بايدن على خطى ترامب... استمرار الحلب الأمريكي للبقرة السعودية!!
[عبد العزيز المكي]
بعد رفع إدارة بايدن السرية عن التقرير الاستخباراتي الذي كانت السي آي أيه قد أعدته حول مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وتقطيعه وتذويبه في قنصلية بلاده في اسطنبول بتركيا عام 2018، واتهمت فيه بن سلمان وفريقه بالمسؤولية عن عملية القتل..بعد رفع السرية عن هذا التقرير، تحفزت عوائل وأهالي ضحايا حادثة الحادي عشر من سبتمبر عام2001م الى إعادة إثارة مطالبها بضرورة الكشف عن دور النظام السعودي في هذه الجريمة ومقاضاته، وفي هذا السياق بعثت هذه العوائل يوم 14/4/2021 برسالة إلى مدير المخابرات الوطنية أفريل هانز، نشرتها صحيفة " ذي هيل" الأمريكية، دعته فيها إلى الإفراج عن مراجعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي تم الانتهاء منها في عام2016، والتي تلخص تحقيقاً استمر لسنوات حول المسؤولية التي تتحملها السعودية لتسهيل الهجمات ويقول الموقعون على الرسالة إن عائلاتهم لا تزال تسعى لتحقيق العدالة ومساءلة مرتكبي الهجوم، ودعوا هانز إلى رفع السرية والإفراج عن المعلومات التي يعتقد أنها توثق تورط المملكة السعودية.. وحملت هذه العائلات الحكومة الأمريكية المسؤولية في التعتيم على هذه المعلومات السرية وقالت في الرسالة في هذا الإطار " إن عشرين عاماً طويلة جداً بالنسبة لحكومتنا لإخفاء الأدلة على تورط السعودية في هجمات 11سبتمبر.و عشرون عاماً طويلة جداً بالنسبة لحكومتنا للتعامل معنا كخصوم فيما يتعلق بقضايا الشفافية والمساءلة هذه"!
و تضيف الرسالة القول: " إن عباءة السرية التي تحيط بالتورط السعودي في أحداث 11سبتمبر تتعارض مع القيم الأساسية لامتنا، ومصدر للألم المستمر لمجتمعنا الذي يسئ إلى ذكريات أحبائنا القتلى".
وحشدت عوائل الضحايا في هذه الرسالة كل أساليب الضغط النفسية والمعنوية و" الأخلاقية" على إدارة بايدن من أجل كشف هذه الجريمة كما طالبت بايدن بالإيفاء بوعوده بكشف الحقائق حول هذه القضية، وبالالتزامات التي كان قد قطعها بالشفافية والمساءلة بشكل عام...
يشار إلى انه قتل في تلك الحادثة قرابة الـ3000 أمريكي وضعف هذا العدد من الجرحى ويتهم التقرير الذي أعده مكتب التحقيقات الفدرالي حول هذا الهجوم الإرهابي النظام السعودي، أو مسؤولين سعوديين بأن لهم علاقة تمويل ورعاية للإرهابيين الذين قاموا بتفجير برجي مركز التجارة الدولي في نيويورك وأكثرهم من السعوديين، وقد تضمن التحقيق السري الذي أجراه كما قلنا مكتب التحقيقات الفدرالي مع المسؤولين الحكوميين السعوديين الذين قدموا مساعدة كبيرة لنواف الحازمي وخالد المحضار أول من وصلوا في 11سبتمبر، وكان الحازمي والمحضار سعوديان من بين الخاطفين التسعة عشر.
هذه الرسالة، تأتي في إطار سلسلة من الرسائل والمطالبات السابقة من قبل عوائل الضحايا أو من قبل محاميهم بضرورة كشف حقيقة التورط السعودي في حدوث هذه الكارثة، وبالتالي فسح المجال لمقاضاته أمام المحاكم الأمريكية، وتوجت هذه المطالبات باقدام الكونغرس الأمريكي على سن قانون " جاستا" أي " العدالة ضد رعاة الإرهاب" والذي يسمح لذوي ضحايا 11سبتمبر من مقاضاة النظام السعودي باعتباره المتهم الرئيسي في هذه الهجمات..ذلك في العالم2016م..على أن حكومة اوباما في ذلك الوقت ثم حكومة ترامب، قاومتا ضغوط أهالي الضحايا وضغوط بعض النواب في الكونغرس الأمريكي، قي توجيه الاتهام المباشر للنظام السعودي ورغم مقاومة الحوكمات الأمريكية الضغوط الّا ان بعض محامي عائلات ضحايا هجمات 11سبتمبر نجحوا في رفع دعاوى و" شكاوى" ضد النظام السعودي، لأن الأخير، هو المتهم الرئيسي بهذه الجريمة الكارثية، لأن 15 إرهابيا من مجموع الـ19 إرهابياً الذين نفذوا عمليات11 سبتمبر هم سعوديون‘و لأن التحقيقات في حينها أثبتت ان بندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن يومذاك وعدد من المسؤولين السعوديين آخرين، كانوا على صلة ما ببعض هؤلاء الإرهابيين المهاجمين.
وإلى ذلك فأن الكونغرس الأمريكي كان قد صادق بتاريخ 15/7/2001 على مشروع قانون آخر من بندين يتعلقان بالسعودية تقدم به عضو الكونغرس الأمريكي توم مالينوسكي مطالباً بفرض عقوبات على الضالعين في مقتل خاشقجي، ويطالب القانون في شقة الأول بفرض عقوبات على المسؤولين والمتورطين بقتل خاشقجي، أما الشق الثاني فيتعلق بتجاوزات السعودية في ملف حقوق الإنسان. وقد حاز هذا القانون في حينها على أغلبية ساحقة في الكونغرس الأمريكي، حيث صوت مع القانون405 نائباً مقابل 7 نواب ضده.
و قال بعض المحللين معلقين على هذا القانون: " أن كان من دلالة بالشكل العام على هذا القانون فهو يعني إجماعا من المشرع الأمريكي على معاقبة السعودية نفسها لا المتورطين في الجريمة فقط"
هذا الحشد من القوانين والدعاوى والشكاوى ضد السعودية يعني ما يلي:
1- إن الولايات المتحدة جعلت من كل هذا الحشد سيفاً مسلطاً على رقاب آل سعود، ذلك أن التصويت على قانون جاستا فتح الطريق لأهالي وعوائل الضحايا لرفع الدعاوى ضد النظام السعودي، وبالتالي فأن مجرد موافقة بايدن على الإفراج عن سرية التقرير الذي أعدهُ مكتب التحقيقات الفدرالي حول هجمات 11سبتمبر، حيث الضغوط تتجه بهذا المسار، أسوة بما فعل في قضية رفع السرية عن تقرير خاشقجي..نقول انه بمجرد الموافقة على رفع السرية فأن دعاوى ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر تكتسب المصداقية الأمر الذي يدين النظام السعودي، وبالتالي إلزامه بدفع تعويضات مالية لعوائل وذوي الضحايا والجرحى، وإذا حصل ذلك، فأن النظام السعودي سيضطر إلى دفع تريلونات من الدولارات، التي ستمتص كل احتياطه النقدي في الخارج، ويجعل المملكة إضافة إلى ذلك تحت طائلة دين ضخم قد يستمر إلى عشرات السنين، ما يعني ذلك إفلاس المملكة الغنية!!
2- وظف الرؤساء الأميركان هذا السيف المسلط على رقاب آل سعود، في عملية الابتزاز البشعة للنظام السعودي وممارسة الضغوط على الاخير، فكلما أرادت الإدارة الأمريكية الضغط على هذا النظام أو إجباره على قبول الاملاءات الأمريكية التي يتململ أو حتى يرفض بعضها بسبب الإحراج أو الأضرار به، تمتشق هذا السيف من غمده بتحريك دعاوى عوائل ضحايا الهجمات الآنفة، لإجبار النظام السعودي على الامتثال للمطالب الأمريكية والإذعان للاملاءات والسياسات التي يتوجب عليه القيام به وفق مقتضيات المصلحة الأمريكية، فحتى في عهد ترامب وهو العهد الذي يعتبره آل سعود بالعهد الذهبي، لأن ترامب كان حليفاً وصديقاً لبن سلمان وللنظام السعودي.. حتى في هذا العهد ظل السيف الآنف مسلطا على رقاب آل سعود، وظل هؤلاء يدفعون الأموال الطائلة لترامب والأخير يتفاخر بأنه تمكن من حلب البقرة السعودية لقاء حماية مؤخرة بن سلمان من قوانين جاستا والقوانين اللاحقة التي اشرنا إلى بعضها!!
3- الحشد الأمريكي المشار إليه ثم الكم الهائل من الدراسات والمقالات والبحوث حول أن السعودية مصدر فكر الإرهابيين الذين فجروا مركز التجارة الدولي في نيويورك، ونظرائهم الذين قاموا بعمليات أرهابية مروعة على مدى العقدين الماضيين في العراق ولبنان وسوريا وليبيا وأفغانستان وفي أنحاء مختلفة من العالم.. كل ذلك يؤكد أن النظام السعودي ومدارسه التكفيرية الوهابية في العالم وفي السعودية نفسها، هو مصدر إنتاج هذا الجيل من الإرهابيين والقتلة الذين شوهوا الإسلام ونشروا الخراب والدمار في أنحاء المواطن الإسلامية في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان واليمن وما إليها.. وإذا كان قانون جاستا يخول أمريكا وعوائل ضحاياها مقاضاة الإرهاب السعودي، فمن باب أولى، أن العوائل وذوي ضحايا الإرهاب السعودي في العراق وفي سوريا مقاضاة هذا النظام، خصوصاً وان حمد بن جاسم رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق القطري اعترف أكثر من مرة لقنوات أمريكية وبريطانية وحتى عربية بأن السعودية وقطر دعمت واعدت الإرهابيين في سوريا وامدتهم، بالإضافة إلى الأمارات بكل أنواع الدعم المالي والعسكري واللوجستي!! من أجل إسقاط الحكومة السورية! أما في العراق فثلاثة أرباع الانتحاريين إن لم يكن جلهم هم من السعوديين وان خمسة آلاف من سجناء داعش والقاعدة وباقي التنظيمات الإرهابية هم سعوديون أرسلتهم الحكومة السعودية إلى العراق، كما أن اعترافات الكثير منهم والمحفوظة في أرشيفات الأجهزة الأمنية العراقية الموثقة بالصوت والصورة كلها تتحدث عن الدور السعودي في تصدير الإرهاب والإرهابيين إلى دول المنطقة والعالم أيضاً.
4- هناك قضية أخرى مهمة تنطوي على مفارقة كبيرة على خلفية هذا الحشد من الابتزاز النظام السعودي، سنتطرق إليها، بعد الإشارة إلى أن الإرهاب السعودي والقطعان الإرهابية التكفيرية السعودية، كل ذلك جاء في سياق توظيف أمريكي ابتدأ بتفجيرات نيويورك، فهذه الهجمات كانت من إعداد وتخطيط المخطط الأمريكي واليهودي الصهيوني، وبتسخير الأدوات السعودية التي أنتجتها المدارس السعودية الوهابية وبدعم كامل ورعاية تامة من النظام السعودي نفسه. وهذا ما أكدته الدراسات الغربية والأمريكية الوازنة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر كتاب الكاتب الفرنسي تيري بيسا " الخديعة الكبرى" والذي تطرق إلى دور السي آي ايه ودور اليهود الصهاينة في تلك التفجيرات وتعاون سعودي في إعداد وتمويل تلك الهجمات ومن قام بها من الإرهابيين من السعوديين وغيرهم.. وما يعزز هذه النظرية هو أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر شكلت نقلة أمريكية من مرحلة ما بعد الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات، إلى مرحلة الهجوم باستحداث عدو اسمه الإرهاب شاركت الولايات المتحدة وساهمت مع النظام السعودي في إعداد وتربية ورعاية وتمكين القطعان الإرهابية من الانطلاق والعبث في شؤون الدول العربية والإسلامية، لإنتاج ظروف فكرية وسياسية وأمنية وعسكرية تمكن أمريكا من إحكام السيطرة على الأمة الإسلامية وعلى مواطنها وثرواتها والاستفراد في العالم، ومازالت أمريكا حتى اللحظة وفق كل الأدلة والوثائق والتأكيدات حتى من مسؤولين أمريكيين ومنهم هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة لرئاسة أمريكا مع ترامب، وحتى هذا الأخير، وغيرهما اعترفا أن الإرهاب، القاعدة وداعش وملحقاتهما صناعة أمريكية بالتعاون مع النظام السعودي!!
نعود إلى القضية التي أثرناها في بداية هذه النقطة، وهي انه رغم ثبوت أن أمريكا استخدمت الإرهاب المنتج سعودياً في إطار استراتيجيتها الكونية ومازالت، وبتمويل ودعم سعودي وتسويق سعودي أيضاً، الّا أنها بنفس الوقت جعلت من هذا الإرهاب وسيلة ابتزاز بشع للنظام السعودي، وهذا يشكل قمة النفاق والخسة والنذالة في التعامل الدولي، وما يثير الدهشة حقاً هو أنه رغم ان الأمريكي يدعي انه حليف النظام السعودي، إلا أن الحقيقة أن هذا الأمريكي جعل هذا النظام تحت طائلة الابتزاز والركل بالحداء متى ما أراد فليست ثمة قيم ولا حتى قوانين تحكم هذا التحالف كما هو متعارف بين الدول في هذا العالم غير أمريكا وحلفائها، فأمريكا تركل هؤلاء العملاء متى شاءت أو متى ما تعارض وجودهم مع مصالحها أو مصالح ربيبها الكيان الصهيوني، وهذا ما أكدته تصريحات ترامب المتكررة، وهو الحليف المقرب للنظام السعودي، فهذا " الترامب " قال أكثر من مرة، أن النظام السعودي عبارة عن بقرة حلوب، متى ما جف حليبها الذي نأخذه منها نذبحها!! وقال أيضاً أن النظام السعودي لابد أن يعطي المال لقاء الحماية، لأنه سيسقط خلال أسبوعين إذا رفعنا الحماية عنه، إلى آخر ما قاله في هذا السياق وهو كثير كما أشرنا!! والسؤال الذي يفرض نفسه هنا إزاء هذا الإذلال وهذا الازدراء والابتزاز الأمريكي للنظام السعودي رغم كل تلكم الخدمات الجمة التي يقدمها لهذا السيد الأمريكي، هو إلى متى يبقى هذا النظام تحت نير هذا الإذلال وهذا العبث بشعب الجزيرة وممتلكاته وثرواته ومستقبله وهويته ومقدساته الإسلامية!؟
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق