النظام السعودي بين وجهين: وجه (( الانفتاح والترفيه)) ووجه النموذج الصدامي المجرم! فهل ثمة تناقض!؟
[عبد العزيز المكي]
استوحيت هذا العنوان من مقال صحيفة " الصنداي تايمز" البريطانية، الذي ترجم وحرر خلاصته " موقع الخليج الجديد" ونشرها في 29/1/2023، وتحدث هذا المقال مفصلاً عن سياسات بن سلمان الانفتاحية وكيف أطلق العنان لاحتفالات الترفية والسماح بجلب الراقصات وإقامة المهرجانات المختلطة وكسر القيود الدينية، وما الى ذلك كثير، وفي المقلب الآخر تحدث المقال عن القمع وكتم الانفاس وملاحقة المعارضين وتصاعد حملات الاعتقالات والاعدامات منذ مجيء بن سلمان ولحد اللحظة، واعطت الصحيفة إحصاءات عن عدد المعتقلين والذين تم إعدامهم وبتهم سخيفة مثل تغريدة أو كلمة انتقاد لسياسات بن سلمان.. وكأنها تقول ان بن سلمان استنسخ نموذج القمع الدموي الصدامي مع أهل العراق، وهو كذلك أيضاً فمثلما كان النظام الصدامي وفرعونه صدام يقتل على الشبهة ويفتك حتى بأقرب مقربيه فأن بن سلمان فتك بعائلته وابناء عمومته واذلهم الواحد بعد الآخر واستفرد بالحكم، ويقيم المجازر بحق الشعب الجزيري مثلما أقام صدام المجازر بحق العراقيين وملأ أرض العراق بالمقابر الجماعية من أهله!! وفي الحقيقة ان الصحيفة البريطانية " الصنداي تايمز" تحاول الإيحاء بانها تفضح بن سلمان وسياسته وتضعه موضع النقد وعدم الرضا، كما تفعل بقية الصحف البريطانية للضغط على بن سلمان، أو لأنها غير راضية عنه لأن عينها على أمير آخر هو أحمد بن عبدالعزيز آل سعود الأخ الأصغر للملك سلمان... نقول في الوقت الذي توحي فيه الصحيفة الى ذلك، فأنها تقوم بعملية تسويق واضحة لبن سلمان وتعتبره الحاكم القادر على اجراء الذي يريده الغربيون والاميركان والصهاينة من مملكة آل سعود!! على ان المقال الى جانب ذلك يؤكد حقائق وامور كنا قد أشرنا اليها وأشار اليها غيرنا من المتابعين للشأن السعودي، ونعيد التذكير بها مجدداً لخطورتها ولأهميتها وآثارها المدمرة على المملكة نفسها وعلى المنطقة والأمة الاسلامية برمتها ومنها ما يلي:-
1- ما تعتبره الأوساط الغربية والأمريكية إنفتاحاً ورفعاً للقيود الدينية وإطلاقاً للحريات" وما الى ذلك، إنما هو ليس كذلك، بل هو تخريب للبنية التحتية والثقافية للمجتمع في الجزيرة العربية، تمهيداً لانتاج أجيال فاقدة الذاكرة ومسلوبة الهوية، وفي هذا المجال قطع بن سلمان شوطاً طويلاً كما سبق وان أشرنا في مقالات سابقة، حيث بينّا ان ذلك يجري وفق منهج مدروس وضعه الخبراء الأميركان والصهاينة، واشرفوا عليه، ابتداءاً من هذا التفسخ الاخلاقي عبر إقامة الاحتفالات والمهرجانات المختلطة التي يتحدثون عنها والتي تجتاح بلاد الحرمين الشريفين طولاً وعرضاً ومروراً بتغيير المفردات والمصطلحات الثقافية، وبتفكيك العرى العائلية والعشائرية والاجتماعية وليس إنتهاءاً بتغيير المناهج الدراسية من مراحل الروضة الى مراحل الجامعة.. كل ذلك يستهدف خلق مجتمع جديد، باسلام أمريكي يتواءم مع المصالح الأمريكية الصهيونية!! نعم انه مشروع ضخم يواصل بن سلمان تنفيذ فصوله، فالى جانب ما تقدم تحتل السينما وصناعة الأفلام حيزاً كبيراً في هذا المشروع من أجل تغيير البنية التحتية لثقافة وقيم المجتمع في المملكة وفي خارجها، ففي هذا السياق أعدت قناة كروكس، Crux تقريراً تناولت فيه خطط بن سلمان لانتاج افلام بوليوود. وقالت القناة ان السعودية لديها الآن خطط كبيرة لتصبح اكبر مركز سينما في المنطقة، موضحة انه منذ عام 2018 تم رفع الخطر وتحركت البلاد بوتيرة سريعة في هذا المجال! وقالت القناة ان السعودية تريد استثمار 64 مليار دولار في الترفيه بحلول عام 2030. و" تسعى حكومة الرياض الى إنتاج 100 فيلم، كما من المتوقع ان تقوم الأخيرة بانشاء 2600 مسرح حتى عام 2030 وفق ما ذكرته القناة المذكورة، التي اشارت الى سفر وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان الى مومباي لجلب بوليوود." موقع وطن يفرد خارج السرب 31/1/2023.
2- و لعل ما يؤكد ان عملية تخريب البنية الثقافية والفكرية للمجتمع السعودي في المملكة من خلال برامج ومشاريع الأداة الاستعمارية الصهيونية بن سلمان هو ما قامت به قناة الواقع" السعودية ببث مشاهد تشجع على المثلية الجنسية والعديد من التجاوزات غير اللائقة!! مما تسبب ذلك في موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بسد القناة ووضع حد لكسرها القيود وخدشها للرأي العام، وانتهاكها للقيم خصوصاً لمنظومة القيم الاخلاقية التي غرسها الإسلام في نفوس أبناء الأمة.
3- وفي الوقت الذي يقوم به بن سلمان في اعادة صياغة العقل لدي مجتمع المملكة وفي خارجها من خلال تلك المشاريع الآنفة وغيرها كثير، فأنه يواصل محاربة الفكر الاسلامي ودعاته وكل ما يمت للإسلام من معالم تأريخية، ومواقف للنبي (4) واصحابه، بهدف طوي معالم الدين الاسلامي، وتضييعها في متاهات النسيان ودثرها نهائياً عبر تدميرها وإزالة معالمها من الوجود!!
كما يجري ذلك على قدم وساق منذ مجئ هذا الأحمق ولحد الآن، ولا يعني هذا ان أسلافه من آل سعود لم يحاربوا الآثار التاريخية للرعيل الاسلامي الاول أبداً، ولكن لم يكن بهذه الوتيرة السريعة والجريئة التي يمارسها بن سلمان. فالدراسات والتقارير تشير الى انه قطع شوطاً كبيراً في القضاء على المعالم الاسلامية التاريخية بهدف مسح الدين الاسلامي من ذاكرة الأجيال!! ففي الوقت الذي يطلق العنان فيه لاحياء اعياد الميلاد لرأس السنة الميلادية، ويقيم الحفلات الماجنة والمختلطة، بالمناسبات الغربية مثل " عيد الحب" وغيره، فأنه يضيق ويمنع احياء المولد النبوي الشريف أو رأس السنة الهجرية ـو الانتصارات الكبرى والملاحم التي حققها أبطال المسلمين الأوال بقيادة الرسول (ص) أو الصحابة!!
و تجدر الاشارة الى ان بن سلمان يتبنى حالياً مشروعاً يرتكز على دعامتين أساسيتين أو اكثر، منها: أولاً: تدنيس المقدسات الاسلامية كالمساجد وبيوت الصحابة وبيت الله الحرام والمسجد النبوي، من خلال ضرب قدسيتها، باعمال مشينة ومسيئة، كالسماح لمن هب ودب بتدنيس هذه الاماكن مثلما سمح للعديد من النشطاء والمراسلين الصهاينة واكثرهم تفاخر مثل آلون بن ديفيد مراسل القناة الصهيونية 13، بارسال تقريره من جوار الكعبة المشرفة، وغيره من المراسلين الصهاينة الذين بث بعضهم تقاريره من جوار أو من داخل المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، اكثر من ذلك ان بن سلمان يحاول تحويل هذه المقامات المقدسة الى مراكز سياحية مادام لا يستطيع القضاء عليها أو هدمها وتخريبها! والثاني، هو تجريف وتدمير ما يمكن تدميره وتجريفه كما حصل لبيوت كثير من الصحابة، بل وصلت الصلافة بآل سعود الى إقامة مرافق صحية على أنقاض بيت فاطمة بنت الرسول (ع) في عهد الملك فهد، وذلك في الوقت الذي يقيم فيه العالم المسيحي النُصب تقديساً لمريم العذراء رغم ان هذا العالم غير متدين، ومنذ ذلك الوقت النظام يمعن تدميراً وتجريفاً للمعالم الاسلامية في مهد الاسلام الاول!! وفي الوقت الذي يبرر فيه آل سعود إزالة هذه المعالم الاسلامية بحجة انها "مظاهر شركية" فأنهم يرممون آثار ملوكهم وقصورهم ويعتبرونها رموزاً لتاريخهم ولوطنيتهم المزعومة ولانتماءاتهم!! هذا وفي الوقت الذي يحاول بن سلمان وقبله اسلافه اخراج مكة والمدينة المقدستين من قدسيتهما وتحويلها الى مراكز سياحية واقتصادية، فأنه يواصل هدم وتخريب العشرات من الاماكن المقدسة ليراكم في هذا المجال ما قام به اسلافه كما أشرنا !! كل ذلك من أجل طمر هوية الاسلام الأصيل!!
2- دعم النظام السعودي ومن وراء الكواليس كل مشاريع الصهيونية العالمية واميركا التي تتحرك على أرض العالم، بهدف تشويه الأسلام وضرب منظومته القيمية والاسلامية، ومطاردة وملاحقة معتنقيه خوفاً من انتشاره في ربوع الامم.. فقد اشارت الدراسات الموثقة عن دور السعودية في انتاج وبمساعدة المخابرات الامريكية وصناعة طالبان والقاعدة وداعش وكل أخواتها، التي مارست الجرائم من أجل تشويه الاسلام، وتنفير الرأي العام منه، ومن الجدير الإشارة، الى ان الحملة التشويهية التي يواجهها الإسلام ومقدساته في بلدان الغرب والمنطقة الاسلامية، انما هي حصيلة برنامج ومشروع صهيوني أمريكي بدأه المقبور شيمون بيريز في عام 1996 م لتشويه الإسلام وأبعاد الشعوب الغربية وغيرها من الشعوب في الكرة الأرضية من أجل دفعها ليس للابتعاد عن الاسلام فقط وانما المشاركة في محاربته، واللافت ان للنظام السعودي اليد الطولى في دعم هذا المشروع الصهيوني الامريكي بكل جزئياته ومفاصله، ماليا ودينياً وسياسياً! فقد اعترفت رئيسية الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو بأن للسعودية دور في صناعة طالبان، كما ان التحقيقات الأمريكية اكدت ان الذين فجروا برج التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001م، كان 15 منهم من مجموع 19 من السعوديين ومن المدعومين من السعودية ومؤسساتها الدينية الوهابية! وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وترامب وعدد آخر من المسؤولين الامريكيين اعترفوا صراحة بأن امريكا والسعودية هما الذين صنعوا داعش في العراق، وان السعودية هي التي ترسل الانتحاريين الوهابيين الى العراق، كما اعترف حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق بأن السعودية هي التي كانت تعد وتمول المجاميع الأرهابية في سوريا وتدعم الآن وتمول الارهابيين في اليمن باعتراف اكثر من مسؤول في ما يسمى بحكومة الشرعية!!
إذن بن سلمان يعتبر معولاً لتدمير الاسلام ومقدساته، من أجل ان يرضى عنه الاميركان والصهاينة ويقبلون بتوليه العرش، ومادام الأمر كذلك فهو لايبالي باقامة المجازر الدموية من أجل ان يحافظ على كرسيه، فهو في الوقت الذي يدمر فيه البنى التحتية لثقافة المجتمع ولقيمهِ الدينية.. فأنه في الوقت ذاته يكتم الانفاس وينشر الرعب في ربوع البلاد من زج المعترضين بالسجون، واقامة المجازر في هذه البلاد لقطع الطريق على أي تحرك قد يهدد عرشه، وفي هذا السياق نشرت المنظمة والجمعية الخيرية لعقوبة الإعدام،" تقريراً تحت عنوان " إراقة دماء واكاذيب: مملكة محمد بن سلمان للاعدام" وجاء في هذا التقرير ان متوسط عدد الاعدامات ارتفع بنسبة 82% في ظل حكم بن سلمان ووالده! وأوضح التقرير انه في العام 2022 أعدمت السعودية 147 شخصاً وهذا العدد يمثل العدد الاكبر خلال العامين الماضيين مجتمعين ويشمل ذلك 81 شخصاً أعدمتهم سلطات بن سلمان في يوم واحد في آذار/مارس2022 في اكبر إعدام جماعي للسعودية. وهذا الأمر أثار تنديداً دولياً كبيراً". ووفق المعايير الدولية تعتبر مملكة بن سلمان واحدة من أكثر الأنظمة دموية في العالم حيث إعدام ما لا يقل عن 1243 شخصاً بين عامي 2010 و2021!!
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول أن ثمة تكامل بين السعودية المحاربة والمشوهة للاسلام ، وبين السعودية القمعية الدموية، بقيادة بن سلمان، فليس هناك بين السعوديتين أي تناقض، لأن بن سلمان ومعه أسياده الاميركان والصهاينة يعتقدون أن أحد هاتين السعوديتين لايقوم الّا بقيام الأخرى أي ان محاربة الاسلام والقمع الدموي وجهان لعملة واحدة!! عبد العزيز المكي
ارسال التعليق