الوساطة العُمانية لإنهاء أزمة العدوان على اليمن.. تصطدم بالمستور من النوايا الأمريكية والسعودية!
[عبد العزيز المكي]
على مدى فترة الأسبوعين الماضيين، أو الثلاثة أسابيع، شهدت الأزمة اليمنية تحركات مكثفة عُمانية، وأمريكية، وأممية على صعيد محاولات احتواء الأزمة والتوصل إلى إنهائها بتسوية سياسية تضع حداً للحرب ولتطوراتها ومآلاتها، التي باتت تقض مضاجع أطراف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي.. ولعلّ أبرز هذه التحركات ما قامت به عُمان من لقاءات مكثفة مع أنصار الله في العاصمتين العمانية مسقط واليمنية صنعاء حيث بقي أو استقر الوفد العماني في صنعاء لمدة أسبوع كامل تواصلت فيه اللقاءات والنقاشات مع المسؤولين اليمنيين، ذلك إلى جانب تحركات الوفد العماني التي شملت الرياض أيضاً..و في هذه التحركات استخدمت أمريكا كل أشكال الضغط الهائل على أنصار الله من أجل حملهم على القبول بالحلول الأمريكية السعودية المطروحة للبحث، لدرجة أن الطائرات السعودية والإماراتية كانت تشن غارات جوية مكثفة على مواقع عسكرية وغير عسكرية حساسة في صنعاء وصعدة ومأرب في الوقت الذي كان يتواجد فيه فريق الوفد العُماني في العاصمة صنعاء ذلك فضلاً عن الحرب النفسية والحملة السياسية الأمريكية السعودية على أنصار الله، تشويهاً وتضليلاً لموقفهم من محاولات التسوية السياسية تلك وتحميلهم المسؤولية مقدماً لأي فشل محتمل لهذه التحركات!!
و لتعزيز هذه الحملة ومحاولة منحها المصداقية في وعي الشعب اليمني، خصوصاً العمق الشعبي لأنصار الله، عملت الماكنة الإعلامية الأمريكية والسعودية بكل طاقتها القصوى، لإطلاق مزاعم بان النظام السعودي جنح للسلم ويريد إنهاء الحرب، وكذا الأمر بالنسبة لمرتزقتها من جماعة الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي، بالإضافة إلى ما يسوقونه حول رغبة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن " لإنهاء الأزمة اليمنية"..أكثر من ذلك أن هذه الماكنة روجت لتنازلات مزعومة لأنصار الله من أجل إنهاء الحرب، ظل بعض وزراء " الشرعية" يسوقون لها في الإعلام، كجزء من هذا الجهد الإعلامي الأمريكي المشار إليه!
وخلافاً لهذا التسويق الإعلامي، فأن لا الولايات المتحدة جادة في إنهاء الحرب اليمنية وإنهاء معاناة الشعب اليمني كما تزعم ولا السعودية أيضاً ولا الأمارات يريدان تسوية الأزمة بطريقة عادلة تتوائم مع مصلحة الشعب اليمني رغم أن تداعيات عدوانهما بدأت ترتد عليهما وباتت تهددهما في الصميم، ولذلك فمن الطبيعي أن تصطدم جهود الوساطة العمانية بمعوقات أساسية أدت إلى فشلها، كما فشلت كل المبادرات والوساطات التي سبقت الجهود الأخيرة، وقام بها وسطاء خليجيون أو امميون أو غيرهم من الإطراف الإقليمية المحايدة!! ومن تلك المعوقات ما يلي:-
1- ربط الولايات المتحدة والسعودية الملف الإنساني بالملف العسكري، واللافت إصرار واشنطن على هذه المقايضة، رغم أنها كانت السبب الأساسي في فشل كل الجهود والوساطات السابقة، فأن انصار الله أكدوا لعشرات المرات على لسان رئيس مفاوضيهم محمد عبدالسلام، وعلى لسان مسؤوليهم، على ضرورة إبعاد الملف الإنساني عن التطورات العسكرية، لأنه استحقاق تقره مواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، فالحصار الاقتصادي والدوائي البري والجوي والبحري الذي تفرضه السعودية والإمارات ومن ورائهما أمريكا والقوى الغربية، يعتبر جريمة بحق هذا الشعب ترتكبها قوى العدوان، وكان من الطبيعي المبادرة إلى فك هذا الحصار بدون شرط أو قيد إذا كانت أمريكا وقوى العدوان جادة في إنهاء الأزمة، لا أن يشترط بفك جزئي للحصار بتوقف العمليات العسكرية لأنصار الله في مأرب وفي عمق المملكة السعودية، كما تقضي الطروحات والمبادرات المتداولة اليوم في اللقاءات والتحركات الحالية لوقف الحرب.. ولذلك كان من الطبيعي أن يرفض أنصار الله مثل هذه المبادرات التي لم ترق إلى مبادرات حقيقية تعالج الأزمة من جذورها، فهم أبدوا استعدادهم وترحيبهم بجهود السلام، ولكن ينبغي أن تتناول المبادئ الأساسية لإنهاء الأزمة، والتي قالوا أنها، ترتكز أولا على: رفع الحصار عن الشعب اليمني بكل أنواعه لكي يتسنى لهذا الشعب معالجة أزماته المعيشية والصحية التي أوجدها الحصار الظالم هذا. وثانياً، وقف الحرب بكل أنواعها وجبهاتها، وخروج القوات المحتلة من اليمن، وثالثاً: إقامة حوار سياسي بين المكونات السياسية اليمنية بعيداً عن التدخلات الخارجية.. بينما الحلول الأمريكية والأممية وحتى العمانية، هي كما قلنا قبل قليل تكرار لما طُرح من قبل ورفضه أنصار الله، إذ لم يأخذ الأميركان تطورات الميدان ولا التحولات في موازين ومعادلات القوى بين الطرفين!! إذ تصرفوا كما لو أن أنصار الله هو الطرف " المهزوم" وليس المنتصر! واللافت أنه حتى بعض الأوساط الأمريكية انتقدت التعاطي الأمريكي الحالي مع الأزمة اليمنية، ففي هذا السياق نشرت مجلة فوزين بوليس مقالاً للباحثة أنيل شيلاين الزميلة في معهد كوينسي، نشر موقع عربي 21 ترجمته العربية في 14/6/2021، جاء فيه " أن الحوثيين في اليمن انتصروا على إدارة جو بايدن الاعتراف بهذا الواقع، والتوقف عن محاولة تغييره". وانتقدت الكاتية وزير الخارجية أنتوني بلينكن على تصريحاته التي حمّل فيها أنصار الله مسؤولية عدم الموافقة على التفاوض، ممتدحاً الموقف السعودي! وقالت الكاتبة " ان تصريحات بلينكن تعبّر عن الموقف الرسمي الأمريكي مع إنها تفصح عن قلة المعلومات أو ترفض الاعتراف بالواقع على الأرض، ومفادها أن الحوثيين هزموا السعوديين".
و تشير الكاتبة الى هزائم السعوديين وضعفهم أمام ضربات أنصار الله حيث انقلبت الموازين العسكرية لصالحهم، بعد ما كان بن سلمان في بداية العدوان قد صوّر لأسياده الأميركان بأنه سينهي سيطرة الحوثيين على صنعاء خلال أسابيع عدة فقط، مؤكدة على أن الولايات المتحدة يجب أن تأخذ هذا الواقع الجديد الذي أفرزته تطورات الميدان، بنظر الاعتبار في أي تسوية وقالت هذه الكاتبة " إن مزاعم الولايات المتحدة والسعودية بالبحث عن تسوية سلمية ليست صادقة بالكامل، ذلك أن الخطط التي قدمت للحوثيين تشجعهم على القتال لأمد طويل بدلاً من القبول بهدنة. فعادة ما يملي المنتصرون الشروط على المهزومين وليس العكس وفرض شروط قصوى على المنتصرين يعني استمرار القتال".
وأسهبت الكاتبة في الحديث عن الشروط السعودية لإنهاء الحرب، وهي القرار الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وتسليم الحوثيين أسلحتهم الثقيلة!! مشيرة إلى أن هذه الشروط أكل عليها الدهر وشرب، ولابد من الاستجابة إلى معطيات تطورات الحرب والساحة اليمنية، إذا كانت أمريكا تبحث فعلاً عن إنهاء الأزمة، وهو ما شككت به الكاتبة وأكدت أن واشنطن تتحرك في وادي آخر!! وطالبت بإسقاط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومعاقبته على الجرائم التي ارتكبها بحق النساء والأطفال في اليمن.
أما الباحث في معهد بروكينجز، والمحلل السابق في الاستخبارات الأمريكية، السي آي أي، بروس ريدل فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبر انه آن الأوان لأخراج السعودية من محافظة المهرة، والإمارات من جزيرتي سقطري وميون، مشيراً إلى هزيمة السعوديين والإماراتيين أمام أنصار الله ولابد من أن تأخذ واشنطن هذا الأمر في الحسبان.
على أن تأكيد هزيمة السعوديين في تلك الحرب لم يقتصر على بعض الأوساط الأمريكية وحسب، بل حتى أن بعض أوساط المعارضة السعودية أكدت ذلك ففي هذا السياق علق الشيخ السعودي المعارض الشهير سعيد بن ناصر الغامدي على أحداث معارك جيزان بعد أن نشر أنصار الله مشاهد لانكسارات متعددة للجيش السعودي، وقال في تغريدة له في هذا السياق " ما حدث في جيزان من وصول الحوثيين إلى الخوبة وقتل أعداد كبيرة من الجيش وأخذ كميات أسلحة ومعدات هو تمدد خطير في مسار الحرب فمن المسؤول؟". وأضاف: " سألت أحد المخططين للوضع الحربي مع الحوثيين عن قدرتهم على الاستيلاء في جيزان فصدمني بإجابة خطيرة أرجو أن تكون خاطئة مفادها: إيران تمنع الحوثيين لتتحرك في هذا الاتجاه متى ناسبها ذلك وحينها لا يوجد ما يوقفهم حتى منطقة الدرب غرب أبها! وما حدث في الخوبة للأسف يؤشر لصحة بعض قوله". وأضاف: " بعض شعبنا لا يصدق ما حصل في حدود ومشارف الخوبة، وكنت مثلهم اعتبرها دعاية حوثية.. لكن ما رأيته من أفلام توجع القلب تدل على فظاعة ما حدث. فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري.. اللهم ارحم أهلنا وبلادنا من كل عدو ومنافق ومفسد ومستبد أهبل"
2- وفيما تقر واشنطن بان مجريات الحرب تجري وتراكم المزيد من الانكسارات والهزائم العسكرية في جبهة " التحالف السعودي الإماراتي". فأنها أيضاً تقر بأن استمرار هذا العدوان سينتهي لا محالة بهزيمة ساحقة عسكرية وحتى سياسية للنظامين السعودي والإماراتي، وليس فقط هزيمة جيوشهما، ولذلك فأن الدافع الأساسي لتحركها الحالي هو خوفها من انزلاق الأمور وحصول انهيارات مفاجئة في جبهة العدوان السعودي الإماراتي غير قابلة للسيطرة، وبالتالي تهديد الوجود الأمريكي في المنطقة برمتها، وتهديد للأمن القوى الأمريكي وأمن الكيان الصهيوني.. وإدراك مثل هذه الحقائق يفرض على الإدارة الأمريكية، إجراء مقاربة مغايرة لمقاربتها الحالية، وهي قادرة على ذلك، لكنها لديها تصور آخر للوضع في اليمن رغم إدراكها للحقائق المشار إليها، فهي تريد ضبط الإيقاع العسكري لوضع الجبهات ومنعه من التدهور لصالح أنصار الله، لأن استراتيجيتها تقتضي استمرار الوجود الأمريكي في اليمن، لضمان السيطرة على الثروات اليمنية ومنها النفط والمعادن، هذا اولاً، وثانياً ضمان السيطرة على الموانئ والممرات المائية التي تطل عليها اليمن، كممر مضيق باب المندب الاستراتيجي وثالثاً: ضمان استمرار الفوضى والتناحر والاقتتال الداخلي في اليمن، لإضعاف كل الأطراف اليمنية واستنزافها، ومن شأن ذلك توفير الفرصة لواشنطن ولحلفائها الحضور الدائم في الساحة اليمنية والتلاعب في مساراته السياسية ومنعه من النهوض ليصبح قوة عسكرية واقتصادية مهددة للمشروع الأمريكي في المنطقة، ولذلك جاءت المشاريع الأمريكية الأخيرة منسجمة تماماً مع هذا التصور، أو أنها ترتكز أساسا على تلك التصورات، وهذا ما أدركه أنصار الله، لكنهم تجاوبوا مع التحركات الأمريكية، لأن الاميركان يضمرون ما اشرنا إليه ويعلنون شيئاً آخر، فالتجاوب هنا جاء بهدف كشف حقيقة التحرك الأمريكي أمام الشعب اليمني، الذي يتمترس أي التحرك زوراً ونفاقاً وراء معاناة الشعب اليمني وأزماته الإنسانية! فالاميركان أصروا على تأجيل الحديث عن خروج القوات الأجنبية من اليمن ومحاولة الدفع باتجاه شرعنة هذا الوجود، وهو ما أغضب أنصار الله وأحرج الوسيط العماني إلى حد كبير. ولأن أنصار الله رفضوا تلك الطروحات الأمريكية صعد الأميركان ضدهم، من قبيل التضامن مع النظام السعودي بعد استهداف منشآته ومعسكراته في عسير مؤخراً من قبل اللجان الشعبية والجيش اليمني بالمسّيّرات المفخخة. ومن قبيل توجيه أربعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي، في مقدمتهم كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السناتور جيم ريش، والعضو البارز في اللجنة الفرعية التي تشرف على شؤون الشرق الأوسط السناتور توديونغ، والعضو البارز في اللجنة الفرعية التي تشرف على حقوق الإنسان السناتور ماركو روبيو، والسناتور مايك كرابو.. وجهوا رسالة إلى سفيرة بلادهم لدى الأمم المتحدة ليندا تواماس غرينفيلد، طالبوها فيها باستخدام صوتها والتصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لضمان إدراج ما أسموه انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان" في الاجتماعات والبيانات والقرارات المتعلقة بالصراع اليمني! فهذه الإجراءات وما يماثلها من فرض عقوبات أمريكية على أنصار الله، ومؤشر على إصرار الإدارة الأمريكية على عدم مغادرة الرؤية المشار إليها، ومحاولة حمل صنعاء على الانصياع والقبول بتلك الرؤية! وهو ما شكل صاعقاً فجر هذه التحركات الرامية لحلحلة الأزمة!
3- اصطدمت الوساطة العُمانية بالمقاربات السعودية- الإماراتية للحلول السلمية، وهي مقاربات تكاد تكون متطابقة مع تلك الأمريكية المشار إليها، فالنظام السعودي وشريكة الإماراتي لديهما أجندات أمريكية وصهيونية وأطماع سعودية وإماراتية باليمن دفعتهما لشن الحرب واحتلال محافظات الجنوب والسيطرة على الجزر وأغلب الموانئ اليمنية، والمناطق المطلة على سواحل البحار! فهذه الأجندات باتت واضحة ومعروفة حتى للطفل اليمني، بعد ما كانت تسوق تحت غطاء " تحرير الشعب¬اليمني من الانقلابيين الحوثيين" و" إرجاع الشرعية إلى صنعاء" وما إلى ذلك من العناوين والشعارات التي لم يرد ذكرها اليوم في الخطابين السعودي والإماراتي السياسي والإعلامي وغيرها من إقامة قواعد عسكرية للمحتلين وداعميهم الأميركان والصهاينة دليل على أن المحتلين جاؤوا ليستوطنوا في هذه المناطق الاستراتيجية للإشراف على مضيق باب المندب ولجني الأموال الطائلة من خلال السيطرة على ثروات الشعب اليمني، لكن المشكلة بالنسبة لهؤلاء المحتلين هي أن العدوان تحول إلى عامل استنزاف خطير لهما ولقواتهما، فيما أن استمراره يهدد بضياع كل ما تمت السيطرة عليه خلال الست سنوات الماضية من العدوان. ولذلك هما في مأزق حقيقي وقاتل، فهم إذا تجاوبوا مع الطروحات الحوثية فذلك يعني فقدانهما لمكتسباتهما في اليمن، وإذا ظلت الحرب مستمرة فهما لايفقدان هذه المكاسب وحسب، بل يمكن ان يؤدي ذلك الى سقوط أنظمتهما في الرياض وأبوظبي، ولذلك هما استعانا بأمريكا التي هي الأخرى تريد الاستيطان لقواتها في اليمن كقاعدة استراتيجية لمواجهة الصين وإيران وحتى روسيا، من أجل الضغط على أنصار الله مستفيدين من كل أساليب الضغط التي اشرنا إلى بعضها لعل ذلك يحقق لهما الخروج من الحروب ببعض ماء الوجه وفي الوقت نفسه احتفاظهما بالقواعد والمراكز التي أقاموها على الأراضي اليمنية، وذلك ما رفضه الشعب اليمني قبل الأنصار، وهو ما أدى إلى فشل تلك الجولة من المفاوضات! وهو ما تنبه إليه محلل الاستخبارات الأمريكية السي آي أي بروسي ريدل الذي سبق الإشارة إليه، حيث طالب الإدارة الأمريكية بإخراج السعودية والإمارات من حضرموت والمهرة وسقطري وميون، بمعنى أن السلام لا يستقيم بما هو مطروح من مبادرات أممية وأمريكية وعمانية، إنما يستقيم بخروج المحتلين من بلاد اليمنيين لكي يتمكن هؤلاء من حل مشاكلهم بأنفسهم دون وصاية من أحد.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق