بازار التطبيع بين السعودية وإسرائيل يزداد سخونة !! ... بن سلمان يؤكد ارتقاء التواصل بين الطرفين يوماً بعد آخر!!
[عبد العزيز المكي]
لم يكد الجدل والاهتمام الإعلامي وحتى السياسي، على مستوى
الأوساط الإعلامية السياسية الأمريكية والصهيونية الغربية وحتى العربية، حول ملف التطبيع السعودي الصهيوني، يخبو حتى يثار مرة أخرى، كما هو الحال في الأسابيع الأخيرة، حيث أثر هذا الملف بقوة وعلى نطاق واسع على مستوى الأوساط الإعلامية والسياسية المشار إليها! بعد التصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لشبكة فوكس نيوز الأمريكية،
خلال مقابلة أجرتها الشبكة معه في جزيرة سندالة في نيوم غرب المملكة في 20/9/2023 حيث قال "نقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائیل" !! أي أن تلك الجهود الرامية إلى إعلان رسمية هذا التطبيع لم تتوقف يوما، بل هي تمضي على قدم وساق وبشكل حثيث، وهذا ما أكده بن سلمان في نفس المقابلة في رد على سؤال حول وجود تقارير تؤكد أن بن سلمان أوقف محادثات التطبيع، حيث أجاب بالقول: "هذا ليس صحيحا .. وكل يوم تتقدم (المفاوضات والمحادثات حول التطبيع) ، وسنرى إلى أين ستصل".
بل أكثر من ذلك أن بن سلمان كما يقول بعض المحللين: زاد الأمر توكيداً عندما أشار إلى أن "السعودية ستعمل مع أي حكومة أو سلطة تتولى الحكم في إسرائيل"، في إشارة واضحة على تصميمه وقراره بمواصلة مسار المفاوضات
والتقارب مع العدو بصرف النظر عن طبيعة وتطرف السلطة الحاكمة في الأراضي المحتلة!!
من جهته نتياهو هو الآخر أكد مضمون ما جاء في مقابلة بن سلمان، ونتنياهو لا يترك فرصة أو مناسبة إلا وتحدث فيها عن التطبيع وقربه مع السعودية، الأمر الذي عزز الجدل والنقاش إعلامياً وسياسياً حول قضية التطبيع، حيث واصلت الأوساط الإعلامية والسياسية المذكورة حديثها حول التطبيع وحول ما أسمته شروط السعودية، مرة ترسم صورة متفائلة عن قرب الإعلان عن صفقة، مرة أخرى ترسيم صورة متشائمة مستبعدة هذا التطبيع، وآخر ما جاء في هذا الجدل ما أعلنه متحدث البيت الأبيض الأمريكي، في تصريحات نشرت المواقع العربية ترجمتها باللغة العربية في 30 أيلول 2023، حول المفاوضات الرامية إلى إعلان رسمية التطبيع السعودي مع العدو، حيث قال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، أن المفاوضات تواصل التقدم، مشيراً إلى إطار أساسي لاتفاق مستقبلي وأضاف.. (إن الطرفين وضعا على ما أعتقد هيكلية أساسية لما يمكن أن نسير باتجاهه). أو أردف قائلاً: " على غرار أي اتفاق... يتعين على الجميع تقديم تنازلات" من دون إعطاء مزيد من التفاصيل..
ما تقدم، ثم استمرار الجدل والإثارة حول هذا الملف، يضعنا أمام مشهدين لقضية الإعلان الرسمي السعودي للتطبيع مع العدو الصهيوني هما ما يلي:
1. المشهد الإعلامي والسياسي وهو مشهد يعرض للرأي العام العربي والإسلامي أن النظام السعودي وإن كان يبدو حريصاً على إنجاز ملف التطبيع ولكنه يشترط على الإدارة الأمريكية شروطا تعتبرها أمريكا شروطاً صعبة، مثل إقامة تحالف مع السعودية يرقى إلى مستوى التحالف مع الدول الغربية تتعهد فيه أمريكا بحماية النظام السعودي، ومساعدة السعودية في إقامة مفاعل نووي مدني تحت إشراف الولايات المتحدة، بالإضافة تزويد المملكة بالأسلحة المتطورة متى شاءت بدون رجوع الإدارة الأمريكي إلى الكونغرس الأمريكي خصوصا مجلس النواب.
والبعض يضيف شرطاً آخر، وهو حل القضية الفلسطينية، لكن
النظام السعودية أسقط القضية الفلسطينية من حساباته، ولم يذكرها إلى لماما وبشكل مشوش وغائم. ويثار الجدل كثيراً للآن حول تلك الشروط و"صعوبتها" ومعارضة بعض المؤسسات الأمريكية الحاكمة لها بل ومعارضة الصهاينة لتزويد السعودية بمفاعل نووي للأغراض السلمية وهكذا مرة تطل علينا الصحافة الأمريكية تقول أن الإدارة الأمريكية وافقت على
شروط السعودية بإنشاء مفاعل نووي بمشغلين أمريكان وصهاينة، وبتقنية القدرة على تخريبه من بعد!! ومرة تقول أن التحالف الذي يريده بن سلمان صعب المنال، وأن أمريكا لا يمكنها التعهد بحماية السعودية على غرار التزاماتها تجاه الدول الغربية، وكل هذا الجدل يعرض ان بن سلمان لا يوافق على التطبيع إلا بشروط صعبة لم يتنازل عنها.. الأمر الذي سيعرقل التطبيع ويؤجله إلى موعد أو وقت غير مسمى !!
ولاحظت أن كل هذا الجدل، وهذه الإثارات صعوداً ونزولاً، تفاؤلاً وتشاؤماً حول ملف التطبيع السعودي الصهيوني، لا يمس جوهر القضية، قضية التطبيع أساسا، كما سنرى بعد قليل، إنما يستهدف شيئاً آخر وهو وعي الأمة، وعي الرأي العام، خصوصا الرأي العام في المملكة نفسها وذلك لتمهيد التطبيع مع العدو وتسويغه!! فكل تلكم الضجة تتمحور حول جملة قضايا ترتبط بوعي الأمة نذكر منها ما يلي:
1. لأن الأمة ترفض العدو جملة وتفصيلا وتعتبره غاصباً لأرض فلسطين وللمقدسات الإسلامية فيها، فهي لا تتحمل تطبيع السعودية أو إعلانه رسمياً مع العدو، لأنها تتمتع بثقل إسلامي بسبب احتضانها للحرمين الشريفين ولأنها مهبط الوحي وبزوغ الرسالة المحمدية الإسلامية، ولذلك يتخوف الأمريكان والصهاينة وآل سعود من ردة فعل الرأي العام العنيفة التي تقلع أو قد تقلع آل سعود من الجذور، أو تفقدهم على أقل تقدير احترام وتقدير أبناء الأمة الإسلامية وضياع هيبتهم، ونزع ما يسمونه مشروعهم من رعايتهم لشؤون الحرمين الشريفين، ولذلك يحاولون من خلال هذا تدجين الأمة وتعويدها وتكييفها لتقبل هذه القضية وبالتالي إحتواء أي ردة غضب على خطوة مفاجئة من مثل التطبيع مع العدو! ما يعزز هذا الأمر، هو أن المتابع لهذا الجدل والاثارات، يرى أنه ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أي أنه بين الحين والآخر يزيدون جرعة التحدي لمشاعر الأمة حول هذه القضية، فقد لاحظتم أن الجدل بدأ بالتعرض إلى تصريحات ومقالات مهندس التطبيع تركي الفيصل، وتلميذه البار أنور عشقي، مروراً باللقاءات السرية التي يسربونها للإعلام، ثم مباركة السعودية الاتفاقات "إبراهيم" مع الإمارات والبحرين، وسماح السعودية بمرور الطائرات المدنية فوق أجواء المملكة، و.و.و
وأخيراً وليس آخرا بالتصريح العلني والرسمي مار الذكر لبن سلمان، كل ذلك للتدرج في وعي الأمة، ومحاولة تدجينها وحملها على القبول بهذا الأمر، دون ضجة أو رفض أو ما شابه ذلك.
2. ومن أجل ضمان عدم حصول ردة فعل من قبل الأمة خصوصاً من شعب المملكة يحاولون من هذه الضجة والاثارات إخراج المشهد وتصويره بشكل جيد ومتقن بحيث يحفظ للمملكة صورتها ومكانتها الإسلامية، ويجنبها ردة فعل الجماهير الغاضبة، ويبدو أن تلك الأوساط قطعت شوطاً طويلاً في عملية
الإخراج وما زالت تواصل الجهد في هذا الإطار بتفنن وحرفية لإتمام العملية بالوصول إلى الوقت المناسب لإعلان السعودية التطبيع الرسمي مع العدو.
3. إن محاولات تلك الاوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية والغربية وحتى بعض العربية، الإيحاء بأن سلمان يضع الشروط، ومنها القضية الفلسطينية والبرنامج النووي وما إلى ذلك، تهدف بالأساس إلى خلق مبررات غير الموجودة أساساً لإقناع الرأي العام بما يقوم به بن سلمان بعد موافقة أمريكا والعدو الصهيوني على شروطه، في حين أن الأمور على أرض الواقع تجري بشكل آخر، كما سنری بعد قليل، وللأسف هناك من يصدق أن مواقف بن سلمان تجاه التطبيع هي مثلما يعرضها هذا النقاش والجدل على مستوى التغطيات الإعلامية والتحركات السياسية للأوساط المعنية بهذا الملف !!
المشهد الثاني.. أما في هذا المشهد، فإن الأمور كما قلنا تمضي بشكل مختلف إذ أن بين الصهاينة والسعوديين، وذلك لتعزيز المشهد الأول، الرامي كما قلنا لتدجين الأمة على التواصل والتعاون والتوادد بين الطرفين.. ولقد لاحظنا انه في الوقت الذي يثار فيه الجدل حول الملف، وفي الوقت الذي يرى فيه البعض من المحللين أن التطبيع ما زال بعيداً بين الصهاينة وآل سعود، فإن هؤلاء الآل يستقبلون أشقائهم الصهاينة في الرياض ويعززون تعاونهم دون أي شروط تذكر أو اشتراطات مما يذكره الإعلام، ففي هذا السياق نذكر انه في مثل هذا الوقت، وقبل عام 2018، وبينما يحتدم الجدل حول الموضوع كان التعاون الأمني والاستخباراتي بين الطرفين قد وصل إلى مستويات عالية، حيث زود الكيان الصهيوني المخابرات السعودية بتقنية فيثاغوس التي تمكن فيها النظام السعودي من التجسس على كل المعارضين في الخارج، وعلى وزراء وتجار ورؤساء وشركات ورؤساء دول ومنهم رئيس موقع الأمازون، أو شركة الأمازون، وبهذه التقنية التجسسية تمكن بن سلمان من متابعة تحركات المعارضين ورصد حتى أنفاسهم، وتمكن بالتالي من تصفية بعضهم ومنهم الكاتب الصحفي وحليف النظام سابقا جمال خاشقجي حيث قتل في قنصلية بلاده في اسطنبول في تركيا، ونشر بالمناشير ونقل رأسه إلى الرياض، على يد فريق من المخابرات السعودية وبأمر من بن سلمان نفسه.. وقبل ذلك كانت الأوساط الإعلامية الأمريكية والبريطانية وحتى بعض الأوساط السياسية اعترفت صراحة بوجود خبراء عسكريين وطيارين صهاينة في السعودية إلى جانب نظرائهم الأمريكيين والبريطانيين يشاركون في العدوان على اليمن وفي الإشراف وإدارة المعارك مع أنصار الله.. ولم يتوقف مسلسل هذا التعاون فبين الحين والآخر يتسرب خبر لقاء أو زيارة وفد صهيوني للسعودية أو أن العدو كما سبق وذكرنا يسرب هذه اللقاءات أو بعضها، فكان نتياهو قد سرب لقائه ببن سلمان في نيوم قبل أكثر من سنة وسرب صحفيون صهاينة زياراتهم وتدنيسهم للمقدسات في مكة والمدينة المشرفتين، وبعد هذه التسريبات والاطمئنان بعدم وجود ردة فعل، سمح آل سعود للإعلام بالحديث عن زيارات الوفود الصهيونية المتعاقبة للسعودية، كالإفصاح عن زيارة وفد الحاخامات الصهاينة ولقائه بكبار المسؤولين السعوديين، ثم استقبال وفد رياضي وإشارة الأخير بالعناية والترحاب والاهتمام الذي حظوا به من قبل المسؤولين السعوديين!! وتوالت الزيارات واللقاءات السرية منها والعلنية ومنها وليس أخيرها بالطبع زيارة وزير السياحة الصهيوني حاييم کاتس حيث وصل الرياض على رأس وفد صهيوني في يوم ٢٨ / أيلول لتمثيل العدو في مؤتمر منظمة السياحة التابعة للأمم المتحدة، وهذه هي المرة الأولى التي يسافر فيها وزير صهيوني إلى السعودية بشكل علني، وقد وصف كاتس بإعجاب الترحاب والاهتمام الذي حظي به وأقرانه في الوفد من قبل السعوديين!! وقال للقناة العبرية i24 news بالعربية: "لا نشعر بأي خوف، بالهدوء والجوار والانفتاح وكأننا نتجول في تل أبيب"! وأردف: "تواجدنا في المؤتمر اليوم وتوجه إليّ الكثير من المشاركين.. حتى أن وزير السياحة السعودي أشار إلى وجود أشخاص لم نعتد وجودهم في السعودية دون أن يذكر اسم "إسرائيل" بشكل واضح".. ونفى كاتس مايورد في الإعلام حول تقديم "إسرائيل" تنازلات لقاء التطبيع مع السعودية، بقوله: "الكثير مما يورد في الإعلام بهذا الصدد من تقديم "إسرائيل" تنازلات بهذا الملف لا علاقة له بالأمر الواقع"!! وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه في تحليلنا.. كما كشف كاتس عن أن الكثير من السياح السعوديين سيزورون الكيان الصهيوني !!
إذن عجلة التطبيع السعودي - الصهيوني تدور بسرعة، وتصريحات بن سلمان الآنفة تشير إلى أنها ستصل إلى مقصدها بوقت قريب!!
ارسال التعليق