بايدن وورقة الخاشقجي.. ابتزاز جديد أم عمل بالتهديد؟!
[حسن العمري]
يوم بعد آخر وبسرعة يقترب العرش السعودي من موسم رياح التغيير التي لا يشتهيها تلك التي وعد بها الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن خلال حملاته الانتخابية بمقاضاة محمد بن سلمان لدوره الريادي في تقطيع أوصال الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018 ، الجريمة النكراء التي صدمت المجتمع الدولي كما هو الحال بخصوص جرائم سلمان ونجله في العدوان على اليمن الجار والشقيق، بعد سنوات عاشوها في ظل دعم وتستر الرئيس الأمريكي المخبول “دونالد ترامب” لتكون هزيمته النكراء في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مطرقة هزة القصور الملكية في بلاد الحجاز قبل ساكنيها.
القرع الأول لناقوس الخطر جاء من طلب “آدم شيف” رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي، من مدير الاستخبارات الوطنية رفع السرية عن تقرير حول مقتل خاشقجي. وهي الخطوة التي تعهد بها الرئيس الأمريكي بايدن مشدداً على ضرورة إعادة تقييم العلاقات مع البلاط السعودي، ومطالبا والكلام لشيف بمزيد من المحاسبة على خلفية هذه الجريمة البشعة وكذلك بخصوص الحرب على اليمن، وداعيا الى إنهاء الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها المملكة في اليمن.. والطلب هذا تزامن مع إعلان الخارجية الأمريكية إنها ستلغي قرار ترامب بتصنيف الحوثيين كـ"جماعة إرهابية" في أقرب وقت ممكن.
العلاقات الأمريكية السعودية شهدت تطوراً وتحسناً كبيرين في عهد المهزوم ترامب، حيث تمتّع نجل سلمان بحرية شبه مطلقة في ظل علاقته الشخصية بالرئيس الأمريكي السابق وصهره كوشنر والأموال السعودية الطائلة التي تدفقت لهما بشتى الوسائل، حتى وصل المطاف بتستر الإدارة الأمريكية السابقة على جرائم المنشار ضد المعارضة في الداخل والخارج وانتهاكاته الكبيرة لحقوق الانسان، ومسلسل الاعدامات التي طالت حتى القاصرين والمعلولين دون إستثناء، وزج المناديات بحقوق المرأة في قعر السجون وتعرضهن لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والتحرش الجنسي؛ ليندفع الجاني بصرف مئات ملايين الدولارات لإعادة انتخاب الراعي لكن دون جدوى، لينتهي شهر العسل بأبشع صوره والخوف والفزع والقلق ينتاب سلمان ونجله من مستقبلهم.
لقاءات سرية عديدة عقدها مندوبي بعض كبار أمراء آل سعود ممن يعارضون بشدة تولي الأرعن أمور البلاد، مع أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي الجديد بايدن منذ حتى قبل الاعلان عن فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خططوا خلالها مستقبل العلاقات وسبل التصدي لطيش وسلطة نجل سلمان المدلل وضرورة إيجاد التغييرات الجذرية في السياسة الداخلية والإقليمية للمملكة بما تتناسب والعصرنة وضمان حقوق الإنسان في بلاد الحجاز، كذا الإنتهاء من الحرب على اليمن وتخصيص ميزانية كبيرة لإعادة الدمار الذي خلفه العدوان الوحشي على أفقر بلد عربي، حتى ان فريق بايدن رفض طلب سفيرة سلمان لدى واشنطن ريما بنت بندر بن سلطان للقائها بهم مرتين.
خبراء ومراقبون سياسيون يرون أن الإدارة الأمريكية لن تنهي شهر العسل مع السعودية لكن هناك تغييرات مفاجئة تطرأ على مقاليد السلطة في الرياض كضمانة لبقاء الحليف والراعي داعماً كما في السابق للعرش السعودي وفق وصية عبد العزيز، يتزامن ذلك مع توجه واشنطن للحوار مع طهران العدو اللدود لإبن سلمان وربما العودة الى الاتفاق النووي مع وقف كل العقوبات على ايران مقابل تراجع الأخيرة عن كل الإجراءات التي اتخذتها خلال العام الماضي وبعد خروج ترامب من الاتفاق، مثل زيادة نسبة التخصيب ومنشأة آراك للماء الثقيل وغيرها.. هناك ثمة علاقات مؤسسية استراتيجية طويلة قائمة منذ قرن، ولا أحد يريد أن يكسر ظهر الجمل ويذبح البقرة الحلوب، ولإدارة بايدن رغبة ملحة في مواءمات وابتزازات جديدة تساعدها في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي المتدهور.
"ديفيد راندل" الرئيس السابق للبعثة الدبلوماسية بالسفارة الأمريكية في الرياض كشف النقاب من أن "محمد بن سلمان سيستخدم الإعتراف بإسرائيل ورقة يمكنه اللعب بها مع إدارة بايدن تفادياً من عواقب تعهدات الأخير ضده، وأن ورقة السعودية باعتبارها عملاق تصدير النفط والمشتري الرئيسي للسلاح الأمريكي سوف لن تحول دون مطالبة الرئيس الأمريكي الجديد بمحاسبة المسؤولين عن مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، وإنهاء الدعم الأمريكي للحرب على اليمن".. والذي تناغم قول "عبد العزيز صقر" رئيس مركز الخليج للأبحاث في الرياض من أن “ثمة مخاوف من أن تؤدي رئاسة بايدن الى تقليل التركيز الأمريكي على الشرق الأوسط، والى نهج أكثر تشددا تجاه السعودية والدول الخليجية”، مشيراً الى عرقلة صفقة طائرات إف – 35 للرياض والدوحة وأبوظبي.
"يا معشر الناس، لقد حان وقت الاختبار"، هكذا قال "جو بايدن" الرئيس الأمريكي الجديد في خطاب تنصيبه يوم الأربعاء الماضي قبل أن يسرد الاختبارات التي تواجهها بلاده ويختتم بـ "دور أمريكا في العالم". لتفسر "كيم غطاس" الزميلة غير المقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومؤلفة كتاب (الموجة السوداء) عن التنافس السعودي الإيراني كلام بايدن هذا بقولها: "لقد تعلم فريق بايدن مما حدث من أخطاء جسيمة في نهج إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط خاصة مع السعودية التي تم التضليل على انتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان على المستويين الداخلي والاقليمي، ويأخذون الأمور في اتجاه مختلف لأنهم تعلموا من الأخطاء، ولأن المنطقة اليوم هي مختلفة للغاية".
حوالي تريليون و400 مليار دولار حجم إستحلاب الرئيس الأمريكي المخبول والمنهزم "دونالد ترامب" من ضرع آل سعود خلال السنوات الأربعة الماضية، ذهبت كلها هواءً في شبك، حيث العرش لا يزال ليس بمتناول "محمد بن سلمان" والإدارة الجديدة قادمة لمعاقبته على إجرامه، والمعارضة داخل القصور الملكية يتسع نطاقها، وسلمان بات يفكر بتغييره مع أخيه الأصغر منه تفادياً للإنقلاب على مشروعه العمودي بدلاً من الأفقي في العرش، ويكون مصيره كمصير أخيه الأمير "مقرن بن عبدالعزيز" في أفضل الحالات خاصة وأنه لم يعد يملك ما لديه لتقديمه على طبق إخلاص لبادين، حيث خزانة الدولة مفلسة وبات أغنى بلد في العالم صاحب الخزين الكبير من الذهب الأسود يستجدي البنوك الداخلية والأجنبية للاستقراض.
"حسن حسن" رئيس تحرير مجلة نيو لاينز الأمريكية المعنية بالتركيز على أمن ومال وسياسة المنطقة الخليجية فقد قال: "إن الدبلوماسية النشطة من قبل بعض الأيدي القديمة التي خدمت في عهد أوباما والتي التحقت بإدارة بايدن، قد تكون ما تحتاجه المنطقة". وهذا ما يقلق قصر اليمامة كثيراً والتخبط أضحى واضحاً في سياسة الأب ونجله المعتوه بالإسراع في عقد قمة العلا للوصول الى "صلحة" روتينية حبر على ورق مع الجارة قطر التي لا تزال غير واثقة من أخوة يوسف وما فعلوه معها خلال أكثر من ثلاث سنوات عجاف مضت حتى حرموا شعبها من أداء فريضة الحج والعمرة.
فريق بايدن لا يرغب أبداً في التخلي عن الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 الذي يعتبر قصة نجاح نادرة للدبلوماسية المتعددة الأطراف قادها الرئيس الأمريكي الجديد عندما كان نائب رئيس البلاد آنذاك، ثم إنها ورقة ضاغطة ناجحة لابتزازات أكبر من دول مجلس التعاون وفي مقدمتها السعودية التي ترتعش فرائضها كلما تطرق الحليف الأمريكي للاقتراب من ايران والعودة للحوار بخصوص اتفاقية العمل المشتركة بين طهران ومجموعة دول 5+1، حيث يعتبره نجل سلمان كابوسه اليومي الذي كان قد نجا منه خلال إدارةت ترامب لكنه سرعان ما عاد ليزعزع استقراره وتذهب أضغاث أحلامه كزبد البحر- وفق مقالة لأحد أكبر أعضاء فريق بايدن في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
ارسال التعليق