اليمن: تمديد آخر للهدنة... بدعم أمريكي
[عبد العزيز المكي]
في بيان له صدر في 2/8/2022 أعلن مندوب الأمم المتحدة في الأزمة اليمنية هانس غروندبرغ عن موافقة أنصار الله، والتحالف السعودي الإماراتي ومرتزقته اليمنيين مما يسمى بالمجلس الرئاسي، على تمديد الهدنة لمدة شهرين آخرين، وقال غروندبرغ " يسعدني أن أعلن أن الطرفين اتفقا على تمديد الهدنة بالشروط ذاتها شهرين إضافيين من 2 أغسطس 2022 وحتى 2 أكتوبر 2022" متعهداً بمواصلة جهوده المكثفة للتوصل إلى اتفاق هدنة موسع باليمن..
وجاءت هذه الهدنة بعد الجهود التي بذلتها عمان والأمم المتحدة، وتمت موافقة أنصار الله على التمديد بحسب ما أعلن كبير مفاوضي الحكومة الصنعائية محمد عبد السلام، بعد تعهد عُمان والأمم المتحدة بإلزام الطرف الآخر بتنفيذ الشروط المتفق عليها، لأن الأنصار في البداية رفضوا تمديد الهدنة بسبب تنصل الطرف الآخر من تنفيذ الشروط، وهي فك الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة ودفع رواتب الموظفين والمتقاعدين في البلد، ويبدو ان لاميركا الدور الاساسي في دفع أطراف " التحالف" الى الاستجابة لكامل شروط أنصار الله وتقديم الضمانات لتنفيذها، وذلك ما يفسر مسارعة الرئيس الامريكي جو بايدن الى تأييد الاتفاق على الهدنة والثناء على دور سلطنة عمان والأمم المتحدة، والترحيب بما توصلت اليه الجهود، معبراً عن سعادته بتمديد الهدنة وداعياً الى دعم الرحلات الجوية لمزيد من الوجهات من صنعاء واليها، وكذلك تدفق البضائع الى ميناء الحديدة.. كما حث الرئيس الأمريكي الاطراف اليمنية على التوصل الى اتفاق شامل يتضمن خطوات لتحسين حرية التنقل ومدفوعات الرواتب.
من جهتها الحكومة البريطانية رحبت بتمديد الهدنة، وكذلك الدول العربية الخليجية، وهي في هذا التأييد تغرد وراء سيدها الأمريكي، حيث أجمعت بعض الأوساط الإعلامية والسياسية الامريكية منها والعربية على ان بايدن هو الذي أصدر الأوامر للسعودية والأمارات ومرتزقتهما من اليمنيين، بالموافقة على تمديد الهدنة، وذلك لان هذا التمديد بات حاجة أمريكية ملحة في هذا الظرف بالذات لعوامل كثيرة نذكر منها ما يلي:-
1- لعل من أهم الأسباب التي دعت امريكا الى الضغط على حلفائها للقبول بتمديد الهدنة هو يأسها من ان هؤلاء الحلفاء غير قادرين على حسم المعركة مع أنصار الله لصالحهم رغم كل التسليح والتدريب الذي حظي به مرتزقة السعودية والأمارات وكل محاولات الحشد العسكري واللوجستي، وعلى العكس من ادعاءات هؤلاء المرتزقة بأنهم باتوا قادرين على حسم المعركة لصالحهم اذا نشبت بعد الهدنة، أيقنت الولايات المتحدة، ومن خلال تقارير خبرائها وعسكرييها بأن الهزيمة ستكون من نصيب هؤلاء المرتزقة لا محالة، وستتغير كل معادلات المعركة بل والمنطقة برمتها اذا نشبت المعركة مجدداً بين ما يسمى بالتحالف ومرتزقته وبين أنصار الله.. وقد استندت التقارير الأمريكية المشار إليها إلى معطيات ميدانية منها، انه رغم محاولات النظامين السعودي والإماراتي توحيد صفوف المرتزقة وحشدهم ضد أنصار الله ومدهم بأكثر الأسلحة تطوراً، كما تمثل أخيراً في إزاحة المخلوع هادي والمجيء بالمجلس الرئاسي بزعامة رشاد العليمي، إلا أن التناحر بين مكونات هؤلاء المرتزقة، ظل هو الشاخص البارز لوضع هؤلاء ، بل ان الصراع بينهم امتد لينشب بين مكونات اللون الواحد، بين مرتزقة السعودية مع بعضهم وبين مرتزقة الإمارات مع بعضهم، ففي هذا السياق تحدث وزير النقل السابق في حكومة ما يسمى بالشرعية صالح الجبواني في 8/8/2022 عن معركة عتق الأخيرة في شبوة بين مرتزقة السعودية ونظرائهم مرتزقة الإمارات قائلاً: " تعود شبوة اليوم مجدداً الى ساحة المعركة دفاعاً عن المشروع الوطني، دفاعاً عن مشروع اليمن الاتحادي الجديد ضد مشروع التخريب والتدمير، مشروع التفكيك والتقسيم الذي تقوده الأمارات. شبوة تقاتل اليوم مجدداً دفاعاً عن الجمهورية اليمنية في وجه مشروع المشيخة القميئ، ومشروع القرية العتصري المضيق" على حد قوله وزعمه مما يؤشر ذلك الى حدة الانقسام والاختلاف بين هؤلاء المرتزقة والى الصراع الخفي والتباين بين مشروعي الإمارات والسعودية في اليمن المحتل، أو في محافظاته المحتلة بعبارة أدق من جهته فتح السياسي الكويتي فهد الشليمي النار على " التحالف السعودي الإماراتي" معترفً بفشل هذا التحالف وهزيمته النكراء أمام انصار الله عسكرياً وسياسياً معزياً ذلك إلى خطأ التحالف في الاعتماد على حزب الاصلاح (حزب الأخوان المسلمين في اليمن)، والإصرار على هذا الخطأ، وقال على الفيس بوك في 5/8/2022 بالحرف الواحد " أعلن الهزيمة واعتذر لكل الشعب اليمني والشعب الجنوبي وأقول الحقيقة الواقعة نحن في دول مجلس التعاون فشلنا فشلاً كبيراً سياسياً وعسكرياً واخلاقياً في اليمن والجنوب وأصبحنا مكروهين في الجنوب والشمال" رغم كل الأموال الطائلة التي قدمتها دول المجلس والسلاح الهائل للمرتزقة، كما قال بمرارة هذا السياسي الكويتي.
ومن التطورات التي لفتت انتباه الأمريكان وضلل عليها الإعلام رغم أهميتها، هي نفور وكره الشعب اليمني برمته، في الجنوب والشمال، للسعودية وللإمارات ولمرتزقتهم، بعد انكشاف أهدافهم وأطماعهم في ثروات اليمن وزيف شعاراتهم، وبعد معايشة ما قاموا به في المحافظات المحتلة من انعدام الأمن ومن الحرمان ومن الظلم والقهر والبطش، ولذلك فان المواجهات العسكرية بين الجماهير وقوى التحالف لم تتوقف، بين الحين والآخر تقع محافظات المهرة وحضرموت وشبوة وعدن ، وغيرها، ذلك مقارنة مع الاستقرار السياسي ، وشيوع الأمن وتوفر الخدمات المتاحة في ظل حكم أنصار الله، ولأن أنصار الله يدافعون عن الوطن وعن الشعب وعن استقلاله وهذا ما أتضح للكثير من أبناء الشعب الذين كانوا مغفلين أو متأثرين بالاعلام السعودي المضاد، ومؤشر ذلك تسليم عشرات الآلاف من أبناء اليمن في جبهة " التحالف: أنفسهم مع اسلحتهم أو طواقم عشيرتهم إلى أنصار الله والوقوف معهم في جبهة المواجهة ضد الاستعمار السعودي الإماراتي لبلدهم.. ولذلك أمريكا باتت تدرك أن أهالي الجنوب تواقون لمجيء أنصار الله والتخلص من ظلم وقهر وحرمان.." التحالف السعودي الإماراتي" ومرتزقتهم.
2- و لأن الأمر ينطوي على خطورة بالغة ويمكن أن يتعرض عملاء امريكا السعوديين والإماراتيين ومرتزقتهم في اليمن إلى هزيمة ساحقة، فأمريكا تريد المحافظة على الوضع الراهن أي حالة اللاحرب واللاسلم، فهي تضمن لها تسخين الحرب متى شاءت ومتى أصبحت الظروف ملائمة. وتضمن لها إنهاء الصراع ان شاءت بالشكل الذي يضمن لها المكاسب التي تحققت لها لحد الآن من وراء احتلال " التحالف" لبعض المحافظات الجنوبية، ومحافظة مأرب الشمالية.
3- كما ان تمديد الهدنة، إضافة إلى ما تقدم، يضمن للولايات المتحدة استغلال الثروة النفطية اليمنية، سيما وأنها توجهت بشكل مركز بعد الحرب الروسية- الأوكرانية لليمن، البكر، والغني بالثروات الغازية والنفطية والمطل على البحار، حيث تسهل هذه الإطلالة عملية نقل الغاز والنفط من اليمن الى أوربا. ومنذ عدة اشهر شكلت أمريكا فرقاً هندسية واكتشافية لاستخراج النفط من شبوة والمهرة وحضرموت، بالتنافس مع الفرنسيين الذين هم بدورهم نزلوا بكل ثقلهم في عمليات البحث والاستخراج والتنقيب في المحافظات اليمنية المحتلة. هذا من جانب ومن جانب آخر، ان الوضع الحالي يوفر لامريكا استمرار السيطرة على باب المندب والبحر الأحمر وبقية الممرات المائية التي يشرف أو يطل عليها اليمن في الجنوب خصوصاً، فأمريكا تريد الوضع مستقراً في هذه المنطقة، لأنها مقبلة على احتمالات نشوب حرب مع الصين، سيما وان التوتر بين الطرفين وصل ذروته بعد زيارة التحدي التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي بيلوسي الأخيرة لتايوان.
وإضافة الى ذلك، فأن هدوء الجبهات يجنب النفط السعودي ومنشآته من الاستهداف والتدمير بمسيرات وصواريخ أنصار الله الدقيقة، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار التي لا يمكن لا أمريكا ولا حليفاتها الأوربيات، تحملها، بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، وانخفاض كمية النفط والغاز الروسيين المصدرة للدول الأوربية والتسبب في ارتفاع الأسعار، التي تعاني منها أمريكا وحتى أوربا بشكل واضح فأمريكا لا تريد أن تتصاعد الأسعار أكثر مما هو حاصل الآن، لأن ذلك سوف يلحق بها وبحلفائها هزيمة اقتصادية أو حتى انهيارات اقتصادية قد تقود إلى هزائم عسكرية وسياسية أمام روسيا وحلفائها في أوربا وحتى في الشرق الأوسط وآسيا!
هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى لا تغيب عن فطنة القارئ الكريم.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق