض العاملات والموظّفات وفتيات الحضانة في الدار ضربن بالطريقة نفسها واعتقال بعضهن ونقلهن الى جهة مجهولة أنه "الاختفاء القسري".
السلطات السعودية لا تكتفي بممارسة القمع وشنّ حملات اعتقال كبيرة ضد الناشطين السياسيين والناشطات الحقوقيات وايداعهم السجن خاصة منذ وصول محمد بن سلمان إلى سدة ولاية العهد في 2017، بل باتت تقوم بإخفاء المئات من المعارضين سجون سرية دون معرفة ذويهم أي أمر عنهم، فضلاً عن تعرض بعضهم للقتل بسبب التعذيب، وفق ما تقول منظمات حقوقية سعودية ودولية منها “هيومن رايتس ووتش” والعفو الدولية "أمنستي" و"قسط" و المجلس الدولي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان والمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، عبر سعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي والذراع الأمني لأبن سلمان في سجون سرية تابعة لـ “رئاسة أمن الدولة“ بقيادة ولي العهد والمسؤول عن عمليات الاعتقال والتحقيق وتعذيب وسجن كل معارض، بعيداً عن إدارات السجون التابعة لوزارة الداخلية.
تتعدد أماكن الاعتقال وتتنوع لكل شخص سعودي حسب موقعه وحجمه الاجتماعي والغالبية تسحب نحو السجون السرية المعروفة بـ“الفندق” أو “دار ضيافة الضباط“، وفق التسميات السرية المشفرة لدى منسوبي جهاز أمن الدولة؛ وهو ما كشفت عنه علياء الهذلول، شقيقة لجين، الناشطة الحقوقية والسياسية النسوية التي اعتقلت في مايو/أيار العام 2018، في مقالة كتبتها في صحيفة “نيويورك تايمز“ كتبت تقول "أن شقيقتها أخفيت في شقة مفروشة تابعة لرئاسة أمن الدولة، وتعرضت في هذه الشقة للتهديد بالاغتصاب والقتل وإلقاء جثتها في الصرف الصحي من قبل سعود القحطاني، كاشفة إن لجين أخبرت عائلتها، في اتصال، أنها تمكث في فندق، لكنه ليس فندقاً مثل “ريتز كارلتون“، في إشارة الى مدى سوء السجن السري الذي يقع داخل الشقة المفروشة.
الشيخ "سلمان الدويش" يعد من أبرز المختفين قسرياً في شبه الجزيرة العربية، وسط شكوك حول تعرضه للقتل بعد سلسلة من عمليات التعذيب على يد الأمنيين التابعين لولي العهد، وهو أحد المحسوبين على ولي العهد السابق محمد بن نايف، حيث اعتُقل في إبريل/نيسان العام 2016 عقب سلسلة تغريدات حذر فيها الملك سلمان بن عبد العزيز من منح الثقة لابنه محمد، ووصفه بالمراهق والمدلل.. خاصة بعد أن تسلمته رئاسة أمن الدولة، وقامت بتعذيبه داخل سجونها السرية ما أدى لانقطاع أخباره، وسط حديث حساب “معتقلي الرأي” أنه تعرض للقتل.. وكذا مصير الصحافي والكاتب السعودي المعارض تركي الجاسر، وهو أحد أبرز مفكري “تيار الصحوة“ اعتقلته رئاسة أمن الدولة في مارس/آذار 2018.. وكذلك الحال مع الداعية الإسلامي عبد العزيز الطريفي، الذي يتم نقله بين سجن الحائر والسجون السرية عدة مرات، إضافة الى أمير قبيلة شمر، نواف الرشيد، الذي اعتقل في الكويت وأخفي في “منزل” تابع لأمن الدولة في الرياض، من دون أن يتعرض لعمليات تعذيب قبل أن يتم الإفراج عنه في ما بعد
ارسال التعليق